الاعلام الديني في قفص الاتهام

فجأة ارتدي معظم الدعاة علي الفضائيات ثوب السياسة معتقدين ان ما حققوه من شعبية يمكن ان يؤهلهم لحديث السياسة الشائك والملتبس ،لم يجد هؤلاء مشكلة في الافتاء في الانتخابات والأحزاب والدستور وتقمص كثير منهم شخصية المحلل النفسي لمشاكل المجتمع ليصبح وجها مكررا في كل القنوات وتقل مصداقيته، فهل اختفت البرامج الدينية؟ ولم يقبل عليها المشاهد، فبحث الدعاة عن محطات اخري ليظلوا في الصورة؟ ام اصبحت السياسة هي الورقة الرابحة التي يلعبون بها؟ وهل غاب الاعلام المسئول عن التعريف بصحيح الإسلام في ظل الاهتمام بالسياسة؟!
د. أحمد عمر هاشم يقر بتراجع الإعلام الديني بعد الثورة ويري ضرورة أن يكون الخطيب أو الداعية عالماً بكل الأمور من منطلق أن الإسلام يبحث كل القضايا المتعلقة بالدين والدولة ويقول: الإعلان الديني كان يبحث في علوم الإسلام بشكل مكثف سواء في البرامج التليفزيونية أو الصحف.. في حين أننا نحتاجه حالياً أكثر من ذي قبل بحيث تتسع رقعته حتي يكون هناك تصحيح للمفاهيم الخاطئة وحل للمشكلات المعاصرة وترسيخ لدعائم الوحدة الوطنية، فيجب أن تضاعف الفضائيات الجرعة الدينية خاصة أنها مطلوبة لزيادة الوازع الديني في نفوس الناس من أجل مضاعفة العمل والإنتاج والتنمية، خاصة أن الضمير الديني له أكبر الأثر والتأثير بشكل يفوق القانون نفسه.
أداة تقويم
د. آمنة نصير (أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر) تشاركه الرأي وأن الثورة والكلام في السياسة والدستور ثقافة اجتاحت الشعب المصري الذي كان لا يبالي بمثل هذه الأمور وتقول: هذه المسألة تنطوي علي جانبين أحدهما إيجابي بسيط والآخر سلبي وهو الأكبر خاصة أن مثل هذه القضايا لها أصولها العلمية والسياسية والفكرية، وعندما تكون مباحة لأي كلام وأي رأي وأي فكر فهنا موطن الخطورة، وهذا الأمر امتد إلي الخطاب الديني حتي أن رجل الدين لم يعد يعبأ بوليمة المشاهد الذي كان يستهدفه من قبل، بل راح ينساق وراء هذه المعارف بل وانجرف فيها، ومن هنا جاء انحسار الخطاب الديني المعهود والمعتاد وأصبح الخطاب الديني ممزوجاً بالسياسة والرؤي، وهو أمر كان يمكن أن يكون جيداً لو خرج الخطاب الديني من رغبة الجماهير وأخذ رأي الموجه أو المعلم وإنما انساق الخطاب الديني وراء خطاب العامة وهنا يجب أن نطلق الإنذار.
وتري د. آمنة ضرورة أن يهتم الخطاب الديني بقضايا الشارع والمجتمع بشرط أن يكون في لغة سليمة وفكر قويم ويعمل كأداة لتقويم المجتمع الذي يهم رأي الدين في مثل هذه القضايا.
وتواصل: فكنت أود من الخطاب الديني أن يحمل هذه المسئولية علي عاتقه وأن يكون منوطاً بإدارة دفة المجتمع إلي طريق مستنير كاشف للحقائق موضحاً للقضاء ولو فعل ذلك لكانت فرصة ذهبية لجمع شمل المشاهد.
دعوة للتشتت
د. عبدالمعطي بيومي (عميد كلية أصول الدين الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر) يتفق مع سابقيه ويضع الالتزام بالحيادية في الآراء ووجهات النظر شرطاً لهذا الاتفاق وإلا فالصمت أفضل، ويقول: الثورة لفتت أنظار الشعب كله ونقلته من السلبية وعدم التدخل واللامبالاة إلي المزيد من التدخل والعناية بالشأن العام وهذا شيء محمود، وفي رأيي أن الداعية عندما يتحول إلي سياسي فهذا شيء مطلوب ولكن يجب عليه ألا ينحاز إلي تيار أو مذهب، بل يركز علي حقائق الإسلام العامة، فلا يتبني مذهباً يدعو إليه إنما يتبني القوانين الإسلامية العامة التي يشاركه فيها الجميع، وبهذا يتحول الإعلام إلي إيجابي لأنه يعمِّر ولا يخرِّب، يجمع ولا يفرِّق.. إنما المشكلة أنه عندما يتحول الداعية إلي سياسي فإنه يدعو إلي نفسه ولمذهبه هو بنظرة ضيقة ومحدودة، وهو ما يثير التيارات الأخري ويقلبها ضده، وبالتالي يتحول إلي الدعوة للتفرق، فالحيادية والتركيز علي الحقائق المشتركة بين المسلمين هو المهم كما يقول القرآن الكريم »آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌ آمن بالله وملائكته وكُتبه ورُسله لا نُفرِّق بين أحد من رُسله«.
سألنا د. بيومي: ألم يكن أفضل أن يترك الدعاة هذا الشأن لمتخصصين فقال إذا لم يستطع الداعية الالتزام والحيادية فالصمت أولي.. فإذا كان السلفي مثلاً يدعو إلي السلفية بتصوره هو عنها وقد يكون مخطئاً وكذلك الصوفي الذي قد يخطئ مفهومه عن التصوف أو أصحاب المذاهب الأخري إذا كانوا يدعون إليها بمفهومهم فإن ذلك يستفز الآخرين فلا نجني جميعاً إلا الخلاف.د. سامية الساعاتي (أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس وعضو المجلس الأعلي للثقافة) تؤكد أن المسألة تحولت إلي تجارة لدي بعض الدعاة الذين ارتدوا ثوب السياسة مؤخراً - كما تقول- وتؤكد أن هؤلاء المتحولين فقدوا مصداقيتهم لدي المشاهد وتقول: لا أعتقد أن هذا التحول يفيد المشاهد فنحن نحتاج إلي متخصصين، فلا يصح أن الذي تحدث الأمس بالدين يتحدث اليوم بالسياسة خاصة أن النظرة الجديدة في العالم كله قائمة علي التخصص، وأعتقد أن الشباب يدركون هذه الحقائق جيداً وبالتالي لم تعد هناك مصداقية لهؤلاء لديهم خاصة أنه تحول مصطنع وتجاري، فهذه »الوشوش« تبحث عن المادة فإذا كان الدين اليوم لا يلاقي رواجاً فإنه يبحث عن الأحزاب ومواصفات الرئيس الجديد والتفاصيل الأخري عملاً بالمثل القائل: »اللي تغلب به العب به« وأعتقد أن من يتحدث بالسياسة يجب أن يكون له باع طويل فيها مثل هيكل وغيره وألا يعتنقها فجأة.
وتضيف د. سامية: في هذه الحالة يكون الداعية أو رجل الدين قد فقد مصداقيته في الاتجاهين، وهؤلاء في رأيي ليسوا إلا كروتاً محروقة كشفها الشباب خاصة أن لديهم قدرة فائقة علي التحول، ورغم ذلك فإنني لا أخشي علي الشعب المصري من هؤلاء »المتحولين« لأنه لماح وذكي بشكل كاف يمنحه القدرة علي كشف آلاعيبهم، وبالتالي يكون عمرهم قصير.
تدين بالفطرة
د. إيمان صبري (أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة الفيوم) تتفق علي غياب الإعلام الديني وإن كانت لا تخشي العواقب خاصة أننا شعب متدين بطبعه- كما تقول- وتؤكد أن الاهتمام أصبح تبادلي، وتقول: المشاهد يحتاج دائماً للبرامج الدينية، وفي ظل ظروف الإحباط والضيق والاكتئاب فإننا نلجأ إلي الدين خاصة أننا شعب متدين، والدين وسيلة لتفريغ الهم والغم، ولكن الآن وفي ظل أحداث متلاحقة ومتغيرة أصبح الإعلام الديني في المرتبة الثانية بدلاً من الأولي.. فما يهمني حالياً حينما أنزل الشارع هو السرعة والإشارات وزمن الوصول نتيجة للمظاهرات التي تعيق السير في معظم الطرق ومن الممكن خلال الطريق أن أسمع موعظة أو برنامج ديني.
سألت د. إيمان عما إذا كان محتملاً أن يؤثر غياب الإعلام الديني علي سلوكيات المواطنين فقالت: نحن شعب متدين بطبعه، يميل إلي التقليدية والمحافظة علي الدين لكن الاهتمام أصبح تبادلياً ولم يعد الدين رقم »1« فالدعاة يحاولون حالياً أن يعيشوا بروح العصر وأن يقولوا وجهة نظرهم بنظرة حياتية فلا يجوز أن يكون الداعية بعيداً عن الأحداث.
طبيعة المرحلة
أما الإعلامي ومقدم البرامج الدينية تهامي منتصر فيرفض فكرة حدوث أزمة في الإعلام الديني ومكانته علي الساحة ويضرب مثالاً بقناة »أزهري« التي يعمل بها ويقول: القنوات الدينية مازالت تمارس عملها بشكل طبيعي، وحتي التي كانت قد توقفت أيام أنس الفقي وزير الإعلام السابق مثل قنوات »الناس« و»الرحمة« عادت بعد الثورة كما كانت، عدا أنها استفادت من أخطاء الماضي فوضعت لنفسها حداً قبل التجاوزات حتي لا تدخل في المحظور.. كما دخلت الرحمة مع فرنسا عند سب اليهود، لكن تبقي البرامج كما هي، والمتحدثون لم يتغير منهم أحد وكثير من الوجوه الدينية التي تظهر في الميدان ليسوا أصحاب قنوات بل مجرد متحدثين في هذه القنوات، فظهورهم في الميدان لا يعني ابتعادهم عن البرامج الدينية، ومثال ذلك- والكلام لمنتصر- قناة أزهري التي تعمل 42 ساعة وتقدم أكثر من ثلاثين برنامجاً يومياً متنوعاً من مختلف مناحي العلم الديني فقه وسيرة وحديث وقصص الأنبياء وتعليم وتحفيظ القرآن، كما أن الضيوف جميعهم من علماء الأزهر.
ويواصل تهامي منتصر: صحيح أن البعض ارتضي لنفسه أن يكون واحداً من السياسيين مثل صفوت حجازي لأنه نزل الميدان ويحضر مؤتمر الحوار.. أما البرامج الدينية فتذاع بشكل طبيعي ربما حدث نوع من معايشة المرحلة ولكن ذلك بحكم الواقع الحالي، ولكن داعية آخر مثل الشيخ محمد حسان مثلاً لم ينزل الميدان ولكن أحياناً تستدعيه القوات المسلحة للتحدث إلي السلفيين وما إلي ذلك.. أما عمرو خالد فقد يكون في ذهنه وبالاتفاق مع الإخوان قد يكون له مشروع ويعد لأن يكون له دور من خلال حزب يحاول أن يجد لنفسه فيه منصباً ما.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق