العجيبة 2 من عجائب القديسة مريم

العجيبة 2
رجل غني جداً، لحق شهوات الجسد، فبدد ثروته بالطيش واللهو، الى أن وقع في ضيق عظيم، فاستصعب الأمر كثيراً، ولكن زوجته العفيفة التقيّة تحمّلت ظلمه، وتمسكت أكثر بإيمانها وحبها لشفيعتها مريم البتول.
وفي يوم من الايام، قرر هذا الرجل المتهوّر أن يبتعد عن قريته، كي لا يشارك أبناءها العيد، فقرر الذهاب الى عند أصدقائه في قراهم النائية، وبينما هو جالس لوحده، أتاه رجل فارسي ذو منظر مخيف، وسأله:
ـ ما بالك تبدو كئيباً وحزيناً يا هذا؟
فأجابه بصوت مرتعش:
ـ كنت غنياً جداً، أملك المجد والفرح، والآن ضربني الفقر كما ترى.
فقال له الفارسي:
ـ ان كنت لي مطيعاً، وهبتك كل ما يسرّك.
فأجابه:
ـ ان كنت صادقاً فيما تقول، فأنا تحت أمرك.
فقال له الفارسي:
ـ امضِ الى البيت، واحفر في الموضع الفلاني، تجد من الذهب والفضة والجواهر كل ما تشتهي نفسك. ولكن عليك أن تفعل شيئاً من أجلي..
فسأله:
ـ وما هو؟
ـ أن تحضر لي زوجتك.
فرضي الزوج بذلك، وافترقا بعد أن صمّما على اللقاء في يوم من الايام لاتمام ما اتفقا عليه.
عاد الرجل الى بيته، فوجد من الجواهر أكثر مما كان يتصوّر، فطرح حزنه جانباً، وراح يشتري الحقول والقصور، ويتنعّم بثروة هائلة أكبر بكثير من ثروته السابقة التي ضيّعها بالعربدة والطيش.
وفجأة، اقترب اليوم المحدد للقاء، فاصطحب زوجته الى المكان المتفق عليه، والخوف يجتاحها دون أن تبدي تذمراً، بل راحت تصلي لرفيقة حياتها الأم البتول، وتطلب حمايتها، وتقول:
ـ أيتها الأم الحنونة، ردّي عنّي كل خطر، وكوني لي حصناً يحميني من أعدائي، واحمي شرفي، واستري عليّ من الان والى ابد الآبدين آمين.
وبينما هما يسيران الى لقاء ذلك الفارسي التعيس، رأت كنيسة، فنزلت عن الحصان ودخلت اليها لوحدها، دون أن يرافقها زوجها.
هناك، راحت تبكي وتبتهل للأم الحنونة مريم، الى أن داهمها النعاس، فنامت، وهي ساجدة تحت أيقونة العذراء.
عندئذ، حدثت العجيبة، اذ نزلت الأم القديسة من عليائها، واتخذت شكل امرأة الغني، بلباسها، بنطقها، بحركتها، وسارت معه الى لقاء الرجل الفارسي، الذي ما أن وقع نظره عليها، حتى اعتراه رجفان شديد، وكاد أن يغمى عليه من شدة الخوف، وصاح بصوت عالٍ:
ـ أهكذا تكافئني أيها اللعين؟ لقد وهبتك المال الكثير من أجل الحصول على زوجتك، يعد أن وافقت على ذلك، فإذا بك تأتني بهذه المرأة التي أشهد وأقر بأنها أم الله الطاهرة. كنت أود الانتقام من زوجتك المتعبدة الصالحة، لكثرة صلاتها وابتهالاتها، فإذا بي أقف أمام سيدة العالمين مريم العذراء. فالويل لي، سترسلني الى النار الجهنمية حيث رفاقي الشياطين.
فزجرت السيدة البتول إبليس، وأمرته أن يعود الى مكانه الجهنمي. ثم التفتت الى الرجل الذي خرّ ساجداً أمامها، طالباً منها السماح والتوبة، وقالت له:
ـ عد الى بيتك، وارجع للشيطان ما قد أخذت منه، وتمسّك بخوف الله، انه الكنز السماوي الذي لا يزول.
وما أن أتمت كلامها المقدّس، حتى غابت عنه، فرجع المسكين الى الكنيسة التي ترك بها زوجته، وهو يبكي من شدة الأسف، فوجدها راكعة تصلي. 
وفي طريق عودتهما الى قريتهما أخبرها بكل ما حدث، وكيف أنقذتهما الأم الحنونة من براثن الشيطان. واتفقا على أن يتفرّغا للعبادة والصلاة طيلة أيام حياتهما.
**

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق