كان غلاف الإنجيل، من الورق المصقول اللامع، يحمل رسماً تعبيرياً: عن شخص يصارع اليم المتلاطم في الظلام، وآخر يحمل مصباحاً مضيئاً مقترباً إليه، محاولاً نجدته!
ما ان رأى الخال، الذي كان ولياً لأمري، هذا الغلاف؛ حتى صاح بعين الغضب: "هذه هرطقة"!
عندما سمعت هذه الكلمة، في حداثة سني، لم أكن أعرف وقتها، انها تستخدم لوصف رؤية لا تتوافق مع الراسخ في العقيدة، أي أنها محدثة. وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.. كما يقول اخوتنا في الوطن!
لكن تعبيرات وجهه الصارمة، ولسان حاله الذي يلهث، قائلاً: "يا داهية دقي"، انبئتني: ان هذه المفردة، لابد انها تعني أن جرماً لا يغتفر، قد اقترفته دار النشر، وانني مشارك معها في الجرم ذاته؛ ربما لكوني استلمت منها هذه الهدية، التي لم يكن لي الخيار في اختيار غلافها؛ فقلت في نفسي: "رحت في داهية"!
في ذلك اليوم، الذي لوّنه الخال بالسواد، فهمت، ولكن بعد فوات الأوان، أنه كان يجب أن يكون غلاف الإنجيل أسوداً، بلون الوقار!
وربما نوعاً من التعاطف مع حروف الإنجيل السوداء، التي مع انها سوداء، إلا انها تضيء القلب، والعقل، والحياة كلها!
وبالتأكيد لأن اللون الأسود، هو نوع من الحداد على تفكيره، وتفكير غيره، الذي يرقى إلى التكفير!
ولطالما سألت نفسي، بعد هذه الحادثة، وكلما تصادم رجال الدين مع الفن، هذا السؤال: ما علاقة الفن بالمصائب التي تحل على مبدعيه، ومريديه، ومحبيه؟!..
فإذا بي اكتشف أن الداهية اسم من اسماء الفن، وما دام اسم الداهية عليه، فسيظل الفن آخذاً بمرتكبيه من أقصر طريق، طارحاً اياهم في ستين داهية!...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق