العجيبة 9 من عجائب القديسة مريم

كان في مدينة روما رجل غني وفاضل جداً، أدرك بإيمانه القوي أن الدنيا وما فيها من أملاك وملذات تزول مثل المنام، لذلك قرر الترهّب في أحد الأديرة، فطلب من زوجته صفحاً، بعد أن ترك لها ابناً، وراح يكمل حياته في خدمة الله.
أما زوجته فبقيت في بيتها مع الصبي، وكانت تحبّه وتعانقه وتقبّله على مدار الساعة، ولكنها لم تتوقّف عن حبها الغريب هذا عندما أصبح شاباً، كامل الرجولة، فأوقعها الشيطان في فخ الخطيئة، فراحت تنام معه وتعاشره كما كانت تعاشر زوجها، ضاربة عرض الحائط بالوصية القائلة: لا يجب أن يعاشر الأخ أخته، ولا الأم ابنها، لأن غضب الله سيكون عظيماً.
ولكي يضاعف الشيطان من خزيها، حبلت من ابنها، فقررت الانتحار، ولكنها فكّرت برحمة الله، وراحت تصلي لأم الإله، وتطلب المغفرة والرحمة، إلى أن حان وقت ولادتها، فرمت الطفل في مكان نجس ليموت دون أن يدري بخطيئتها أحد.
ولكن الشيطان لم يكتفِ بما فعله بها من زنا المحارم، بل أراد أن يلطّخ شرفها أكثر فأكثر، فظهر للناس بشكل شيخ تقي، وراح يعظهم، ويخبرهم عن أشياء كثيرة من سرقات وقتل وما شابه، حتى آمن به كثيرون، ومن جملتهم حاكم المدينة. 
وذات يوم، وقف في الساحة أمام جمع غفير وقال:
ـ هناك امرأة منافقة تعيش بينكم، عملت كذا وكذا من الخطايا، وأنا متعجب كيف لم يحرق الله روما وشعبها، مثل صادوم وعامورة، بسبب وساخة هذه المرأة؟!
فصاحوا بصوت واحد:
ـ من هي، قل لنا من هي كي نرجمها.
وبصوت خبيث قال:
ـ إنها زوجة ذلك الغني الذي تركها وترهّب، لقد نامت مع ابنها فحبلت منه ورمت جنينها في مكان نجس حتى مات.
فلما سمعوا قوله صاحوا بغضب شديد:
ـ أنت تكذب، أجل تكذب، فالمرأة التي ذكرت فاضلة، ورعة وقديسة، ولن نصدقك بعد اليوم.
فقال لهم:
ـ أضرموا ناراً قوية، واجلبوا تلك المرأة الى هنا، ومن منا كان كاذباً ارموه في النار.
وللحال أتوا بتلك المرأة وقالوا لها:
ـ هذا الشيخ التقي اتهمك بأمور كثيرة، فإما أن تثبتي طهارتك وإما أن نرميك في النار.
فجاءها إلهام من عند الله بأن يعطوها مهلة ثمانية أيام، فكان لها ما أرادت. فذهبت الى لوكيانوس بابا روما، وارتمت تحت قدميه، واعترفت له بكل خطاياها، وهي تبكي وتندب حظها التعيس.
فقال لها قداسته:
ـ لا تخافي يا ابنتي، ربنا غفور ومحب، ألم يغفر خطايا بولس وبطرس، فالأول اضطهده، والثاني نكره، ومع ذلك جعله أول الرسل. ألم يقل لذلك الجمع الذي أراد أن يرجم امرأة زانية: من منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر. تضرعي يا ابنتي لوالدة الاله فهي قادرة على كل شيء، اذهبي الآن وكفّري عن خطاياك، وأنا واثق من ان الله سيرحمك.
رجعت المسكينة الى بيتها فأغلقت الباب، ورفعت يديها وعينيها نحو السماء، وراحت تصلي وهي تبكي وتطلب من أم الرحمة أن تنقذها من هذا العار، وتعينها، وتسترها أمام أهل روما.
وحين جاء اليوم الثامن، ذهبت مع أقربائها الى مجلس الحكم، وكانت برفقتها السيدة العذراء دون أن يراها أحد، أو تدري هي بها.
وفي نفس الوقت وصل ذلك الشيطان الماكر، المتظاهر بمعرفة الأسرار، فقال له القاضي:
ـ هذه هي المرأة واقفة أمامك، بيّن لنا ما فعلت من خطايا، وإلا سيكون مصيرك أنت في النار.
فنظر اليها مدة طويلة دون أن يتمكن من النطق، بل ظلّ واقفاً ومتحيّراً أمام القاضي والناس.
فصاح الجمع:
ـ ما بك صامت، ألست تتهمها كما اتهمتها في السابق؟
فقال:
ـ هذه ليست المرأة الساقطة، التي قتلت ابنها، هذه هي مريم القديسة، الطاهرة وسط بنات أورشليم، وليس بإمكاني أن أتهمها بشيء.
وللحال اضمحل من بينهم كالدخان، فركع الجميع أمام سيدة السماء والارض، ومجدوا الله كثيراً.
أما زوجة الغني فقضت باقي حياتها تمجد الله، وتقوم بأعمال البر والاحسان، وبيّنت لأهل مدينتها أنها فعلاً ابنة العذراء مريم.
**

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق