روز اليوسف ـ كتب روبير الفارس
صلب المسيح كان أكثر نقاط الاختلاف.. والجانب المسيحى قال إن وجهتى النظر ربما تكونان أكثر قرباً مما ظهرتا عليه.. إذ إن المسيح انتصر على خصومه بقيامته وهو المعنى الذى أكده الإسلام
عندما يرتفع مستوى الحوار، تتلاشى فى المقابل مساحات الاختلاف «!!».. تنزوى بعيداً دون تأثير أو التفاف «!!».. إذ يرسم هذا الحوار - بكل دقة - تفاصيل جمهورية الحب، حيث يسكن «دين الحب» الذى نادى به «ابن عربى» أغلب طرقات مدائنها «!!».
وجمهورية الحب، هذه كان أن رسمها بكل عناية - رغم جرأة موضوعاتها - الكتاب الذى بين أيدينا الآن «حوار بين مسلم ومسيحى»، إذ يمثل هذا الكتاب تجربة حية لنبذ الطائفية دارت وقائعها فى «كينيا».
وطرفا التجربة هما بادرو كاتريجا أستاذ الدراسات الإسلامية ومقارنة الأديان فى جامعة «كيناتا» فى نيروبى وسفير أوغندا، لدى المملكة العربية السعودية.. وديفيد شنك وسبق أن عمل محاضراً فى مقارنة الأديان وتاريخ الكنيسة بنفس الجامعة التى يعمل بها «كاتريجا».. وهما صديقان مقربان، اشتركا فى حوارات دينية متنوعة لسنوات عديدة.
الكتاب الذى كتب مقدمته د. على جمعة مفتى الجمهورية، ود. منير حنا أنيس، مطران الكنيسة الأسقفية بمصر وشمال أفريقيا والقرن الأفريقى فضلاً عن قاضى قضاة كينيا.. ينقسم إلى جزءين: الجزء الأول شهادة إسلامية حول 12 معتقدا بالدين الإسلامى تعقبها تعليقات لاهوتية مسيحية.. بينما يتناول الجزء الثانى نفس المعتقدات تقريباً، لكن من المنظور المسيحي ويتبعها تعقيبات «عقائدية إسلامية».
* شهادة مسلم:
يقول بادرو كاتريجا فى الجزء الأول من الكتاب، فى فصل بعنوان «خاتم الأنبياء»: القرآن والنبى« صلى الله عليه وسلم» أكدا أنه «صلى الله عليه وسلم» ما هو إلا بشر، فليس هو إله ولا ابن إله ولكنه خاتم رسل الله، الذى أرسله ربه لهداية الناس، يقول تعالى: «قل يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعاً الذى له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون» «الأعراف: 158».
نتعلم من القرآن أن النبى «صلى الله عليه وسلم» جاء رحمة لكل مخلوقات الله، حتى لغير البشر: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» «الأنبياء: 107».
كانت رسالة محمد «صلى الله عليه وسلم» تكملة منطقية لكل صور الوحى السابقة، والله تعالى يؤكد من خلال القرآن. كون نبوته «صلى الله عليه وسلم» هى خاتمة النبوات، إذ يقول تعالى: «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شىء عليماً» «الأحزاب: 40».
فالله يرشدنا إلى أن محمد «صلى الله عليه وسلم» قد ختم سلسلة الأنبياء.
من يستطيع معارضة تعاليم القرآن؟ نؤمن نحن المسلمين بأن القرآن هو الحق المطلق، وحيث إن النبوة قد ختمت، فلا تحتاج العصور القادمة إلى أنبياء، ولكن أناساً أتقياء مجددين ومصلحين ومفكرين، وجاء تعليق «ديفيد» تحت عنوان «الرد من الجانب المسيحى» كما يلى: الفهم المسيحى لنبوة محمد يجب أن يحدد فى إطار شهادة الكتاب المقدس عن عيسى المسيح.. يتفق المسيحيون والمسلمون أن عيسى هو المسيح، وماذا يعنى كون عيسى هو المسيح؟ الشهادة الكتابية: هى أن المسيح هو إتمام لكل الآيات والأنبياء فيؤمن المسيحيون أنه هو المخلص، بل قال هو بنفسه «أنا هو الطريق والحق والحياة» «يوحنا 14:6».
لذلك يؤمن المسيحيون أن مجمع كل الحق هو يسوع المسيح، هذه هى شهادة الكتاب المقدس.
وهكذا عندما ينظر المسيحى إلى النبى محمد، يحتاج أن يحكم عليه فى ضوء الشهادة الكاملة للكتاب المقدس التى تبلغ قمتها فى يسوع المسيح، كون النبى محمد يقبل الشهادة الكتابية القيمة فى مجملها والأهمية البالغة العظيمة للسيد المسيح، وأن تشهد حياة وتعاليم محمد بالمعاناة، والمحبة الفادية التى ندركها فى السيد المسيح، فإن المسيحيين لابد أن يقدروا دور النبى محمد.
وعاد بادرو ليكتب توضيحاً من الجانب المسلم: المسلمون يحترمون المسيح عيسى احتراماً بالغاً، لكنهم مع ذلك لا يؤمنون أنه أفضل من كل الأنبياء، ويؤكد القرآن أن المسيح تنبأ بمجىء خاتم الأنبياء.
يقول القرآن إن المسيح جاء «مبشراً برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد» «أى اسمه أحمد أو محمد» «الصف:6».
ومن القضايا الشائكة التى جاءت فى شهادة مسلم محور «كتب الله» والذى أكد فيه بادرو أن جزءاً من أساس عقيدة المسلمين هو الإيمان بالكتب المقدسة الأربعة التى أوحاها الله والتى فقد منها الصحف وهى الصحف العشر المقدسة التى أوحى بها للنبى إبراهيم، ولكن للأسف هذه الصحف لا توجد بين أيدينا الآن، والتوراة وهى الكتاب المقدس الذى أوحاه لنبيه موسى عليه السلام والزبور «المزامير» هذا هو الكتاب المقدس الذى أوحاه لنبيه داود عليه السلام والإنجيل هذا هو الكتاب الذى أوحاه لنبيه عيسى عليه السلام. والقرآن وهو السفر المقدس الخاتم للبشر والذى أوحى الله به لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ويذهب ملخص هذا الفصل إلى أن المسلمين يؤمنون أن الله أوحى بكلمته لبعض الأنبياء والرسل لأجل هداية الناس. هذا الوحى لابد أن يتجدد كلما خبا إيمان الناس. جاء الوحى إلينا فى صورة كتب مقدسة، ولذا يتوجب علينا الإيمان بهذه الكتب، وآخرها هو القرآن، والحديث، وإن لم يكن كتابا مقدسا، لكنه هو مكمل للقرآن الكريم.
* الرد المسيحى :
المسيحيون والمسلمون أهل كتاب، وكل منهم يقدس كلمة الله. يحترم المسلمون الكتاب المقدس فى شكله الأصلى وبالأخص التوراة، والزبور، والإنجيل - وهذه الثلاثة متضمنة فى الكتاب المقدس.
تظهر قيمة هذه الكتب عند المسلمين من خلال التحذير القرآنى للمسيحيين واليهود بأنهم لا ينبغى أن يخفوا هذه الكتب، ولكن يظهروها للناس «آل عمران : 71» ونحن المسيحيين نشكر للمسلمين احترامهم للكتاب المقدس.
لكن يتعين على المسلمين والمسيحيين أن ينظروا بتأن لطبيعة ومعنى الوحى. أليس كل الوحى الإلهى له صبغة تجسدية ؟ ألم يُعبر بلغة بشرية ومن خلال شخصية بشرية ؟ والأكثر من ذلك أننا لابد أن نسأل أنفسنا : ما المعايير التى تحدد كون الكتاب هو من كلام الله.
يؤمن المسيحيون أن الحقيقة الأساسية للوحى الإلهى هى تجلى ذات الله، الله يظهر ذاته من خلال أفعاله، فالكتب المقدسة إذا هى إلهام إلهى نتيجة لتفاعل الإنسان مع التجلى الإلهى، فالمسيحيون لا يرون أن الوحى هو عبارة عن كتب مرسلة من السماء، ولكنه أيضا الكلام الذاتى لله الذى يظهر بذاته للناس، فهذا هو جوهر الوحى من منظور الكتاب المقدس.
يؤمن المسيحيون أنه من الأهمية أن يقبلوا ويؤمنوا برسالة الكتاب المقدس ككل، فلابد من قراءته كاملا حتى نفهم رسالة الله للبشر. لا يؤمن المسيحيون أن بعض الكتب جاءت لقوم معينين وفى فترة معينة، فالسيد المسيح كان يستشهد بالكتب المقدسة لأنبياء كثيرين فى عظاته وكان يحث أتباعه أن يفتشوا فى الكتب المقدسة. كل الكتب التى أوحى بها تنتمى لأصل واحد، نحتاج إلى كل جزء منها لكى نفهم وحى الله الكامل للجنس البشرى. ثم يعود بادرو ليكتب توضيحاً من الجانب المسلم.
ينبغى على المسلمين أن يؤمنوا بكل كتب الله التى أوحى بها للبشر. يؤمن المسلمون كذلك أن كل الجوانب الكونية فى الكتب السابقة قد لخصها القرآن. لقد حفظ القرآن كل جوانب الإرشاد الإلهى كما نزلت على النبى«صلى الله عليه وسلم»
* شهادة مسيحى :
فى الجزء الثانى من الكتاب الذى كتبه «ديفيد شنك» فى 12 فصلاً موازية لفصول العقيدة الإسلامية «ابن الإنسان - العبد المسالم - الحمل - ابن الله عمانوئيل «الله معنا» - الكلمة».. ويخلص إلى أن تجلى الله الذاتى، هو الكلمة.. وبالكلمة يتم الخلق. فى يسوع المسيح تجدد إعلان الله الذاتى الأبدى. والمسيح هو كلمة الله الحية الأزلية فى شكل بشرى والكتاب المقدس هو كلمة الله المكتوبة، فالمسيح هو التجسد الحى والأبدى والذاتى لكلمة الله. ويكتب بادرو الرد من الجانب مسلم قائلا :
المسلمون يكنون احتراما كبيرا للمسيح، فهو أحد أعظم أنبياء الله، ومن ينكر نبوته فهو ينكر الإسلام، ونؤمن أن المسيح ولد من العذارء مريم بإذن الله، ويشير القرآن إليه بأنه «ابن مريم».
يرشدنا القرآن إلى أن مجىء المسيح كان بشرى سارة «آل عمران : 45». يصف القرآن ميلاده فيقول:
«فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا». «مريم : 17-21»
من ناحية أخرى ينكر المسلمون بشدة الاعتقاد بأن عيسى «عليه السلام» كان لاهوتا أو أنه «ابن الله» وأساس هذا الاعتراض هو القرآن، يقول الله :
«ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل» «المائدة : 75»
يشهد القرآن أن عيسى «عليه السلام» أوصى بنى إسرائيل الذين أرسل إليهم أن يعبدوا «الله ربى وربكم» لذلك بالنسبة للمسلمين، عيسى «عليه السلام» كان بشرا مثل الأنبياء السابقين وليس هو تجسيدا للإله، ويوضح القرآن أن الله لم يلد ابناً وليس ثم إله سواه.
هذه هى النقطة التى يفترق عندها المسلمون والمسيحيون افتراقا كبيرا، فالقضية عقيدة إنسانية. يبدو أن وجهة النظر المسيحية تتوسط فى فهم سمو الله وسيادته، بينما فى ذات الوقت تقدس الإنسان الذى هو مجرد مخلوق ليكون فى حالة مشابهة لله. لكن الإسلام مع رفضه لفكرة التجسيد فإنه يؤكد على العلو المطلق لله ومكانة الإنسان الصحيحة كعبد وخليفة الله على الأرض.
ما يزيد الفجوة بين المسلمين والمسيحيين هو الصمت المسيحى وعدم الاعتراف بمحمد (عليه السلام) خاتم الأنبياء، وعدم الاعتراف بالوحى الإلهى «القرآن» الذى أوحاه الله إليه، مع أننا نجد أن ديدات أثبت ببراعة أن الكتاب المقدس نوه بمحمد- صلى الله عليه وسلم- كما فى سفر «التثنية 18: 18»، الذى يقول: «أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به». ويعود ديفيد فيكتب:
* توضيح من الجانب المسيحى:
يتفق المسيحيون مع المسلمين أن الله لم يلد ابنًا، لأن الاعتقاد بأن الله قد ولد ابنًا شر أثيم لأنه يعنى الشرك بل أكثر من هذا التجسيم، فالمسيحيون إذًا يقرون أن الله لم يلد ولن يلد. كون المسيح، ابنًا لله يعنى شيئًا مختلفًا تمامًا، هو يعلن علاقة تامة بين الله والمسيح، إن بنوة المسيح هى وصف للمحبة الكاملة والشراكة بين الله والمسيح.
يؤمن المسيحيون أن المسيح هو تجسيد لكلمة الله الأبدية، الله لم يلد كلمته، فكلمته أبدية، موجودة مع وجود الله، هى التعبير الذاتى الكامل لله، لابد من وضع مفهومى الكلمة والبنوة معا لفهم الشهادة المسيحية أن المسيح هو عمانوئيل، الله معنا.
وفى إطار شهادة المسيحى تعرض ديفيد لقضية الخلاص حيث كتب ديفيد أن الله- أبونا الذى فى السماء- خلقنا على صورته وهذا يعنى أننا نعيش البشرية الحقة عندما نعيش فى علاقة محبة مع الله، ابتعد آدم وحواء، بل جميعنا عن أبينا الذى فى السماء، ولكن الله لم يتركنا أبدًا عبر التاريخ كأن يدعو الناس مرارًا ليصيروا أهل عهد الإيمان أن يتوبوا ويدخلوا فى اختبار الفداء والخلاص لكن خطايانا دائمًا تمنعنا من الوصول لاختبار العلاقة الكامل مع الرب، لذلك ولكى يخلصنا ويفدينا من الخطيئة، دخل الله تاريخنا من خلال يسوع المسيح وقد كشفت حياة المسيح عن ملكوت الرب فى تاريخ البشرية، بمثابة إعادة الخليقة، وصلبه وموته أظهر محبة الله كتضحية كاملة عن خطايانا، ويأتى اختبار الخلاص من خلال قيامة المسيح.
* رد من الجانب المسلم:
ويعلق بادرو قائلا :
الخلاص فى الاعتقاد المسيحى قائم على بعثة وصلب يسوع المسيح، وهذا الرأى يناقض تمامًا الموقف الإسلامى.
وفقًا للإسلام، المسيح عيسى ابن مريم نبى عظيم من أنبياء الله، وقد أرسله الله ليسير على نهج الأنبياء ويؤكد الشريعة التى جاءت من قبله، أعطاه الله الإنجيل نورًا وهدى للناس، يقول القرآن:
«ورسولاً إلى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ومصدقًا لما بين يدى من التوراة» (آل عمران: 49- 50).
مثل الأنبياء قبله، كانت للنبى عيسى- عليه السلام- معجزات، فكان يشفى المجنون والأعمى والأبرص ويحيى الموتى، جرت له هذه المعجزات بإذن الله، لقد كانت دليلاً على صحة رسالته، هذا الدور المهم الذى أداه نبى الله عيسى لا يجعله ابنًا لله ولا تفرده بدور مخلص البشرية الأوحد.
فالنبى عيسى- عليه السلام- عبدالله ورسوله، يقول القرآن:
«إن كل من فى السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدًا» (مريم: 93).
الشهادة المسيحية بأن الإنسان يُغفر له بسبب المسيح لا تتفق والعقيدة الإسلامية، نهاية النبى عيسى على الأرض يكتنفها بعض الغموض، ولذا يفضل المسلمون ألا يذهبوا أبعد مما يوضحه القرآن بهذا الشأن، فالقرآن يخبرنا:
«وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما لهم به من علمٍ إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينًا» (النساء: 157- 158).
وفقًا للعقيدة الإسلامية لا يمكن القول أن المسيح مات خلال عملية الصلب المشينة هذه، فالله العدل لا يدع المسيح الصالح يقاسى هذا العناء بهذه الطريقة، المسلمون يؤمنون أن الله نجى عيسى من عار الصلب، كما نجى خاتم رسله مما حدث له فى أعقاب الهجرة.
والأهم من هذا أن الإسلام لا يعترف بالاعتقاد المسيحى أن الإنسان بحاجة إلى الفداء، الإيمان المسيحى بالخلاص من خلال موت المسيح الذى كان بمثابة التضحية لا يتفق والعقيدة الإسلامية التى تقر أن الإنسان صالح فى أصله، وأن الله يحب أن يغفر لمن يستجيب لأمره.
الإسلام هو سبيل السلام، وجهة النظر الإسلامية والتى غالبًا ما تناقض الوجهة المسيحية بهذا الصدد، هى أن الإنسان يعيش السلام من خلال الاتباع التام لهداية الله ورحمته؛ عيسى- عليه الصلاة والسلام- والذى لا يختلف عن بقية الأنبياء، ومحمد- عليه الصلاة والسلام- خاتم أنبياء الله هما نموذجان لرحمة الله للبشرية.
يوضح «ديفيد» قائلاً: ربما تكون وجهة النظر المسيحية والإسلامية بخصوص الصلب أكثر قربًا مما تظهر على السطح، يؤكد الإنجيل أن يسوع بذل حياته، فقد قال:
«لهذا يحبنى الآبُ، لأنى أضعُ نفسى لآخذها أيضًا. ليس أحدٌ يأخذها منى، بل أضعها أنا من ذاتى، لى سلطان أن أضعها ولى سلطان أن آخذها أيضًا، هذه الوصية قبلتها من أبى» (يوحنا 10: 17-18).
كان صلب المسيح دراما ظهرت فيها قمة التضحية بالنفس، المسيح هو الذى بذل حياته، لا يوجد أحد يقدر أن يأخذها منه، لأن أحدًا لا يقدر أن يقتل كلمة الله الأبدية، فرغم أنه بذل حياته حتى الموت على الصليب على أيدى الأشرار، لم يقدروا أن يقضوا عليه، فقد قام من القبر، وبالتأكيد يتفق المسيحيون أن الموت لم ينتصر على المسيح، فى قيامته انتصر هو على الموت.
ويختتم المؤلفان الكتاب بهذه السطور المهمة:
كل من الإسلام والمسيحية ديانة حية لديها رسالة لكل البشر، وهذا الكتاب يسلط الضوء- وإن كان بصورة مختصرة- على بعض القضايا الأساسية التى توحد المسلمين والمسيحيين معًا أو تفصلهم فى عبادتهم لله وشهادتهم بين الناس.
ندين نحن المؤلفين بالولاء لكل المعتقدات التى نشترك فيها، ونؤمن جميعًا بإيمان إبراهيم ونسعى أن نفهمه ونعيش وفق ما دعا إليه، نؤمن أن الإيمان يحتاج إلى إيضاح من خلال شهادة الأنبياء والرسل والآيات الكتابية، ونحن نؤمن أن الوحى ليس اختراعًا بشريًا ولكنه هبة عظيمة من الله للبشر، ونؤمن أن التاريخ وراءه مغزى، فهناك الآخرة، ونؤمن بالبعث، وأن كل ما فى الكون هو من عند الله السيد، الخالق البر العلى، كل منا يؤمن أن الله يوصى شعبه بأن يشهدوا لدينهم وأن يدعوا غير المؤمنين للتوبة والدخول فى جماعة الإيمان.
بينما نشكر ونؤكد الإيمان الذى يوحدنا، لكننا نعترف أن عقائدنا تختلف فى نقاط مهمة، فالشهادة الإسلامية هى أن القرآن هو وحى الله الخاتم والقاطع المعبر عن إرادة الله لخلقه، بينما الشهادة المسيحية هى أن يسوع المسيح هو كلمة الله الحية فى صورة بشرية، بالنسبة للمسلم، القرآن هو معيار الحق، أما بالنسبة للمسيحى فالشهادة الكتابية الكاملة التى تبلغ ذروتها فى المسيح هى معيار الحق، كل ما يدين به المسلمون والمسيحيون عن البشر، والله، والخلاص، والهداية، والبر، والوحى، الآخرة يتحدد من خلال هذه الالتزامات.
من خلال حوارنا، أدركنا وجود مساحات تكمل فيها معتقداتنا بعضها البعض، ونحن شاكرون لهذه النقاط المشتركة، ولكننا فى نفس الوقت ندرك وجود اختلافات رئيسية، نحن متفقون أن الله رحيم محب لكن السؤال الأساسى هو: كيف يعبر الله عن محبته ورحمته؟
فى الإسلام، رحمة الله يعبر عنها من خلال شريعة الله الكاملة، أما فى الإيمان المسيحى فمحبة الله يعبر عنها فى المحبة الفادية والآلام فى حياة وصلب وقيامة يسوع المسيح، هذه ليست اختلافات سطحية فهى تتناول أساسيات معنى الوجود البشرى، ويستحيل أن يعلن المسلمون والمسيحيون أن هذه الاختلافات ليست لها أهمية.
طبيعة القضايا اللاهوتية عميقة جدًا لدرجة أن الأسئلة موضع الخلاف لا يمكن فهمها بطريقة صحيحة أو حلها عن طريق مجادلات اقتراحية أو إيجابية منطقية، حوارنا من أجل الوصول للحق يجب أن يسير على مستوى الواقعية الكاملة، الواقعية التى تغوص فى معنى الوجود البشرى أكثر عمقًا من العقلانية المجردة.
نحن متفقون فى هذا، فالحق هو كلمة الوحى المصدق عليها من الله، هذه النقطة المتفق عليها لابد أن تكون نقطة البداية التى نتفق ونختلف عليها، هل الوحى هو كتاب أم أنه شخص؟ هذه القضية لا يمكن حلها بالجدال، طبيعة القضية الأساسية تتطلب الصبر، والشهادة من كل فريق لعقيدته.
ومع ذلك نحن نؤمن أن الألم الذى سينتج عن هذه الاختلافات لاينبغى أن يمنعنا من الاستمرار فى الحوار، القضايا التى تُفرقنا يجب ألا تبنى فواصل من العداء تجعلنا نتوقف عن الحوار، إذا كنا بالفعل نريد أن نصل للحق والفهم العميق لبعضنا البعض فيجب علينا أن نواصل الحوار، ولابد أن يسير الحوار على عدة مستويات، كان هذا الكتاب عبارة عن حوار مكتوب، هناك مستويات أخرى للحوار لا تقل أهميتها عن هذا العمل، ولعل أهم مستويات الحوار هو حسن الجوار، يجب أن نتعلم أننا أصدقاء، يجب أن ندعو الله، سائلين العون والمساعدة فى بناء جسور المحبة بين مجتمعاتنا، يجب أن نتعلم حوار المحبة والغفران والاحترام وحسن الجوار والاستماع والشهادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق