ويسبح الرعد بحمده/ عبدالله بدر اسكندر

   
التسبيح هو التنزيه أي تنزيه المسبح له عن كل نقص، ومن هنا اختلفت الوسائل الفاعلة في التسبيح فمنها ما يكون بالكلام الظاهر، ومنها ما توحي به الحركات الصورية الدالة على تعظيم جنس الفعل، دون التعرض للألفاظ المتعارف عليها، إلا بما يتفق مع خروج العمل عن هيئته الحاصلة من التجريد، وإن كان حضور الأشياء المشاركة في الفعل شاهداً على تنزيه من هو مستحق له، ولهذا اعتمدنا على تفريق المفاهيم العامة ونسبة المصاديق الخاصة إليها حسب الدرجات التي تجتمع وتشارك في إظهار عظمة المسبح له وتنزيهه عما لا يليق به، وبناءً على هذا التمهيد نستطيع القول إن الابتعاد عن فهم الأدلة القرآنية الظاهرة والاعتماد على الأجزاء اليسيرة من الإيضاح الذي يفضي بالعلماء دون غيرهم إلى التهافت غير المبرر على معرفة النهج الإلزامي لطبيعة حياة الكائنات قد لا يتناسب مع المحتوى الكبير الذي يجهر به الناس، ولهذا ترى تفرق الحقائق إلى كيفيات لا حصر لها وذلك بسبب التزام أولئك العلماء بالمناهج التي لا تخدم الغرض الأسمى لمعرفة أسرار الكتاب المبين، ومن هنا تداخلت أفكارهم مع إثبات الفصول التي تعتمد في رواياتها على النقل الذي لا يُرجح العقلاء جل ما فيه، وهذا ما جعل الحديث بمنزلة الواسطة المسيرة للعلماء حتى كاد أن يكون من المراجع المباشرة في معرفة علم الموجودات سواء منها العاقلة أو التي لم تعقل، إضافة إلى بيان ما يتصف به كل نوع منها، ولهذا أحيطت تلك النظرة بالقدسية المنتشرة بين فروع الكلام الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من البعد المادي الذي يدلل على أفعالهم وما تؤول إليه مداركهم التي أدت إلى تفرقهم وأخذهم بالعقائد الباطلة التي لا يمكن أن تستقيم وجوهها بنفس المقاصد العامة التي أرادها الحق سبحانه من فهم كتابه المجيد والتطلع إلى ما فيه من الحكم وكذا الجمع بينها وبين الأسرار التي أخفاها الله تعالى في النظام الكوني الحافظ للكائنات التي تُشعر الآخرين من أن فوق هذا النظام إرادة الله الغالبة التي تُلهم هذه الكائنات وتبين لها الكيفية التي تستمد منها طرق العيش التي تختلف من صنف إلى آخر، وهذا ما يجعل العلل الناتجة عن تسبيحها تقترب من إظهار الدلائل الفعلية لهذا الوجود.

من هنا نعلم أن الحجة اليقينية لا تقوم أركانها إلا بالرجوع إلى تقييم الدلائل التي أشرنا إليها، باعتبار أن لها وجهاً آخر يعمل على نفي الشريك عنه سبحانه، علماً أن الكبرى لا تكتب لها الاستقامة إلا بإثبات الوجه الثاني الذي يتضمن نفي المثيل أو الشبيه، وأنت خبير من أن الحجج لا تعتمد على إيجاد حقيقة الموجودات أو اختلاف طرق العيش التي تتخذها، وإنما تعتمد على إرجاع أمرها إلى الإيجاد الذي يجعلها تتحدث عن صفاتها وأفعالها، دون أن يكون هناك قولاً ظاهراً أو إشارة إلى ما تريد إيصاله لعامة الناس وهذا ما يجعل أفعالها المستترة هي التي توحي بأبلغ بيان من أن هناك من يسيّر وجودها ويتكفل في بقائها على الوجه الذي يضمن سلامة كل نوع منها، وهذا ما يجعل المعارف الدالة على أصل الموجودات لا تقترن بالجزاء، وإنما يراعى بموجبها تبيان الجزء الأكبر الذي تتم به الحجة البالغة على الذين لا يؤمنون، وتبيان الفرق بينهم وبين العلماء الذين لا تؤثر فيهم الآيات التي تظهر لغيرهم من خلال ما في الكائنات من دلائل، وذلك لأن هؤلاء قد توصلوا إلى معرفة الموجودات وأسرارها جرّاء معرفتهم بالخالق وليس العكس فتأمل. 
وبناءً على ما تقدم تظهر النكتة في قوله تعالى: (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون) النحل 68. وكذا قوله: (أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن) الملك 19. وقوله: (ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون) النور 41. وعند الجمع بين الآيات آنفة الذكر وما تضمنته في مفهومها، نصل إلى أن المراد من التسبيح هو إظهار العلم اليقيني الدال على تنزيه الخالق سبحانه، فالأمر لا يحتاج إلى تلفظ أو بيان ما في نفس تلك الكائنات من قول، سواء كان بلغة التفاهم الخاصة بها، أو اللغة التي توصل الإنسان وإن شئت فقل أصحاب الاختصاص إلى حل رموزها، من ذلك يتضح أن النظائر القرآنية تشير إلى أن تعدد المواقف الفعلية لكل كائن لا ترقى إلى إيصال ما في نفسه إلى الآخرين، وإنما يُرد ذلك الأمر إلى لسان الحال الذي علمنا من خلاله أن لتلك الكائنات صوراً علمية خاصة بها، دون أن يكون لها أي نوع من الإدراك الذي تصل بموجبه إلى إظهار ملامحها، باستثناء العقلاء الذين يجمعون بين لسان الحال والمقال.. فتأمل.
فإن قيل: ما هو الدليل الذي يمكن أن نصل من خلاله إلى معرفة لسان الحال لدى تلك الكائنات؟ أقول: التناسق بين أصناف الكائنات وكذا قيامها بالأعمال الفطرية وأداء المهام الخاصة بكل نوع منها، هو الدليل على بيان حالها، وإثبات أن ذلك آية من آيات الله تعالى.
فإن قيل: ما هو الدليل النقلي على أن لسان الحال هو الذي يظهر ما خفي من أفعالٍ لدى جميع الموجودات؟ أقول: أشار الحق سبحانه وتعالى إلى هذا المعنى في كثير من الآيات، كما في قوله تعالى: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) التوبة 17. أي إن أعمالهم التي يقومون بها هي التي تبين شهادتهم على أنفسهم بالكفر، دون أن يكون هناك قولاً منهم أو إشارة. وكذا قوله: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها) الأحزاب 72. وقوله: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) الأعراف 172. وكذلك قوله تعالى: (فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين) فصلت 11. وقوله: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله) الحشر 21. وقوله تعالى: (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) ق 30. 
فهذه الآيات جميعها تبين بل وتشهد على إظهار الجماد لمئاله بلسان حاله دون المقال كما بينا، ومن هنا يمكن أن نصل إلى أن تسبيح الكائنات غير العاقلة، لا يراد منه التسبيح الحقيقي الذي يُفهم من خلال القول وإنما المراد من ذلك هو إظهارها تنزيه الحق سبحانه بواسطة ما أودع فيها من أسرار خلقها التي تدل على وحدانية الصانع، وعلى قدرته وحكمته فيما أفاض عليها من صفات حية وألهمها أداء وظائفها على الشكل الذي قدره سبحانه لكل كائن منها، كما بين هذا المعنى بقوله: (إنا كل شيءٍ خلقناه بقدر) القمر 49. وكذا قوله: ( قال ربنا الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى) طه 50.
وبهذا يظهر الفرق بين تسبيح المكلفين وبين تسبيح الكائنات الأخرى، علماً أن تسبيح المكلفين قد يستعمل في الحقيقة والمجاز معاً، دون الكائنات الأخرى التي تنزه الله تعالى بواسطة الإلهام الذي يدلل على حسن صنعتها وما أبدع سبحانه في كل نوع منها، سواء كان ذلك من الجمادات أو المخلوقات الأخرى، وهذا ما يُفهم من قوله تعالى: (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً) الإسراء 44. وقد يتفرع على الكبرى التي أشرنا إليها مجموعة من الآيات، منها قوله تعالى: (ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) الرعد 13.
هذا ما لدينا وللمفسرين في الآية آراء:
الرأي الأول: قال البقلي في عرائس البيان: الرعد ههنا شهقات الصديقين من الوجد والهيجان فى بحار العظمة من وقوع انوار تنزيه القدم فى قلوبهم فرعد شهقاتهم لسان الربوبية تقدس ساحة كبريائه عن غبار حوادث الحدثان والملائكة ارواح العارفين وهى فانية من اجلال عظمته ناطق بنطق ازليته بوصف ديموميته واذا اشرق شوامخ القدم والبقاء من طلوع شمس الذات والصفات فيقع صواعق الكبرياء على اهل التجريد والتفريج فيفنيهم عن الحدثان وتحرقهم عن نفوسهم هكذا يفعل بهم سطوات القدوسية وسبحات الالوهية غيرةً على مشاهدة القدم، قال ابن البرقى فى هذه الاية يريكم انوار محبته فمن خائف فى استنارة وطامع فى تجلية، وقال ابو على الثقفى ورود الاحوال على الاسرار كالبروق لا يمكث بل تلوح فاذا لاح فربما ازعج من خائف خوفه وربما حرك من محب حبه، قال ابو بكر بن طاهر خوفا من اعتراض الكدورة فى صفا المعرفة وطمعا فى الملازمة فى اخلاص المعاملة، وقال ابو يعقوب الابهرى خوفا من القطع والافتراق وطمعا فى القرب والاستباق.
 وقال بعضهم خوفا من عقابه وطمعا فى ثوابه، قال ابن عطاء خوفا للمسافر وطمعا للمقيم، وقال ابن الزنجانى الرعد صعقات الملائكة والبرق زفرات افئدتهم والمطر بكاؤهم، وقال الاستاذ كما يريهم البرق فى الظاهر فيرددهم بين خوف وطمع خوفا من احتباس المطر وطمعا فى محبته وخوفا للمسافر فى مجئ المطر وطمعا للمقيم فى مجيئه، كذلك يريهم البرق فى اسرارهم بما يبدوا فيها من اللوائح ثم اللوامع ثم الطوالع ثم كالبرق فى الضياء وهذه انوار المحاضرة ثم انوار المكاشفة خوفا من ان ينقطع ولا يبقى وطمعا فى ان تدوم فيرتقي صاحبه عن المحاضرة الى المكاشفة ثم من المكاشفة الى المشاهدة ثم الى الوجود ثم من مقام الوجود الى كمال الخمود، ويقال البروق من حيث البرهان ثم يزيد فيصير كاقمار البيان ثم يصير الى نهار العرفان، فان طلعت شموس التوحيد فلا خفاء بعده ولا استتار ولا غروب لتلك الشموس كما قيل: 
هي الشمس إلا أن للشمس غيبة... وهذا الذي يفنيه ليس يغيب
انتهى: أقول: لا تعليق.
الرأي الثاني: يقول ابن عاشور في التحرير والتنوير: ولما كان الرعد صوتاً عظيماً جعل ذكره عبرة للسامعين لدلالة الرعد بلوازم عقلية على أن الله منزه عما يقوله المشركون من ادعاء الشركاء، وكان شأن تلك الدلالة أن تبعث الناظر فيها على تنزيه الله عن الشريك جعل صوت الرعد دليلاً على تنزيه الله تعالى، فإسناد التسبيح إلى الرعد مجاز عقلي. ولك أن تجعله استعارة مكنية بأن شبه الرعد بآدمي يُسبح الله تعالى، وأثبت شيء من علائق المشبّه به وهو التسبيح، أي قول سبحان الله، والباء في (بحمده)  للملابسة، أي ينزه الله تنزيهاً ملابساً لحمده من حيث إنه دال على اقتراب نزول الغيث وهو نعمة تستوجبُ الحمد. انتهى موضع الحاجة.
 ومن أراد المزيد فليراجع تفسير التحرير والتنوير. 

       
abdullahhenrico@outlook.com

سورة البقرة.. الآية 47/ عبدالله بدر اسكندر

  لا يفترق الأسلوب المثالي عن التوجيه الاستثنائي المستخدم من قبل الواعظ الذي يرغب بتطبيق الأسس المنهجية الثابتة من أجل الوصول إلى قلب المخاطَب، ولهذا ترى الأول يتخذ السبيل الأسلم لإثارة الفئة التي تتلقى النصح والإرشاد. فإن قيل: ما هي الصفات التي يبنى عليها السبيل الأسلم الذي أشرت إليه؟ أقول: يبنى السبيل الأسلم على الصفات الحميدة المتوارثة لدى المخاطَب، وما تتضمنه تلك الصفات من محاسن لها وقع في نفوس المخاطَبين، باعتبار أن الإنسان إذا شعر بكرامته وعلو شأنه فمن المسلّم به أن يتجه إلى جانب اللين ويصغى إلى كل ما يتلقاه من المخاطِب، وهذه هي الطريقة المثلى التي يمكن أن يلجأ إليها الواعظ، أما إذا اتخذ الثاني جانب الشدة والزجر فمن الطبيعي أن لا يصل إلى مبتغاه وفي الآخر يتبدّل لديه الحال من الوعظ إلى التجريح والتوبيخ، ثم بعد ذلك تتلاشى مهمته وتسقط قبل أن تحقق غاياتها.
فإن قيل: إذا كان المخاطَب لا يثأر لنفسه ولا يراعي المحسنات المعتمدة من قبل المخاطِب فكيف ينتفع من النصح المقدم إليه؟ أقول: المحسنات الراقية هي صفات تولد مع الإنسان ويكون لها السبق في اكتساب الأخلاق الكريمة التي هي خارج الفطرة، ولهذا فإن اتخاذ السلوك السلبي في بداية حياة الإنسان قد يطغى على أفعاله، ولا يمكن التخلص منه إلا بتكرار التذكير وتبيان الصفات الحميدة الكامنة داخل النفس والتي لا تفارق الإنسان ما لم تسلب منه بفعل فاعل، ولهذا وجب التذكير بهذه الصفات من أجل إرجاع الإنسان إلى فطرته التي فطره الله تعالى عليها، ثم بعد ذلك يمكن أن يُستحضر لديه الاستعداد على تلقي النصح والإرشاد، لا سيما إذا كان للمخاطِب فضلاً سابقاً على المخاطَب، ولا يخفى على ذوي البصائر من أن إظهار صورة الفضل تجعل استجابة الأخير للقبول أكثر وقعاً على نفسه وذلك بسبب الأسلوب الذي جعله يرجع إلى حقيقته التي ولد عليها.
من هنا تظهر النكتة في أسلوب التذكير المعتمد في القرآن الكريم والذي أشار إليه تعالى في كثير من المواضع، كقوله: (فذكر إن نفعت الذكرى) الأعلى 9. وكذا قوله: (أو يذكر فتنفعه الذكرى) عبس 4. وقوله: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) الذاريات 55. ومن هنا نرى أن الحق سبحانه قد اتخذ هذا النهج مع اليهود في المواضع التي ذكّرهم فيها بالنعم التي أنعمها عليهم، مشفعاً ذلك بتفضيلهم على العالمين، كما في قوله تعالى: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) البقرة 47.
فإن قيل: يظهر أن اليهود أفضل من أمة محمد (ص) إذا ما أخذنا بمنطوق الآية دون مفهومها؟ أقول: لو ثبت ذلك لخصص عموم آية البحث بقوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) آل عمران 110. وكذا قوله: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) الحج 78.
فإن قيل: إذن ما معنى تفضيلهم على العالمين؟ أقول: أشار القرآن الكريم إلى أن هناك عدة وجوه لهذا التفضيل:
الوجه الأول: العالم يعني الجمع الكثير من الناس، وبهذا يكون تفضيلهم على مجموعة من الناس، ويشهد لهذا الوجه، قوله تعالى: (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) الأنبياء 71. وأنت خبير من أن المراد من العالمين في الآية لا يشمل جميع الناس، وكذا لا يراد من الأرض كل بقاعها وإنما في اللفظ إشارة إلى أرض معهودة فتأمل.
الوجه الثاني: فضلهم الله تعالى على العالمين بما أفاض عليهم من النعم دون غيرهم، إضافة إلى جعل النبوة والملك في أسلافهم، باعتبار أن خطابهم كان في وقت نزول القرآن الكريم، ويشهد لهذا الوجه، قوله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين) المائدة 20.
الوجه الثالث: تفضيلهم على عالمي زمانهم، ويمكن أن يستشف هذا المعنى من قوله تعالى: (ولقد اخترناهم على علم على العالمين) الدخان 32. ويدخل في هذا الاختيار امتيازهم بكثرة الأنبياء، وأكلهم المن والسلوى، وتظليلهم بالغمام، كما في قوله تعالى: (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) البقرة 57. وبهذا نعلم أن هذه الملازمة لا تخرج عن الإشارة إلى الوقت الذي تلاشى بسبب نقضهم للميثاق المشار إليه في قوله تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين) المائدة 13.
فإن قيل: ما الدليل على تفضيل هذه الأمة على بني إسرائيل، إذا ما علمنا أن فيها من سلك طريق الانحراف، لا سيما أولئك الذين عاصروا النبي (ص) والآيات بهذا الشأن كثيرة؟ أقول: لا يختلف اثنان من أن بعض الصحابة قد سلك طريق الانحراف، وهذا الأمر يجري في بني إسرائيل بنفس النسبة لو لا أن يبيّن الله تعالى ما حصل لديهم من مثالب لا يمكن تعدادها في هذا البحث، ولهذا أشار سبحانه إلى بعض النتائج التي تسببت بها تلك المثالب، كما في قوله: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل) المائدة 60. 
فإن قيل: هل مسخهم قردة كان حقيقياً أم معنوياً؟ أقول: ليس هناك مانعاً من كلا الأمرين، فإن كان المسخ حقيقياً فهذا لا يخالف العقل، لأن الله تعالى قادر على خرق العادات، كما هو الحال في إبطال خاصية الإحراق لإبراهيم، التي ذكرها في قوله: (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم) الأنبياء 69. وكذا في إبطال خاصية الإغراق لموسى، المشار إليها في قوله تعالى: (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى) طه 77. وهناك كثير من الآيات التي تشير إلى خرق العادات، ومن هنا نعلم أن المسخ إن كان حقيقياً فهذا لا يدعو إلى الغرابة، أما إن كان معنوياً، فهذا لا يحتاج إلى كثير من التأويل على ما نشاهده من الأفعال السلبية التي يقوم بها اليهود في كل وقت ومكان. ومن هنا نجد الإشارة إلى تلك الأفعال، كما في قوله تعالى: (لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) الحشر 14. ومن المثير للغرابة أن اختلافهم ناتج عن إيتائهم العلم، كما في قوله تعالى: (ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولو لا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب) هود 110. وكذا قوله: (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين... وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) الجاثية 16- 17.
من كتابنا: السلطان في تفسير القرآن
  

المطران بو جود خلال تدشين قاعة رعية أصنون: على الشباب المسيحي التشبث بارضه




الغربة ـ اصنون
دشن رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده القاعة الاجتماعية في بلدة اصنون في قضاء زغرتا التي اشرفت على بنائها جمعية مار يعقوب الخيرية، وذلك خلال ترؤسه قداساً احتفالياً في كنيسة مار يعقوب المقطع عاونه فيه خادم الرعية الخوري قيصر اسحاق، بمشاركة حشد من ابناء البلدة والجوار.
بعد تلاوة الانجيل المقدس القى الخوري اسحاق كلمة شكر فيها المطران بو جوده على رعايته ومتابعته الدقيقة للبناء منذ وضع حجر الاساس، ومشيداً بما بذله اعضاء الجمعية من جهد للوصول الى حفل التدشين مذكراً بما قاموا به من نشاطات اجتماعية وتنموية خلال العقود الاربعة الماضية في سبيل تحسين اوضاع البلدة التي تفتقر الى وجود بلدية، وموجهاً الشكر لابناء الرعية في الوطن والمهجر الذين ساهموا في تحقيق هذا المشروع.
ثم القى المطران بو جوده عظة شدد فيها على عدم الخوف من قتل الجسد كما قال السيد المسيح محفزاً الشباب المسيحي على عدم التفكير في ترك لبنان الذي ساهم اجدادهم في بناء لُبناته الاولى كي يكون موطناً مميزاً في هذا الشرق الذي شهد ولادة السيد المسيح وانطلق منه لنشر بشارته في اصقاع الارض، وقال:" لا شك انكم تتابعون ما تشهده منطقة حوض المتوسط من احداث جسام ابتداء من العراق وسوريا مروراً بمصر ووصولاً الى ليبيا وسواها وانعكاساتها المؤلمة على الوجود المسيحي". واضاف:"لذلك نحن مدعوون اكثر من اي وقت مضى الى التشبث بلبنان كوطن، وبالعيش المشترك كصيغة حياة واستقرار بين مختلف مكوناته". وختم كلامه بتشجيع اعضاء جمعية مار يعقوب اصنون على المزيد من النشاطات المنتجة مؤكداً لهم انه يستشهد بنشاطهم الاجتماعي المميز امام العديد من الرعايا التي تزوره.
بعد ذلك قام المطران ابو جوده برش المياه المقدسة في ارجاء القاعة وبمباركة "الهريسة" التي اعدت لمناسبة عيد شفيع البلدة على ان تستكمل الجمعية نشاطاتها يوم غد السبت بعرض مسرحية فكاهية بعنوان "سنكوفة مخطوفة" من اعداد الشاعر شيبان سعادة وتمثيل شبان وشابات البلدة والتي تتضمن اجواء تراثية كالعرس في الضيعة اللبنانية والدبكة وسواها على ان يعود ريعها لاستكمال مبنى القاعة ومشاريع اخرى.     

العثور على أقدم أجزاء قرآنية بالعالم كانت بحوزة قسيس

العربية.نت
قالت جامعة برمنغهام البريطانية، اليوم الأربعاء، 22 يوليو، إنها عثرت في مكتبتها على مخطوطة قرآنية تعد من أقدم المخطوطات الباقية في العالم، وفق ما نقلته "رويترز".
والمخطوطة جزء من مجموعة من مقتنيات بالجامعة تضم 3 آلاف وثيقة من الشرق الأوسط حصلت عليها الجامعة في عشرينيات القرن الماضي عن طريق الفونس مينجانا وهو قس كلداني ولد بالقرب من الموصل في العراق، ومول رحلته لجلب الوثائق ادوارد كادبوري لرفع مكانة برمنغهام كمركز ثقافي لدراسات الأديان.
وأظهرت نتائج فحوص أُجريت عليها بنظائر الكربون المشع أن عمرها 1370 عاما على الأقل، مما يجعلها واحدة من أقدم المخطوطات الموجودة في بالعالم.

وتقول الجامعة كذلك إن عمر المخطوطة يشير إلى أنها ربما كتبها أحد المعاصرين للنبي محمد عليه الصلاة والسلام.
وقالت سوزان ورول، مديرة مجموعة المقتنيات الخاصة بالمكتبة، إن عمر المخطوطة يجعلها في غاية الأهمية.
وأضافت "إنها كنز له أهمية عالمية فيما يتعلق بالتراث الإسلامي ودراسة الإسلام، كما أنها مصدر فخر كبير للمجتمع المحلي".
وقال الباحثون إن المخطوطة تتكون من اثنين من أوراق الرق، وتضم أجزاء من السور من 18 إلى 20 كتبت بالحبر بأحد أقدم الخطوط العربية وهو الخط الحجازي.
وقال ديفيد توماس، أستاذ الدراسات المسيحية والإسلامية بالجامعة، إن الفحوص التي أُجريت على ورقتي الرق تشير بقوة إلى أن الحيوان الذي أنتجت الأوراق من جلده ربما كان معاصرا للنبي محمد.

وأضاف "أجزاء القرآن الموجودة في هذه المخطوطة، لا تختلف تقريبا عن الموجودة بين أيدينا الآن".
وأردف "هذا يدعم وجهة النظر القائلة بأن القرآن الذي لدينا الآن لا يختلف عنه وقت جمعه".
وقالت الجامعة إنها ستعرض المخطوطة في أكتوبر، وقال محمد فاضل، مدير مسجد برمنغهام، إنه يتوقع أن تجتذب الناس من مختلف أرجاء بريطانيا.
وتابع "كل المسلمين في العالم يحبون أن يروا هذه المخطوطة".

شفاء بولس اليمّوني… أعجوبة جديدة لمار شربل في الكورة

عشيّة عيد مار شربل، دخلَ بولس اليمّوني المغارة التي كان يقصدها القدّيس شربل يومياً للصلاة قربَ منزله في بقاع كفرا، ليخرجَ بعد وقتٍ مِن التأمّل والخشوع، ويكتشفَ أنّ «حدَثاً عظيماً» قد حصَل معه.
كلّ شيء في لبنان تغيّرَ بالنسبة إلى بولس، الذي هاجرَ إلى سيدني وهو إبن بلدةِ بصرما قضاء الكورة. الأرض، الديموغرافيا، «النفسيات»، حتى مغارة القدّيس شربل لم تعُد مثلما كانت عام 1975، عندما زارها للمرّة الأخيرة، إذ اندلعَت الحرب اللبنانيّة وانخرَط في المقاومة المسيحية دفاعاً عن الوجود.هاجرَ بولس إلى أوستراليا لأنّ وضعَ لبنان لم يعُد يَسمح بتأمين لقمة العيش، خصوصاً أنّه متزوّج ورُزق بثلاثة أولاد. عملَ في سيدني مدّة طويلة، إلى أن واجهَته مشكلة صحّية منذ نحو 5 سنوات، فلم يعُد قادراً على تحريك أصابع يديه.
فقصَد عدداً كبيراً من الأطبّاء في أوستراليا، فأبلغوه أنّه مصابٌ بـ«الروماتيزم» المزمِن الذي لا شفاءَ منه. وعلى رغم ذلك، تلقّى إبرةً علاجيّة في عضمِ يدِه ما زالت آثارها ظاهرة حتى اليوم، إضافةً إلى جلسات العلاج الفيزيائي الأسبوعيّة. كلّ ذلك لم ينفَع، واستمرّت آلامه إلى أن قرّر العودة إلى لبنان منذ نحو العامين، والإقامة في بلدتِه بصرما.

أصيبَ بولس بصدمةٍ كبيرة، عندما اكتشفَ أنّ المجتمع اللبناني تغيّرَ بهذا الشكل، خصوصاً أنّ كثُراً نصحوه بعدم العودة، وقالوا له: «هل أنت مجنون لتتركَ سيدني وتعود إلى لبنان لتطبّق فقط شعارَ أريد أن أعيش وأموت في أرضي ولن أتخلّى عن بلادي؟».

الأسبوع الماضي، بلغَ الألم درجاتٍ لا تُحتمل، وزاد بشكل غير مسبوق، ففَقدَ بولس الأملَ في الشفاء بعدما تعبَت أعصابه، لكنّه لم يفقد الإيمان بالقدّيس شربل، فصعدَ ليلَ الجمعة إلى بقاع كفرا، المكان المحبَّب إلى قلبه، حيث حصَل المستحيل.

إلتقينا بولس في بصرما بعد زيارته بقاع كفرا، والذهول لم يفارق وجهَه على رغم معرفته أنّ القديش شربل قادر على كلّ شيء. يَروي بولس لـ«الجمهورية» الأعجوبة التي حدثَت معه، فيقول: «قصدتُ مع عائلتي المغارة التي كان يصَلّي فيها شربل، وفوجئتُ بالتغيّرات التي طرأت عليها، إذ أتذكّر أنّه منذ 40 عاماً كانت مغارةً تُعلّق على أحد جدرانها صورةُ مريم العذراء وإبنها يسوع يصَلّي لها، أمّا الآن فأصبحَت المغارة ديراً».

ويضيف: «نزلتُ من السيارة سيراً وسار إبني معنا على رغم أنّ رِجله مكسورة، وفورَ دخولي ناولتني راهبة إبريقاً من الفخّار، فشربتُ، مِن ثمّ ركعتُ وتلوتُ صلاةً علّمني إيّاها الأبونا الحبيس أنطونيوس شينا، وقلت: «أيتها العذراء التي حُبِل بها بلا دنس، صَلّي لأجلنا نحن الملتجئين إليكِ».

وطلبتُ مِن شربل أن يتطلع بنا وبحالتنا وبعائلتي ويَحفظ لبنان، من ثمّ وقفتُ وغسلت يديّ بالجرنِ المقدّس من دون أن أشعرَ بأيّ شيء إستثنائيّ، وخرجتُ مِن المغارة ومشيت مع عائلتي في أزقّة بقاع كفرا، وفجأةً أدركتُ أنّ أصابعَ يديَّ تتحرّك، لم أستوعب بادئ الأمر ماذا يحصل، لكنّني عدتُ وحرّكتُها مجدّداً وناديتُ زوجتي وقلت لها: أنظري مار شربل شفاني».

لم يتعَب بولس طوال لقائنا معه من تحريك أصابع يديه، ويتحدّث عن عظَمة القدّيس شربل وقدراته التي لا يستطيع عقلٌ بشَريّ تخَيُّلَها، وعن تمسّكِ الموارنة والمسيحيين في العالم وتعَلّقِهم به، ويشير إلى أنّه «فور استيعاب الصدمة الإيجابية التي أحدثَها شربل لي، ذهبتُ إلى كنيسة السيّدة في بقاع كفرا، وصَلّيتُ، مِن ثمّ عدتُ إلى منزل شربل وفتحتُ يديَّ ووضعتهما على صورته، وصلّيت أيضاً بعمقٍ وشكرتُه. لم يكن هناك كاهنٌ لأخبرَه بالأعجوبة، فعدتُ إلى بصرما وإيماني كبير بهذا القدّيس الذي فعلَ ما عجزَ عنه الطبّ».

يُعبِّر بولس عن تمسّكه بالإيمان الماروني العميق الذي هو السبب الأوّل وراء صمود الشعب في المغاور والكهوف. وبعد زيارته بقاع كفرا، سيزور بولس سيّدة بشوات التي تربطه بها علاقة روحانية، ويؤكّد أنّ عودته إلى لبنان «هي العودة إلى بلاد المسيحيين الأصليّين الذين دفعوا ثمناً غالياً للحفاظ على وجودهم، ومار شربل أعطاني إشارةَ العودة».

لا ينسى بولس أن يروي لنا قصّة أثّرَت به في بداية الحرب اللبنانية، عندما كانت المعارك مشتعلة، فالتقى الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية آنذاك الأباتي شربل قسيس في الجمّيزة، عندما كانت الرهبنة العمود الفقريّ للمقاومة اللبنانية، فسأله عن صحّة الأخبار المتداولة عن أنّ الرهبنة ستبيع الأرضَ للحفاظ على الصمود، فوقفَ الأباتي قسيس وقال بغضَب: «سنبيع أرضنا لدعمِ شعبنا، وإذا اضطررنا سنبيع ثيابَ الرهبنة ليبقى المسيحيون في لبنان، فما نفعُ الأرض والرهبان إنْ لم يعُد هناك شعبٌ مسيحيّ حرّ ينبض بالحياة».

تتوالى أعاجيب القدّيس شربل، ويستمرّ منزله في بقاع كفرا ودير عنّايا مقصداً لجميع المؤمنين وطالبي شفاعته، ويتأكّد يوماً بعد يوم أنّ لبنان أرضُ القداسة، وأنّ المسيحيين خميرة هذه الأرض التي لن يقوى عليها جميع سلاطين العالم.
الجمهورية

لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً/ عبدالله بدر اسكندر

جعل الله تعالى في الأعمال التي يقوم بها الأنبياء مجموعة من المؤشرات يجب الأخذ بها وعدم الإلحاد عنها حتى تكون هذه المؤشرات أشبه بالبوابة الأولى لدخول الإنسان إلى النظام الإصلاحي الذي نادى به أولئك الأنبياء، ولهذا فإن من يدعو الناس إلى هذا النظام عليه أن يراعي الفترة التي يعيش فيها، ومدى تأثيرها في نفوس الآخرين، ومثالاً على ذلك لو رجعنا إلى ما كان يطرح من تفسير في الأعصار السابقة نجد أن خطوطه الثانوية لا تستقيم قبال المنهج الإلزامي الذي نقف عليه في عصرنا هذا اللهم إلا ما توافقت عليه المشتركات البلاغية والأدبية، إضافة إلى منهج التأسيس الذي لا يطرأ عليه اختلاف مهما تبدلت الأحوال، وإن شئت فقل منهج المسلمات الذي يصلح لجميع الأوقات مالم يظهر دليل على خلافه.

أمّا ما ينبغي الأخذ به من مستجدات العصر في نظر الدين علينا أن نجد له التحليل الذي يناسب تفكيرنا الجمعي لكي تستمر الرسالة المنهجية بما يتناسب ومقتضى الحال والمتطلبات الآنية، وبنفس الوقت يجب أن لا نغفل السبق الرباني الذي أعده الله تعالى للأنبياء (عليهم السلام) وكيف أن هذا السبق كان يفوق الخيال العلمي كما في صريح القرآن الكريم، وكيف مكن لهم الله تعالى في الأرض وآتاهم من كل ما سألوه، كما ورد ذلك على لسان سليمان في قول الحق سبحانه: (قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب) ص 35. وعند تأملنا في هذا الشأن أكثر نجد أن آل داود قد هيأ لهم تعالى ما يفوق العلم الحديث حتى وصل الأمر إلى تسخير الريح والجن كما ورد ذلك في قوله: (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير) سبأ 12. ولم يسلب الله تعالى اختيار سليمان في تسخير الريح على الرغم من أن الأمر كان بإذنه (جل شأنه) ولذلك قال عز من قائل: (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب) ص 36.

إضافة إلى تعليمهم منطق الطير كما في قوله: (وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين) النمل 16. فإن قيل: إلى من يعود ضمير الجمع؟ أقول: يعود إلى سليمان ومن سار على نهجه من آله أو المقربين له. وهذا التسخير الإلهي الذي وهبه الله تعالى لأوليائه لا يمكن أن نمر عليه ونحن معرضون عنه، بل الأفضل أن نجعله أقرب إلى الدليل العلمي الذي يشهد على ما يجري في عصرنا، وإن شئت فقل لا بد من جعله العنوان الكبير الذي فتح الله تعالى رموزه في الأرض حتى تأخذ زخرفها إلى قيام الساعة كما في قوله سبحانه: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) يونس 24.

وبناءً على ما تقدم نحصل على مجموعة من الحقائق التي غفلها المفسرون، أو ربما تطرقوا إليها ولكن بما يناسب عصر كل واحد منهم، ومثالاً على ذلك تلك الإرشادات القيمة التي قدمها يوسف (عليه السلام) للذَين دخلا معه السجن، وقد ذكر تعالى هذا الأمر في قوله: (قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي) يوسف 37. والظاهر من سياق الآية الكريمة أن يوسف كان ينظّر إلى أمر غاية في الأهمية من خلال تقديمه لهما فوائد الغذاء ومضاره والطرق التي يجب أن تتبع في تناول كل وجبة منه، وما شابه ذلك من المنهج السليم الذي بينه لهما، وهذا ظاهر في قوله: "إلا نبأتكما بتأويله" حيث إن التأويل هو إرجاع الشيء إلى أصله، وهذا ما جرى في تلك المحاورة، لأن القرآن الكريم يرشدنا في كل مقطع من مقاطعه إلى ما فيه صلاح ديننا ودنيانا، ولا يمكن أن نمر على ما ذكر فيه من قصص ثم ننسبها إلى تأويلات ساذجة لا تتصل بحياتنا بأي شكل من الأشكال. فإن قيل: هذا مردود بقوله: (قبل أن يأتيكما)..؟ أقول: هنا تكمن الفوائد حتى يأخذا بها وبنفس الوقت يتجنبا المضار وهذا ما أكده بقوله: (ذلكما مما علمني ربي). 

وما فعله يوسف نجده قد حصل مع عيسى (عليه السلام) وذلك في قوله لبني إسرائيل: (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) آل عمران 49. وما توحي به هذه الآية الكريمة أشبه بالتعليمات التي أراد عيسى أن يجعلها حاضرة بين أيديهم ولا يمكن أن نجعل الآية جامدة على الإعجاز الغيبي وإن كانت متضمنة له.

 من هنا يظهر أن الأنبياء لم يغفلوا الجانب الإرشادي المتمثل في الغذاء والأخذ بمنافعه وتجنب مضاره، ولذلك فإن الدين حث الإنسان على الاهتمام بالاقتصاد والمعاملة بين الناس في البيع وتجنب الربا ليحصل الإنسان على غذاء طاهر وسليم، وهذا هو الطريق المستقيم الذي يربط الوسائل بغاياتها وصولاً إلى الله تعالى. وخير دليل على ما قدمنا ما نقله القرآن الكريم على لسان أصحاب الكهف في قوله تعالى: (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحداً) الكهف 19. 

وقولهم: "أزكى طعاماً" وهم بأمس الحاجة إلى ما يسد الجوع الذي هم فيه دليل على الالتزام بالطرق الشرعية التي أرادوا بواسطتها أن يحصلوا على طعام طاهر. ومع كل هذه الأهمية التي بينها القرآن الكريم للطعام نجده يصور لنا جانباً مهماً وموقفاً رائعاً يدلل على إيثار أولياء الله تعالى بأهم مقومات حياتهم الناتجة عن الطعام بل وفي وقت يصعب فيه تعويض ذلك الطعام وكيف أنهم آثروا المساكين واليتامى والأسرى على أنفسهم كما قال جل شأنه: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً... إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً) الإنسان 8- 9. وفي الآيتين مباحث:

المبحث الأول: الضمير في "على حبه" يعود للطعام أي على حبهم أو مع حبهم للطعام إلا أنهم آثروا المسكين واليتيم والأسير، ويؤيده قوله تعالى: (وآتى المال على حبه) البقرة 177. وكذلك قوله: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) آل عمران 92. والمقصود هنا المال الذي يعتبر أفضل الوسائل للحصول على الطعام، ولا يمكن أن يعود الضمير على الله تعالى لأن هذا مردود بقوله: (إنما نطعمكم لوجه الله) الإنسان 9. حيث إن الجمع يوجب التكرار.

المبحث الثاني: قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: والواحدي من أصحابنا ذكر في كتابه البسيط أنها نزلت في حق علي (عليه السلام) وصاحب الكشاف من المعتزلة ذكر هذه القصة فروى عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن الحسن والحسين (عليهما السلام) مرضا فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أناس معه. انتهى. ثم ذكر قصة علي وفاطمة وجاريتهما فضة والقصة طويلة من أرادها فليراجع مفاتيح الغيب.

المبحث الثالث: ذكر القرطبي في الجامع لاحكام القرآن: قال أهل التفسير: نزلت في علي وفاطمة (رضي الله عنهما) وجارية لهما اسمها فضة، ويضيف القرطبي: قلت إنها نزلت في جميع الأبرار ومن فعل فعلاً حسناً فهي عامة. انتهى.

أقول: لا يمكن أن تكون الآية نازلة في جميع الأبرار وإن كان هذا يحتمل الصدق في نفسه، وذلك لأنها وقعت في سياق لا يمكن أن يكون إلا لمصداق واحد متفرع على إطعام من نزلت فيهم للمسكين واليتيم والأسير، ولو سلمنا بصدق من قال إنها نزلت في جميع الأبرار فلا موجب لاتفاق المشار إليهم في واقعة يجمعها تفصيل واحد، وبناءً على هذا يُرجّح اعتماد الروايات التي تواترت في ذكر القصة التي نقلها الفخر الرازي، والتي تغنينا عن الرجوع إلى تفسير الإمامية.

abdullahhenrico@outlook.com


الخوري حبقوق وقع كتابه: تاريخ ابرشية طرابلس المارونية ـ الجزء الاول



زغرتا ـ الغربة
وقع حافظ ارشيف ابرشية طرابلس المارونية الخوري فريد حبقوق، كتابه الجديد "تاريخ ابرشية طرابلس المارونية الجزء الاول، في القاعة العامة في دير مار يعقوب في بلدة كرمسده في قضاء زغرتا، برعاية وحضور رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، رئيس اتحاد بلديات قضاء زغرتا السيد زعني مخائيل خير، رئيس بلدية علما السيد ايلي عبيد، مدير عام مدارس ابرشية طرابلس المارونية الخوري خالد فخر، مدير مدرسة مار يعقوب كرمسده الاستاذ ابراهيم الخوري، وعدد من مختاري الفضاء، الى وجوه تربوية، وثقافية، واجتماعية، وعدد كبير من اقرباء واصحاب الخوري فريد، وابناء بلدة كفرصغاب، وحشد من المدعويين. 
بداية كانت كلمة تعربف وترحيب من الاستاذ سمير لطوف، من ثم النشيد الوطني اللبناني، وتحدث بعدها الخوري جوزيف نفاع، فاشار في كلمته الى :" ان التاريخ ليس مجرد اخبار عن ايام انقضت الى غير رجعة، بل هو خزان نجمع فيه انجازات وتضحيات وخبرات، دفعنا ثمنها اعمار اساقفة وكهنة وعظماء، افنوا العمر في الخدمة، وان الجاهل وحده يفرط في هذا الارث". وتابع الخوري نفاع يقول :" وهذا بالتحديد ما قدمه لنا الخوري فريد حبقوق في كتابه، فهو لم يستعرض لائحة باسماء الاساقفة، بل طعمها بكل جهد قاموا به لرفع شان الابرشية، وغالبية تلك الانجازات ما نزال ننعم نحن اليوم بها. وما الصرح العظيم، كرسي دير مار يعقوب في كرم سده، سوى شاهد امين على ايادي جميع اساقفة الابرشية، تشابكت بهمة وعزم لرفع مداميكه واعلاء مجده في المنطقة ولبنان". وتوجه الى الخوري فريد بالقول:" كتابك مدرسة لكل تلميذ في ابرشية طرابلس من كهنة وعلمانيين، ودليل نير لكل مؤمن عاش مسيحيته في ربوع هذه الابرشية، ومدارسها ورعاياها، وفي حركاتها الرسولية. كل ابن حقيقي لابرشية طرابلس المارونية، لا بد ان يرى كتابك صورة له تمثله وترسم تاريخه الخاص. ومن يجد نفسه غريبا عن هذا الكتاب هو غريب فعلا عنا وعن قلاية الصليب، وهو بالتالي ليس منا يا خوري فريد". 
ثم تحدث المونسنيور فرنسيس ضومط باسم الخوري فريد حبقوق فقال:" مضى على عملي في ارشيف ابرشية طرابلس المارونية نحو خمسة وثلاثين عاما، قضيتها في تصنيف الاوراق وترتيبها، بشكل يسهل على من يريد اية معلومة ان يجدها بسهولة. اما لما دخلت للمرة الاولى الى الارشيف، كانت هذه الاوراق موضوعة في غرف خاصة مقفلة، اكثرها مكدس على الارض، والقليل منها موضب في ملفات واضبارات، فاذا احتجت الى ورقة ما فكيف ستجدها وسط هذا البحر من الرسائل، ان كان في قلاية الصليب في طرابلس، او في دير مار يعقوب كرمسده الكرسي الاسقفي، انه لامر مستحيل هذا عدا عن الغبار الذي كان يلف كل شيء". 
وتابع المونسنيور ضومط:" ما شجعني على حفظ ذلك الارشيف الضخم، هو صاحب السيادة المطران جورج بو جوده، راعي الابرشية. وهنا اتوجه الى اخوتي الكهنة، والعلمانيين، في الابرشية، هذا هو تاريخكم سيظهر في عدة اجزاء، ويجب ان تقراؤه بتمعن، لمعرفة كل ما جرى في الابرشية وفي رعاياكم، واناشد الذين هم من خارج الابرشية، قراءته ليعرفوا من خلاله جزء كبير من تاريخ الطائفة المارونية عبر الزمن، لان هذه الابرشية كانت من اكبر الابرشيات قبل فصل سوريا عنها سنة 1954 بامر من الكرسي الرسولي، هذا هو تاريخنا وتاريخ عائلاتنا، عسى ان يلقى اعجابكم". 
وفي الختام تحدجث المطران جورج بو جوده فلفت في كلمته الى :" إنّ كتاب "تاريخ أبرشيّة طرابلس المارونيّة" جاء حصيلة أبحاث ودراسات طويلة قام بها الخوري فريد حبقوق بصفته حافظ أرشيف أبرشيّة طرابلس المارونيّة منذ زمن طويل ممّا يمكّننا القول بأنّه قد عاش نوعاً ما كل الأحداث الواردة فيه ولم يكتفِ بأن يرى فيها كلمات مخطوطة على ورقة، بل إنّه تعرّف من خلالها على عدد كبير ممّن صنعوا تاريخ الأبرشيّة وكان لهم الدور الكبير في حياتها وتطوّرها. وإنّ ما يميّز هذا الكتاب هو أنّه يحدّثنا عن تاريخ الأبرشيّة من خلال أولئك الذين كان لهم هذا الدور الكبير في صنع هذا التاريخ".
اضاف المطران بو جوده :" ان أبرشيّة طرابلس هي واحدة من هذه الأبرشيّات التي لها تاريخها الخاص الذي صنعه رجال لهم هم أيضاً تاريخهم الشخصي وقد لعبوا دوراً هاماً في توجيه تاريخ الأبرشيّة. الأبرشيّة جماعة بشريّة يديرها أشخاص يقودهم الروح القدس للقيام بالمسؤوليّات الملقاة على عاتقهم. أبرشيّة طرابلس هي من الأبرشيّات المارونيّة التي لها تاريخها العريق وقد أراد الخوري فريد حبقوق، أبن هذه الأبرشيّة وحافظ أرشيفها أن يعطينا تاريخها بأسلوبه الخاص، وبالإستناد إلى كل الوثائق التي إطّلع عليها، فربطها بحياة بعض الرجال الذين ساسوها وقادوها ووجّهوها عبر التاريخ، مركّزاً في هذا القسم الأوّل من مشروعه على الأساقفة الذين توالوا على خدمتها بعدما تنظّمت الأبرشيّات المارونيّة ككنائس محليّة قائمة بذاتها على أثر المجمع اللبناني الذي عقد في دير سيّدة اللويزة سنة 1736 والذي قاد أعماله ووجّهها العالِم الماروني اللبناني إبن بلدة حصرون السمعاني".
وختم المطران بو جوده يقول :" مَنْ أجدر من الخوري فريد بأن يقوم بهذا المشروع، هو الذي عايش تاريخ الأبرشيّة من خلال أرشيفها الغني والمتنوّع منذ أكثر من خمس وثلاثين سنة. فلم يبق ورقة من الوريقات ورسالة من الرسائل وحادثة من الحوادث التي حصلت فيها والتي كتبها أو أرسلها أو قام بها أحد أساقفتها إلاّ وقرأها وصنّفها وحافظ عليها وإهتمّ بترتيبها فعادت تضجّ بالحياة، ولم تبق حرفاً ميتاً، إذ أنّها تروي لنا أحداثاً كثيرة عاشتها الأبرشيّة ومعلومات دقيقة عن أشخاص ساهموا في صنع تاريخها، كمؤمنين عاديّين أو كهنة أو رهبان وراهبات أو أساقفة لعب الكثيرون منهم دوراً كبيراً في حياتها، وكان للبعض منهم، وهم الأكثريّة، دورٌ إيجابيٌ للغاية، وللعدد القليل، ولسوء الحظ، دور سلبي، أعاق تطوّرها ونموّها".  
في الختام تحدث صاحب الكتاب الخوري حبقوق فشكر راعي الابرشية المطران جورج بو جوده الذي حثه على جمع هذا الارشيف الضخم، كما شكر الحضور على وجودهم الى جانبه في هذا الوقت. من ثم قطع الجميع قاليا من الحلوى واقيم حفل كوكتيل في المناسبة. 

تهنئة المهندس حميد عواد بعيد الفطر المبارك

‫إخوتي الأعزّاء،

بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك أودّ أن أعبّر عن أصدق التهاني وأطيب التمنيات راجياً أن يمنّ العليّ القدير عليكم بالبركات والبهجة والهناء والسلوان ويجزي الثواب على أنقياء القلوب

.والجوّادين بفضائل البرّ والإحسان والعطف

أشاع الله أجواء الفرح في محافلكم أينما كنتم وغمر قلوبكم بفيض المحبّة ومسّها ببلسم الأريحيّة وأرخى انقباض كلّ غصّة وأفرج قبضة كلّ ضيق. 

عيد فطر مبارك .

أمية الرسول.. لا تقبل القسمة/ عبدالله بدر اسكندر

 
بين فترة وأخرى تظهر هناك بعض الدعوات التي يريد أصحابها تنزيه الفكر الإسلامي أو إضافة ما يستجد من متناقضات طارئة على الأصل الذي فرغ منه وأصبح من المسلمات التي لا تقبل القسمة، وربما يكون أصل تلك الدعوات نابع عن حسن نية ولكن في الوقت نفسه لا يمكن إخراجه عن الجهل الذي مني به بعض الناس، ومن هنا نود القول إن الكمال الإنساني الذي يتصف به الأنبياء لا يأتي من خلال المسيرة الحضارية التي هي من صنع البيئة التي ينشأ فيها النبي، وإنما يكون مرد ذلك الكمال إلى ما يتفرع عن الحكم الإلهي "كما سيمر عليك في هذا المقال" ولهذا نرى أن المغالين في هذا الإتجاه قد تجاذبتهم الكثير من الأوهام مما أدى إلى وقوعهم في أخطاءٍ لا حصر لها، وعند البحث في أسباب هذا الأمر نجده لا يخرج عن تعلقهم بالقياس الباطل الذي تناقلته الأجيال، حتى وصل بهم الظن إلى أن ذلك المحمول لا تمتنع لوازمه عن الترقي في السمو الذي لا يفارق الحياة المادية وما يتفرع عليها من زينة وزخرف، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق المعارف الإجمالية وما يتدخل به تأريخ الإنسان، ومدى حصوله على الذكر الذي يخلده في هذه الأرض فضلاً عن الوصول إلى السعادة الأبدية التي أعدها الله تعالى للمخلصين من عباده.

والمتأمل لهذا المعنى يجد أن هؤلاء الناس قد وضعوا الكثير من الإضافات التي ظنوا أنها تخدم المسيرة التأريخية للأنبياء، إضافة إلى ما أسبغوه عليهم من صفات مادية هم في غنى عنها، إذا ما ظهرت لديهم الملامح الإعجازية التي أيدهم بها الحق سبحانه، ولا يخفى عليك مدى القياس بين الوجهتين، علماً أن مقومات الوجهة الثانية لا يمكن أن تستقيم، إلا بعد ظهور علائمها على حقيقتها دون الرجوع إلى الجدال القائم بين العلماء والذي تأثر به الكثير من عامة الناس. من هنا يظهر أن التكليف العام الذي ألقي على عاتق الأنبياء، لا يمكن أن يكون مطابقاً لما كلّف به أقوامهم، ويتفرع على ذلك جميع ما شرعه الله تعالى للأنبياء دون غيرهم، كما في طريقة العيش أو عدد النساء التي أحلت لهم وما إلى ذلك، وقد أشار سبحانه إلى هذا المعنى بقوله: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفوراً رحيماً) الأحزاب 50.
من هنا نعلم أن ما كلف به الأنبياء لا يمكن أن يفرض على أقوامهم في كل ما أمرهم الله تعالى به "وهذا خارج عن السنة النبوية فالحديث عنها له شأن آخر" ولهذا نرى أن الكثير من المناقب التي وهبها الله تعالى لهم، لا تبتعد عن الأمر التكويني الذي يصاحب الامتياز المستحق والمتعارف عليه لدى الأنبياء دون أن يخرجهم ذلك عن الطبيعة البشرية، وأنت خبير من أن تحريم المراضع على موسى، كان تحريماً تكوينياً، ولهذا فقد امتنع عن التقام أثداء النساء وهو في أمس الحاجة إلى الرضاعة، وهذا المعنى لا يختلف كثيراً عن حفظ يوسف في غيابة الجُب، وكذا يونس في بطن الحوت، أو بتعبير آخر يمكن القول إن لكل نبي خاصية تميزه عن قومه كما أسلفت. من ذلك نفهم أن الحديث المنتشر بين الناس عن أمية النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" والتي جعلوا أهم أسبابها يؤول إلى إبعاد من يرتاب من قومه في صدق دعواه، أو أن هذا القرآن هو من عند النبي باعتباره يجيد القراءة والكتابة حسب ظنهم، فهذا لا يمكن أن يعتمد بوجه. وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا التأويل لا تكتب له الاستقامة إذا ما عرض على متفرقات القرآن الكريم، باعتبار أن النبي لا يمكن أن يستمد علومه، إلا عن طريق الوحي، وهذا ما يغنيه عن القراءة والكتابة.
وبناءً على ما قدمنا يظهر أن هذه الخصوصية التي ألقيت على عاتق النبي لا تخرج عن الأمر التكويني الذي حصل بواسطته على العلم، دون أن يكون للإنسان يد في ذلك، وعلى هذا فالأمية في النبي هي أمية تكوينية، وما يحصل عليه من علم فهو من عند الله تعالى، ولمّا كان الأمر كذلك فهذا لا يقدح في شخصه أو يجعله دون الآخرين، وإنما يجعل له ذكر وشرف لا يتأتى لإنسان غيره. ومن الأمثلة على ذلك، ما بينه تعالى بقوله: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) الشورى 52. وبهذا يتحصل أن الأمية ملازمة للنبي قبل وبعد الرسالة، أما من يريد تحريف هذا المعنى فإنه لا جرم يصبح ضمن أولئك الذين ارادوا أن ينزهوا الله تعالى فأخرجوه عن سلطانه.
وكما ترى فإن القرآن الكريم يشهد لأمية الرسول في مواضع كثيرة أهمها قوله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباّ عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) الأعراف 157. وكذا قوله: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) الأعراف 158. وقوله: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) الجمعة 2. 
فإن قيل: كيف يعلمهم الكتاب والحكمة وهو لا يقرأ ولا يكتب؟ أقول: حصل النبي على هذه المنزلة من تزكية أمته وتعليمهم الكتاب والحكمة، بواسطة العلم التكويني كما أشرنا إلى ذلك في معرض حديثنا والقرآن الكريم يرشدنا إلى فهم هذا المعنى عندما وصف عيسى بهذا الأمر، وذلك في قوله تعالى: (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً) مريم 30. وهذا نوع من التعليم على الرغم من أنه لا يزال في المهد وهذا الأمر يجري في إيتاء يحيى الكتاب والحكم وهو لا يزال صبياً، كما في قوله تعالى: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً) مريم 12. ولا يستقيم الجدال في ذلك لأن الحكم لله تعالى، كما في قوله: (إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين) الأنعام 57. 
فإن قيل: هناك رأي آخر يطلق لقب الأمي على النبي لأنه ينتمي إلى أم القرى؟ أقول: هذا المصطلح مركب من مضاف ومضاف إليه، والنسبة بين هذه الألفاظ لا تصلح أن تكون للمضاف وإنما للمضاف إليه، ولو صح هذا الادّعاء لقيل قروي، وهذا الاستعمال شائع في لسان العرب، كما في بني وآل وأب، فيقال في الشخص الذي ينتمي إلى بني هاشم هاشمي ومن ينتمي إلى بني أمية أموي، أما من ينتمي إلى آل محمد فهو محمدي ومن ينتمي إلى أبي بكر يطلق عليه بكري وهكذا. وبالإضافة إلى هذا يمكن أن يكون هناك دليل آخر وهو كما قيل إن الذين يجيدون القراءة والكتابة في مكة لم يكونوا أكثر من سبعة عشر شخصاً والجميع يعلم أسماء هؤلاء ولو كان النبي واحداً منهم، لم يخف هذا الأمر، وبناءً على ذلك يتضح أن النبي "صلى الله عليه وسلم" لا يجيد القراءة والكتابة كما قدمنا، ولهذا خاطبه الحق سبحانه وتعالى بقوله: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون) العنكبوت 48. 
هذا ما لدينا وللمفسرين في الآية آراء:
الرأي الأول: قال الشوكاني في فتح القدير: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب) الضمير في قبله راجع إلى القرآن، لأنه المراد بقوله: (أنزلنا إليك الكتاب) أي ما كنت يا محمد تقرأ قبل القرآن كتاباً ولا تقدر على ذلك لأنك أمي لا تقرأ ولا تكتب (ولا تخطه بيمينك) أي ولا تكتبه، لأنك لا تقدر على الكتابة. قال مجاهد: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمداً "صلى الله عليه وسلم" لا يخط ولا يقرأ فنزلت هذه الآية. قال النحاس: وذلك دليل على نبوته، لأنه لا يكتب ولا يخالط أهل الكتاب، ولم يكن بمكة أهل كتاب فجاءهم بأخبار الأنبياء والأمم. (إذاً لارتاب المبطلون) أي لو كنت ممن يقدر على التلاوة والخط لقالوا لعله وجد ما يتلوه علينا من كتب الله السابقة أو من الكتب المدونة في أخبار الأمم، فلمّا كنت أمياً لا تقرأ ولا تكتب لم يكن هناك موضع للريبة ولا محل للشك أبداً، بل إنكار من أنكر وكفر من كفر مجرّد عناد وجحود بلا شبهة وسماهم مبطلين لأن ارتيابهم على تقدير أنه "صلى الله عليه وسلم" يقرأ ويكتب ظلم منهم، لظهور نزاهته ووضوح معجزاته.
الرأي الثاني: يقول ابن عجيبة في البحر المديد: (وما كنت تتلو من قبله) من قبل القرآن (من كتاب ولا تخطه بيمينك) بل كنت أمياً، لم تقرأ ولم تكتب، فظهور هذا الكتاب الجامع لأنواع العلوم الشريفة والأخبار السالفة، على يد أمي، لم يُعرف بالقراءة والتعلم خرق عادة، قاطعة لبغيته. وذكر اليمين، لأن الكتابة غالباً تكون به، أي: ماكنت قارئاً كتاباً من الكتب، ولا كاتباً (إذاً لارتاب المبطلون) أي: لو كنت ممن يخط ويقرأ لقالوا: تعلمه، والتقطه من كتب الأقدمين، وكتبه بيده، أو يقول أهل الكتاب الذي نجده في كتابنا أمي لا يكتب ولا يقرأ، وليس به، وسماهم مبطلين لإنكارهم النبوة أو لارتيابهم فيها، مع تواتر حججها ودلائلها.
ويضيف ابن عجيبة: هذا وكونه "صلى الله عليه وسلم" أمياً كمال في حقه، مع كونه أمياً أحاط بعلوم الأولين والآخرين، وأخبر بقصص القرون الخالية والأمم الماضية، من غير مدارسة ولا مطالعة، وهو مع ذلك يخبر بما مضى، وبما يأتي إلى قيام الساعة، وسرد علم الأولين والآخرين مما لا يعلم القصة الواحدة منها إلا الفذ من أحبارهم، الذي يقطع عمره في مدارسته وتعلمه، وهذا كله في جاهلية جهلاء بَعُد فيها العهد بالأنبياء، وبدل الناس، وغيروا في كتب الله تعالى بالزيادة والنقصان، ففضحهم "صلى الله عليه وسلم" وقرر الشرائع الماضية، فهذا كله كاف في صحة نبوته، فكانت أميته "صلى الله عليه وسلم" وصف كمال في حقه، ومعجزة دالة على نبوته لأنه "صلى الله عليه وسلم" مع كونه أمياً، أظهر من العلوم اللدنية، والأسرار الربانية ما يعجز عنه العقول، ولا تحيط به النقول، مع إحكامه لسياسة الخلق ومعالجتهم مع تنوعهم، وتدبير أمر الحروب، وإمامته في كل علم وحكمة.
وأضاف في البحر المديد: وأيضاً المقصود من القراءة والكتابة: ما ينتج عنهما من العلم، لأنهما آلة، فإذا حصلت الثمرة استغنى عنهما. والمشهور أنه "صلى الله عليه وسلم" لم يكتب قط. وقال الباجي وغيره: إنه كتب، لظاهر حديث صلح الحديبية. وقال مجاهد والشعبي: ما مات النبي "صلى الله عليه وسلم" حتى كتب وقرأ وهذا كله ضعيف.
 انتهى ما ذهب إليه ابن عجيبة.. ومن أراد المزيد فليراجع المطولات لأن فيها الكثير من تفصيل أسباب أمية النبي "صلى الله عليه وسلم" ومن يذهب إلى خلاف هذا الإجماع فلا يؤخذ برأيه ولا يعتد بحجته.

       
abdullahhenrico@outlook.com

بالفيديو والصورة مديح الأنبا بيشوى: حبيب المسيح


قدمت شاعرة الشهداء ناهد فاروق شاروبيم مديح بمناسبة عيد الأنبا بيشوى حبيب مخلصنا الصالح تذكار نياحته حيث امتدحته قائلة .
أهتف بلسان فصيح .. وأمدح حبيب المسيح .. صاحب النُسك الصحيح
             .........(( بـنـيــوت آفـــا بــيــشــــوى )).......
إختاره رب القوات .. من بين سبع إخوات .. ليضىء بين الطغمات
من صغره إناء مختار .. حياته ليل ونهار .. صلا ومزاميز وأسفار
من مـحـبـتـه لله .... قـرر تـرّك الـحـيـاه .... واتـعـبـد فـالـصحـرا
كان مليان بالنعمة .... قصد الأنبا بـموا .... أرشده وأعطاه قوة
كان عنده إيـمان كبير .. واجهته حروب كتير .. من إبليس الشرير
ربط شعره بحبال ... صلى ليالى طوال ... حبيب الرب المتعال
قضى طول حياته ... مهتم بـصـلـواتـه ... كان قـدوة لإخـواتـه
وبإرشاد إلهى ... كان صديقه الروحى ... أنـبـا بـولا الطاموهى
شال يسوع على كتفه .. والرب الهه وعده .. الفساد لن يرى جسده
غسل أقدام يسوع .. نظر وجهه فى خشوع ... ب عيون مليانة دموع
ف عبادته كان آمين ... مـثـال لـلـقـديـسـيـن ... قـدوة لـلـمـؤمـنـيـن
بتواضعه غلب إبليس ... حارب كل فكر خبيث ... ظهرله الـمخلص
كان دائم البكاء ..... حـنـون على الفقراء ..... مـرشـد للضعفاء
حياته كانت إنـجيل ..  وكلامه كان دلـيـل .. لطريق عـمـانـوئـيـل
بـريـة شـيـهـيـت .. بـقـداسـتـك شهدت .. مـئـات وألـوف آمـنـت
كنت مثال للراعى ... لطريق يسوع داعى ... كنت بنعمته واعى
يا ينبوع الرحمة ... أعطاك الله حكمة ... فى تفسير الكلمة
أنت الرجل الكامل .. لكتاب الله حامل ... بكل وصياه عامل
سبعة وتسعين سنة .. عشت معانا يا أبانا .. فى مخافة ربنا
فى 8 أبيب تـمام ... رحـل عنا بـسـلام ... لأحضان رب الآنـام
انت قارورة طيب ... يا رجـاء لا يـخيب ... يا شـمـس لا تغيب
صـلـيـلـنـا كـلـنـا ... وأطـلـب مـن ربـنـا ... يـبـارك أرضــنــا
صلى لكل الرهبان ..  والكنايس والبلدان .. أمام عرش الديان
يا كوكب فالفردوس .. يا حبيب الرب إيسوس .. صلى لكل النفوس
تفسير إسمك فى أفواه كل المؤمنين الكل يقولون يا اله الأنبا بيشوى أعنا أجمعين
هذا وقد قام المرنمين ( ساتر ميخائيل _ سناء أسعد _ سارة معروف _ أسامة سبيع ) بتكمله العمل الرائع ومشاركة التوزيع الموسيقى والهندسة الصوتية والمكساج (أمجد عاطف ) وصولو تشيللو (ايهاب سمير) ومـونـتـاج  (مـريـم مـاهـر) تم التسجيل باستديو إيلوهيم 

وبينات من الهدى والفرقان/ عبدالله بدر اسكندر

 ذكر في الخبر أن رمضان هو اسم من أسماء الله تعالى ومن هنا كانت النسبة، فقولنا شهر رمضان أي شهر الله، ومن ذهب إلى ذلك قال إن النبي (ص) نهى عن تجريد رمضان من الشهر فلا يصح القول رمضان بل لا بد من الجمع بين اللفظين، وذلك لأجل التمييز في النسبة المقدرة لهذا المعنى الإضافي، والحقيقة أن هؤلاء الناس الذين ذهبوا إلى هذا الرأي لا تستقيم دعواهم لأنها بعيدة كل البعد عن الأغراض التي يمكن من خلالها التعرف على المبادئ المقدسة لهذا الشهر دون أن تكون هناك كلفة في تقرير الرابط بين أسماء الحق سبحانه وبين الشهر المبارك، وعند تأمل هذا الطرح نجد أن لأصحابه مجموعة من الأهداف التي انتقلت إليهم عن طريق الإسرائيليات وأنت خبير من أن الأمر إذا كان انبعاثه عن هذا الطريق فمن الطبيعي أن تبان الأسباب، ومن هنا نرى أن أتباع هذا الاعتقاد أصبحوا كالأداة المسيرة في إضفاء الشرعية للمصطلح وتركيباته دون وجه حق، ولو تأملت أكثر لوجدت أن الأسياد الذين كان همهم الحفاظ على ترسيخ المصطلح وجعله اسماً من أسماء الله تعالى لا هم لهم سوى النيل من القرآن الكريم، ولهذا تجد هذا الصنف من الناس يعمل جهده لأجل إيجاد مبرراً للتفريق بين قدسية القرآن الكريم وبين الشهر الفضيل، باعتبار أن الاسم إذا نسب إلى الله تعالى وأصبح من الأسماء الحسنى فبطبيعة الحال سوف توجه الأنظار إلى السبب المباشر في تشريع الصيام دون الملاك المراد من السبب الأرجح الذي يحاولون جاهدين إبعاد الناس عن التعرف عليه والمتمثل بإنزال القرآن الكريم، لأن الله تعالى لم يفرض الصيام في هذا الشهر إلا بسبب هذا الإنزال وأهميته، فشهر رمضان يستمد شرفه وفضله من القرآن الكريم وليس العكس فتأمل.
فإن قيل: ما هو وجه التلازم بين شهر رمضان وبين القرآن الكريم؟ أقول: العلاقة التلازمية بين الشهر الفضيل وبين القرآن الكريم ترد إلى الظهور التام الذي يتوسط في إزالة الحجب عن الكون، وذلك بسبب الآيات الدالة على الربوبية والتي لها دور في إزالة الغطاء الذي يستر الوجود إذا ما كان لها تعاضد مع ما يشير إلى بيانها من خلال الآيات القرآنية، وهذا الأمر يتناسب طردياً مع تشريع الصيام في هذا الشهر وذلك لأن النفس لها علائق لا يمكن إزالتها إلا عن طريق الصيام ومن هنا كانت الملازمة، واعلم أن لو اعتمدنا هذه المقدمة نكون قد ربطنا الإنزال بالصيام دون أن يكون هناك ما يفرق بين الاثنين، إلا أن هذا التوافق قد يكون بعيداً عن الحقائق العلمية والتأريخية إذا ظهر أن القرآن الكريم الذي بين أيدينا لم ينزل في هذا الشهر، ومن أراد إثبات ذلك أخذ برأي الجمهور القاضي بعدم الإنزال الكامل لأن هذا لا يمكن التحقق منه وإنما المراد هو إنزال بعض منه في أول البعثة وبعض القرآن يسمى قرآناً كما أن بعض الكتاب يسمى كتاباً وبهذا يظهر الفرق.
وقد يلاحظ على هذا الاعتقاد أن آيات الدفعة لا تساعد على استقامته، كقوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) القدر 1. وكذا قوله: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين) الدخان 3. بالإضافة إلى قوله تعالى في آية البحث: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرأن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) البقرة 185. وربما يجيب المعترضون بأن القرآن أنزل في ليلة القدر إلى السماء الدنيا ثم نزل إلى الأرض نجوماً حسب ما يحتاج إليه الناس كما هو الحال في أسباب النزول، واعلم أن لو كان الأمر كذلك لانتفى الهدى من القرآن الكريم وذلك لعدم اقتضاء الداعي، أي إن وجوده في السماء الدنيا لا يمكن أن يفهم منه اشتماله على الأسباب التي نزل بموجبها قبل أن تحدث، كما في قوله تعالى: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) الأنفال 66. وكذا قوله: (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير) هود 112. وقوله: (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين) التوبة 7. بالإضافة إلى الناسخ والمنسوخ وكذا الآيات النازلة لأسباب آنية وهلم جراً.
وبناءً على ما تقدم يتضح أن هذه الآيات لا يمكن اجتماعها في سماء الدنيا دون أن تكون هناك فائدة ترجى منها، وهناك أمراً أكثر أهمية وهو أن الروايات المعتبرة لدى الفريقين تنص على أن القرآن الكريم قد أنزل في اليوم السابع والعشرين من شهر رجب وهو يوم بعثة النبي (ص) وأول ما نزل في هذا اليوم قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) العلق 1. ثم أنزل الله تعالى سورة المدثر التي بينها وبين شهر رمضان أكثر من ثلاثين يوماً ثم إن الإنزال الذي يتمسك به القوم لا يتناسب مع الإنزال التدريجي، وقد عرفت من آيتي سورة القدر وسورة الدخان ما يبطل ذلك، وعند البحث في متفرقات القرآن الكريم نجد أن الإشارة ظاهرة إلى إنزال الكتاب دفعة واحدة دون أن يكون هناك لبساً في الأمر، كما هو الحال في آية البحث، وفي حال الجمع بين المتفرقات آنفة الذكر وبين الروايات المعتبرة يظهر أن للقرآن الكريم نزولاً آخر لا يتطابق مع النزول التدريجي أو النزول إلى السماء الدنيا الذي تتنازع فيه الأفكار المتناقضة وتذهب بمعانيه وتبيان جمله كل مذهب، فالإنزال الحقيقي الذي تطمئن إليه النفس هو الإنزال الخالص الذي لا تشوبه الأفعال المادية ولا تختلف فيه الألسن وهذا هو المشار إليه بقوله تعالى: (إنه لقرآن كريم... في كتاب مكنون... لا يمسه إلا المطهرون... تنزيل من رب العالمين) الواقعة 77- 80. 
من هنا نفهم أن آيات سورة الواقعة تشير إلى الإنزال المجمل الذي ألقي في روع النبي (ص) وهذا ما حصل في شهر رمضان، وإن شئت فقل هذا ما أضفى القدسية على شهر رمضان، وذلك بسبب إنزال المعارف الكلية على رسول الله (ص) دفعة واحدة دون الألفاظ التي بين أيدينا والمعرضة للمس من قبل الناس جميعاً، وعند الجمع بين تلك المعارف وبين القرآن الكريم الذي أنزل على شكل نجوم يظهر أنها كانت معلومة للنبي (ص) قبل تفصيلها كما تشير إلى ذلك الآيات الواردة بهذا المعنى، كقوله تعالى: (الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) هود 1 وكذا قوله: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) النحل 44. وهذا ظاهر في التعبير المشار إليه بالإنزال الخاص بالنبي (ص) والتنزيل الذي يراد منه عامة الناس، أما من يذهب إلى أن القرآن الكريم قد نزل بصورته الحالية جملة واحدة فهذا الرأي لا يمكن أن نركن إليه وذلك لأن موارد نزول الآيات ترده بسبب الوقائع والحوادث التي لها ارتباط خاص بالزمان والمكان إضافة إلى آيات الأحكام التدريجية كما مر عليك من خلال البحث، وكما ترى فإن هذا الأمر لا يمكن أن يجتمع في زمان واحد، وأهم من هذا تلك الأسئلة التي كانت توجه للنبي (ص) ولا يجيب عنها إلا حين يرفده الوحي، كل هذا يدل على عدم نزول القرآن الكريم بنفس الطريقة التدريجية.
وبهذا يتضح أن الإنزال الإجمالي كان على صفة أخرى بعيدة عن الألفاظ التي يفهمها عامة الناس بواسطة اللغة، ولذلك فإن النبي (ص) كان يسبق الوحي في تقرير ما يلزم تقريره من حلال وحرام وما إلى ذلك، وفي هذا دليل على أنه (ص) كان يطمح بإيصال تلك المعارف إلى الأمة، إلا أن الحق تبارك وتعالى يريد أن تأخذ الأحكام مجراها الطبيعي دون العجلة التي كان النبي (ص) يراها ملزمة للأمة، ولا يتنافى هذا الأمر مع موقفه (ص) ولكن الضعف في القابل وليس في الفاعل، وهذا من الغيب الذي لا يحيط به إلا الله تعالى، ومن هنا فإن الحق سبحانه قد نهى الرسول (ص) عن فتح جميع أسرار القرآن الكريم التي كان يعلمها علماً إجمالياً، ولهذا خاطبه جل شأنه بقوله: (فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علماً) طه 114.
فإن قيل: لمَ كرر تعالى الهدى في قوله: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) البقرة 185. أي آية البحث؟ أقول: هذا ليس تكراراً للهدى وإنما الهدى الأول تعم فائدته جميع الناس، أما الهدى الثاني فهو الذي يرفد العلماء بالبينات من أجل أن يطلعوا على معرفة أسرار القرآن الكريم، وحرف (من) لم يأت للتبعيض وإنما لابتداء الغاية أي إنهم على مساس تام للهدى، وهذا نظير قوله تعالى: (وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون) يس 9. وكان بالإمكان الاستغناء عن (من) ويكون التقدير "وجعلنا بين أيديهم سداً وخلفهم سداً" وبهذه الحالة يستقيم الكلام، إلا أن دخول حرف (من) أفاد ملاصقة السد وقربه المتناهي منهم فتأمل.      
        
abdullahhenrico@outlook.com

جِئْتُكَ خَاَشِعَاً/ الشيخ د مصطفى راشــد

  
 مولاي  ربي جئتك خاشــعاً وَجِلُ
ألوذُ بك من ظلمِ البـشـر
تَسبَقَنِي دموعي بتوبة الخاطي الندمُ
طمعاً فى حماك  بعد أن تَقَطَعَت بَيِ السُبلُ
وأحباباً قد تَخَلوا عني بلا خجلِ
بعد أن قدمتَ لهم المال والحب والكرمِ
وضاع كل شىء وأصبحتُ كائنً من العدمِ
وبين العباد أُغُلقت فى وجهي النعم
فمن لي سواك يرحمُ ويبدل
أقصدُ بابكَ  يامن عندهُ كل الخير والكرمِ
فلا تُغلقةُ في وجهي  ياغفورً بلا سببِ
يامن سبقت رحمتهُ العذاب والألمِ
خذ بيدي نحو بِرِكَ الفادي الصمدُ
فحالي يُرّثَىيَ  لهُ بين الموت حياً والندم
فأمنحني رضاك والغوث من المرض
فمن لي سواك أقصد وأبتهل
بعد أن عمَ بيتي الحُزن والهمِ
وضاقت بِيَ سَبَل العيش يامن عليه أتَكِلُ
فارحم زلتي وقلة حيلتي من الجهل والفشلِ
واغفر لأهلي وكل من رحلوا
ولا تنس من عصاك ياأعظم من رَحِمو
فنحن الضعفاء وأنت القوي  الصَّمَدُ 
ونحن الخطاة وأنت الغافر الأحدُ 
ربُ الآديان والملحدين  وكل من خُلِقوا 
اجعل سلامك  بين البشر  يحتكمُ
وتقبل رجائي ودعائي يامن إليه نلتَجِئُ
ونبتغي رضاه يامن بِيَدِهِ الحل والعملِ
فأقبل توبتي يامن بِيَدِهِ العفو والأمل
جِئْتُكَ خَاشِعَاً وببابك معتصمُ
فردنى مغفوراً مجبوراً مُنَعَمُ
                         فهل يرحمُ العبدَ بعد الله من أحدِ
                       

مسلمون بأميركا جمعوا تبرعات في رمضان لبناء كنائس

العربية لندن - كمال قبيسي
مسلمون بالآلاف في ولايات أميركية، ينشطون في العشر الأواخر من رمضان بشكل خاص، للانتهاء من حملة جمع تبرعات بدأوها في أوله، مساهمة منهم بترميم أو إعادة بناء 6 كنائس تابعة للسود، قلة منها تضررت بكوارث طبيعية، ومعظمها أتت عليه في 3 أسابيع مضت نيران متعمدة أو هجوم عنصري، كالذي لحق في 17 يونيو الماضي بكنيسة "عمائيل الأفريقية الأسقفية الميثودية" في مدينة "تشارلستون" بجنوب ولاية كارولينا، فخرّب داخلها رصاص أطلقه شاب، وبه قتل 9 من السود قبل أن يعتقلوه.
حملة LaunchGood اشتهرت بين الأميركيين وأصبحت في الأيام الأخيرة حديث وسائلهم الإعلامية التي طالعت "العربية.نت" في بعضها عن تفاصيلها، وبدأتها شابة مسلمة اسمها فاطمة أمة الله نايت، وهي طالبة عمرها 23 سنة وتدرس علم اللاهوت في إحدى الجامعات بجنوب كارولينا، ووجدت في بدء شهر الصيام مناسبة لتقنع عددا من أصدقائها بالحملة التي هدفت إلى جمع 10 آلاف دولار فقط، وعندما حصلوا عليها في 12 ساعة، جعلوا الهدف 50 ألفا، وصلت حتى اليوم الخميس إلى 30 ألف دولار فقط.

فاطمة أمة الله نايت، التقت العام الماضي بالرئيس الأميركي باراك أوباما في احدى المناسبات
وكان يونيو، منذ منتصفه بشكل خاص، شهد كوارث طبيعية وهجومات متعمدة استهدفت كنائس، جميعها للسود، منها واحدة اسمها "جبل صهيون" الأسقفية الأفريقية، بمدينة "غريليفيل" في كارولاينا، وأتت عليها نار، لم تبق منها سوى حجارة متفحمة، أعادت ذاكرة البعض الى حريق كبير اشتعل في الكنيسة نفسها قبل 20 سنة، وأضرمه عنصريون من منظمة Klan Klux Ku العرقية المتطرفة ضد السود. أما الأخير، فسببه عواصف رعد قصفت الكنيسة في أول يوليو الجاري بأربع صواعق نارية من الأخطر.
قبلها بأيام، أتى حريق على "كنيسة غلوفر غروف" في المدينة نفسها، ولم يتوصل التحقيق الى سببه بعد، إضافة الى حريقين آخرين، شبا بكنيستين في مدينة "تشارلوت" الواقعة شمال كارولاينا، وأثبت التحقيق بأنهما كانا متعمدين، فيما اشتعلت النيران بكنيسة في مدينة "ماكون" بولاية جورجيا، والتحقيق جار بشأنها لمعرفة سببها، مع ميل أولي مستند الى قرائن بأنها كانت عمدا أيضا. كذلك أتى حريق على كنيسة خامسة في مدينة "تالاهاسي" بولاية فلوريدا، وتأكدوا بأن أسبابه طبيعية، من الصواعق وما شابه.

الفلسطينية ليندا صرصور مع تغريدتها
ومن الناشطات في حملة جمع التبرعات هي الفلسطينية ليندا صرصور، الناشطة الموصوفة بأكثر من نشط ليفي عمدة نيويورك، بيل دي بلاسيو، بوعده الذي قطعه للجالية العربية والمسلمة، وأصدر بموجبه مرسوما في مارس الماضي، أضاف فيه عيدي الفطر والأضحى إلى الأعياد الرسمية التي تعطل المدارس فيها، ومنها الميلاد ورأس السنة الميلادية للمسيحيين ويوم الغفران ورأس السنة العبرية لليهود.
الحملة لا تهدف لمد العون المالي فقط للعاملين على ترميم وإعادة بناء الكنائس التي استهدفتها الهجمات، بل أيضا لإيضاح المهم، وهو أن المسلمين يتقبلون الآخر ومسالمين، ويبنون ولا يهدمون ولا يرهبون، بل يساهمون بترميم وإعادة بناء ما يدمره الأميركي نفسه، على حد ما يمكن استنتاجه من التغطية الإعلامية الأميركية للحملة حتى الآن.

البابا فرنسيس يذكّر أميركا اللاتينية بما عليها حيال الضعفاء

ذكّر البابا فرنسيس أميركا الجنوبية في مستهل جولة بدأها في الاكوادور، بما عليها «حيال الضعفاء والمعوزين»، لافتاً إلى أن «التقدم والتنمية القائمة (في اميركا الجنوبية) يضمنان مستقبلا افضل للجميع«.

وقال الحبر الاعظم في كلمته في مطار ماريسكال سوكري في كيتو، عاصمة الاكوادور، إنه «يتعين ايلاء الضعفاء والاقليات المهمشة انتباها خاصا، ويتعين على اميركا اللاتينية الاهتمام بهم«.

وكان البابا فرنسيس، وهو اول بابا يسوعي من اميركا اللاتينية في التاريخ، والذي سيغادر الاكوادور غداً الاربعاء الى بوليفيا، قبل ان يزور من الجمعة الى الاحد الباراغواي، شارك في الايام العالمية للشبيبة في البرازيل في 2013.

وفي برقية بعث بها الى الرئيسين الفنزويلي نيكولا مادورو والكولومبي خوان مانويل سانتوس لدى تحليق طائرته في الاجواء الفنزويلية، دعا البابا ايضا الى «تعايش سلمي» في فنزويلا وكولومبيا اللتين تواجهان اضطرابات داخلية.

وفي هذه الرحلة التاسعة التي يقوم بها البابا فرنسيس الى الخارج، يزور ثلاث دول يشكل الكاثوليك غالبية سكانها، وواجهت تاريخا طويلا من الفقر والفوارق الاجتماعية التي تمس اساسا السكان الاصليين. وسيلقي 22 خطابا ويستقل الطائرة سبع مرات لاجتياز 24 الف كيلومتر. 

وفي تصريح لوكالة «فرانس برس»، قال الاب دافيد دو لا توري، المتحدث باسم المؤتمر الاسقفي الاكوادوري، ان الكنيسة تأمل في ان يوجه البابا «رسالة قوية حتى نحول انظارنا فعلا الى الضواحي، ناحية المعوزين والمهمشين«.

ويستقبل الاكوادوريون الذين عمد بعض منهم الى طلاء منازلهم ورفعوا رايات الترحيب، حبرا اعظم للمرة الثانية بعد زيارة يوحنا بولس الثاني في 1985. وفي تلك الفترة كان 94 في المئة من السكان يقولون انهم كاثوليك، وقد تراجع هذا الرقم الى 80 في المئة من اصل عددهم البالغ 16 مليون نسمة اليوم.

ويترافق هذا التراجع مع التقدم الاستثنائي للحركات الانجيلية التي تمكنت من اجتذاب سكان البلاد الاصليين الذين خذلهم تراجع اهتمام الكنيسة الكاثوليكية بهم.

وتأتي زيارة البابا الى الاكوادور في اطار من التوتر السياسي بسبب قرار الرئيس كوريا الذي يترشح بصفته «كاثوليكيا يؤمن بمبادئ اليسار الانسانية»، ويواجه منذ شهر تظاهرات تعارض سياسته الاشتراكية التوجه.

ولدى نزوله من الطائرة، دعا البابا فرنسيس الاكوادوريين الى استلهام الانجيل من اجل «تسهيل الحوار والمشاركة من دون استبعاد احد«.

وسيجري هذا البابا الذي يعنى كثيرا بالشؤون السياسية، لقاءات ايضا خلال رحلته مع ايفو موراليس (بوليفيا) الرئيس التقدمي الكاثوليكي الآخر، والرئيس المحافظ ايضا هوراسيو كارتيس (الباراغواي) وعددا من القادة الاخرين، بينهم الرئيسة الارجنتينية كريستينا كيرشنر.

وسيزور البابا واحدا من السجون المحاطة بتدابير امنية مشددة ويعتبر الاسوأ في القارة، وهو سجن بالماسولا القريب من سانتا كروز في بوليفيا.
(اف ب) 

الاختلاف في الاتجاهات الفكرية/ عبدالله بدر اسكندر

عندما يريد الإنسان دراسة الأفكار المتشعبة ويجهد نفسه في حل ألغاز كذا نوع من أنواع العلوم والإبحار في نظريات أهل العلم فإنه يواجه أمواجاً كثيرة تجرفه واتجاهات شتى تأخذ به وبناءً على هذا تبدأ لديه مرحلة التحليل والتنقيح فيكون موقفه من تلك الاتجاهات إما القناعة بها أو الخروج بما يخالفها، ولهذا فإن نشأة الفكر لا يمكن أن تعتمد على اتجاه الآحاد أو أخذ الآراء السقيمة قياساً إلى ما يجب العمل به في الأفكار الايجابية. ومن هنا نعلم أن ما يحثنا به القرآن الكريم على اعتماد الوسطية لا يعني أن تلك الوسطية التي تلتزم الموازنة في الجانب الايجابي وليس تلك التي تحدث طرفاً مضافاً، ولذلك فإن الغالب العام من هذه الأمة حين التزموا الوسطية ووضعوها في المكان غير المناسب كان هذا هو السبب في نشأة الاختلاف بين المذاهب والاتجاهات، حتى أصبحت ميول أصحاب القرار نحو الأهواء والرغبات معتبرين أن الآخرين في واد وهم في واد آخر وهذا ما أدى إلى تطور الخلاف المذموم بين المذاهب والفرق على اختلاف مللها ونحلها. 

وعندما نريد دراسة تلك الانقسامات والتحكم بها نكون قد وجدنا الحل الأمثل لجمع الأفكار التي تفرقت بسبب الاختلاف غير السليم وبهذا نحصل على فكر مخالف وجديد يتمثل في المفاهيم العامة التي يرتكز عليها المجتمع وبنفس الطريقة التي شرعها الله تعالى في هذا المبدأ المتمثل في العبادات والأحكام من خلال النهج السليم لأن الاختلاف بطبيعة الحال يفضي بالأمة إلى الواقع المحيط بها والذي بموجبه تحسن التصرف في الأعباء الملقاة على عاتقها والمطلوب التمسك بها أما بخلاف هذا فإن الواقع المتزمت والاعتقاد المتخذ دخلاً بين أبناء الأمة تكون نتائجه غير سليمة.

وهذا الاختلاف الذي يبعث اليأس في حال هذه الأمة يتفرع على الاختلاف الفكري الذي شغل العلماء طيلة القرون السابقة إلى يومنا هذا، وإن كانت بعض المراحل لا تخلو من المخلصين الذين بذلوا الجهد لأجل التقريب بين الفرق المختلفة فكرياً، ولكن هذا العدد لقلته لا يمكن أن يجاري التيارات التي همها الهدم والتفريق لأن دافع هؤلاء لا يخرج عن حب التسلط والتحكم بمصير السواد الأعظم من الناس ولو كان ذلك على حساب حقوق الآخرين. والأشد فتكاً بهذه الأمة من ذلك التيار الذي يعمل على علم وبينة تيار آخر يغلب عليه الجهل والتخلف وعدم مراعاة مصالح الآخرين وهذا التيار له اليد الطولى في القضاء على همم الطليعة التي تأمل على إصلاح ما أفسده السلف. 

والاختلاف الذي يفرضه الواقع والمعتقد الحي بطبيعته يثري النهج السليم، حيث إن تعدد الآراء وفتح أكثر من باب للعلوم المختلفة تجعل المتلقي على يقين وطمأنينة عند دخوله هذا الصرح ومن أي الأبواب شاء وليس هناك أمر سالب في هذا لأن القرآن الكريم جعل من الاختلاف أمراً ايجابياً كما قال تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين... إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) هود 118- 119. ولو أخذنا هذا الاختلاف الذي أشارت إليه الآية الكريمة على عمومه لكان مفهوماً عاماً ينطوي تحته ألف عنوان من اختلاف الألوان والألسن والرغبات والقوة والضعف وما إلى ذلك، بحيث يتفرع على هذا تكامل الحياة وخدمة البعض للبعض الآخر كما قال تعالى: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا) الزخرف 32.


 فإن قيل: إذا كان الاختلاف أمراً مشروعاً فلماذا لا يحق لنا أن نختار الدين الذي نرغب به؟ أقول: إن الاستعداد الديني خارج عن الاختلاف لأنه أمر فطري جبل عليه الإنسان كما قال تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الروم 30. لكن الذي حدث فيما بعد من تفرق الناس واختيارهم الطرق البعيدة عن الدين ما هو إلا خروج عن الفطرة وهذا يعد من البغي على دين الله كما قال تعالى: (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم) الشورى 14. وكذلك قوله: (فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) الجاثية 17. وهذا ما أشرنا إليه من تصادم الأطماع والجهل الناتج من العلماء ومن يعمل على شاكلتهم ولهذا فإن القرآن الكريم يؤكد دائماً على أن الناس أمة واحدة وتحت ظلال فطرة واحدة لكن الاختلاف السلبي جعل الحاجة ماسة لإرسال الرسل والأنبياء لسد هذا الفراغ الذي أوجده الاختلاف لذلك قال جل شأنه: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) البقرة 213. وكذلك قوله: (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون) يونس 19.
       
abdullahhenrico@outlook.com

بالفيديو والصور إحتفالات شعب سيدنى بثمار أربعين سنة كهنوت للقمص صموئيل وديع





إحتفل شعب سيدنى أمس الاحد 5/7/2015 بأمسيه روحية بكاتدائية السيدة العذراء ومارمينا بيكسيلى بمناسبة عيد رسامة القمص صموئيل وديع الأربعين ببركة وصلوات قداسة البابا المعظم الانبا تواضروس الثانى وبحضور أصحاب النيافة الانبا بولا إسقف طنطا والانبا دانييل أسقف سيدنى والانبا دانيال أسقف دير الانبا شنودة بسيدنى كذلك اباء الكنيسة وبعض اباء كنائس الإيبارشية .
وقد قام جميع الاباء الاساقفة الحاضرين وبعض الاباء الكهنة بالقاء كلمات روحية بهذه المناسبة فيما ارسل كل من نيافة الانبا انجيلوس الاسقف العام بإنجلترا والقس ديفيد محروس التهنئة برسائل مصورة فيديو .
ومما يذكر ان القمص صموئيل قد سيم كاهناََ على مذبح كنيسة السيدة العذارء والقديس يوسف بسموحة بالإسكندرية يوم 29/6/1975 على يد قداسة المتنيح مثلث الرحمات الانبا شنودة الثالث بتزكية القمص موسى سليمان وشعب الكنيسة , وقد إنتقل للخدمه بإستراليا عام 1979 .
ومن ثمار خدمتة العديد من الاساقفة والكهنة منهم الانبا سوريال والانبا انجيلوس والقساوسة أثناسيوس إبراهيم , ديفيد محروس , يسطس واصف , شينوتى جبران , انتونى مرجان وموسى بشاره والراهب موريتروس الانبا بيشوى .
ومن المعروف ان القمص صموئيل له العديد من البصمات الروحية فى الإيبارشية فهو الذى قام بإنشاء مجلتى المنارة وتى آجيا ماريا كما كان يهتم بسير القديسين والشهداء حيث قام بمراجعة العديد من الافلام والمسرحيات الدينية منها على سبيل المثال الشهيد أبانوب , الشهيدة مارينا والقديس يسطس الانطونى وابونا عبد المسيح الحبشى , فيما اهتم بعمل نهضة روحية فى عيد تذكار نياحة البابا كيرلس السادس وخاصة قداس الإحتفال والذى ينظره شعب سيدنى من كل عام حيث يكون يوم روحى عظيم .   
وفى السياق نفسه احتفلت بعض الخدمات والإجتماعات بالكنيسة بالمناسبة نفسها وسط الاسبوع الماضى فيما قدمت الكاتدائية كتاباََ بعنوان ثمار أربعين سنة خدمة للقمص صموئيل جرجس هدية لشعب الكاتدائية .
هذا وقد نشر احد ابنائه على صفحته على الفيس بوك منذ ثلاث سنوات  قائلاََ كما نشر بالكتاب أيضاََ 
 رسالة إلى أبى القديس القمص صموئيل وديع
 بكل الحب و الأمتنان
أتقدم لشخصكم الحبيب فى شخص الرب يسوع المسيح مهنئاً قداستكم بالعيدالسابع والثلاثون لكهنوتكم أدام الله كهنوتكم سنين كثيرة و أعوام مديدة متمتعاً بحياة الإيمان بشخص المجد يسوع المسيح .
و بالحق حينما نرى
و جهكم كأنما نرى وجه ملاك ملئ بالإيمان الحقيقى و حينما نلمس افكاركم نجدها افكار
المسيح و هنا يتحقق قول الكتاب "اذ لنا فكر المسيح" و حينما نسمع كلامكم
كأننا نسمع كلام اباء الكنيسة الأولين فبالحق و شهادة حق انكم مدرسة ايمانية و
تعليمية و انجيل مقروء و مفتوح للجميع فلقد علمتنا الحياة الروحية الحقة و مازلت
تعلمنا كنا نراك حينما يطعنك الأخرون بسهام مسمومة و نرة و جهكم يبتسم و قلبكم
يغفر بحب و حنو و بفرح تحضن الأبن العاق او طاعنك او شاتمك و تجذبة الى صدر المسيح
.
نراك فى اتون
النار و نرى بجانبك الرب يسوع المسيح يعضدك و ينصرك و كأن الثلاثة فتية تسبح و انك
تسبح معهم حسب المنهج العالمى نتوقع ان تهاجم اعداءك و لكننا نرى المسيح الذى فى
داخلك تجذبهم بكل الحب و الفرح ..
لقد بنيت بناءً
روحياً كما بنيت الكاتدرائية حتى تسخر كل شئ من اجل خدمة شعب المسيح و تحاول ان
تجعل كل الخدمات تسير بسهولة و مرونة لذلك دائماً يحاربك العدو محاربات قاسية و
لكنك كالجبل تصد و تحارب بإيمانك و صبرك و صلاتك و المذبح الذى تضع عليه كل
المشاكل فتحلها و تحرق ابليس و كل جنوده.
رايناك تختلى
بروحك فى الدير و فى خلوات روحية و فى نهايتها تعد برنامج النهضة نهضة البابا
كيرلس و الصوم الكبير و نهضة مارمينا و نهضة السيدة العذراء و نهضة تكريس كنيسة
مارمينا و احتفالات روحية و غيرها و تملء الدنيا صلاة و عظات و ترانيم و كأنكم
تشدون شعب الكاتدرائية وشعب استراليا الى حضن المسيح.
علمتنا الأهتمام
بخدمة كبار السن و علمتنا الأهتمام بالغرباء و رأيناك تلتهب محبة و حب للفقراء و
المحتاجين و المعتازين ... تأسيسكم لخدمات مثل مجلة المنارة و التى كنتم تراجعونها
حتى الرابعة فجرا قبل طباعتها و المشهود لكم انكم لم تتأخروا لحظة واحدة عن اولادك
فى سرعة تقديم المساعدة او المشورة او العزاء او النصيحة .و علمتنا العشاء الشهرى
مع احد القديسين لتجتمع الكنيسة على مائدة الحب المقدس و عندما ينتهى العشاء تتوق
القلوب لموعد العشاء للشهر التالى...
هناك أكليل و
شهادة باباوية فقد وصفكم قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث امام شعب
استراليا فى احدى زيارته انكم رجل طيب و طيب القلب.
الأتضاع و انكار
الذات و الصلاة كلهم متلازمين مع خدمتكم نسأل الله الآب ان يباركنا ببركة صلواتكم
و ان تغفر لى ان كان قلمى عجز عن الوفاء بحقكم.
حاللنى و سامحنى
ابنكم
ميخائيل
 ويمكنكم مشاهدة إحتفال الشعب بعيد رسامته هنا