قراءة في "حادثة" الجامعة الأنطونية وما اليها/ غسان حجار

لا أعترض على طلب طلاب مسلمين شيعة، ينتمون الى "حزب الله"، السماح لهم بأداء واجب الصلاة في حرم الجامعة الأنطونية. فالصلاة واجب، وكلّنا مؤمنون، نقر بأهمية الصلاة، كصلة ما بين الخالق والمخلوق، بشروط الصلات والعلاقات القائمة بين البشر، بين الإنسان ومثيله في الطبيعة. ان تكون باباً الى لقاء الله من خلال الآخر، فأنت تصلي. أما عندما تتحول صلاتك تحريضاً ونكاية وباباً الى قسمة البشر وانقسامهم وتقاتلهم، فهي تسمى ظاهراً صلاة، لكنها في حقيقتها قطع الصلات والأرحام، والتعرض لقيمة الهية انسانية نستهدفها من خلال الصلاة. تماماً كما هو الله، (ودياناته السموية)، قيمة جامعة لا تفرق، أو هكذا يجب ان تكون، وقيمة محبة لا تكره، وقيمة تسامح لا تبغض، وقيمة حياة لا تقتل.
حق الطلاب في الصلاة لا نقاش فيه، إن في الجامعة أو في خارجها. كذلك حق الجامعة في فرض قوانينها، أمر لا لبس فيه ولا نقاش حوله. أنا، على إيماني العميق بالمسيح، أحب رؤية المسلم يصلي في معبده من دون ضجيج، ومكبرات صوت لا تمجد الله بل تزعج المحيط. تماماً كما يفعل ميكروفون الكنيسة بالنسبة للقاطنين في الجوار، خصوصاً صباح الأحد عندما تكون "النومة" ممتعة بعد سهر طويل امتد الى الصباح.
وانطلاقاً من اقتناعي بحقوق الإنسان، كل انسان، أدافع عن حق المسلمين بالصلاة، ان في الجامعة الأنطونية أو اليسوعية، وحتى في الكسليك. لمَ لا؟ وهل مسيح المؤسسات يخاف صلاة المسلم؟ أليست لقاء مع رب الأكوان، وان اختلفت الطريقة؟ في إيماني قبول للآخر، ودفاع عن حقه.
لكن ثمة ما يناقش عقلانياً (وان كانت مساحة العقل تتراجع في هذا الزمن وتساهم الطوائف والأحزاب في وأدها) وثمة أسئلة لا بد من الإجابة عنها، لأن الحق لا يتجزأ، وهو للمسيحي وللمسلم، وأيضاً لليهودي، وخصوصاً للملحد لأنه انسان بحقوق أيضاً، اذ لا يجوز للمؤمنين رجم الملحد واعدامه.
الأسئلة الملحة في هذا المجال عن الحقوق التي لا تتجزأ. في القول الشائع "لا يموت حق وراءه مطالب" عرض لمطالبة، هي غير التحدي والنكايات، وعدم احترام خصوصيات الآخر، ونقض الأنظمة ومخالفة القوانين. فكل حق يقابله واجب. ونيل الحق يقابله حق مماثل. فهل من يجيب عن الأسئلة، أو بعضها؟
- لماذا يطالب مفتي السعودية بهدم الكنائس في الجزيرة العربية، فيما يدعو الى تعميم بناء المساجد في الغرب ذي الطابع المسيحي؟ هل له حق في ذلك؟
- لماذا يغادر النواب الإسلاميون في مصر مبنى المجلس لدى الوقوف دقيقة صمت عن روح البابا شنودة الثالث ويتهمونه بأنه رأس الكفر؟ ولماذا تأخير المعاملات لبناء كل مؤسسة للأقباط؟
- لماذا تتحول قضية الحجاب في فرنسا العلمانية أزمة وطنية وأممية، فيما تلزم المرأة الحجاب في السعودية ودول أخرى؟ ويفرض الصيام على غير المسلمين، ويمنعون عن ممارسة حياتهم العادية؟
- ثم، هل تقيم الجامعات الإسلامية في لبنان مكاناً لصلاة المسيحيين أو للعمل الرعوي الجامعي الكنسي؟ وهل تحترم أوقات الصلاة والصيام لهؤلاء؟
ان "المعاملة بالمثل" أمر ضروري في مجتمعات لا تقيم وزناً لموضوع حقوق الإنسان والشرعة العالمية حولها... لننطلق من هذا المبدأ، أي المعاملة بالمثل، فتصبح الأمور سهلة المنال، فلا يضطر أحد للدفاع عن حقوقه، لأن المواطنة والمساواة تحكمان الجميع حينذاك. أما القول الذي سمعته من أحدهم أمس "لكن على تلك الجامعات البدء بتطبيق هذه الحقوق لتعميمها والتدريب عليها" فقول مردود، في رأيي، لأن تجارب الماضي في هذا المجال لم تكن مشجعة، وما كان بالأمس محاولة صار تنازلاً وانهزاماً. ما هكذا تعالج الأمور، أي بحسن الكلام من دون خطوات عملية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق