إمرأة وثنية حبلى، جاءها الطلق عدّة مرات دون أن يخرج الجنين من أحشائها، لقد كانت ولادتها عسيرة للغاية، فتألمت كثيراً وكادت أن تزهق روحها. فأشفقت عليها جارتها المسيحية المؤمنة، وهمست بأذنها:
ـ إن أردت الخلاص، آمني بالسيدة العذراء، واستغيثي بها كي تحدث الولادة.
فصاحت للحال بصوت متوجّع:
ـ أيتها الأم المباركة مريم الدائمة بتوليتها، أتضرّع إليك أنا الوثنية النجسة التي لا تجوز عليها الشفقة، ولكن ابنك الحبيب يسوع المسيج نزل من السماء من أجل خلاص جميع الناس، ولقد أخبروني عن رحمتك وتحننك، فأطلب منك أن تخلصيني من هذه الشدة، وأعدك متى ولدت أن أعمد طفلي.
وما أن نطقت العبارة الأخيرة، حتى ولدت طفلاً ذكراً، وبعد أيام ذهبت الى الكنيسة وطلبت من الكاهن أن يعمّدهما، هي وطفلها، في وقت واحد، وميرون واحد.
حصل كل هذا وزوجها كان في سفر، وعندما عاد وعلم بما حدث، ذبح الطفل أمام أعين جيرانه، كي يغيظهم ويحرق قلب زوجته على طفلها، فلحقوا به كي يمسكوه ويسلموه للحاكم، فهرب منهم واختبأ داخل إحدى الكنائس. هناك وجد نفسه وجهاً لوجه أمام أيقونة السيدة العذراء، وبدون إدراك منه ركع أمامها وراح يبكي ويطلب المغفرة، ويقول:
ـ أيتها الأم القديسة، أنا لا استحق رحمتك، ولا معونتك، كوني ملحداً، وها قد قتلت ابني دون شفقة، فأرجوك أن ترحميني كما رحم ابنك بولس الرسول الذي اضطهد أبناءك، وأن تغفري خطاياي، لكي أستحق الاعتراف بك وبألوهية ابنك يسوع، مخلص العالم.
وبينما هو يصلي بحرارة، دخل جيرانه وأمسكوه، وقبل أن يسلموه للحاكم كي يقطع رأسه، كما قطع هو رأس ابنه، طلب منهم أن يسمحوا له بتقبّل سر المعمودية، وبعدها افعلوا بي ما شئتم، على حد قوله.
وبعد أن اعتمد، كما طلب، جرّوه الى قصر الحاكم، ليحكم عليه بالعدل، فحوله الى السجن لينظر بأمره في الغد.
وعندما سمعت الزوجة أن الحاكم مزمع على قتل زوجها، راحت تبكي وتستغيث بأم الرحمة، مريم العذراء، وتطلب منها أن تحيي ابنها، كي تخلّص زوجها من الموت المحتم.
ويا لها من عجيبة، فإذا بالطفل يتحرّك بين يديها، وتدب الحياة في جسده الصغير، فما كان منها إلا أن حملته، وركضت به الى قصر الحاكم وهي تصيح:
ـ اطلقوا سراح زوجي.. ابني حي.. ابني حي.
فتعجّب الجميع عندما رأوا الطفل يضحك، بعد أن أحيته أم المخلص، فمجّدوا الله وشكروه على عجائبه الكثيرة.
وما أن أطلقوا سراح الوالد حتى ركض نحو طفله، وراح يمرر يديه على الجرح الباقي حول رقبته، وهو يبكي ويشكر الله.
ولكي تزيد أم الرحمة من عجائبها، أعطت الطفل نعمة الكلام الفصيح، كابن عشرين سنة، فراح يخبر الجمع عن عظمتها ويقول:
ـ والدة الإله مريم هي التي أحيتني من الموت، بعد أن آمن والدي وتقبّل سر المعمودية.
وبسبب هذه العجيبة اعتمد الكثير من الوثنيين، وراحوا يبشرون بفضائل وعجائب السيدة مريم العذراء.
**
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق