العجيبة 29 من عجائب مريم العذراء

جيرونيموس، راهب يتقن فن التصوير، وكان يتلذذ برسم السيدة مريم العذراء، فيغدق على أيقونتها أجمل الألوان، كي تبدو بهية كالقمر، ومشرقة كالشمس، يجثو تحت قدميها الشيطان بأبشع صورة. لذلك قرر "الخبيث" محاربته، بغية الانتقام منه، فكان يأتيه بخيالات وأوهام شتى، وكان الراهب يحاربه بالصلاة والتعبد لأم الطفل يسوع.
وذات ليلة ظهر له بشكل امرأة جميلة جداً، وراح يشبعه لمساً وتقبيلاً إلا أن ثارت غريزته الجنسية، وقرر أن يطفىء نار شهوته، ولكن ابليس ـ المرأة رفض أن يجامعه ما لم ينفـّذ كل طلباته. فوافق الراهب دون تردد. فقال له الشيطان:
ـ أنت قندلفت الدير، ومعك المفاتيح، فعندما ينام الرهبان، انزل الى الكنيسة، وضع كل الأواني الفضية والذهبية المقدسة في كيس، بعد أن تحطمها، وانتظرني خارجاً كي أمضي معك الى بلاد بعيدة، حيث نقطف اللذة الجسدية ساعة نشاء.
فعل الراهب المسكين كما أمره الشرير، ولكنه قبل أن يخرج من الكنيسة بدأ الشيطان بالصراخ:
ـ أيها الرهبان، أسرعوا الى الكنيسة، القندلفت جيرونيموس يسرق الأواني المقدسة، أوقفوه قبل أن يهرب.
بهت الراهب المغشوش عندما وجد رفاقه يحيطون به من كل جانب، ولم يستطع أن ينبث بكلمة واحدة. فأمر الرئيس أن يربطوه على عمود الحبس، إلى أن ينقشع الظلام، وتشرق شمس نهار جديد.  
وبعد أن جرده من وظيفته كقندلفت، وأعطاها لغيره، عاد الرئيس وباقي الرهبان الى غرفهم، وحده "اللعين" بقي مستيقظاً، فاقترب من جيرونيموس وراح يهزأ منه ويقول:
ـ كما أنا سعيد أيها الراهب الأبله، عندما أراك مصلوباً كسيدك المسيح على عمود. فمن الآن وصاعداً لن تقدر على رسمي بأبشع صورة، فلقد شوهت وجهك كما كنت تشوّه وجهي. سيعذبونك ويحرقونك كلص. فأين تلك السيدة التي كنت تتباهى بتصويرها؟ تأكد من أنها لن تأتي لمساعدتك.
فما أن سمع كلامه هذا حتى صاح:
ـ أيتها الأم الحنونة، سامحيني. يا ملجأ الخطأة، أعينيني. كوني لي أماً رحومة، وان كنت لا أستأهل ذلك، ولكن أملي برحمتك كبير، فلا تخذليني، وساعديني كي أصد حيل هذا الشيطان اللئيم، وامنحيني الفوز عليه، كي أدوسه برجلي، وأمجد اسمك الى أبد الآبدين.
وما أن انهى كلامه حتى ظهرت أم الرحمة، وأمرت الشيطان أن يتحول الى شكل انسان، ثم التفتت الى جيرونيموس وقالت:
ـ اياك، يا ولدي، أن تقع في شرك ابليس مرة أخرى، فها أنا أحل قيودك وأطلق سراحك لكثرة الدموع التي ذرفتها.
وبعد أن حلّته من الأغلال، أمرته أن يربط الشيطان مكانه، فراح يسخر منه ويقول:
ـ لما كنت أرسمك، أيها الشيطان الرجيم، بأبشع صورة، وأبصق عليك وانت تتلوى كالأفعى تحت أقدام أمي العذراء، كنت أفعل الصواب. وها أنا الآن أبصق عليك وجهاً لوجه ألف مرة. وأبشرّك بأنني ذاهب الى الكنيسة لممارسة وظيفتي كما كنت سابقاً.
وفي الوقت المعين، أضاء جيرونيموس الكنيسة، وأشعل الشموع، وراح يوقظ الرهبان كي يأتوا لصلاة الفجر. وكان أول الواصلين الى الكنيسة ذاك الراهب الذي أوكل اليه الرئيس وظيفة القندلفت، فوجد المصابيح مضيئة، وكل الأواني المقدسة سليمة كما كانت من قبل، فأصابته الحيرة، وراح يتساءل: من أضاء المصابيح؟ من سرق مني وظيفتي؟ وبينما هو يدور بناظريه على كل أرجاء الكنيسة، لمح أخاه جيرونيموس راكعاً في مكانه المعتاد يصلي، فأسرع الى رئيس الدير وأخبره بما رأى.
تجمّع الرهبان حول رئيسهم، وبيد كل واحد منهم صليباً وماء مقدساً، خشية أن يكون الشيطان قد تجسّد بأخيهم، وعندما اقتربوا منه، صاح الرئيس:
ـ باسم الاله الحي، وباسم يسوع المسيح، أخبرني من تكون؟
التفت جيرونيموس إليه وقال:
ـ أنا قندلفت الكنيسة، وقد أمرت البارحة أن يربطوني على عمود الحبس، ولكن أمي وشفيعتي مريم العذراء فكت قيودي، وربطت مكاني من كان السبب في اذلالي، انه الشيطان بصورة انسان.
وما أن بدأ الرهبان برش المياه المقدسة على الانسان المربوط على العمود، حتى بدأ يصرخ ويتلوى ويتعذب عذاباً شديداً، الى أن اضمحل واختفى، فراحوا يرتلون بصوت واحد: 
ـ يا أم الرحمة.. ارحمينا.
**

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق