الطوفان/ نسيم عبيد عوض

الطرد من الجنة  للتراب

بعد سقوط آدم وإمرأته فى معصية وصية الرب الإله ‘ عرف الإ نسان الشر والخطية ‘ صار جسده فاسدا ‘ وورث الموت ‘ولن يدخل الجنة بشر بهذه الصفات‘  وكان لابد من طردهما منها وليعودوا الى التراب الذي جبلوا منه‘لأنه ليس لمثلهما حياة فى الجنة حيث شجرة الحياة ‘فلن يعيشوا حياة أبدية مع الله وهم بداخلهم الخطية والفساد والموت‘  وكقول الرب" تعود الى الارض التى أخذت منها. ولانك تراب والى التراب تعود."تك3: 119‘ وهنا فقط وهم فى طريقهم للأرض كقول الكتاب" ودعا آدم اسم امرأته حواء لانها ام كل حي. وصنع الرب الاله لآدم وامرأته أقمصة من جلد والبسهما.تك3: 20و21"

فساد البشر فى الارض

وحدث بعد طول الأيام ان كثر الناس على الأرض‘ فآدم مثلا عاش 930 سنة وبعض من أحفاده عاش 969سنة وهو متوشالح ‘ بل أن نوح عندما أنجب سام وحام ويافث كان عمره 500سنة وعاش 950 سنة ‘ وانتشر الإنحلال الخلقى فى الأرض ‘ وأصبحت حياة الناس كلها نجاسة ورجس ‘ فاتخذ الرجال لانفسهم نساء من كل مااختاروا ‘ورأى الرب ان شر الانسان قد كثر فى الارض‘ وان كل تصور افكار قلبه انما هو شريركل يوم.( تك6)‘ زاغ الانسان وانغمس فى ملذات الجنس بدون رابط وبلا حدود. "فقال الرب لا يدين روحى فى الانسان الى الابد. وتكون ايامه 120 سنة .فحزن الرب انه عمل الإنسان فى الارض .وتأسف فى قلبه . فقال الرب امحوا عن وجه الارض الانسان الذى خلقته. الانسان مع البهائم والدبابات وطيور السماءلانى حزنت انى عملتهم.تك6: 5-8 " وهكذا قد فسدت الارض امام الله ‘ وامتلأت ظلما . ورأى الله الارض وقد فسدت .اذ كان كل بشر قد افسد طريقه على الارض."تك6: 11و12. ولكن الله قبل إهلاكه للأرض وجد نوحا . 

نوح

قال الكتاب المقدس عن نوح" كان الرجل نوح رجلا بارا كاملا فى أجياله .ومن الواضح ان نوحا وحده كان البار الوحيد على وجه الارض‘وسار نوح مع الرب. وفسر الرب لنوح قراره بإهلاك الارض وما عليها" فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد اتت أمامى. لان الارض امتلأت ظلما منهم. فها انا مهلكهم مع الارض. وامر الله نوحا ان يصنع لنفسه فلكا ووضع له تفاصيل صناعة الفلك وتصميمه ‘ ففعل نوح حسب كل ما امره به الله.هكذا فعل. وقال الرب لنوح ادخل انت وجميع بيتك الى الفلك.لانى اياك رأيت بارا لدى.(تك 7) وأمره بأخذ "من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وانثى .ومن البهائم التى ليست بطاهرة  اثنين ذكرا وانثى.ومن طيور السماء ايضا سبعة سبعة ذكرا وانثى لاستبقاء نسل على وجه الارض. وهكذا يبدأ الله من جديد مرحلة من تدبيراته الإلهيه لخلاص الإنسان "نسل المرأه يسحق رأس الحية"الذى سبق ووعد به.

الطوفان

وقال الله لنوح أنه بعد اكتمال دخول البهائم والطيور للفلك بسبعة أيام أمطر على الأرض اربعين يوما واربعين ليلة.وامحو عن وجه الارض كل قائم عملته. ففعل نوح حسب كل ما امره الرب.( تك7) ‘ كانت الفرصة للتوبةامام  جميع البشر لمدة 120 سنة ‘ مدة صناعة الفلك ‘ ليدخلوا مع نوح الفلك وينجوا من الهلاك بشرط توبتهم عن كل خطاياهم واثامهم ‘ ولكن وللأسف لم يدخل مع نوح وأمرأته سوي ابناءه الثلاثة وزوجاتهم فيكون المجموع 8 أشخاص داخل الفلك وأنواع البهائم والطيور التى اختاراها الرب بنفسه.وأغلق الرب عليه‘   ولما كان نوح ابن 600 سنة بدأ الطوفان ‘ فى ذلك اليوم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء‘ وكان المطر على الارض اربعين يوما واربعين ليلة‘  وتكاثرت المياه ورفعت الفلك ‘فأرتفع عن الارض ‘وتعاظمت المياه وتكاثرت جدا على الارض‘ فتغطت جميع الجبال الشامخة التى تحت كل السماء‘ فمات كل ذى جسد كان يدب على الارض ‘كل مافى انفه نسمة روح حياة من كل ما فى اليابسة مات. فمحا الله كل قائم كان على وجه الارض.الناس والبهائم والدبابات وطيور السماء ‘فانمحت الارض وتبقى نوح والذين معه فى الفلك فقط. وهنا نذكر قول بعض العلماء بأن الطوفان لم يهلك كل ما فى الارض لانه لم يكن يغطى كل الارض‘ وهنا الرد " فى تك 7: 19" فتغطت جميع الجبال الشامخة التى تحت كل السماء." وأيضا فى عدد 23 " فمحا الله كل قائم على وجه الارض الناس والبهائم والدبابات وطيور السماء.فانمحت الارض.وتبقى نوح والذيم معه فى الفلك فقط." أى ان كل ماكان فى الكون وقتها  السماء ومافيها ‘ وتحتها المياه والفلك والله يقود السفينة. ظلت المياه تغطى الارض 150 يوما ثم انسدت ينابيع المياه وطاقات السماء وامتنع المطر ‘ ورجعت المياه عن الارض رجوعا متواليا . واستقر الفلك على جبال اراراط . وبعد اربعين يوما اخبرته الحمامة بان المياه قد قلت عن الارض ‘ فكشف نوح الغطاء ونظر فاذا وجه الارض قد نشف وجفت الارض.

البداية الجديدة على الارض

لقد استقر فى فكر نوح واولاده ان الله سيبدأ بهم بداية جديدة على الارض ‘ فى إيمانهم بالله وطاعة وصاياه‘ وبالفعل كلم الله نوح قائلا: اخرج من الفلك انت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك‘ وبالطبع كل الحيوانات والطيور والدبابات خرجت الى الارض وقال الرب " لتتوالد فى الارض وتثمر وتكثر على الارض‘ فخرجوا جميعا من الفلك واستقرت أقدامهم على الارض مرة أخرى. وبهذه المناسبة الخالدة بنى نوح مذبحا للرب وأخذ من الحيوانات الطاهرة والطيور واصعد محرقات على المذبح.فتنسم الرب رائحة الرضا.وقال الرب لا أعود العن الارض ايضا من اجل الانسان لان تصور قلب الانسان شرير منذ حداثته ومنذ سقوط آدم فى الخطية‘ ولا أعود ايضا اميت كل حي بالطوفان كما فعلت. وكان هذا هو وعد الله الصادق المستمر معنا و الى دهر الدهور ولكن بعهد جديد يعيش فيه الانسان بخلقه جديدة وميلاد ثانى من الماء والروح فى المسيح يسوع. وبارك الله نوحا وبنيه وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الارض. وأمرهم الله بطاعة وصاياه : 1- لحما بحياته دمه لا تأكلوه. 2- وأطلب انا دمكم لا نفسكم فقط.  3- من يد الانسان اطلب نفس الانسان .  4- سافك دم الانسان بالانسان يسفك دمه .لأن الله على صورته عمل الانسان.  5- ها انا اقيم ميثاقى معكم فلا ينقرض كل ذي جسد ايضا بمياه الطوفان وهذه علامة الميثاق وضعت قوسى فى السحاب ليكون بينى وبين كل ذى جسد على الارض.

وكان بنى نوح الذين خرجوا من الفلك ساما وحاما ويافث.هؤلاء الثلاثة هم بنو نوح ومن هؤلاء تشعبت كل الارض ‘ وقد اتجه سام الى آسيا وحام الى أفريقيا ويافث اتجه للشمال ‘ وبهؤلاء بدأت الحياة تدب على الارض ‘ وتكاثر البشر على وجه الارض . فهل يستمر هذا الجيل فى طاعة وصايا الله ليبدأ معهم عهدا جديدا من الأيمان والمحبة؟ هذا ماسيجيبه لنا الكتاب المقدس. آمين

فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون/ عبدالله بدر اسكندر

العقائد الباطلة التي انتقلت من الإسرائيليات إلى الفكر الإسلامي لا يزال تأثيرها قائماً إلى اليوم دون أن يظهر المنقذ الذي يفرق بين ما ينتاب التراث من سلبيات وبين التطبيق العلمي الممنهج والمرتضى من قبل العلماء الذين لهم باع في هذا المجال، وهذا ما تسبب في تسلسل الأحداث غير الموثقة حتى كادت أن تكون جزءاً لا ينفصل عن المسلمات التي لا يمكن الاعتراض عليها، ولو تتبعنا تأريخ الفقهاء الذين لهم دور كبير في إظهار هذه الفرية لوجدنا أن ارتباطهم بالعقائد التي بدأنا حديثنا فيها كان متأرجحاً بين عدم الانسجام الفكري المؤدي إلى الإيمان الجزئي من جهة وبين الرؤية الصحيحة التي ينتج عنها الإيمان المتكامل الذي لا يقبل النقصان من جهة أخرى، ولا يخفى على ذوي البصائر بأن اعتماد النهج الأول سوف يؤول إلى المساس بالعقيدة، باعتبار أن الوصول إلى فهمها بالطرق الخاطئة لا يعد من الحقائق التي يقام لها وزناً فضلاً عن اهتمام أولئك الفقهاء بنشر الفكر الفاسد والدفاع عنه بما أوتوا من قوة.
فإن قيل: ما هي أهم العقائد الباطلة التي لها دور في القضاء على الأهداف المشتركة لدى الأمة؟ أقول: عقيدة التجسيم هي العقيدة الأولى التي لها دور مباشر في تفرق الأهداف الفكرية للأمة، وهي من العقائد التي يؤمن أصحابها بتجسيم الخالق سبحانه، ونسبة الصفات البشرية إليه جل شأنه، وبالإضافة إلى هذا أخذهم بالحجج الباطلة التي لا يتناسب معناها مع اللفظ الظاهر لمصطلحات القرآن الكريم مع ملاحظة أن تلك الألفاظ قد تحتاج في فهمها إلى المجاز أو إلى تأويل على الوجه الذي يليق بها، علماً أن اللسان العربي لا يبخل في تبيان الحقائق لمن يريد اتباع المنهج الصادق لإظهار الوجوه الصحيحة، وأنت خبير بأن اعتماد السلوك المعاكس للنهج البياني يعد من الأخطاء الشائعة، فليس هناك ما يقارب بين الحقيقة والمجاز على حساب ما تبديه الألفاظ المبينة للحقائق القرآنية التي تمهد لبناء الأفكار وما ينسب على ضوئها من تجسيم، وبين الأصول المعرفية التي يمكن أن تجرى عليها الأساليب المجازية الواردة في القرآن الكريم.
وبناءً على ما تقدم نستطيع القول إن تفاصيل الأسلوب البياني يمكن أن تُرد إلى الحقائق القرآنية المعتمدة لدى أفصح الناس لساناً بعيداً عن الدراسات السلبية المتخذة دخلاً بين علماء اللغة "حسب تعبيرنا اليوم" وبين ما يصدر عنهم من معارف لا تؤدي إلى تبيان الحقائق بشكل من الأشكال، ومن الأمثلة الدالة على ما نحن بصدده تلك التي يتناقلها عامة الناس من جواز رؤية الله تعالى بالعين المجردة، ولا يخفى على من له أدنى درجات العلم أن الحق سبحانه ليس كمثله شيء ولا يمكن الإحاطة به بوجه من الوجوه، وقد بين جل شأنه هذا الأمر بقوله: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الشورى 11. وكذا قوله: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً) طه 110. وقوله: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) الأنعام 103. وهناك آيات كثيرة بهذا الشأن، وبهذا نعلم أن الله تعالى لا يمكن أن تحيط به جهة أو أن ترسم له صورة في أذهاننا لاستحالة هذا المعنى في نفسه.
فإن قيل: وماذا عن رؤيته سبحانه في الآخرة؟ أقول: هذه هي الطامة الكبرى التي نريد أن نبين حقيقتها بعد أن انتاب الحياء جمع من العلماء ما أدى إلى عدم الإفصاح عنها وذلك لأنها أصبحت عقيدة راسخة لا يمكن المساس بها أو الركون لما يخالفها، ولهذا ترى بعضهم يبتعد عن الحديث عنها ابتغاء مرضاة أصحاب الشأن مع علمه بحقيقة الأمر، لأن الفهم المتوسط لا يدع مجالاً لعدم تصديق مثل هذه المزاعم باعتبار أن الله تعالى ليس جسماً حتى يقع عليه بصر الكائنات الحية فهو أجل من ذلك، وقد أشار سبحانه إلى بيان هذا المعنى في قوله: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) الأعراف 143. والنكتة ظاهرة في قوله: (لن تراني) لأن (لن) تفيد النفي على وجه التأبيد. فإن قيل: ربما يكون هذا النفي في الدنيا دون الآخرة؟ أقول: ليس هناك ما يدعو إلى التفريق بين مصطلحات اللسان العربي سواء في الدنيا أو الآخرة، ومن ذهب إلى ذلك فهذا ليس لديه ما يحتج به سوى إظهار المصطلحات بما يتناسب مع عقيدته الباطلة دون مرجح.
ولأجل أن تتضح الصورة أكثر يمكن إرجاع المصطلح إلى متفرقات القرآن الكريم وعند ذلك سنرى أن جميع المواضع التي وردت فيها (لن) لا يراد منها إلا النفي على وجه التأبيد، كما في قوله تعالى: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له) الحج 73. وكذا قوله: (إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً) الإسراء 37. وقوله: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) البقرة 24. وقوله: (يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك) هود 81. وكذلك قوله: (إنك لن تستطيع معي صبراً) الكهف 67. من هنا يظهر أن الله تعالى لا يمكن أن يرى لأن الرؤية لا تقع إلا على الأجسام التي تشغل حيزاً في الوجود، والله تعالى لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان فهو أرفع من أن يتصف بهذه الصفات. والاعتقاد بخلاف هذا الأمر لا يمكن أن يكون إلا من الجهل المطابق للعناد الذي واجهه موسى من بني إسرائيل عندما طلبوا رؤية الله تعالى، كما ورد ذلك في قوله: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون) البقرة 55.
فإن قيل: هل سؤالهم رؤية الله كان قبل الميقات أم بعده؟ أقول: سؤالهم الرؤية كان أثناء الميقات وبهذا تكون عبادة العجل متأخرة عن هذه الواقعة، وهذا ما يستفاد من قوله تعالى: (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطاناً مبيناً) النساء 153. وكذا قوله: (واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين) الأعراف 155. فإن قيل: لا يمكن الاستدلال بآية سورة الأعراف وذلك للتفريق بين الرجفة التي وردت فيها وبين الصاعقة التي ذكرت في آية سورة النساء وكذا في آية البحث؟ أقول: ليس هناك اختلاف بين الصاعقة والرجفة، وإنما حدث التغاير للتفنن في الكلام وهذا من باب الاختلاف في اللفظ والاتفاق في المعنى وذلك نظراً إلى موقع القصة من القرآن الكريم، ويدل على ذلك ما أشار إليه تعالى في قصة قوم صالح حيث قال: (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) الأعراف 78. وقال في سياق آخر: (فأخذتهم صاعقة العذاب الهون) فصلت 17. فتأمل.
 فإن قيل: ما هي الأسباب التي كانت وراء سؤالهم الرؤية؟ أقول: أهم الأسباب التي كانت وراء هذا السؤال هو عدم تصديقهم بما فوق المادة لأنهم لا يؤمنون إلا بالأشياء المادية ولهذا كان اعتقادهم أن الله تعالى لا يمكن أن يكون إلا جسماً مادياً وهذا السؤال بطبيعته يبين مدى جهلهم، لأن إدراكهم لا يتعدى إلى أكثر من الماديات والمحسوسات ولهذا أرادوا رؤية الله تعالى جهرة، وقد يتقارب هذا الطلب مع طلب آخر لهم وذلك عند قولهم لموسى أن يجعل لهم إلهاً، وقد أشار سبحانه إلى هذه القصة بقوله: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون) الأعراف 138. وعند الجمع بين هذه الآية وآية البحث يظهر من خلالهما أن بني إسرائيل كانوا قوماً لا يصدقون إلا بالمادة وما يتفرع عنها ولهذا عاقبهم الله تعالى بالصاعقة لأجل أن يفهموا أن هناك أشياء كثيرة لا يمكن الإحاطة بها ولا أن أعينهم تطيق رؤيتها فأنى لهم رؤية الله تعالى، ولهذا خاطب الحق سبحانه أخلافهم بما امتن به على أسلافهم وذلك في قوله: (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون) الذي ورد في آية البحث. 
فإن قيل: هل يستحق هذا السؤال أخذهم بالصاعقة؟ أقول: هذا السؤال أكبر وأعظم من اقتراحات الأمم الأخرى على أنبيائهم كإحياء الموتى أو إنزال الملائكة، وذلك لما فيه من عتو كبير، وقد أشار سبحانه إلى ذلك بقوله: (وقال الذين لا يرجون لقاءنا لو لا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً) الفرقان 21. وكذا قوله: في الآية 153. من سورة النساء المنقولة آنفاً.

        من كتابنا: القادم على غير مثال
               

الآن تؤمنون/ نسيم عبيد عوض

إحتفلت جميع الكنائس القبطية الأرثوذكسية الخميس الماضى بعيدالصعود المجيد ‘ وكقول الكتاب : لوقا 24: 51 " وفيما هو يباركهم إنفرد عنهم وأصعد إلى السماء." ‘ وفى مر16: 19 " ثم أن الرب بعدما كلمهم إرتفع الى السماء وجلس عن يمين الله." ‘ يو 16: 5-7" وأما الآن فانا ماض الى الذى ارسلنى . ولكن لأنى قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم. لكنى أقول لكم الحق أنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى لكن إن ذهبت أرسله إليكم." ‘ وفى مت 28: 20 وقبل الصعود قال" وها أنا معكم كل الايام الى إنقضاء الدهر.آمين."

خلال الألفين سنة الماضية أو أكثر لم توجد حقيقة ساطعة مؤكدة وأكثر إثباتا فى التاريخ القديم والحديث من حقيقة قيامة المسيح ‘ ومكث  الرب معهم أربعين يوما بعد القيامة وقبل الصعود ‘ ولم تكن هذه الأربعين يوما على الأرض لكى مايثبت حقيقة قيامته ولكن بالأكثر لتعزية تلاميذه‘ ويمسح دموعهم التى ذرفوها بسبب موته الذى تم تحقيقا لكل النبوات ووعد الله بخلاص البشر وفدائها.

التجهيز للصعود

فى إنجيل قداس اليوم يو16: 23-33 ‘ نجد الرب يكلمهم كثرا عن صعوده باسلوب يخفف من حزنهم فيما لو رأوه صاعدا عنهم ‘ وبمعنى آخر يجهزهم لحزن آخر بعد تركهم ‘ وقال لهم بالتحديد فى يو16: 5-7" واما الآن فانا ماض الى الذى ارسلنى وليس احد منكم يسألنى اين تمضى. لكن لأنى قلت لكم هذا ملأ الحزن قلوبكم .لكنى أقول لكم الحق انه خير لكم ان انطلق .لأنه ان لم انطلق لا يأتيكم المعزى.ولكن ان ذهبت ارسله اليكم." ‘وايضا فى عدد 20" انتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول الى فرح. وفى 22 " وانتم كذلك عندكم الآن حزن .ولكنى سأراكم ايضا فتفرح قلوبكم ولا ينزع احد فرحكم منكم." وفى عدد 28 يقول لهم" خرجت من عند الآب وقد أتيت الى العالم وايضا اترك العالم واذهب الى الآب."ولما قالوا له لهذا نؤمن انك من الله خرجت.قال لهم الآن تؤمنون .30و31". لقد سما بعقولهم ورفع من روحانيتهم حتى قال الكتاب " فسجدوا له ورجعوا الى أورشليم بفرح عظيم.لو24: 51.

لاتضطرب قلوبكم

فى إنجيل قداس الأحد الماضى يو14 قال الرب لتلاميذه" لا تضطرب قلوبكم .أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بى .فى بيت أبى منازل كثيرة وإلا فأنى قد قلت لكم انا أمضى وأعد لكم مكانا .وإن مضيت وأعددت لكم مكان آتى أيضا وأخذكم إلي حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا."1-4‘ ولكى يفرحنا الرب بصعوده قال فى انجيل قداس الجمعة الماضى" سلاما أترك لكم ‘سلامى أعطيكم ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا‘ لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب."يو14: 27‘ ولهذا نلاحظ فى القداس الإلهى يكثر الكاهن بقوله" السلام لجميعكم" إشارة الى هذه النعمة التى منحنا الله بموت إبنه الوحيد ليجعل السلام والصلح بيننا وبين الله الآب.

سلاما أترك لكم

أجمل كلمة تسمعها كلمة السلام ‘ الذى هو من الرب يسوع المسيح نفسه ‘ عطيته هو:       لأنه بدون سلام يضحى العالم جحيما ‘ وبغير سلام يصبح البيت عذابا ‘ وبلا سلام يصبح القلب أتونا. لا يستريح قلب الانسان ولو امتلك كل خيرات العالم وملذاتها ‘ بل فقط يستريح فى السلام الممنوح من الله ‘ السلام هو راحة للنفس المثقلة بالأتعاب ‘ وسعادة للقلب الممتلئ هموما ‘ إئتلاف بين النفوس والقلوب. ولذلك: - لقب الرب برئيس أو أمير السلام فى نبوة إشعياء النبى من قبل مولده ب750 عاما " أبا أبديا رئيس السلام"اش9: 6. – وفى ميلاده سبحت الملائكة "المجد لله فى الاعالى وعلى الأرض السلام."  - فى الموعظة على الجبل قال " طوبى لصانعى السلام .لانهم ابناء الله يدعون. مت 5: 9. وهاهو قبل صعودة الى حيث كان أولا يوهبنا سلامه لكى نتمتع به بل وننشرة بين الناس فى مكان.

الفرح الكامل

وفى فصل انجيل اليوم (يو16) يطالبنا" اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملا ..سلام وفرح كامل‘ والرب يقصد بطلباتنا ليست الطلبات المادية العالميه ‘ بل الطلبات التى تمنحنا السلام والفرح الدائم: أ- طلب الرب نفسه.. كما رنم داود" تحيا قلوبكم ياطالبى الرب .طلبت الرب فاستجاب ومن كل مخافى أنقذنى." مز34. ب- نطلب الحكمة كقول سليمان "قلب الفهيم يطلب حكمة."ام 15: 14. ج- نطلب الملكوت.. كقول الرب " اطلبوا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم.لو12: 31. الروح القدس المعزى هو المصدر الوحيد للفرح فى وسط ضيقات هذا العالم. وقد علمنا الآباء ان طلباتنا وصلواتنا لها مفعول أكيد فى السلام والفرح النفسى والقلبى وأيضا: 1- تحول القلوب اللحمية الى قلوب روحانية.  2- القلوب الفاترة الى قلوب غيورة.  3- القلوب البشرية الى قلوب سماوية. 4- الصلاة هى دعامة الانسان فى واجبات ثلاثة: أ- صلته بالله  ب- واجبه نحو نفسه.  ج- نحو القريب أو الغير. وكل ماطلبتم من الآب بإسمى يعطيكم. يو16: 23.

الألم فى حياتنا

أن كان الألم قد دخل عالمنا كثمرة من ثمار العصيان على الله‘ لكن الله فى حبه لهذا العالم سمح لإبنه الحبيب أن يتأنس ويتألم كذبيحة حب مقدمة عن كل البشرية‘ هكذا حول الله الألم فى حياتنا من ثمرة للخطية الى علامة حب ‘وصار من حقنا أن نتألم معه لكى نتمجد معه. ندرك مفهوم الوعد الإلهى أنه" يجرح ويعصب يسحق ويداه تشفيان." أى5: 18 ‘ وفى تثنية 32: 39 " أنا أميت وأحيي. سحقت وأنى أشفى." ولذلك الرب وهو عالم أن تلاميذه سيعانون من آلام فراقه وعدهم بإرسال الروح القدس المعزى الذى سيهبهم تعزياته الإلهية. لأن النفس تحتاج الى سراج إلهى ..الروح القدس ‘  الذى ينير البيوت المظلمة. نحتاج الى شمس البر الساطعة التى تشرق فى قلوبنا ككوكب الصبح المنير ‘ ويهبنا الإيمان الذى نغلب به العالم الموضوع فى الشرير.

الآب نفسه يحبكم

كما ورد عدد 27 على فم الرب "لأن الآب نفسه يحبكم" لأنكم أحببتمونى وآمنتم إنى من عند الله خرجت." وسر حب الآب للمؤمنين  هو ايمانهم العامل بالمحبة (غلا5: 6" لأنه فى المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئا ولا الغرله بل الايمان العامل بالمحبة." كقول الرسول بولس" ان كان لى كل الايمان حتى انقل الجبال ولكن ليس لى محبة فلست شيئا ."1كو13: 2‘ وبحبنا لإبن الله نتمتع بحب الآب لنا‘ لأن علة حبنا أننا محبوبون من الله ‘ لأنه أحبنا أولا.وكما علمنا القديس بولس" والرجاء لا يخذى لأن محبة الله قد انسكبت فى قلوبنا بالروح القدس. رو5: 5 ". وكما علمنا القديس يوحنا ذهبى الفم: بالإيمان العامل بالمحبة : - إذن لنغلب العالم.  – لنركض نحو الخلود.   – لنتبع الملك المسيح.  – لنعد النصب التذكارى للغلبة  - لنستخف بملذات العالم .  – لنحول نفوسنا الى سماء فنهزم كل العالم..الذى إذ لا تشتهيه تغلبة وإن سخرت به تقهره.

ليحل السيد المسيح بروحه القدوس فى قلوبنا ليحولنا الى رائحة ذكيه له بين كل الناس. ولإلهنا المجد الدائم. آمين.


رحلة حج وصلاة الى مزار سيدة لبنان في حريصا




الغربة ـ زغرتا
نظمت ابرشية طرابلس المارونية، بمشاركة ابرشية الروم الملكيين، رحلة حج وصلاة الى مزار سيدة لبنان في حريصا، بمشاركة رعايا الابرشية من مناطق الكورة، زغرتا، الضنية، طرابلس، وعكار، واقيم قداس احتفالي في بازيليك سيدة لبنان تراسه راعي الابرشية المطران جورج بو جوده بمشاركة راعي ابرشية طرابلس والشمال للروم الملكيين المطران ادوار ضاهر، وعاونهما المونسنيور بطرس جبور، المونسنيور الياس جرجس، الخوري شكري الخوري، الاب ميشال عبود، والخوري حنا حنا، ولفيف من كهنة ابرشية طرابلس المارونية، وحشد كبير من ابناء الابرشية. 
في بداية القداس عدد الخوري فادي منصور اسماء الرعايا المشاركة في "هذا الحج المريمي، وفي ساعة من الصلاة والتامل في شهر مريم امنا الحنونة". وبعد الانجيل المقدس القى المطران ضاهر عظة قال فيها:" انها لنعمة فوق نعمه، وبهجة فوق بهجة وبهجة، ان احتفل معكم بالذبيحة الالهية في هذا المكان المقدس مع المطران جورج واشارككم الصلاة مع اخوتي الكهنة وهذه الجموع الحاضرة في شهر ايار، شهر تكريم العذراء مريم". 
اضاف المطران ضاهر:" اتينا من عاصمة الشمال، الى حريصا، لنكرم والدة الاله العذراء مريم سيدة لبنان، لنصلي معا ونمجد معا، الام السماوية، ونكرم معا الامومة الشاملة في هذه السيدة العذراء، واليوم ونحن على مقربة من نهاية الشهر المريمي، اراكم منطرحين عند اقدام العذراء مريم، راجين الشفاعة والبركة والسلام، فمن هنا  ننظر الى هذه الام، فهي ملكة السماء ملكة مقتدرة تحمي لبنان، ننظر اليها فاذا هي ام تعطف على بؤسنا وشقائنا وتشد عزائمنا في الضعف والمصاعب، ننظر اليها في الشدائد، والمضايق، فاذا هي شفيعة مستجابة تمديد المساعدة والانتصار، ننظر اليها، في حقارتنا وابتعادنا عن الله فاذا هي وسيلة خلاص، وسلام بين الله والبشر". 
وتابع المطران ضاهر:" ننظر اليها في فقرنا الروحي، وفي عقم نفوسنا فاذا هي كنز للنعم لا ينبض، ننظر اليها في مجاهل هذه الحياة وظلماتها الكثيفة، فاذا هي نور يهدي خطانا ويقوم سبلنا، ننظر اليها في مخاوفنا واضطراب قلوبنا، فاذا هي خلاصنا ورجاؤنا، ننظر اليها ونحن في هذه الضائقة الخانقة، نئن من غلاء الكساء والدواء، فاذا هي المعزية والمساعدة على الصبر والاحتمال لانها مصدر كل خير وبركة ونعمة، فلا عجب اذا ما سارعت الرعايا الى الصلاة في مقام امهم مريم العذراء، لتكريم هذه الملكة ويقدمون لها ايات الشكر والعرفان بالجميل".
وختم ضاهر:" يا مريم، مدي يديك الطاهرتين، وباركي اهل لبنان وهذه المنطقة ومن فيها، خاصة هؤلاء الحاضرين معنا في هذه الكنيسة المباركة، والمجتمعين هنا في ظل حمايتك. اتينا اليك يا امنا هذا اليوم رافعين اليك ايادي ضارعة، اننا يا عذراء ننتظر ميلاد السلام في وطن كان دائما مسالما واصبح وطن الحرب والدمار، اننا يا عذراء ننتظر منك كلمة تفتح القلب وتعيد الرجاء". 
وفي ختام القداس شكر المطران جورج بوجوده جميع الرعايا الذين شاركوا في هذا النهار المبارك، واعطى بركته لجميع الحاضرين، ودعا بو جوده جميع ابناء وبنات الابرشية الى المشاركة يوم السبت المقبل في الثلاثين من ايار المقبل، في مسيرة القربان المقدس التي تقام في عكار، والتي تبدا بقداس عند الرابعة عصرا، في كنيسة مار مارون في عندقت، ومن ثم مسيرة صلاة وزياح للقربان وصولا الى كنيسة الحبل بلا دنس في بلدة القبيات. 

المصري الذي تجرأ وتجـوّل كيهودي في شوارع القاهرة

العربية لندن – كمال قبيسي
شاهد المصريون، الأربعاء الماضي، نموذجاً حياً عمن يلقي بيديه إلى التهلكة التي حذر منها القرآن.. رأوه بلحية كثة، معتمراً قبعة المتشددين "الحاسيديم" من يهود أوروبا الشرقيين، ويتجول في وضح النهار بشوارع القاهرة، سائلاً البعض عن عنوان "المعبد اليهودي" فيها، طبقاً لما نراه ونسمعه في الفيديو الذي تعرضه "العربية.نت" الآن، فأمطروه بعدائيات متنوعة، تطاير من بعضها الشرر الذي استصغره، وفي إحدى المرات كادت شرارة تنال منه بما لا يخطر على البال، لو لم يتداركوه.
وانتهت الحكاية بفيديو طريف وجدي معاً، وحين وصل صداه إلى إسرائيل، علق قارئ فيها لصحيفة "معاريف" اسمه عاميت كوهين، وقال: "لا جدوى، سيرغبون دائماً بإلقائنا إلى البحر".
لكن آخر اسمه آفي أيدر، خفف الوطء بقوله إن ردود الفعل بأوروبا "كانت أكثر كرهاً وعدائية"، في إشارة إلى تجول مراسل الصحيفة قبل 3 أشهر في باريس، مرتدياً ما يدل على يهوديته، ورأى وسمع ردود فعل من سكانها قاسية على اليهود.
"لو شفت يهودي في الشارع"
الشيء نفسه فعله موقع "دوت مصر" المتميز عن سواه بأنه يرفق ما ينشره عادة بفيديوهات من إنتاجه، ورغب قبل شهرين أن يتعرف إلى ردود فعل المصريين حين يرون يهودياً يتجول في القاهرة، فاتفق مع ممثل اسمه محمد منير، لينتحل شخصية يهودي من المتشددين لإنتاج الفيديو الذي تحدثت "العربية.نت" بشأنه إلى رئيس تحرير الموقع، الذي بدأ نشاطه الإخباري في يناير الماضي، وهو الصحافي خالد بري.
شرح بري عبر الهاتف أمس الجمعة من القاهرة أن الفيديو، وهو بعنوان "لو شفت يهودي في الشارع" ومدته دقيقتان، كلف 600 دولار تقريباً، وتم تصويره على 3 مراحل قبل شهرين، إلا أن عرضه في "دوت مصر" تم الأربعاء الماضي، ثم في "يوتيوب" اليوم التالي، ومنذ ذلك الوقت وهو يثير جدلاً على كل صعيد.
في الفيديو، وفكرته من بري نفسه واشتغل 6 أشخاص من "دوت مصر" لإنهائه، نرى الممثل المصري المنتحل شخصية يهودي، يكاد يتعرض للضرب، لأنه يطلب المساعدة من المارة ليعرف كيف يصل إلى المعبد اليهودي بالقاهرة، ونجده يسمع صراخ من استهجنوه واعتبروه كأنه متسلل إلى العاصمة أو غريباً دخيلاً لا طعم له ولا رائحة فيها، إلى درجة أحاط به غاضبون وبدأوا بدفعه نحو جدار خلفه، وأحدهم صفعه، وسمع تهديدات ورأى عيوناً تحدق وسمع من الكلام ما يلسع، وآخر نصحه بترك المكان فوراً.

..ورمقه بنظرة لو طالت في عينيه لقتلته
وتتغير اللقطات، لنرى بعدها الممثل وقد انتحل شخصية يهودي بثياب مدنية وبيده ورقة، فيها عنوان عبري اللغة، وراح يسأل المارة كيف يصل إليه، فيستغرب أحدهم لغة العنوان، وعندما علم بها رمقه بنظرة لو طالت في عينيه بعض الشيء لربما قتلته، فيما يلف أحدهم الورقة ويطويها ويعيدها إلى جيب المتنكر، مع نصيحة "لوجه الله" أغلى من جمل.
ويقول الصحافي خالد بري إن ما لا يراه المشاهد في الفيديو هو لقطات كانت صعبة على المتنكر محمد منير، كما على المصورين حسام سليم وجوزف عادل، ومن كانوا برفقتهم من "دوت مصر"، الذي يعمل فيه أكثر من 150 شخصاً، حين كانوا في منطقة "الوراق" بالقاهرة الكبرى.
كان التصوير وقتها في أول يوم من العمل بالفيديو، وكان يوم جمعة قرب أحد المساجد، وحين خرج منه المصلون ووجدوا يهودياً يتجول في المكان ويسأل المارة كأنه من أهل الدار، تجمهروا عليه وكادت تحدث كارثة، ففر المتنكر من الموقع، وأسرع فريق "دوت مصر" وألغى التصوير، ولملموا معداتهم وحوائجهم، ناجين من الأسوأ.

فينيسيا تغلق أول مسجد أقيم فيها ضمن فعاليات بينالي الفن المعاصر

بي بي سي
أمر مسؤولون في مدينة فينيسيا (البندقية) الإيطالية بإغلاق مسجد، أعد في موقع كنيسة سابقة، ليكون مقرا لجناح ايسلندا في الدورة 56 لبينالي فينيسيا للفن المعاصر.
واغلق الجناح الايسلندي، الجمعة، بعد أن سحب مسؤولون في بلدية مدينة فينيسيا التخويل الذي منحوه للجناح لوجود ما وصفوه بتجاوزات على الاتفاق المبدئي، ومن بينها استخدام الجناح كمحل للصلاة والعبادة.
وقالت إدارة بينالي فينيسيا في بيان أصدرته إنها تأمل في التوصل إلى حل يعيد فتح الجناح من جديد.
وصمم المسجد الفنان الايسلندي، سويسري المولد، كريستوف بوشيل.ويعد أول مسجد في هذه المدينة التاريخية الإيطالية.
ووصف بوشيل مشروعه هذا بأنه أحد أكثر المشاريع اثارة للجدل وجذبا للانتباه في البينالي، وجاء بناء على علاقة فينيسيا التاريخية مع الشرق.
وقال بوشيل في تصريحات صحفية إن فينيسيا كانت هي المدينة التي طبعت فيها أول نسخة للقرآن في القرن السادس عشر كما أن قصر "فونداكو دي توركي" الأنيق المطل على القناة الكبرى في المدينة كان ذات يوم نزلا للتجار العثمانيين.
وزار الجناح /المسجد أكثر من 7000 زائر، سواء من المسلمين الذين قدموا للصلاة فيه، أو اولئك الذين جاءوا لمشاهدة الأعمال الفنية التي يحتويها والتقاط صور فوتغرافية فيه.
واستند بوشيل في عمله الى أن سياق الحضارة الإسلامية كان له تأثير عميق في فينيسيا التي كانت نقطة تقاطع بين الشرق والغرب، فضلا عن التضمينات الاجتماعية والسياسية التي تفرضها الهجرة في عالمنا المعاصر.
وعلى الرغم من أن فينيسيا ظلت لقرون مركزا للتجارة بين الشرق والغرب، وتأثرت بالفن العربي الإسلامي والعمارة واللغة، الا أنها لم تسمح ببناء مسجد فيها.
وثمة إشارات إلى أن هناك قاعة لصلاة المسلمين (وليس مسجدا) كانت أسست في عام 1621 في قصر يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر يعرف اليوم باسم "فونداكو دي توركي".
وتقول مراسلة بي بي سي سيلفيا سميث إن اعداد المسجد ظل مصدر جدل في ايطاليا، وإن وضع "المسجد" (العمل الفني) في هذا المكان لفت الانتباه إلى قضية خلافية.
وتقول وزارة التعليم والعلوم والثقافة الايسلندية إنها تأمل أن يقدم هذا العمل الفني مساهمة إيجابية، ويؤكد المعماري ورئيس تجمع الجالية المسلمة في المدينة محمد أمين الأهدب إن ذلك ما حدث بالفعل.
ويقول "إن العمل الفني قد جلب عددا متنوعا من الناس إلى هذا المكان للصلاة وفي سياق حواري محترم".
واستغرق العمل في إعداد المسجد نحو سبعة شهور وافتتح مع افتاح البينالي في 8 مايو/أيار الجاري.

الكاتبة السعودية آل الشيخ تفجر ضجة على تويتر بانتقاد احكام شرعية للنساء

الرياض، المملكة العربية السعودية (CNN)—
فجرت الكاتبة السعودية، حصة آل الشيخ، موجة انتقادات كبيرة، الأربعاء، بعد مقال كتبته ونشرته صحيفة الرياض، تنتقد فيه عددا من الأحكام الشرعية الإسلامية للنساء.

وقالت حصة في مقالها: "دعونا نربط الولاية في المقال السابق بفعل تقوم به المرأة وهي خانعة مغيبة بفعل طغيان الثقافة الذكورية على ذهنيتها المسلوبة؛ فالمرأة لازالت تواصل سجن نفسها بنفسها بموت زوجها، أربعة أشهر وعشراً، مطمئنة إلى أنها إنما تقضي مدة السجن عبادة لله بواسطة التعبد للزوج المتوفى، وهو أمر يحور ويدور في دوائره اللامنطقية؛ فلا يجد مبرراً أتفه من أن يقيس الوفاء بالحبس، لتسأل المرأة: ما هذا السجن الكئيب المجلل بالسواد؟ فترد: بأن ’هذا آخر حقه علي‘ وكأن حقه أن يسجنها حياً وميتاً، يا لها من ذكرى رائعة؛ أن يكون آخر عهد للمرأة بزوجها هو السجن، فأي ذكرى جميلة! وأي وفاء تقدمه قرباناً لربها؛ تقسمه بينه وبين رب السماء.."

وتابعت قائلة: "عادة استعبادية فرضها التراث المأفون ودعمها بأكاذيبه المسترشدة بحس الوفاء المنقوص (الذي لا يطالبه بالمثل بالطبع) واعتنقتها المرأة كعقيدة لا واعية توجّه مشاعرها بتطبيق ملزم، بدأها بولايته العنصرية ثم سحب حياتها الخاصة ثم فرض عليها المشاعر التي ترضيه وبالطريقة التي تريدها ’السجون‘ وسيزداد، فمادامت الحقيقة مغيبة ومحفوظة في صندوق الأمانات التراثي الذي يحمل سره الباتع علماؤه الذكوريون، فصلِّ على الإنسانية صلاة الغائب.. هذا التشريع الذكوري الذي طوق به التراث ولا زال أعناق النساء فسجنّ أنفسهن بأنفسهن، يكذّبه القرآن الكريم، فالحكمة الوحيدة لعددية العدة؛ ,العدة وليست الحبس‘ هو التأكد من خلو الرحم.. يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً يتربصن: أي ينتظرن فلا يتزوجن، بدليل وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ولو وضعت بنفس يوم موت زوجها.. إذاً؛ لا علاقة للوفاء ذي الشلل النصفي! فالوفاء فعلٌ مثالي حر لا يطبق بالسجون العنصرية."

وبرز وسم حمل اسم "حصة آل الشيخ تتطاول على الشرع،" حيث قال عادل الكلباني في تغريدة له على هذا الوسم: "أنقذوها تلك المرة بزعم اختراق أو تزوير حسابها في تويتر! فبم سينقذونها هذه المرة؟"

وقال الداعية السعودي، عبدالعزيز الطريفي: "عدة وفاة الزوج من أحكام الله القطعية في القرآن ومنكرها كافر بإجماع المذاهب (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا).. لو أقيم حد الردة على معتد واحدٍ على الله ودينه لما تكرر التعدي مرارا ولما وُجدت أقلام تهون ذلك.. لا يستهزأ بالله ودينه في أمة إلا أهانها الله."

وقال صالح سندي: "من يعارض الشريعة بعقله الفاسد فيه شبه بالمشركين: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله}"

فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم/ عبدالله بدر اسكندر

الإنابة الاختيارية التي يلجأ الإنسان من خلالها إلى اتخاذ سبيل الرشاد والابتعاد عن السبل الأخرى والإصرار على عدم الرجوع إلى ما كان عليه كل هذا يدخل تحت عنوان التوبة، فإذا حصل الإنسان على نتائج هذا الأمر وتمكن من الحفاظ عليها فمما لا شك فيه سوف يكون من السعداء الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات، وقبل الشروع في تفصيل هذه المقدمة نود الإشارة إلى أن هناك بعض الأخطاء الشائعة التي يتناقلها الناس من عدم قبول توبة المشرك وأنت خبير بأن هذا الباب لا يمكن أن يصنف إلا ضمن أبواب الباطل التي تقضي بترجيح قول على قول من غير دليل، والذي يدعو هؤلاء الناس إلى هذا الظن لا يخرج عن فهمهم القاصر لقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً) النساء 116. وقريب منه الآية 48. من نفس السورة، والحقيقة أن الآية ناظرة إلى موت الإنسان على الشرك من قبل أن يتمكن من الرجوع إلى طريق الحق، أما حكم قبول توبة المشرك فهذا لا يختلف فيه أهل العلم شريطة أن ينتقل الإنسان إلى جهة أخرى تباعد بينه وبين الخطايا التي أحاطت به في حياته الدنيا، وبهذا يكون مفهوم الآية وكذا منطوقها لا يراد منه إلا الموت على الشرك كما قدمنا، ومن هنا نعلم أن قبول التوبة يصدق على جميع الناس مهما كان نوع الذنوب التي اقترفوها فتأمل ذلك بلطف.
فإن قيل: ما هو الباعث الذي يجعل الأبواب مفتحة لأصحاب الكبائر عند الإقلاع عن المعاصي التي ارتكبوها؟ أقول: الأفعال الكبيرة التي يقترفها الإنسان قد تجرفه إلى ما هو أكبر منها وذلك بحكم الغريزة الفطرية التي تدفعه إلى جعل تلك الأفعال من المكتسبات التي لا يقوى على الابتعاد عنها أو التخلص منها، وإذا ما وصل به الأمر إلى هذه الدركات السفلى فمن الطبيعي أن يصبح لديه كسب السيئات أقرب إلى اكتسابها، مع ملاحظة بيان الفرق بين الكسب والاكتساب، وقد أشار سبحانه إلى هذا المعنى بقوله: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) البقرة 286. ثم انتقل المعنى إلى جعل الكسب كالاكتساب، وذلك في قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) الروم 41. وكذا قوله: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة 81. وهذا يدل على أن الاكتساب الذي يحتاج إلى كلفة وجهد سوف يكون كسباً وذلك بسبب تكرار الفعل، ولذا أنزل هذه المنزلة فتأمل.
وبناءً على ما تقدم يمكن القول إن التوبة شرعت من أجل الحفاظ على النظام العام وما يتفرع عليه من وحدة الأمة وأمنها، ولا يمكن أن يستقيم هذا الأمر إلا بالابتعاد عن المحرمات التي اعتاد الإنسان فعلها والتي يظن أن الخلاص منها أصبح أبعد من أن ينال، ومن هنا نرى مدى اختلاف المراحل التي يمر بها الإنسان وما يتفرع عليها من طغيانه وتجبره وصولاً إلى حاجته وفقره إلى واجب الوجود، وهذا الأمر لا يمكن أن يغيب عن أصحاب العقول الراشدة الذين يقدرون هذه الحقيقة ويجعلونها لا تخرج عن الفاقة الملازمة للمسيرة الإنسانية دون أن تفترق عنها بحال من الأحوال، ولهذا وصف الحق سبحانه حالة الإنسان قياساً إلى هذه الجهة بقوله: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) فاطر 15. وقد وجه النبي موسى (عليه السلام) هذا المعنى بألطف بيان كما في قوله تعالى حكاية عنه: (فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) القصص 24. وهذه هي طبيعة النفس البشرية، وهذا هو ملاك الإنسان المتأرجح بين اليأس والرجاء، أي اليأس بسبب الحالات التي تقوده إلى الدركات السفلى، والرجاء الذي يرفعه إلى الدرجات العليا.
من هنا نعلم أن الرجوع إلى الله تعالى قد شرع بناءً على الضعف الذي يمتاز به الإنسان، ولهذا كانت توبته سبحانه متقدمة على ما يقابلها من توبة الإنسان، كما في قوله جل شأنه: (ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) التوبة 118. وعند تأمل الآيات التي تتحدث عن التوبة يظهر أن في منطوقها أبواباً واسعة تدلل على قبولها، ولا توصد تلك الأبواب إلا بملازمة الكفر الذي يلاحق الإنسان إلى آخر مراحل حياته، ومن هذه الآيات قوله تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً) النساء 17. وشتان بين هذا المعنى وبين اللجوء إلى التوبة عند مقاربة الموت، كما في قوله تعالى حكاية عن فرعون: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواً حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين... آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) يونس 90- 91. وقد يُرد هذا المعنى إلى الكبرى التي بينها تعالى في قوله: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً) النساء 18.
فإن قيل: كيف يطمع الكافر بالتوبة إذا وقع عليه الموت؟ أقول: أراد سبحانه المقاربة دون الوقوع، ولهذا جعل أعمال العباد مصحوبة بتكرار التوبة نسبة إلى مقام القرب منه جل شأنه، وقد يتضح هذا المعنى جلياً من المقام الرفيع لإبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) وكيف أبديا رغبتهما في الرجوع إليه سبحانه في جميع توجهاتهما وإن لم يصدر منهما ما يدعو إلى الندم على فعل بعينه، ولكن هذا الرجوع يبيّن حقيقة الإنسان وفقره وحاجته إلى الله تعالى، ويمكن أن يستشف ذلك من قوله: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم... ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم) البقرة 127- 128. وكذلك ينطبق هذا الأمر على موسى، كما في قوله تعالى حكاية عنه: (فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) الأعراف 143. وهذا يبيّن أن توبة الأنبياء لا يترتب عليها ذنب معيّن وإنما هي حالة من التسليم إليه سبحانه في جميع تحركاتهم وأفعالهم، وذلك لأجل إظهار مدى فقرهم إليه جل شأنه على الرغم من أن ليس هناك ما يدعو إلى هذا الفعل على حد تعبيرنا.
من هنا تظهر النكتة في قوله تعالى: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم) التوبة 117. فإن قيل: هل أن قبول التوبة يعتبر واجباً على الله تعالى؟ أقول: قبول التوبة من الحالات الاستثنائية التي يمن بها تعالى على عباده دون أن تدخل ضمن الأفعال الاضطرارية، وهذا ما يفهم من قوله تعالى: (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون) آل عمران 90. ولذلك فقد من الله تعالى على بني إسرائيل بأن شرع لهم التوبة علماً أن أعمالهم لا ترقى إلى هذا التشريع، وقد يُفهم هذا المعنى من التشديد المصاحب لنوع التوبة التي بينها لهم، كما في قوله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم) البقرة 54.
فإن قيل: ما المقصود بقتل أنفسهم؟ أقول: القصد من ذلك قتل بعضهم بعضاً لأن النفس الواحدة تطلق على الناس الذين تجمعهم روابط مشتركة، وقد بين الله تعالى هذا المعنى في كثير من المواضع، كقوله: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) التوبة 128. وكذا قوله: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) آل عمران 61. وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) النساء 29. وقوله: (فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون) النور 61. وقريب منه الآية 12. من نفس السورة. وكذلك قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) الحجرات 11. لأن من لمز أخاه كمن لمز نفسه... وهذا الباب يحتاج إلى تأمل.
 فإن قيل: ورد في آية البحث قوله تعالى: (ذلكم خير لكم) خير لهم من أي شيء؟ أقول: خير لهم من عدم قتل أنفسهم الذي فسرناه بقتل بعضهم بعضاً، لأن توبتهم لا تقبل إلا عن هذا الطريق، ولذلك عقب تعالى بقوله: (عند بارئكم) لأجل أن يتم المعنى المقرر للفعل. فإن قيل: ما معنى الباء في قوله: (باتخاذكم العجل) أقول: الباء سببية أي بسبب اتخاذهم العجل معبوداً من دون الله، وحذف المفعول الثاني لدلالة الكلام عليه. 

      من كتابنا: القادم على غير مثال        

الإنسان وسقوطه/ نسيم عبيد عوض

بعد ان خلق الله الكون كله بأبهى صوره ‘ وأحسن ماعنده ‘من قوات سمائية وطغمات ملائكية ‘ وزين الأرض بكل أركانها كحياة تخلق لأول مرة ‘ فنشر نوره الإلهى أولا ثم أنارها بنور الشمس والكواكب ‘ ثم أعد لمخلوقات الأرض كل متطلباتها بكل رفاهية ‘المياه بوفرة ‘ واليابسة  على قدر ماتحتمل ‘ الحيوانات البحرية والبرية ‘ والطيور والإسماك ‘ والعشب والشجر والمزروعات حسب أجناسها ‘ دنيا رائعة الجمال تشرق الشمس فيها فتزقزق الطيور بأنغامها  ‘وتقوم الكائنات الحيه ناهضة من نومها ‘ وبعد نهار تغرب الشمس الى حيث ماجاءت ‘ وهكذا الحياة معدة لمخلوق الله القادم الذى أعد الله له كل ذلك ‘ الذى رآه "انه حسن" ‘فأعلن قراره الإلهى " وقال الله نعمل الانسان على صورتنا وشبهنا فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض‘ وعلى كل الدبابات التى تدب على الارض." ولعلنا نتوقف أمام كلمة ( نعمل ) التى جاءت بصفة الجمع هنا (

Then God said” Let Us make man in Our Image.)

وطبعا لا أحد يقول ان كلمة نعمل تعنى التبجيل ‘ وهذا غير مقبول لأن الله مبجل فى ذاته وأكبر وأعظم فى شخصه‘ ولكن الوحى الإلهى هنا يلفت النظر الى أن الله له ثلاثة خواص فى ذاته ( الأصل-وتعرف بالآب-والكلمة – النطق -التى هى نتاج عقله وحكمته-وتعرف بالإبن – وهو حى بروحه القدوس )

نعمل الانسان على صورتنا وشبهنا:تك1: 26

خلق الله  الإنسان على صورته – نفس وجسد وروح- . فالله واحد في جوهره، موجود بذاته، ناطق بالابن، حيّ بالروح القدس ‘و خلق الله النفس البشرية علي صورته ومثاله، أي علي مثال الثالوث القدوس فهي كائن – ناطق – حيّ . وأيضا على صورته وشبهه فى صفاته الجوهرية مثل المحبة ‘ الله محبة -1يو4: 8 –  وعندما خلق الانسان – أو بعد الميلاد الثانى – يحمل نفسا داخلية مملوءه بالحب لله ولكل البشر ‘ وأيضا الله نور –" الذى وحده..ساكنا فى نور لا يدنى منه(1تيمو6: 16) نور من نور‘ " الله نور وليس فيه ظلمة البته " 1يو1: 5‘ فأعطانا أن نكون نورا للعالم "أنتم نور العالم " مت 5: 14‘و أعطانا ناموسا طبيعيا يخلق معنا ‘ يميل الى الحق ويتجنب الشر‘ وهكذا يبدأ المولود بعد الخروج من المعمودية  والله يحيا فيه – هيكلا لله -  وروح الله يسكن فيكم.1كو 3: 16. فخلق الله الانسان على صورته .على صورة الله خلقه. ذكرا وأنثى خلقهم .وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الارض واخضعوها وتسلطوا عليها ..تك1: 27‘28. وكان كذلك كقول الله. ورأى الله كل ما عمله فاذا هو حسن جدا.فأكملت السموات والارض وكل جندها.

آدم فى الجنة

عندما خلق الله آدم ( وجبل الرب الإله آدم ترابا من الارض . ونفخ فى انفه نسمة حياة .فصار نفسا حية.تك2: 7‘غرس الرب الإله جنة فى عدن شرقا .ووضع هناك آدم الذى جبله ‘ وخلق الله لآدم من الارض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل ‘يهتم الرب بآدم فوفر له الطبيعة الخلابة بأشجارها لكى يتمتع آدم بالمناظر الطبيعيىه الجميلة  التى تسموا بالنفس البشرية ‘ وشجرة الحياة فى وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر .تك2: 8-10.

خلق حواء

إهتم الله بآدم وحياته فى الجنة الذى يعملها ويحفظها وحده دون معين ‘ "وقال الرب الإله ليس جيدا ان يكون آدم وحده فأصنع معينا نظيره ‘ ولكنه لم يجد فى الحيوانات البرية  ولا طيور السماء معينا نظير آدم فاكتفى بأن يعطيه الإستحقاق ليمنح هذه الحيوانات والطير اسمائها ‘ ولكنه قرر خلق حواء " فاوقع الإله ثباتا على آدم فنام. فاخذ واحدة من اضلاعه وملأ مكانها لحما. وبنى الرب الإله الضلع التى أخذها من آدم امرأة واحضرها الى آدم. وعاشا آدم وحواء فى سعاده وسرور مع الله فى الجنة وكما يصفهما الكتاب " وكانا عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان تك2: 25. حياة نقية فيها روح الله لا يعرفان إلا الخير ولا شيئ يخجلهما ولا شهوة جسدانية تعصف بهما بل حسب كلام الله لهم يعيشون لإى نغمات حب طاهر نقى كقول آدم عن امرأته " هذه الآن عظم من عظامى ولحم من لحمى أى جسدا واحدا.تك 2: 23.

الوصية..      وكانت هذه أول وصايا الله للإنسان  فى شخص آدم أب البشرية كلها " واوصى الرب الإله آدم قائلا من جميع شجر الجنة تأكل اكلا. واما شجرة الخير والشر فلا تأكل منها .لأنك يوم تأكل منها موتا تموت.تك2: 15-17‘ وبعد إعطائه الوصية خلق الله لآدم حواء فلقنها آدم وصية الله وان عقوبة مخالفة وصية الله هى التعدى على شخص الله وعقوبتها الموت ‘ الموت الروحى وليس الموت الجسدى ‘ لأن آدم عاش 930 سنة‘ ولكن الحياة فى الجنة تتطلب من الانسان الطاعة الكامله لوصايا الله ‘ والتى تعنى محبة الله الفائقة‘ وفهمت حواء هذا الأمر الإلهى.

بحسد إبليس أسقط الانسان وكل البشر:

عندما خلق الله الانسان وهبه أعظم عطية ‘ الحرية الإنسانية وحرية الإرادة ‘ ولذلك أعطى الوصية وعقوبتها وترك الحرية كاملة لآدم وحواء حرية الإختيار ‘ وكان يجب عليهما رد الحب لله بطاعة وصيته ‘ ولكن بحسد إبليس هبط بهما الى الموت بمعرفة الحية ‘ أطاع إبليس بدون وجه حق ‘ وعصى أمر الله خالقه. إستخدم عدو الخير الخليقة الصالحة التى عملها الله لخدمة الانسان إستخدمها لتحطيم الانسان ‘ كان العيب ليس فى الوسيلة بل فى الانسان ‘ الذى قبل أن يدخل فى حوار باطل مع الحية‘ ولذلك يحذرنا معلمنا بولس الرسول "المباحثات الغبية والسخيفة إجتنبها.1تيمو 2: 23‘ وهذا ماحذرنا منه القديس يوحنا ذهبى الفم بقوله" أنه لا يمكن للشيطان ان يتسلل إلينا مالم نعطيه نحن الفرصة بالدخول فى حوار باطل بل نقطع كل رباطات الشر مع إبليس وأعوانه. يقول السيد المسيح "لا تعطوا القدس للكلاب ‘ولا تطرحوا درركم قدام  الخنازير‘ لئلا تدوسها بارجلها وتلتفت فتمزقكم.مت 7: 6. خدعت الحية حواء بوعودها الخداعة والكاذبة (لن تموتا) وأشبعته بشوة الأكل وشهوة العيون وعظمة أن يخالفا وصيةالله وعدم طاعته ‘ وفى هذا يقول القديس أغسطينوس " الله هو قائدنا والشيطان يعمل على هلاكنا ‘ القائد يقدم وصية والمهلك يقترح خدعة وشهوة فهل نسمع للوصية أو نصغى للخدعة. ويقول آباء الكنيسة ثلاث خطايا رئيسية قدمها إبليس لتحطيم الإنسان هم النهم –شهوة الجسد ‘ والطمع ‘ والكبرياء والعظمة.وهكذا ورثت البشرية كلها الموت ‘ والفساد ‘ والخطية ‘ فبآدم الأول تسلل الهلاك والموت للإنسان ‘وبه ايضا صارت البشرية كلها تحت الدينونة ‘ وفقدت حواء رسالتها الأصلية التى خلقها الله من أجل ان تكون معينا للإنسان فأصبحت فخا لرجلها ومحطمة لحياة الانسان مع الله.

معرفة الشر .. بمعصية الله بخطية التعدى إنفتحت أعينهما وعرفا أنهما عريانين ‘ فاقشعرت أجسادهما وارتعدوا وخجلوا من أنفسهما فحاولا  تغطية الخزى والعار فخاطا أوراق شجرة تين لتغطى عريهما‘ وبإنفتاح أعينهما على الجسد العريان دخل الفساد الى الجسد‘ ومعرفة الشر أشعرهما بالخزى من الجسد الشهوانى ‘ وكما يقول القديس أغسطينوس" انفتحت أعينهما لا لينظروا لانهم كانوا ينظروا من قبل ‘ولكن ليميزوا الخير الذى فقدوه والشر الذى سقطوا فيه" وهكذا كل البشر.

ورأى الله صعوبة موقف آدم وتحدى إبليس له فاعتبر ذلك أمر لا يمكن السكوت عليه ‘ كما يقول القديس أثناسيوس الرسول "كان تحديا لله " فبدأ على الفور بتدبيرات الخلاص لهذا الانسان المحطم والمحكوم عليه بالموت ‘ وبدأت البادرة : 1- عمل الله ذبيحة حيوانية وعمل من جلدها أقمصة وملابس لآدم وحواء قبل  خروجهما للأرض التى جبلوا منها‘ لتغطية عريهما من الخطية.   2-  وعد الله بالخلاص " نسل المرأة يسحق رأس الحية "تك3: 15. وهكذا بهذا الوعد الإلهى بدأت البشائر لخلاص البشر فى الوقت الذى يحدده الله . وإنتظرت البشرية طويلا حتى نفذ الله وعده فى ملء الزمان.


وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان/ عبدالله بدر اسكندر

الوجه الأمثل لمعرفة الحقائق لا تكتب له الاستقامة إذا كان تابعاً لنوع من العلم القاصر، ولهذا كان من الأولى أن يبحث الإنسان عن السبيل الذي يتقارب مع ذلك الوجه مع ملاحظة نبذ التقصير الطارئ جرّاء اتخاذه نوع العلم الذي أشرنا إليه، وإذا ما حصل على ذلك فمن الطبيعي أن يكون قد ساعد في إنقاذ الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولهذا اقتضت حكمة الله تعالى أن تسيّر الحياة الدنيا على إظهار جميع الأدلة والبراهين التي تدعو إلى الكدح إليه سبحانه على نحوٍ لا يضمن إبقاء الحجج بعيدة عن اللوازم المؤهلة للرجوع إلى دين الحق، وأنت خبير من أن الوجه المقابل لهذا النهج سوف يجعل الإنسان متمسكاً بالمعاذير التي تباعد بينه وبين العقاب الذي ينتظره، ولهذا السبب أرسل الله تعالى رسله وأنزل معهم الكتاب وأيدهم بالآيات البينة لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل. فإن قيل: ما هي الشروط التي يتم بموجبها اختيار الرسل؟ أقول: لا نستطيع الوصول إلى تلك الشروط لأن العلم بها يكون مرده إلى الله تعالى، كما بين ذلك في كثير من المواضع، كقوله: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) الأنعام 124. وكذا قوله: (وقالوا لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم... أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون) الزخرف 31- 32. وقوله: (يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) آل عمران 74. وقريب منه البقرة 105.
من هنا ندرك أن الإنسان لا يمكن أن يصل إلى العلم الناتج عن التحكم بالأفعال وما يتفرع عليها، أو يفرق بينها وبين الأصل الراجح الذي يمهد له معرفة السبل الكفيلة في إنقاذه وتوجيهه إلى الصراط المستقيم، ولهذا تم اختيار الرسل من بين سائر الناس وفق منهج الاصطفاء الذي لا يحيط به الإنسان على الرغم من إيجاد الحلول المناسبة لكثير من القضايا المحيطة به دون المنهجية الملازمة للتفريق بين تلك الحلول وبين الدعوة إلى الله تعالى والتي من أهم مصاديقها الإيمان والعمل الصالح، وهذا الأمر لا يكتب له النجاح إلا من خلال المعارف اليقينية التي يرفد بها الله تعالى عباده بواسطة الرسل، كما في قوله: (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير) الحج 75. والرسل كما في صريح الآية هم من الناس دون أن تكون هناك علامات فارقة بينهم وبين الأقوام المرسل إليهم إلا الاصطفاء الذي يختص الله سبحانه بمعرفة نتائجه، ولذلك بين بشريتهم في قوله: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيراً) الفرقان 20. وكذا قوله تعالى: (ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب) الرعد 38. وهناك آيات كثيرة بهذا المعنى.
فإن قيل: إذا كان الأمر كذلك فما هي الصفات التي تميّز بها الرسل عن المرسل إليهم؟ أقول: إن ما يميّز الرسل عن أقوامهم يرجع إلى الأمانة في التبليغ والصدق في القول، ولهذا أثنى الله تعالى عليهم في كثير من المواضع، كما في قوله: (ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق علياً) مريم 50. فإن قيل: هل كان هذا الجعل تكوينياً أم تشريعياً؟ أقول: هذا النوع من الجعل هو جعل تشريعي، بدليل قوله تعالى: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً... وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا) مريم 54- 55. وكما هو ظاهر فإن هذه الصفات تدل على أن الأعمال التي كان يقوم بها إسماعيل لو كانت من الأعمال التكوينية لما كان في مدحه وجه، وبالإضافة إلى ذلك نرى أن الله تعالى قد شدد عليهم الأمر في حال عدم إيصال الرسالة على الوجه المطلوب، وهذا يدل على أن اختيارهم لم يسلب، ويشهد لذلك قوله تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل... لأخذنا منه باليمين... ثم لقطعنا منه الوتين) الحاقة 44- 46. وكذا قوله: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) الأنعام 88. وقوله: (ولو لا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً... إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً) الإسراء 74- 75.
فإن قيل: ذكر في الأثر أن هناك من ادعى النبوة دون أن ينفذ فيه هذا التهديد؟ أقول: الكلام في الآيات يختص بالأنبياء أصحاب الرسالات دون أولئك الذين ادعوا النبوة زوراً وبهتاناً، ولهذا اقتضت حكمة الله تعالى أن يرفد الأنبياء بمختلف الطرق التي تمهد لهم إيصال الرسالة على الوجه المراد منها، وكان أهم تلك الطرق تزويدهم بالكتب الحاملة لمنهج الله تعالى. فإن قيل: لم يزود جميع الأنبياء بالكتب فكيف وصل المنهج لجميع الناس؟ أقول: لم تمر الأرض بمرحلة من المراحل دون أن يكون فيها كتاب يرشد إلى الحق لا سيما بعد فترة النبي نوح (عليه السلام) باعتباره صاحب أول كتاب، ولهذا ترى أن من جاء من بعده من الأنبياء قد حكم بكتابه، وهذا يجري في المراحل الأخرى، أي من بعد إبراهيم وموسى وعيسى وصولاً إلى النبي محمد (ص) بمعنى أن من جاء من بعد إبراهيم حكم بالصحف التي أنزلت عليه ومن جاء بعد موسى حكم بالتوراة وهكذا. فإن قيل: وماذا عن الزبور الذي أنزل على داود؟ أقول: حكم داود (عليه السلام) بالتوراة لأن الزبور لم يكن كتاب أحكام.
فإن قيل: ما هي الحكمة من إنزال الكتب؟ أقول: الحكمة من إنزال الكتب تشتمل على الحكم بين الناس وإرشادهم إلى الطريق الصحيح إضافة إلى إزالة الاختلافات الناشئة بينهم، وذلك بسبب تباعد الفترات بين الرسالات، وكذا وضع الأدلة والبراهين التي تؤيد ما جاء به الأنبياء مما يجعل العدل ينتشر بين الناس، ولو ترك الله تعالى الناس دون إنزال الكتب لأصبح الحق باطلاً والباطل حقاً، وبذلك يعم الجهل في أرجاء الأرض، وهذا ما نلمسه اليوم بسبب ابتعاد الناس عن منهج الحق سبحانه، ومن هنا كان إنزال الكتب مقترناً بالميزان لأجل أن يقوم الناس بالقسط، ولا يتم هذا الأمر إلا بتعليم الأنبياء الناس الكتاب والحكمة وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وقد بين الله تعالى هذا المعنى في كثير من متفرقات القرآن الكريم، كما في قوله: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) البقرة 213. وكذا قوله: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) الحديد 25. وقوله: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) آل عمران 164.
من هنا يظهر أن الكتب التي أنزلها الله تعالى على الأنبياء لها فوائد كثيرة، ولذلك فقد امتن سبحانه على بني إسرائيل بأعظم النعم، ألا وهي نعمة إيتاء موسى الكتاب والفرقان، لما في ذلك من هداية لهم في الدنيا والآخرة، ولهذا قال جل شأنه: (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون) البقرة 53. والكتاب المشار إليه في آية البحث هو التوراة، أما الفرقان فهو عطف تفسير على الكتاب، إي إن الكتاب متضمن للفرقان، والفرقان هو ما يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال والحلال والحرام والحسن والقبح وما إلى ذلك من أوجه التفريق، أما احتمال أن يكون الفرقان عائداً إلى الآيات التي جاء بها موسى فهذا غير سديد، باعتبار أن تلك الآيات فيها نوع من الإعجاز، وهذا لا ينطبق على كتاب التوراة لأنه منهج للحياة وهناك فرق بين المنهج والمعجزة، ولا يجتمع الإعجاز مع الكتاب إلا في القرآن الكريم، لأنه الكتاب الوحيد الذي يحمل الإعجاز والمنهج في آن واحد، وبهذا يكون كتاب التوراة متوارثاً لدى جميع الأنبياء الذين أرسلوا من بعد موسى، أما الفرقان فهو ما يفسر به الكتاب كما بينا، ويدل على ذلك قوله تعالى: (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً وذكراً للمتقين) الأنبياء 48.
وعند تأمل متفرقات القرآن الكريم يظهر أن معنى الفرقان قد يصدق على القرآن أيضاً، كما في قوله تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً) الفرقان 1. أما في حال تفريق المصطلح ونسبته إلى أصل آخر خارج المعنى المتعارف عليه، فهذا من باب التوسع، كما في قوله تعالى: (وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير) الأنفال 41. من هنا نعلم أن معنى الفرقان هو اسم آخر للتوراة حسب ما يتضح من سياق آية البحث دون البحث عن دليل آخر خارج القرآن، وذلك لأجل التفريق بين الآيات التي جاء بها موسى وبين الكتاب، باعتبار أن الثاني لا يشتمل على الأمور الخارقة للعادات، وهذا لا يتناسب مع الآيات الأخرى التي تفيد معنى الإعجاز الملازم لتبيان الحقائق التي جاء بها موسى (عليه السلام) وبهذا يكون الكتاب هو المنهج المكتوب في التوراة أما الفرقان فهو كالمفسر لذلك المكتوب اعتماداً على نوع التفريق الذي أشرنا إليه في معرض حديثنا.
وبهذا تظهر النكتة في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) الأنفال 29. أي إن اتباعكم للهدى يجعلكم على علم من أن هناك فرقاً كبيراً بين الوعد والوعيد والجنة والنار، وما يترتب على ذلك من الحجج المؤدية إلى الهداية المبينة في الكتب التي أنزلها الحق سبحانه. فإن قيل: إذا كان الفرقان من سنخ التوراة فهذا يعني عطف الشيء على نفسه، وهذا النوع من العطف غير جائز؟ أقول: يصح عطف الشيء على نفسه إذا كانت فيه مزية أخرى لا يستدل عليها إلا بهذا النوع من العطف وفي القرآن الكريم ما يدل على ذلك، كما في قوله تعالى: (من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين) البقرة 98. وكذا قوله: وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً) الأحزاب 7. وقوله: (فيهما فاكهة ونخل ورمان) الرحمن 68. 

 من كتابنا: القادم على غير مثال
     

مَنْ يَقُوُل بَفَرّضِ اَلّحَجَابِ يَكَذَبُ عَلَىَ الله/ الشيخ د مصطفى راشد

تلقينا على موقعنا عبر الإنترنت  عشرات الأسئلة تستفسر عن فتوى الشيخ على جمعة بتكفير منكر الحجاب  وهل تعد المرأة غير المحجبة كافرة -- وتكونَ من أهلِ النار ؟  
وللإجابة على هذا السؤال : - 
بداية بتوفيق من الله وإرشاده وسعياً للحق ورضوانه وطلباً للدعم من رسله وأحبائه نصلى ونسلم على كليم الله موسى عليه السلام،  وكل المحبة والسلام لكلمة الله المسيح  له المجد فى  الأعالى، وكل السلام والتسليم على نبى الإسلام محمد ابن عبد الله  كما نصلى ونسلم على سائر أنبياء الله لا نفرق بين أحداً منهم     اما بعد----------       فبخصوص  ما يسمى بالحجاب الإسلامى وتكفير الشيخ على جمعة لمُنكر الحجاب ، والذى صحته غطاء الرأس الذى لم يُذكر لفظه فى القرآن الكريم على الإطلاق ( أى غطاء الرأس )، وأصرت مجموعة من المشايخ والفقهاء على فرضيته، وجعله من أهم أركان الإسلام   ،   مختزلين مقاصد الشريعة الإسلامية وصحيح التفسير ثُمَّ جَاءُوا  بشريعة غير الشريعة ، رافضين إعمال العقل، مهتمين فقط بالنقل القائم على غير العقل، ثُمَّ جَاءُوا بالنصوص فى غير موضعها وفسروها على أهوائهم ، متبعين فى ذلك بعض مشايخنا القدامى، وكأن ما قالوبه مقدس ،لا إجتهاد بعده، مبتعدين عن المنهج الصحيح فى الإستدلال والتفسير الذى يُفسر الآيات وفقا لظروفها التاريخية، وتبعا لأسباب نزولها، فنجدهم يفسرون الآيات على عموم ألفاظها متغافلين أسباب نزولها ومقاصد الشارع الإلهى، إما لأنهم يرغبون عن قصد أن يكون التفسير هكذا، أو لحسن نيتهم لأن قدراتهم التحليلية تتوقف إمكانات فهمها عند هذا الحد، لعوار عقلى أو آفة نفسية، حتى وصل الأمر إلى أن يخرج علينا الشيخ على جمعة ليُكَفِر منكر الحجاب وهذا أمر خطير لايصدر عن عالم بسماحة الشرع الإسلامى كما أنه لا يعلم أن الشرع لم يضع عقوبة أو حد لتارك الحجاب (غطاء الرأس) ؟
، ولأن مسألة الحجاب ،باتت تفرض نفسها على العقل الإسلامى وغير الإسلامى، وأصبحت مقياسا وتحديدا لمعنى ومقصد وطبيعة الإسلام، فى نظر غير المسلمين، مما حدا ببعض الدول غير الإسلامية، إلى القول بأن الحجاب الإسلامى هو شعار سياسى، يؤدى إلى التفرقة بين المواطنين، والتمييز بينهم،-------- مما أدى لحدوث مصادمات وفصل من الوظائف فى هذه الدول  بسبب تمسك المسلمة بما يسمى الحجاب ، لذا تصدينا لهذا الموضوع الهام بالبحث  والتنقيب والإستدلال لنعرف  . 

ما هى حقيقة الحجاب وما المقصود به، وما الأدلة الدينية التى إستند إليها ما يدعون  أنه فريضة إسلامية، لذلك يجب أن نناقش أدلتهم بالعقل والمنطق والحجة، حتى لا نُحمل الإسلام بما لم يأت به، فقد جاءت أدلة من يدعون بفرضية الحجاب  متخبطة غير مرتبطة، فجاءت مرة بمعنى الحجاب ،ومرة بمعنى الخمار، ومرة بمعنى الجلابيب، وهو ما يوضح إبتعادهم عن المعنى الصحيح الذى يقصدونه ،وهو غطاء الرأس، وهو ما يعنى أنهم يريدون إنزال الحكم بأى شكل لهوى وضعف نفسى عندهم،---------------------       وابتداء نعرف الحجاب فهو لغة: - 
«بمعنى الساتر أو الحائط  أو الحاجز وحجب الشىء أى ستره، والآيات القرآنية التي وردت فى القرآن الكريم عن الحجاب 4 آيات وهى  قوله تعالى فى سورة الإسراء آية 45 (واذا قراتَ القرءانَ جَعلناَ بينكَ وبينَ الذينَ لا يؤمنونَ بالاخرةِ حِجاباً مَستوراً )،-------------------- وسورة فصلت آية 5 (وقالوا قُلوبنا في أكنةٍ مما تَدعونا اليهِ وفي اذَانِناَ وقر ومِن بيننا وبينكَ حجابً فاعمل اننا عاملونَ)   وفى سورة الشورى آية 51 (وما كانَ لبشرٍ أن يُكلمهُ اللهُ إلا وحياً أو مِن وراءِ حجابٍ أو يرسلَ رسولاً فَيوحِيَ بإذنهِ ما يَشَاءُ إنهُ عليٌ حَكيمً ) ص ق   --------------- وهذه الآيات الثلاث توضح أن الحجاب هو ساتر أو حائط أو حاجز للرؤية الكلية  دون لبس أو تورية , ولا صلة لها بغطاء الرأس أو الشعر  مطلقاً     ----- والآية الرابعة  تتعلق بزوجات النبى وحدهن، وتعنى وضع ساترأو سور أو حاجز  بينهن وبين الرجال من الصحابة، ولا خلاف بين كل الفقهاء والمشايخ فى ذلك المعنى  مطلقا، وهى الآية رقم 53 فى سورة الأحزاب تقول «ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتَ النبى إلا أن يؤذنَ لكم إلى طعامٍ غيرَ ناظرينَ إناهُ ولكن إذا دعُيتُم فادخلوا فإذا طَعِمتم فانتشروا ولا مستأنسينَ لحديثٍ إنَ ذَلكُم كان يؤذى النبى فيستحى منكم والله لا يستحى من الحقِ وإذا سألتموهنَ متاعاً فسئلوهن من وراء حجابٍ ذلكم أطهرُ لقلوبكم وقلوبهنَ وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللهِ ولا أن تنكحوا أزواجهُ من بعدهِ أبداً إن ذلكُم كانَ عندَ اللهِ عظيمًا» 
وهذه الآية تتضمن هنا  ثلاثة أحكام: 
الحكم الأول : - عن تصرف الصحابة عندما يُدعون إلى الطعام عند النبى – ( ص ) – والثانى : - عن وضع حجاب أو ساترأو حاجز  بين زوجات النبى -  ( ص ) - والصحابة، والثالث : -  عن عدم زواج المسلمين بزوجات النبى -  ( ص ) - بعد وفاته، وبذلك نفهم من لفظ الحجاب الذى ورد أن القصد منه كان وضع ساتر بين زوجات النبى -  ( ص ) - وبين الرجال من الصحابة، ويفهم أيضا أن وضع الحجاب أو الساتر خاص بزوجات النبى -  ( ص ) - وحدهن فلا يمتد إلى ما ملكت يمينه «من الجوارى» ولا إلى بناته ولا إلى باقى المسلمات، وإلا كانت الآية نصت على ذلك وعممت على كل المؤمنات المسلمات. 
ثم نأتى لإستدلال البعض بآية الخمار على فرضية الحجاب أى «غطاء الرأس»-------------- التى وردت بالآية 31 من سورة النور والتي تقول: « وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". » ص ق  ،------------- وسبب نزول هذه الآية أن النساء فى زمن النبى وما قبله كُنَ يَرتَدِينَ الأخمرة ويسدلنها من وراء الظهر، فيبقى النحر، أى أعلى الصدر والعنق وجزء من النهدين لا ساتر لهما، وفى رأى آخر أن الخمار عبارة عن عباية--، وهنا  طلبت الآية من المؤمنات إسدال الخمار على الجيوب( أى فتحة الصدر)، وعلة الحكم فى هذه الآية هى تعديل عرف كان قائما وقت نزولها، ولأن ظهورهن بصدر بارز عار هو صورةً يرفضها الإسلام، ومن ثم قصدت الآية تغطية الصدر دون أن تقصد وضع زى بعينه أو تنص على فرضية الحجاب أو غطاء الرأس والشعر فلم يكن وارداً وقتها ، وكان الهدف والعلة من ذلك هو التمييز بين المسلمات وغير المسلمات  والحرائر والأماء اللاتى كن يكشفن عن صدورهن وكل الجوارى عند الصحابة كنَ غير محجبات ويخرجن بصدور عارية فلو كان حجاب الشعر أى غطاء الرأس فرض .---  
لوجب على الأماء والحرائر دون فرق لأن جميعهم نساء والفتنة قد تكون من الإماء أكثر من الحرائر لو كانت أكثر جمالاً 
خامساً-  إستدلال البعض بفرضية الحجاب  بآية الجلابيب من سورة الأحزاب رقم 59 والتى تقول: «يا أيُها النبىُ قُل لأزواجِكَ وبنَاتِكَ ونساءِ المؤمنينَ يُدنينَ عَليهنَ من جَلابيبهنَ ذلكَ أدنى أن يُعرفنَ فلا يُؤذينَ» ص ق ، وسبب نزول هذه الآية أن عادة النساء وقت النزول كُنَ يكشفن وجوههن مثل الإماء «الجوارى» عند التبرز والتبول فى الخلاء لأنه لم تكن عندهم دورات مياه فى البيوت، وقد كان بعض الفجار - من الرجال - يتلصص النظر على النساء أثناء قضاء حاجتهن، وقد وصل الأمر إلى الرسول -  ( ص )  بعد قول عمر بن الخطاب لسودة زوجة النبى  لقد عرفناكِ بعد تبرزها وهو الحديث الذى ورد فى صحيح البخارى فى باب خروج النساء  للتبرز حيث قال حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ - وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ - فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - احْجُبْ نِسَاءَكَ . فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ –- يَفْعَلُ ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِىِّ - - لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِى عِشَاءً ، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً ، فَنَادَاهَا عُمَرُ أَلاَ قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ   )- فنزلت فى اليوم التالى الآية59 من سورة الأحزاب  لتصنع فارقا وتمييزا بين الحرائر والإماء «الجوارى» من المؤمنات حتى لا تتأذى الحرة العفيفة، وكان عمر بن الخطاب إذا رأى أمة «جارية» قد تقنعت أى تغطت أو دانت جلبابها عليها ، ضربها بالدرة محافظا على زى الحرائر «ورد هذا عن ابن تيمية – فى كتاب  حجاب المرأة ولباسها فى الصلاة – وهو من تحقيق محمد ناصر الدين الألبانى - المكتب الإسلامى - ص 37». 
سادسا: -  إستنادهم إلى حديث منسوب للرسول -  ( ص ) - عن أبى داود عن عائشة أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول الله – (ص)- فقال لها: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى فيها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه»، -- والرد على من يستدل بهذا الحديث على فرضية الحجاب «غطاء الرأس» نقول إن هذا الحديث من أحاديث الآحاد أى ليس من الأحاديث المتواترة الصحيحة السند غير المنقطعة المجمع عليها ،ولكنه حديث آحاد مقطوع السند، فلا يكون إلا للإسترشاد والإستئناس، لكنه  لا ينشئ ولا يلغى حكما شرعيا فكيف نجعله سندا لفرض إسلامى ،والفرض الإسلامى هو أعلى درجات الإلزام الشرعية ويأتى بعده الواجب والمندوب والمستحب إلى أخره -- والفرض لا يبنى على الظن أو التفسير الضمنى أو إستخلاص المعنى بجهد بشرى متأرجح ولكن يُبنى الفرض على الأدلة القطعية الثبوت الواضحة الدلالة --- لذا نرى ونفتى بكل ثقة وإطمئنان كامل-- بأن الحجاب ليس فريضة إسلامية ، والقائل بفرضيته  يحتاج للمراجعة والمناظرة وحتى لا يسىء للإسلام دون قصد وهو يكذب على الله ويتهم الفكر الإلهى بالسطحية ( حاشا لله ) لتوقفه عند خصلات شعر رغم أن العيون والخدود والشفايف أكثر فتنة وتأثيراً-- سامحهم الله . 
هذا وعلى الله قصد السبيل وإبتغاء رضاه .------------------------------------- 

الشيخ د \ مصطفى راشد   عالم أزهرى أستاذ الشريعة
وعضو نقابة المحامين  وإتحاد الكتاب الأفريقى الأسيوى 
كلية الشريعة  بدمنهور  عام 87 وسفير 
السلام العالمى للأمم المتحدة  ورئيس منظمة الضمير العالمى لحقوق الإنسان 
E -  rashed_orbit@yahoo.com
http:||www.ahewar.org|m.asp?i=3699 

قدّيستان فلسطينيتان ترفعان رأس فلسطين على مذابح الكنيسة الكاثوليكية

محمد فروانة - خاص النشرة من غزة
جاء إعلان الكنائس الكاثوليكية في القدس المحتلة أن البابا فرنسيس الأول قد قرر رفع راهبتين فلسطينيتين إلى مرتبة "القديسين"، لتكونا مثالاً للمؤمنين في كنيسة الأرض المقدسة وفي العالم كله، وليُجذّر فلسطين على خارطة الكنيسة العالمية مجدداً، رغم ما تختزنه من معالم القداسة، خصوصًا أنّها الأرض التي وُلد وترعرع فيها المسيح، وليعطي صورةً مشرقة عن الفلسطينيين يحاول الاحتلال الإسرائيلي تشويهها.
فالفلسطينيون ليسوا بإرهابيين كما تحاول اسرائيل تصويرهم وطمس هويّتهم، إنّهم الأساس في هذه الأرض المقدّسة ومن بينهم قديسون سيكونون شفعاء لهم في السماء، إذ سيجري إعلان التقديس في احتفال خاص في 17 أيار الجاري في روما.
ويأتي هذا الحدث التاريخي، عبر تقديس امرأتين فلسطينيتين هما الراهبة "مريم ليسوع المصلوب"(1) من رهبنة الكرمل المولودة في عبلين في فلسطين عام 1846 والمتوفاة في بيت لحم عام 1878، والراهبة "ماري ألفونسين دانيال غطاس"(2) من مؤسسة رهبنة الوردية المقدسة في القدس المولودة في القدس عام 1843 والمتوفاة فيها أيضا عام 1927، في إطار "قداسة" بعض المؤمنات(3) اللواتي عشن حياة إنسانية ومسيحية مثالية، وكُنّ مثالا في التعبد لله وفي محبتهنّ لجميع خلائقه.
ويقول مختصون ورجال دين إن هذا القرار الرسمي من قبل الفاتيكان جاء بعد دراسات طويلة ومدققة في مسيرة كل راهبة امتّدت لعقود للتأكد من فضائلهنّ، فيصبحن مثالا يقتدى به لجميع المؤمنين في العالم أجمع.
وسيحظى احتفال القداسة بمشاركة فلسطينية وعالمية كبيرة، سيرفع خلالها العلم الفلسطيني في ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان في روما.

شفيعتان
ويعتبر الأب إبراهيم الشوملي كاهن رعية دير اللاتين في بيت لحم، أن رفع مكانة الراهبتين الفلسطينيين إلى كرامة قديسين يعتبر حدثًا فلسطينيًا هامًا من الدرجة الأولى، يضع بلادنا على الخارطة الكنسية والعالمية، إذ إنّ التقديس الحاصل يكتسب أهميّة خاصة بعد مرور أكثر من قرن لاعلان هاتين القديستين.
وفي حديث إلى "النشرة"، رأى الأب الشوملي أنّ هذا التقديس يعطينا اهتماما أكبر بأرضنا وقضيتنا وديننا وسلامنا، "إذ أنهما ستكونان شفعاء لنا في السماء كما الأولياء الذين يعطوننا نعمهم وشفاعتهم"، لافتاً إلى أن هذا الحدث الهام سيعكس صورة الفلسطيني القدّيس وليس الارهابي كما يدّعي ويسوّق الاحتلال، فمنهم قديسون خدموا المجتمع، ويخلق في أرجاء العالم صورة مشرقة للشعب الفلسطيني الذي يعاني بغير حق بفعل الاحتلال الإسرائيلي وممارساته القمعية في الأراضي المقدسة.
وقال الشوملي "إن هؤلاء عاشوا في أوائل القرن الماضي في سنة 1988 التي في وقتها كانت البلاد كلها فلسطين، والراهبتان من مؤسسات الرهبنات والأديرة، إذ تعتبر الراهبة  "مريم ليسوع المصلوب" مؤسسة أديار الكرمل في بيت لحم والناصرة والقدس ولها باع طويل في الرهبنة وتأسيسها".
وأشار إلى أنّ الراهبة "ماري ألفونسين دانيال غطاس"، هي من رهبنة مار يوسف وهي التي أسست رهبنة الوردية التي تخدم في فلسطين والجليل ولبنان وأديار عدّة في روما والخليج العربي.

فخر فلسطين..
من جهته أكّد الوزير زياد البندك مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس للشؤون الدينية والعلاقات المسيحية المحلية والدولية  لـ"النشرة"، أن هذا الحدث هو "دعم ديني واجتماعي وسياسي أيضاً لفلسطين".
وفي ذات السياق، قال رئيس دائرة العالم المسيحي في منظمة التحرير الفلسطينية الأب مانويل مسلم، أنّ رفع الراهبتين الفلسطينيتين إلى كرامة القديسين، يظهر حقيقة مهمة عن الشعب الفلسطيني رغم ما عانى من ويلات الاحتلال والمآسي والحروب والآلام، بأنه أنتج هاتين الفتاتين القديستين اللتين تميزتا بحب الله وحب الإنسان من الناحية الروحية.
وفي حديث إلى "النشرة"، أشار الأب مسلم إلى أنّ هذا حدث مهم للشعب الفلسطيني "في الوقت الذي يتهمنا الجميع بأننا إرهابيون"، إلا أن الواقع برهن الآن أن الفلسطينيين قديسون أيضاً ويعطون مثلاً يحتذى في القداسة، مشدداً على أنّ العالم المسيحي الّذي يقارب الملياري نسمة سوف يصلي: "يا قديسة ابنة فلسطين صلّ لأجلنا" لأنهما أصبحا شفيعتين لنا.
عضو الهيئة الاسلامية المسيحية للدفاع عن القدس الأب مسلم، رأى أن التقديس هو شرف للكنيسة من الناحية الدينية وشرف للوطن والشعب الفلسطيني من الناحية الوطنية، والقدّيستان كرامة لنا.
الأب مسلم الذي تربطه علاقة نسب بالراهبة "مريم يسوع المصلوب" تابع: "الشعب الفلسطيني سيحتفل في كل مكان احتفالاً وطنياً وشعبياً بهذا الحدث، وكل كنائسنا ستفتخر بوجود قادة فلسطينيين للإنسان نحو الله رغم آلامنا وأوجاعنا".

مشاركة كبيرة
الى ذلك، ذكرت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، أنّ احتفاليّة التقديس ستتزامن مع الإعلان افتتاح لسفارة فلسطين في روما، في وقت تجري الترتيبات لمشاركة وفود فلسطينية كبيرة في الحدث الهام من 2000 شخص من فلسطين والجليل والأراضي المحتلة و500 آخرين من الأردن و500 من لبنان، إضافة إلى كل سفراء فلسطين المعتمدين في أوروبا، ورئيس أساقفة اللاتين في القدس البطريرك فؤاد الطوال والأساقفة المساعدين ولفيف من الكهنة الفلسطينيين والأردنيين واللبنانيين.
وسيبث حفل إعلان القداسة على مختلف الفضائيات والاذاعات الدولية، وفضائية وإذاعة فلسطين.

طريق القداسة
في الخلاصة، إنّ القداسة مسار طويل وشاق للاتّحاد في الله الّذي خلقنا على صورته ومثاله، وهي هدف سار عليه المسيحيّون واضعين نصب أعينهم المحبّة،  فحملوا صليب المسيح وأوجاع وآلام الناس وهمومهم ليدخلوا ملكوت الله وبيت قدسه.
وما تقديس الراهبتين الفلسطينيتين مع راهبتين أجنبيتين الاّ ارتفاع على مذابح الكنيسة المقدّسة الرسوليّة بعد أن خدمن كلمة الله ومشيئته.

(1)ولدت في 5 كانون الثاني 1846 في عبلين–الجليل–فلسطين تحت اسم ماري بواردي. ابنة جريس بواردي ومريم شاهين، من عائلة مسيحية فقيرة. توفيت اخواتها الاثنا عشر وهم أطفال، وولادة مريم كانت استجابة لصلوات والديها للسيدة مريم، وعندما توفي والداها كانت في الثانية من عمرها، وربّاها عمها، وانتقلت للعيش في الاسكندرية في مصر وهي في الثامنة من عمرها.
كانت في الثالثة عشر عندما دبّر لها عمّها زواجها، لكنها رفضت وقررت الالتحاق بالحياة الروحية. ولمعاقبتها على رفضها، أرسلها عمّها للعمل في منزل كخادمة مصرّاً على أن تكون هذه الأعمال الأكثر شاقةً ومضنية.
في عام 1860 التحقت براهبات مار يوسف، وأبت الراهبات بالسماح لها بالانضمام إليهن، فقادتها راهبةً الى الكرمل في "بو" سنة 1867، ودخلت لاحقاً في العام نفسه لتنضم الى الكرمليّات متخذة اسم "مريم يسوع المصلوب".  وبنت دير الكرمل في بيت لحم عام 1875 ويشبه قلعة مار أنجيلو في روما وهو في الجزء الجنوبي الغربي من مدينة بيت لحم، خارج البلدة القديمة.
وساهم هذا الدير في تعزيز حياة المجتمع المسيحي والفلسطيني في مدينة بيت لحم عن طريق جذب المرأة العربية الفلسطينية وتقوية إيمانها وانتمائها لهذه الأرض.
قال القدّيس البابا يوحنا بولس الثاني عن مريم: "راهبةٌ كرملية، وُلِدَت على الأرضِ التي شهدَتْ حياةَ يسوع في الناصرة، الأرضِ التي ما زالَتْ، حتى أيامِنا هذه، سببَ همومٍ كبيرةٍ لنا ومركزَ نزاعاتٍ أليمة، إنّ خادمةَ المسيحِ المتواضعة، مريم يسوع المصلوب، تنتمي من حيث العِرقُ والطقسُ والدعوةُ وتنقّلاتهُا الكثيرةُ إلى شعوبِ الشرق، وهي اليوم ممثِّلةٌ لهم.
(2)هي فتاة عربية فلسطينية، ولدت في مدينة القدس باسم سلطانة عام 1843 من عائلة مسيحية فلسطينية أصيلة متجذرة في هذه الأرض لغاية اليوم، تميزت عائلتها بتقواها وحبها لوطنها وللكنيسة، وانخرطت في سلك الرهبانية عام 1860، وقامت بعد إبرازها النذور بتعليم اللغة العربية لمدة سنتين في القدس، أسست خلالها "أخوية الحبل بلا دنس" و"أخوية الأمهات المسيحيات.
نُقلت بعد القدس إلى بيت لحم، وخلال تواجدها هناك أرادت تأسيس رهبنة خاصة بها، فوافق بطريرك القدس اللاتيني آنذاك على طلبها بعد جهود الخوري يوسف طنوس، فتأسست على يدها "رهبانية الوردية المقدسة" عام 1883 برفقة ثمانية فتيات أخريات من مدينة القدس.
نمت رهبانيتها بسرعة وازداد عدد المنتسبات لها، ثم أصبحت عام 1959 رهبنة حبريّة تتبع مباشرة للكرسي الرسولي في روما. جالت الأمّ ماري ألفونسين في مناطق عدة ضمن مهمة التدريس والإرشاد في القدس والناصرة وبيت لحم ونابلس ويافا الناصرة وبيت ساحور وغيرها من الأماكن، وأخيرًا في عين كارم حيث توفيت وقد تميّزت "بالحب والتواضع والصمت والبذل والعطاء".
تميزت الأم ماري ألفونسين بانتمائها ومحبتها للكنيسة والوطن وخصوصًا للفتاة العربية، فلذلك قامت بتأسيس رهبانية الوردية بإلهام من السيدة العذراء، ولا تزال رهبانية الوردية تعمل وتجتهد من أجل الفتاة العربية الفلسطينية مسيحية كانت أم مسلمة، ومثال على ذلك الأديار والمدارس التابعة للرهبنة في القدس وبيت لحم والناصرة وباقي المدن الفلسطينية وصولاً إلى الأردن وسوريا ولبنان والشرق الأوسط.
يوجد كلام للسيدة العذراء قالته للأم ماري ألفونسين: "في هذه البلاد الفلسطينية، فرحتُ، وتألمتُ وتمجّدتُ" وهذا هو الشعار الذي سارت عليه الأم ماري ألفونسين في تأسيس الرهبنة، ففيها يوجد الفرح الذي نعيشه لكي ننقله إلى الآخرين وفيها الألم الذي بدونه لا طعم للحياة، فلكي نصل إلى النصر علينا أن نختبر الصعوبات وفي النهاية يوجد المجد.
(3) خلال اجتماع الكرادلة في مجمع القدّيسين في الفاتيكان، في 14 شباط، أعلن البابا فرنسيس الأول أنه سيتم تقديسهما في 17 ايار الجاري مع راهبتين، الأخت جان إيميلي دي فيلنوف من رهبانية الحبل بلا دنس من كاستر، والأخت ماريا كريستينا دل إيماكولاتا، مؤسسة أخوية خدام القربان المقدس.

فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون/ عبدالله بدر اسكندر

الحقيقة الثابتة لتوسع الكون لا تخرج عن النظام المشاهد والملموس الذي يسيّر الكائنات ويمدها بالكمال المتفرع على بقائها، وهذا ما يجعل جميع الأشياء التي ندركها أو تلك الغائبة عن حواسنا لا تختلف أو تتخلف عن قانون العلة والمعلول، وهذا القانون هو الآخر لا يستقيم ما لم يكن متدرجاً ومتحداً ضمن الأطر المترتبة على بعدي الزمان والمكان. فإن قيل: ما سبب هذا التدرج إذا علمنا أن الله تعالى قادر على كل شيء؟ أقول: قانون التدرج في الخلق هو قانون كوني يحيط بكل شيء، ولكن تفصيل خلق السماوات والأرض بصورتهما المعهودة يدلل على مدى ارتباط الإنسان بهما، وهذا ما نلاحظه من الاهتمام بأمرهما كما في متفرقات القرآن الكريم التي تظهر هذا المعنى على أتم بيان، ومنها قوله تعالى: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) الأعراف 54. يونس 3. وقريب من ذلك... هود 7. الفرقان 59. السجدة 4. ق 38. الحديد 4. إضافة إلى تفصيل هذه الأيام كما في سورة فصلت، وأنت خبير بأن الله تعالى خلق جميع الكائنات قياساً إلى هذا النظام، كما يظهر ذلك من تفصيل خلق الإنسان والمراحل التي مر بها والمكونة من التراب وانتقاله إلى الطين ثم إلى الطين اللازب مروراً بالصلصال والحمأ المسنون وما يتفرع على ذلك من السلالة الطينية التي تنتهي في مرحلة الصلصال الذي يشبه الفخار.
من هنا نعلم أن هذه المراحل ترجع جميعها إلى مادة واحدة وهي مادة الطين التي كونت صورة الإنسان ثم انتقلت هذه الصورة إلى مرحلة أخرى بعد نفخ الروح الخارج عن التدرج، كما يتضح ذلك من قوله تعالى: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) الحجر 29. ص 72. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إذا أردنا أن نطابق هذه العملية مع التدرج الحاصل في الخلق الطبيعي للإنسان دون آدم، نجد أن هناك أطواراً أخرى يمر بها الجنين، وهذه الأطوار تنتهي بدخول الروح المجرد عن التدرج، كما في المرحلة النهائية التي دخل فيها آدم إلى الحياة، وهذا ما يفهم من قوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين... ثم جعلناه نطفة في قرار مكين... ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) المؤمنون 12- 14. ولو تأملنا الآيات آنفة الذكر لوجدنا أن المراحل المذكورة وإن اختلفت درجاتها وألوانها فهي تدل على أجزاء ميتة مرت بأطوار مختلفة، إلى أن وصلت إلى مرحلة جديدة وهي المرحلة الأخيرة التي أنشأها الله تعالى خلقاً آخر، وهذا التعبير يدل على إنزال الروح التي بواسطتها دخل الجنين إلى الحياة، ولا يخفى على المتأمل أن حياة الجنين في هذه المراحل جميعها تكاد أن تتقارب مع الحياة النباتية من حيث قيامه بالأفعال اللا إرادية.
وعند الدخول أكثر إلى متفرقات القرآن الكريم نجد أن الإشارة لهذه الأطوار تأتي على طرق مختلفة ولكنها تجتمع في غاية واحدة وهي إظهار قانون العلة والمعلول في هذا الكائن، وقد نلاحظ ذلك في قوله تعالى: (وقد خلقكم أطواراً) نوح 14. وكذا قوله: (لتركبن طبقاً عن طبق) الانشقاق 19. ولو عدنا إلى الطبيعة البشرية التي خلق فيها آدم لعلمنا أن المراحل التي تم فيها خلقه لا تختلف عن مراحل الجنين في بطن أمه وإن اختلفت المسميات والأشكال الخارجية وذلك نسبة إلى المادة التي خلق منها الإنسان، ومن هنا يمكن معرفة مدى التطابق بين خلق آدم وخلق عيسى، وعلى الرغم من أن الثاني خلق من أم دون أب إلا أن نسبة الخلق بينهما تبقى على حالها من غير تفاوت في أبعاض كل منهما، وبهذا تظهر النكتة في قوله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) آل عمران 59. وهذا التدرج في الخلق يجري في جميع الكائنات التي نشاهدها على أقل تقدير. فإن قيل: إلامَ يرجع سبب التدرج في الخلق؟ أقول: يرجع السبب إلى ضعف القابل، ولهذا أسند الله تعالى أفعال الموجودات إلى التقدير المباشر، علماً أنه قادر على إيجاد جميع الكائنات بالسرعة التي لا يمكن تصورها كما بينا ذلك في معرض حديثنا إلا أن الإرادة الإلهية لا تجانب المنهج الذي تتوقف عليه المصالح والارتباطات العامة للخلق، مع بيان أنه سبحانه قد أظهر بعضاً من الحالات التي خلق فيها خلقاً آخر عن طريق الدفعة دون التدرج، ولهذا جمع كلا الصنفين في قوله: (ألا له الخلق والأمر) الأعراف 54. أي إنه جل شأنه خالق جميع الأشياء سواء كانت خاضعة لقانون السببية أو لم تكن وهذا ما يظهر من عطف الأمر على الخلق، وذلك لأجل التفريق بين الخلق الذي تتوسط به الأسباب الطبيعية وبين الأمر الذي هو خلق أيضاً لكن دون توسط الأسباب فتأمل.
وبناءً على ما تقدم يظهر أن المراد من عدم التدرج هو الفعل الإلهي المعبر عنه بلفظ (كن فيكون) كما في قوله سبحانه: (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) النحل 40. والقول في هذا الموضع للتقريب، لأن الإنسان لا يملك الوصول إلى كنه الطبيعة التي يترتب عليها دخول الأمر إلى حيّز التنفيذ ولذلك ورد التعبير بهذا المعنى، وهناك تعبير آخر ورد في قوله تعالى: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) القمر 50. وكذا قوله: (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب) النحل 77. وكما ترى فإن المراد من هذا التعبير هو تقريب المعنى لا غير، وبهذا نصل إلى أن القاعدة التي بني عليها الخلق ترجع إلى السنن الكونية التي أوجدها الحق سبحانه، أما ما يتخلل تلك السنن من الأمور الخارقة فهذا يعد استثناءً تقتضيه حكمته تعالى لغرض معين دون أن يكون ذلك هو الأصل، وهذا هو النهج السليم الذي يجب أن يأخذ به الإنسان، لأجل أن لا يبني أفكاره على الغوامض الوهمية التي تجعله معتمداً على خرق الحوادث وتبديل السنن الكونية واللجوء إلى المهمات البعيدة عن الواقع المعاش.
فإن قيل: كيف يمكن الجمع بين الغرض المستثنى من الأصل وبين السنن الكونية التي هي الأصل، إذا ما علمنا أن الله تعالى يجعل الأمور الخارقة للعادات من الآيات التي يحتج بها على خلقه في إثبات الرسالات أو ما يتقارب مع ذلك؟ أقول: الآيات الخارجة عن السنن الكونية لا تحدث إلا في حالات معينة تقع جلها بسبب عدم تصديق المرسل إليهم برسالة النبي، بالإضافة إلى رفد الأنبياء بالنصر الذي لا يتأتى عن طريق الحالات الطبيعية وذلك لعدة اعتبارات أهمها الكثرة العددية للمرسل إليهم، أو القوة التي يملكها الطغاة ومن هنا كان للأمور الخارقة أن تأخذ دورها في إنقاذ الرسل، وقد أشار الله تعالى إلى بعض الخوارق التي نصر بها النبي (ص) في مواضع كثيرة أهمها ما حدث في معركة بدر أو الأحزاب، كما في قوله تعالى: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) الأنفال 17. وكذا قوله: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً) الأحزاب 9. وهذه الأمور الخارقة للعادة تجعلنا نقف أمام تلك المعجزة العظيمة التي من بها الله تعالى على بني إسرائيل إذ أنقذهم من فرعون وآله، وقد بين سبحانه هذا الأمر الخارق للقوانين الطبيعية لمن كان منهم في عهد النبي (ص) مظهراً ما جرى لأسلافهم، وذلك في قوله: (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون) البقرة 50. فإن قيل: هل كان إخراجهم بوحي من الله تعالى أم بسبب قهر فرعون وبطشه بهم؟ أقول: على الرغم من ظلم فرعون لهم إلا أن خروجهم كان بوحي من الله تعالى، وهذا ما أشار إليه سبحانه بقوله: (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى) طه 77. وكذا قوله تعالى: (فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون... فأسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون) الدخان 22- 23. وقوله: (وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون) الشعراء 52. ومما تقدم يظهر أن انفلاق البحر لم يكن تابعاً لقانون السببية بل كان خارج النواميس الطبيعية. 
قوله تعالى: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون) البقرة 51. الأربعون ليلة هي الليالي التي واعد الله تعالى فيها موسى لأجل إنزال التوراة، وفي هذه الفترة عبد بنو إسرائيل العجل بتعليم من السامري، والقصة ذكرت في أكثر من موضع وذلك ليبين الله تعالى مدى عنادهم وخروجهم عن الصراط المستقيم، والرجوع إلى تأريخهم المليء بالانحرافات، ومع كل ما ظهر منهم إلا أن الله سبحانه قد عفا عنهم، كما يتضح ذلك من قوله: (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون) البقرة 52. والخطاب في آيات البحث موجه لليهود الذين كانوا في عهد النبي (ص) كما قدمنا، وفيها ترغيب لهم باتباع نهج القرآن الكريم، ودعوة إلى الاستقامة والابتعاد عن الطرق التي سار عليها أسلافهم فتأمل. 

                        من كتابنا: القادم على غير مثال