طرابلس. الغربة
لمناسبة عيد القديس مارون، شفيع الطائفة المارونية، تراس راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، قداسا احتفاليا، في كنيسة مار مارون في مدينة طرابلس، بمشاركة متروبوليت طرابلس والشمال للروم الملكيين ادوار ضاهر. عاونه فيه خادم الرعية المونسنيور نبيه معوض، رئيس دير مار يعقوب في كرمسده المونسنيور أنطوان مخايل، والكهنة جوزيف فرح، جوزيف غبش، راشد شويري، سيمون ديب ، وجوزيف أيوب.
حضر القداس الاستاذ طوني ماروني ممثلا رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون، رفلي دياب ممثلا رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية، المحامي فادي الشامي ممثلا وزير العدل اللواء اشرف ريفي، نائب رئيس بلدية طرابلس جورج جلاد ممثلا رئيس البلدية المهندس عامر الرافعي، النقيب ميشال خوري، رئيس الهيئة التأديبية ورئيس هيئة تأديب رؤساء البلديات القاضي مروان عبود، وحشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها:" إنّ حبّة الحنطة إن لم تقع في الأرض وتمت تبقى مفردة،
أما إذا ماتت فإنها تأتي بثمار كثيرة"... كلمات المسيح هذه التي تبدو في ظاهرها متناقضة مع المنطق البشري هي الحقيقة في الذات لأنّ هذا الذي يحصل عملياً. فالزارع الذي يرمي البذار في الأرض، لو لم يكن متيقّناً بأنّه سوف يجني منها غلّة كبيرة، لما تخلّى عنها ولما رماها، ولحافظ عليها في بيته. لكنّه عارف بأنّ في موتها وفنائها حياة لمئات الحبّات الأُخرى، التي تأتي نتيجة لموت تلك التي طمرها في الأرض. روحانيّة التطويبات تستند على هذا المنطق بالذات، فالمسيح جاء كي يعيد إلينا السعادة الحقيقيّة التي فقدناها بالخطيئة، وكي يعيدنا إلى الملكوت. والتطويبة الأولى تختصر هذه الروحانيّة إذ تقول: "طوبى للمساكين بالروح، فإنّ لهم ملكوت السماوات"
اضاف بو جوده:" أما التطويبات الأخرى فتؤكّد على أنّ مظاهر الألم والحزن والبساطة ليست من أجل شقاء الإنسان والحكم عليه بالتعاسة، بل على العكس، فإنها تهدف إلى تأمين السعادة الحقيقيّة له، إذ تَعِدُه بوراثة الأرض وبالتعزية والفرح والأجر الكبير. الحياة النسكيّة، التي بدأها أنطونيوس الكبير والتي عاشها من بعده الكثيرون، ومن بينهم مارون كانت في الظاهر موتاً وفناء، إذ ماذا يعني أن يتخلّى الإنسان عن أرزاقه ومقتنياته وثروته وغناه، كي يذهب ليعيش في البراري والقفار، منفرداً في مناجاة الله، متقشّفاً ومُميتاً ذاته عن الأفراح ومباهج وملذّات الحياة، لو لم يكن متأكّداً من جواب المسيح لبطرس عندما قال له هذا الأخير: "ها نحن قد تركنا كلّ شيء وتبعناك"، فأجابه المسيح: "كل من ترك بيتاً أو إخوةً أو أخواتٍ أو أُماً أو أباً أو زوجةً وأولاد نال عوض الواحد مئة".
وقال:" في القديس مارون، الذي تخلّى عن العالم وعاش في البريّة والقفر في جبل قورش، نرى التطبيق الفعلي والعملي لهذا الكلام، فإنّه من خلال حياة الصمت والتقشّف والإماتة، ومن خلال تخلّيه عن خيرات الأرض، أصبح قدّوة ومثالاً للكثيرين، وأصبح تدريجياً أباً لأُمّة وشعب كبيرين ما زالا يجسدان روحانيّته وأصبحا منتشرَيْن في مختلف أصقاع الأرض. الحياة النسكيّة التي عاشها مارون وغيره من النساك والمتوحّدين، كانت ردّة فعل على حياة التراخي والإهمال الذي أصبح المسيحيّون يعيشونها بعد إنتهاء الإضطهادات الكبرى التي عانوا منها طوال ثلاثة قرون. الكثيرون منهم أصبحوا يعيشون حياة البذخ والملذات غير ملتزمين بتعاليم الرّب ووصاياه. فكانت ردّة الفعل عند البعض الآخر في العمل والسعي إلى إماتة الذات والعودة إلى التقيّد بالمشورات الإنجيليّة والوصايا وتعاليم المسيح وإلى عيش روحانيّة التطويبات بالإبتعاد عن العالم وملذّاته ومغرياته في سبيل تقديس الذات وتقديس العالم والمجتمع وليس كرهاً بهما".
وتابع بو جوده يقول:" الشهداء قبلوا بالموت في سبيل الشهادة للمسيح، فسُفِكَت دماؤهم وقُطِّعَت أوصالهم وأُلقوا أمام الحيوانات المفترسة ولم يستسلموا للمُضطهِدين الذين كانوا يطلبون منهم إنكار إيمانهم. فكانوا الشهود الحمر، شهود الدّم الذين روت دماؤهم الأرض، فأصبحت على ما قال أحد الآباء القديسين: "زرعاً لمسيحيين جدد". أما النسّاك والمتوحّدون فإنهم إختاروا بملء إرادتهم إماتة الذات وعيش حياة التقشّف والتجرّد من أجل تنقية أنفسهم وتطهيرها من الخطيئة، فأصبحوا، كما قيل عنهم: "الشهود البيض أو الشهود الخضر، لأنّ دماءهم لم تُسفك ولكنّهم سَفَكوا حياتهم كلّها حبّاً بالمسيح".
واشار بو جوده في عظته الى ان "القديس مارون كان من هؤلاء الشهداء البيض، فقد عاش في نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس في جبل قورش، في زمن كانت البدع والشيع قد بدأت تنتشر في الكنيسة. لا نعرف الكثير من التفاصيل عن حياته، لكن عندنا وثيقة تُثبت وتؤكّد حياة القداسة التي عاشها، وهي رسالة من القديس يوحنا فم الذهب، البطريرك المنفي إلى خارج البلاد بسبب خلافه مع السلطة المدنيّة، وهي رسالة يقول له فيها أنّ علاقة المودّة والصداقة التي تربطنا بك، تمثّلك نصب أعيننا كأنّك حاضر لدينا، لأنّ عيون المحبة تخرق من طبعها الأبعاد، ولا يضعفها طول الزمان... إننا نهديك أطيب التحيات ونحب أن تكون على يقين من أننا لا نفتر عن ذكرك أينما كنّا، لما لك في ضميرنا من المنزلة الرفيعة، وإنّ أخبار صحتّك تولينا، على البعد، أجلّ سرور وتعزية في غربتنا وعزلتنا، فتطيب نفسنا كثيراً إذ نعلم أنّك في عافية، وجلّ ما نسألك أن تصلي إلى الله من أجلنا".
وقال:" ما يميّز مارون عن غيره من النسّاك هو أنّ أتباعه وتلاميذه الذين بقوا أُمناء للإيمان الصحيح ووقفوا في وجه البدع والشيع التي إنتشرت في أيامهم، تعرّضوا للإضطهاد وقدّموا ثلاثمائة وخمسين شهيداً. وهذا ما إضطرّهم إلى الإنتقال إلى مناطق آمنة على ضفاف نهر العاصي أولاً ثم إلى جبال لبنان ووديانه الوعرة، فتحوّلوا تدريجياً إلى كنيسة قائمة بذاتها مع بطريركها وأساقفتها، ثم إلى أُمّة مترابطة متضامنة حافظت على كيانها وإستقلالها الداخلي أيام حكم العثمانيين، وكان لبطريركها إلياس الحويّك الفضل الأكبر في عشرينات القرن الماضي، وعلى أثر الحرب العالميّة الأولى، في إنشاء دولة لبنان الكبير. وقد إنتدبه للقيام بالمفاوضات في سبيل ذلك المسؤولون السياسيّون من مختلف الطوائف اللبنانيّة، مسيحيّين ومسلمين ودروزاً".
واردف يقول:" إنّ التضامن والتفاعل والحوار بين مختلف شرائح المجتمع اللبناني هي التي ساهمت في نشوء لبنان، الذي سعى إليه البطريرك الماروني وهو الذي ما زال البطريرك والكنيسة الماورنيّة يعملون من أجله اليوم، وهذا ما يميّزه عن غيره من البلدان المجاورة التي كانت ولا تزال ذات لون واحد تتسلّم الحكم فيها طائفة واحدة بالرغم من وجود طوائف أخرى من السكان الذين هم في الواقع من السكان الأصليين للبلاد. وهذه الميزة التي ميّزت لبنان هي التي دفعت البابا يوحنا بولس الثاني إلى القول عنه إنّه رسالة للشرق والغرب وللعالم كلّه، وليس مجرّد دولة بالمعنى التقليدي للكلمة. هذه الصيغة التي ميّزت لبنان هي في حالة خطر اليوم بسبب الخلافات والصراعات السياسيّة المتحكّمة فيه منذ سنوات. فالمسؤولون السياسيّون عندنا منقسمون، ومتعادون ولم يعودوا يعرفون للحوار سبيلاً، فكل فريق منهم متمترس في مواقعه يفرض الشروط على الفريق الآخر الذي يبادله شروطاً أخرى، والجميع يدّعون بأنهم يعملون لمصلحة البلاد بينما هم في الواقع يشرّعون ويعملون، عن قصد أو عن غير قصد، على الموت السريع لهذه البلاد التي أصبحت بلا رأس منذ حوالي السنتين، وأصبحت أعضاؤها مشرذمة مشتّتة، كل فئة منها تحتكر قسماً من السلطة، أتشريعيّة كانت أم تنفيذيّة. وقد تكون نتيجة تلك المواقف المتحجّرة والمتصلّبة غرغرينا تضرب الجسم اللبناني فتشرذمه وتقسّمه. وهذا ما لا يريده الشعب، وما يُطلَب من المسؤولين عنه أن يتحاشوه، فيا ليتهم جميعاً يسمعون كلمة المسيح الذي قال: "كل مملكة تنقسم على نفسها تُخرب وكلّ مدينة أو عائلة تنقسم لا تثبت" (متى12/25).
وختم بو جوده عظته:" وهذا ما نصلي من أجله اليوم طالبين من القديس مارون، أن يتشفّع بأبنائه لدى الرّب كي يعودوا إلى بعضهم البعض، فيُصحِّحوا علاقاتهم ويتخلّوا عن السعي إلى مصالحهم الشخصيّة ويعملوا في سبيل مصلحة البلاد. وأن يتشفّع كذلك بكل أبناء لبنان، مسيحيّين ومسلمين، الذين تميّزوا عبر الأجيال بعيشهم المشترك، كي يعودوا إلى أصالتهم وإلى بعضهم البعض، فيعيدون بناء البلاد على الأسس الصالحة والسليمة، وتعود الحياة فتحلو فيها ويعود الشعار الذي أُطلق بعد أحداث القرن التاسع عشر الأليمة فيتجدّد ويعود الجميع يقولون: "هنيئاً لمن له مرقد عنزة في لبنان".
بعد القداس تقبل المطران بؤ جوده تهاني الحضور في قاعة الرعية في كنيسة مار مارون في طرابلس.
لمناسبة عيد القديس مارون، شفيع الطائفة المارونية، تراس راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، قداسا احتفاليا، في كنيسة مار مارون في مدينة طرابلس، بمشاركة متروبوليت طرابلس والشمال للروم الملكيين ادوار ضاهر. عاونه فيه خادم الرعية المونسنيور نبيه معوض، رئيس دير مار يعقوب في كرمسده المونسنيور أنطوان مخايل، والكهنة جوزيف فرح، جوزيف غبش، راشد شويري، سيمون ديب ، وجوزيف أيوب.
حضر القداس الاستاذ طوني ماروني ممثلا رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون، رفلي دياب ممثلا رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية، المحامي فادي الشامي ممثلا وزير العدل اللواء اشرف ريفي، نائب رئيس بلدية طرابلس جورج جلاد ممثلا رئيس البلدية المهندس عامر الرافعي، النقيب ميشال خوري، رئيس الهيئة التأديبية ورئيس هيئة تأديب رؤساء البلديات القاضي مروان عبود، وحشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها:" إنّ حبّة الحنطة إن لم تقع في الأرض وتمت تبقى مفردة،
أما إذا ماتت فإنها تأتي بثمار كثيرة"... كلمات المسيح هذه التي تبدو في ظاهرها متناقضة مع المنطق البشري هي الحقيقة في الذات لأنّ هذا الذي يحصل عملياً. فالزارع الذي يرمي البذار في الأرض، لو لم يكن متيقّناً بأنّه سوف يجني منها غلّة كبيرة، لما تخلّى عنها ولما رماها، ولحافظ عليها في بيته. لكنّه عارف بأنّ في موتها وفنائها حياة لمئات الحبّات الأُخرى، التي تأتي نتيجة لموت تلك التي طمرها في الأرض. روحانيّة التطويبات تستند على هذا المنطق بالذات، فالمسيح جاء كي يعيد إلينا السعادة الحقيقيّة التي فقدناها بالخطيئة، وكي يعيدنا إلى الملكوت. والتطويبة الأولى تختصر هذه الروحانيّة إذ تقول: "طوبى للمساكين بالروح، فإنّ لهم ملكوت السماوات"
اضاف بو جوده:" أما التطويبات الأخرى فتؤكّد على أنّ مظاهر الألم والحزن والبساطة ليست من أجل شقاء الإنسان والحكم عليه بالتعاسة، بل على العكس، فإنها تهدف إلى تأمين السعادة الحقيقيّة له، إذ تَعِدُه بوراثة الأرض وبالتعزية والفرح والأجر الكبير. الحياة النسكيّة، التي بدأها أنطونيوس الكبير والتي عاشها من بعده الكثيرون، ومن بينهم مارون كانت في الظاهر موتاً وفناء، إذ ماذا يعني أن يتخلّى الإنسان عن أرزاقه ومقتنياته وثروته وغناه، كي يذهب ليعيش في البراري والقفار، منفرداً في مناجاة الله، متقشّفاً ومُميتاً ذاته عن الأفراح ومباهج وملذّات الحياة، لو لم يكن متأكّداً من جواب المسيح لبطرس عندما قال له هذا الأخير: "ها نحن قد تركنا كلّ شيء وتبعناك"، فأجابه المسيح: "كل من ترك بيتاً أو إخوةً أو أخواتٍ أو أُماً أو أباً أو زوجةً وأولاد نال عوض الواحد مئة".
وقال:" في القديس مارون، الذي تخلّى عن العالم وعاش في البريّة والقفر في جبل قورش، نرى التطبيق الفعلي والعملي لهذا الكلام، فإنّه من خلال حياة الصمت والتقشّف والإماتة، ومن خلال تخلّيه عن خيرات الأرض، أصبح قدّوة ومثالاً للكثيرين، وأصبح تدريجياً أباً لأُمّة وشعب كبيرين ما زالا يجسدان روحانيّته وأصبحا منتشرَيْن في مختلف أصقاع الأرض. الحياة النسكيّة التي عاشها مارون وغيره من النساك والمتوحّدين، كانت ردّة فعل على حياة التراخي والإهمال الذي أصبح المسيحيّون يعيشونها بعد إنتهاء الإضطهادات الكبرى التي عانوا منها طوال ثلاثة قرون. الكثيرون منهم أصبحوا يعيشون حياة البذخ والملذات غير ملتزمين بتعاليم الرّب ووصاياه. فكانت ردّة الفعل عند البعض الآخر في العمل والسعي إلى إماتة الذات والعودة إلى التقيّد بالمشورات الإنجيليّة والوصايا وتعاليم المسيح وإلى عيش روحانيّة التطويبات بالإبتعاد عن العالم وملذّاته ومغرياته في سبيل تقديس الذات وتقديس العالم والمجتمع وليس كرهاً بهما".
وتابع بو جوده يقول:" الشهداء قبلوا بالموت في سبيل الشهادة للمسيح، فسُفِكَت دماؤهم وقُطِّعَت أوصالهم وأُلقوا أمام الحيوانات المفترسة ولم يستسلموا للمُضطهِدين الذين كانوا يطلبون منهم إنكار إيمانهم. فكانوا الشهود الحمر، شهود الدّم الذين روت دماؤهم الأرض، فأصبحت على ما قال أحد الآباء القديسين: "زرعاً لمسيحيين جدد". أما النسّاك والمتوحّدون فإنهم إختاروا بملء إرادتهم إماتة الذات وعيش حياة التقشّف والتجرّد من أجل تنقية أنفسهم وتطهيرها من الخطيئة، فأصبحوا، كما قيل عنهم: "الشهود البيض أو الشهود الخضر، لأنّ دماءهم لم تُسفك ولكنّهم سَفَكوا حياتهم كلّها حبّاً بالمسيح".
واشار بو جوده في عظته الى ان "القديس مارون كان من هؤلاء الشهداء البيض، فقد عاش في نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس في جبل قورش، في زمن كانت البدع والشيع قد بدأت تنتشر في الكنيسة. لا نعرف الكثير من التفاصيل عن حياته، لكن عندنا وثيقة تُثبت وتؤكّد حياة القداسة التي عاشها، وهي رسالة من القديس يوحنا فم الذهب، البطريرك المنفي إلى خارج البلاد بسبب خلافه مع السلطة المدنيّة، وهي رسالة يقول له فيها أنّ علاقة المودّة والصداقة التي تربطنا بك، تمثّلك نصب أعيننا كأنّك حاضر لدينا، لأنّ عيون المحبة تخرق من طبعها الأبعاد، ولا يضعفها طول الزمان... إننا نهديك أطيب التحيات ونحب أن تكون على يقين من أننا لا نفتر عن ذكرك أينما كنّا، لما لك في ضميرنا من المنزلة الرفيعة، وإنّ أخبار صحتّك تولينا، على البعد، أجلّ سرور وتعزية في غربتنا وعزلتنا، فتطيب نفسنا كثيراً إذ نعلم أنّك في عافية، وجلّ ما نسألك أن تصلي إلى الله من أجلنا".
وقال:" ما يميّز مارون عن غيره من النسّاك هو أنّ أتباعه وتلاميذه الذين بقوا أُمناء للإيمان الصحيح ووقفوا في وجه البدع والشيع التي إنتشرت في أيامهم، تعرّضوا للإضطهاد وقدّموا ثلاثمائة وخمسين شهيداً. وهذا ما إضطرّهم إلى الإنتقال إلى مناطق آمنة على ضفاف نهر العاصي أولاً ثم إلى جبال لبنان ووديانه الوعرة، فتحوّلوا تدريجياً إلى كنيسة قائمة بذاتها مع بطريركها وأساقفتها، ثم إلى أُمّة مترابطة متضامنة حافظت على كيانها وإستقلالها الداخلي أيام حكم العثمانيين، وكان لبطريركها إلياس الحويّك الفضل الأكبر في عشرينات القرن الماضي، وعلى أثر الحرب العالميّة الأولى، في إنشاء دولة لبنان الكبير. وقد إنتدبه للقيام بالمفاوضات في سبيل ذلك المسؤولون السياسيّون من مختلف الطوائف اللبنانيّة، مسيحيّين ومسلمين ودروزاً".
واردف يقول:" إنّ التضامن والتفاعل والحوار بين مختلف شرائح المجتمع اللبناني هي التي ساهمت في نشوء لبنان، الذي سعى إليه البطريرك الماروني وهو الذي ما زال البطريرك والكنيسة الماورنيّة يعملون من أجله اليوم، وهذا ما يميّزه عن غيره من البلدان المجاورة التي كانت ولا تزال ذات لون واحد تتسلّم الحكم فيها طائفة واحدة بالرغم من وجود طوائف أخرى من السكان الذين هم في الواقع من السكان الأصليين للبلاد. وهذه الميزة التي ميّزت لبنان هي التي دفعت البابا يوحنا بولس الثاني إلى القول عنه إنّه رسالة للشرق والغرب وللعالم كلّه، وليس مجرّد دولة بالمعنى التقليدي للكلمة. هذه الصيغة التي ميّزت لبنان هي في حالة خطر اليوم بسبب الخلافات والصراعات السياسيّة المتحكّمة فيه منذ سنوات. فالمسؤولون السياسيّون عندنا منقسمون، ومتعادون ولم يعودوا يعرفون للحوار سبيلاً، فكل فريق منهم متمترس في مواقعه يفرض الشروط على الفريق الآخر الذي يبادله شروطاً أخرى، والجميع يدّعون بأنهم يعملون لمصلحة البلاد بينما هم في الواقع يشرّعون ويعملون، عن قصد أو عن غير قصد، على الموت السريع لهذه البلاد التي أصبحت بلا رأس منذ حوالي السنتين، وأصبحت أعضاؤها مشرذمة مشتّتة، كل فئة منها تحتكر قسماً من السلطة، أتشريعيّة كانت أم تنفيذيّة. وقد تكون نتيجة تلك المواقف المتحجّرة والمتصلّبة غرغرينا تضرب الجسم اللبناني فتشرذمه وتقسّمه. وهذا ما لا يريده الشعب، وما يُطلَب من المسؤولين عنه أن يتحاشوه، فيا ليتهم جميعاً يسمعون كلمة المسيح الذي قال: "كل مملكة تنقسم على نفسها تُخرب وكلّ مدينة أو عائلة تنقسم لا تثبت" (متى12/25).
وختم بو جوده عظته:" وهذا ما نصلي من أجله اليوم طالبين من القديس مارون، أن يتشفّع بأبنائه لدى الرّب كي يعودوا إلى بعضهم البعض، فيُصحِّحوا علاقاتهم ويتخلّوا عن السعي إلى مصالحهم الشخصيّة ويعملوا في سبيل مصلحة البلاد. وأن يتشفّع كذلك بكل أبناء لبنان، مسيحيّين ومسلمين، الذين تميّزوا عبر الأجيال بعيشهم المشترك، كي يعودوا إلى أصالتهم وإلى بعضهم البعض، فيعيدون بناء البلاد على الأسس الصالحة والسليمة، وتعود الحياة فتحلو فيها ويعود الشعار الذي أُطلق بعد أحداث القرن التاسع عشر الأليمة فيتجدّد ويعود الجميع يقولون: "هنيئاً لمن له مرقد عنزة في لبنان".
بعد القداس تقبل المطران بؤ جوده تهاني الحضور في قاعة الرعية في كنيسة مار مارون في طرابلس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق