الخروج/ نسيم عبيد عوض

فى سلسلة تدبيرات الرب الإله الخلاصية كان خروج شعب بنى اسرائيل من أرض مصر بعد عبودية 430 سنة ‘ والتى كانت أيضا قرارا الهيا ‘ وردا على تساؤلات كثيرين نقول ان الكتب المقدسة ليست تاريخا يروى وانما بنيانا لخلاصنا ‘ فرأينا فى سفر التكوين بدء الخليقة وبداية حياة البشر فى يد الله المحب ‘ ورأينا كيف سقط الانسان وعصى الرب  بحسد إبليس ‘ ولكن الله وعد بخلاص الانسان ( نسل المرأة يسحق رأس الحية ) ولذلك ندرس سفر الخروج لأنه اعلان رمزى لشعب بنى اسرائيل اولا ثم لنا جميعا‘ عن خلاص الله المجانى‘ لنرى كيف أخرج الرب بيده القوية الشعب القديم من العبودية الى حرية مجد اولاد الله‘ فالذى نقرأه ليس سجلا تاريخيا بل لندخل الا أعماق نفوسنا ‘ لنكتشف الخلاص الذى نحيا به الآن ‘ فالكتب المقدسة ليست كتبا تاريخية بل انها كتبت من أجلنا " فهذه الامور جميعا اصابتهم مثالا وكتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت الينا اواخر الدهور." 1كو 10: 11" وعندما نقرأ فى خروج 1: 8 " ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف." نتأمل حياتنا الحاضرة ونتعلم.  فإذا كان محور سفر الخروج هو خروج العبرانيين من أرض مصر ‘ فلابد ان نفهم أن فرعون يمثل الشيطان الذى كان يأسر أولاد الله فى عبودية ساحقة‘ ومصر تمثل العالم بكل شهواته ومادياته‘ والعبرانيين يمثلون أولاد الله المؤمنين الذين يعيشون غرباء فى هذا العالم‘ فالصورة الرمزية هنا واضحة كالنهار ‘ حتى نصل الى ان مصر صارت علامة بركة كوعد الله " مبارك شعبي مصر." أش19: 25 ‘ بل وفيها أيضا" فيعرف الرب فى مصر ويعرف المصريين الرب فى ذلك اليوم ويقدمون ذبيحة وتقدمة وينذرون للرب نذورا ويوفون بها." اش9: 21. وهكذا اصبحت – اسرائيل – رمزا لإسرائيل الجديدة وأعنى الذين قبلوا الإيمان بالمسيح المخلص والفادى ‘ وليس اسرائيل الأمة القديمة.

ارتباط العهد القديم بالعهد الجديد

كما قال القديس أغسطينوس " العهد الجديد مخفى فى العهد القديم ‘ والقديم معلن فى العهد الجديد" ولعل ذلك واضحا وجليا فى سفر الخروج بالذات‘ ولعل القديس متى البشير قد أوضح ذلك فى ان السيد المسيح هو اسرائيل الجديد وموسى الجديد واستخدم قول هوشع النبى " من مصر دعوت ابنى" هو11: 1‘كنبوة عن هروب السيد المسيح الى أرض مصر - متى2: 15 -  ‘كذلك معمودية السيد المسيح فى نهر الاردن "مت3: 13" كما اعتمد اسرائيل القديم فى البحر الاحمر- خر 14 – ‘ وأمضى الرب يسوع المسيح أربعين يوم فى البرية "مت 4: 1-11‘قبل ان يلقى شريعته على جبل الموعظة – مت 5و6و7 -   وكما قضى اسرائيل فى برية سينا أربعين سنة ‘ وقضاء موسى النيى العظيم 40 يوما على جبل سيناء مع الرب ليعطيه الوصايا العشر كمستلم للشريعة ليعيش بها اسرائيل – خر 24: 3-8 – وهكذا جاءنا السيد المسيح – موسى الجديد – الذى هو بعينه كلمة الله ‘فكان العهد القديم رمزا للعهد الجديد.

الخروج والعبور

فى زمنا هذا يحلوا للبعض ان يقول ان أحداث الكتاب المقدس أحداث رمزية وليس فعلا حقيقيا ‘ وخصوصا ماورد فى اسفار التكوين والخروج ‘ ولكن هذا بالطبع مردود عليه بكلمات الكتاب المقدس التى هى نفسها تأكيدا للأحداث بعينها ‘ فمثلا خروج العبرانيين من مصر ‘ يؤكده قول الوحي الكريم  الوارد فى سفر ملوك الاول 6: 1"  وكان فى سنة الاربع مئة والثمانين لخروج بنى اسرائيل من ارض مصر فى السنة الرابعة لملك سليمان على اسرائيل فى شهر زيو وهو الشهر الثانى انه بنى بيت الرب." وإذا كان سليمان  الملك العظيم قد بدأ فى بناء بيت الرب عام 967ٌ ق.م. فيكون خروج بنى اسرائيل قد تم حوالى عام 1447ق.م. ‘ وهو تاريخ ملك الاسرة الثامنة عشر ( أيام تحتمس الثالث) أو فى زمن (أمنوفس الثانى) وهذا أيضا يؤكده ماورد فى سفر القضاة 11: 26" عن يفتاح الذى عاش حوالى عام 1100 ق.م. ويذكره انه قد مضت 300 سنة على دخول العبرانيين ارض كنعان ‘ أى دخلوها عام 1400 ق.م. وإذا أضيفت اليها ال 40 سنة فى البرية فيكون تاريخ خروجهم تم حوالى عام 1440 ق.م. 

أما موضوع العبور رغم إختلاف التفاسير فقد تم على يد موسى النبى فى – صوعن – أو تانيس عاصمة الهكسوس(مز78: 12) وكانت منها رعمسيس التى كان العبرايين يبنون فيها المخازن لمدينتي فيثوم ورعمسيس(خر1: 11) ومنها ارتحلوا الى سكوت (خر12: 37) ثم الى قرب البحر الاحمر (خر13: 17) ثم رجعوا واقاموا امام – فم الحيروث – بين – مجدل البحر – امام – بعل صفوان – (خر14: 2) والمعروف انه غرب البحر ‘ وتغلب الآراء الى ان هذا الخليج فى أيام موسى انه كان ممتدا الى منطقة البحيرات المرة ‘ والتى هي على شكل مستنقعات مائية‘سواء كان العبور من منطقة قريبة من السويس او من الاسماعيلية ‘ والاسم العبرى لبحر سوف – البحر الاحمر – هوبحر الغاب او بحر البوص ‘ وهو وصف دقيق للمستنقع الذى عبر منه بنى اسرائيل. وهذا لا يتناقض مع قول الكتاب " ومد موسى يده على البحر . فأجرى الرب البحر بريح شرقية شديدة كل الليل وجعل البحر يابسة وانشق الماء. فدخل بنو اسرائيل فى وسط البحر على اليابسة والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم." خر14: 21و 22.

ومن الخروج نتعلم

1- ان الله لا ولم يتركنا فى عالم العبودية ‘ فرغم سقوطنا فى معصيته فوعده بالخلاص قائم ‘ وهو ينصت لتنهداتنا وصراخنا وأنينا من قسوة العبودية            – الخطية – ‘كما سمع الرب لصراخ وتنهد وأنين شعبه فى مصر ‘ "فتذكر الله ميثاقه مع ابراهيم واسحق ويعقوب.ونظر الله بنى اسرائيل وعلم الله."خر3- 23-25.

2- ظهور ملاك الرب – لموسى – بلهيب نار من وسط عليقة( شجرة شوك وحسك). فنظر موسى وإذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تحترق. واعلان الله عن وجوده فى المكان وقوله لموسى " لا تقترب الى هنا . اخلع حذاءك من رجليك . لان الموضع الذى انت واقف عليه ارض مقدسة.خر3: 2- 5. وقد رأى الاباء فى العليقة "سر التجسد الإلهى " اى اتحاد اللاهوت بالناسوت دون ان يبتلع الناسوت‘ وهكذا رأى موسى نور اللاهوت (الله يعرف بانه "نار آكلة") وقد أشرق على البشرية بميلاد يسوع المسيح ولم يحرق شجرة العليقة‘ ورأى البعض المسيح القائم من الاموات دون ان يمسك فى الموت‘ وكلمة ملاك تعنى "مرسل" وتشير الى اقنوم الابن الكلمة المتجسد ‘ الذى هو مرسل من قبل الآب ‘لذا "فالمتكلم هو أقنوم الكلمة "ناداه الله من وسط العليقة" وهو يرسل موسى لخروج شعبه.

2- عرفنا اسم الله " فقال الله لموسى "أهيه الذى أهيه" .وقال هكذا تقول لبنى اسرائيل أهيه أرسلنى اليكم. وقال الله ايضا لموسى هكذا تقول  لبنى اسرائيل يهوه اله آبائكم ابراهيم واله اسحق واله يعقوب ارسلنى اليكم. هذا اسمى الى الابد وهذا ذكرى الى دور فدور."خر3: 14و15.

3- الضربات العشر التى أوقعها الرب على فرعون وشعب وأرض مصر ‘لم تمس ولم تقع على شعب وأرض بنى اسرائيل حيث يقيمون‘ وهذا ماطلبه الرب يسوع عن شعبه فى العهد الجديد" لست أسأل ان تأخذهم من العالم بل ان تحفظهم من الشرير."يو17: 15‘ ولذا اعطى كل من يؤمن به المولود من الماء والروح   سلطانا على الحيات والعقارب وعلى كل قوات العدو.

4- فصح الرب " وكلم الرب موسى وهرون فى أرض مصر قائلا"فى اليوم العاشر من الشهر يأخذ كل جماعة اسرائيل كل واحد شاة‘ شاة صحيحة ذكر ابن سنة ‘ويكون عندكم تحت الحفظ الى اليوم الرابع عشر ‘ ثم يذبحة كل جماعة اسرائيل فى العشية‘ ويأخذون من الدم ويجعلونه على القائمتين والعتبة العليا فى البيوت‘ يأكلون اللحم فى تلك الليلة مشويا بالنار مع فطير على أعشاب مرة يأكلونه‘ ولا تبقوا منه الى الصباح ‘ وتأكلونه واحقاركم مشدودةواحذيتكم فى ارجلكم وتأكلونه بعجلة . هو فصح للرب. وهكذا قال موسى للشعب" فان الرب يجتاز ليضرب المصريين ‘ فحين يرى الدم على العتبة العليا والقائمتين يعبر الرب عن الباب ولا يدع المهلك يدخل بيوتكم ليضرب." وهذا ماحدث للمصريين ففى نصف الليل ضرب الرب كل بكر فى ارض مصرمن الناس والبهائم حتى إنصاع فرعون واطلق الشعب ليخرج ‘(خر12) وهذا الطقس (الفصح ) تنفذ بالنص فى المسيح الذى هو صار فصحنا ‘فدخل أورشليم فى العاشر من الشهر ولم يخرج منها الا فى الرابع عشر حاملا الصليب ومذبوحا عليه ‘ وبدمه الفادى الكريم أخرجنا من عبودية إبليس الى ملكوت ابن محبته‘(لانه بدون دم لا تحصل مغفرة.)"عب9: 22‘ والى حياة أبدية دبرها الله لنا من القديم ‘ كان الخروج والفصح ليعلم الشعب أنه فى ملء الزمان سيرسل الله ابنه ليخلص البشرية من سلاسل الخطية والموت والفساد.وهذا ماقصده الرب من الخروج وصنع الفصح.ومن هذا نتذكر ان كل هذا صنع لأجل تعليمنا ‘فهل تعلمنا؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق