القتال بين المسلمين... أسبابه وعلاجه/ عبدالله بدر اسكندر

   
يرجع السبب المباشر لما يحدث اليوم من قتل الأبرياء إلى ما هو مدوّن في كتب التراث من أخطاء وشوائب لا يمكن تمحيصها أو إخراج الغث منها بسهولة ودون عناء وقبل البدء في تفصيل ذلك يجب الإشارة إلى أن الناس الذين جعلوا القتل سمة من سماتهم قد خرجوا عن دائرة الإسلام الحنيف، واتبعوا أمر كل شيطان مريد حتى أعطوا لأنفسهم الحق من أن يكون هذا الجرم ديدنهم الراسخ في عقولهم، وبالتالي لم يقدروا على شفاء ما في صدورهم الخاوية على عروشها إلا بواسطة هذا النهج المملوء بالحقد والغل لجميع أصناف البشر ما عدا المغرر بهم والذين أصبحوا أقرب إلى الدمية المسيرة بأمرهم، ولهذا فإن الأخطاء المتفق عليها من قبل هذه الفئة المجرمة التي انتشرت أمراضها في جميع الأرض، لا يمكن أن تكون وليدة الصدفة أو الأقدار وإنما ولدت من رحم له ثقل أكبر من أن يتصوره الجاهل الذي لا يفقه ما يجري أمامه بحال من الأحوال، ومن الطبيعي فإن ما يصدر عن هذه المجموعة الخارجة عن الشرعية الإسلامية والإنسانية لا يتعدى ما في التراث الإسلامي من أخطاء، ولكن هذا المعنى لا يعطي لأولئك الحق في أن يفعلوا ما بوسعهم من الأفعال الدنيئة. أما من يلقي بالعبء على عاتق الدين فعليه أن يعلم أن الله تعالى قد ميز الإنسان عن سائر المخلوقات، وكرمه بالعقل الذي يستطيع بواسطته التفريق بين الحق والباطل، ولهذا فإن من يعتمد على ما في الصحاح من حجج واهية ثم يجعلها حق من حقوقه فهذا عذر أقبح من فعل. فإن قيل: بناءً على ما ذكرت يحق للإنسان أن يعرض عن الكتب الدينية دون أن يمسها بشيء؟ أقول: ليس هذا هو القصد، وإنما الدعوة إلى مثل هذا الأمر لا نجد من ينتصر لها، لأن هذه الكتب لا تخرج عن إشراف أصحاب الحل والعقد، وإن شئت فقل إن المساس بها يعتبر من الخطوط الحمراء التي لا يمكن الوصول إليها فضلاً عن اجتيازها، وقد يرجع هذا الأمر إلى تقارب ما هو مثبت فيها مع أفكار علماء الفتنة والجهل الذين هم السبب في جميع ما يحدث على الأرض، وذلك لاعتمادهم الروايات الباطلة والإسرائيليات البعيدة عن الحق المبين الذي لا غبار عليه.


وبناءً على ما تقدم يمكن القول إن على الإنسان أن يميز الغث من السمين حتى يتوصل إلى الفهم الحقيقي من المقاصد القرآنية، ولكن أنى له ذلك بسبب تحريمه دراسة الفلسفة والمنطق أو كل ما يأخذ بيده إلى طرق المعرفة اليقينية، ومن هنا يظهر أن ما وجد في التراث الإسلامي المتمثل في السنة النبوية وما يتفرع منها على صحيح البخاري أو مسلم وكذا الكافي أو من لا يحضره الفقيه، فهذا لا يعطي الحق للمجرمين من أن يقوموا بالأفعال الوحشية، وفي نفس الوقت لا يعطي الحق لأعداء الدين من أن يعذروا أولئك الشرذمة المارقة عن دين الله، فالأمر يحتاج إلى دراسة وتحليل من أجل أن يصل الإنسان إلى المطلوب، فإذا كانت كتب الصحاح محفوظة بأياد خفية فمن المؤكد أن لا يصل أحد إليها من أجل تصحيحها أو تنقيحها. فإن قيل: ما العمل إذن هل نقف مكتوفي الأيدي أم نقوم بدعوات عرضية لا تجدي نفعاً؟ أقول: ليس الأمر كذلك بل الأفضل أن يدرس الإنسان ما في تلك الصحاح دراسة منهجية تقوم على المبادئ اليقينية والأسس الشرعية، وهذا لا يتأتى لمن يمر بتلك الصحاح مروراً عابراً، وإنما يجب أن يكون مسلحاً ببضاعة علمية على رأسها معرفته بأصول الدين أي علم الكلام وعلم العقيدة، وكذا يجب أن يكون على فهم أوليات المنطق على أقل تقدير بالإضافة إلى التعمق الواسع بالفلسفة، وبهذا يتضح أن عدم الاعتماد على هذه العلوم هو الذي جعل الأمة تصل إلى هذا المستوى المتدني، وبالتالي لا نجد لها من الأمثلة إلا ما يشير إليه تعالى بقوله: (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً صم بكم عمي فهم لا يعقلون) البقرة 171. واعلم أن المثل لا يشبههم بالناعق وإنما بالمنعوق به فتأمل.

وبهذا أود أن أشير إلى أن الاعتقاد إذا كان خلاف ما بينا فهذا قد يجعل الأعذار تتناسب طردياً مع أفكار الفئة الضالة، وفي الآخر يكون لهم ما يؤيدهم في الاستمرار بنهجهم الباطل المتجسد في القتل والفساد في الأرض، وأنت خبير من أن القرآن الكريم قد نهى عن جميع أنواع القتل وبيّن ذلك بأتم بيان، كما في قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً) النساء 93. وحتى لو كان القتل عن طريق الخطأ نجد أن القرآن الكريم قد بيّن الحلول المناسبة التي يجب اتخاذها إزاء هذا الفعل، ولذلك قال سبحانه: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئاً ومن قتل مؤمناً خطئاً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) النساء 92. ولهذا جعل الله تعالى لولي المقتول سلطاناً، كما هو مبيّن في قوله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً) الإسراء 33. 

فإن قيل: لماذا لا يكون علاج هذا الأمر عن طريق الصلح؟ أقول: القتال بين المسلمين يمكن أن يُعالج عن طريق الصلح إذا كانت الأسباب مهيئة لهذا الغرض، أما في حال ظهور مجموعة من العلائم تبين أن الأطراف الأخرى لا تستطيع الوصول إلى الحلول الكافية في إطفاء نار الفتنة قبل اللجوء إلى طريق آخر يتيح لهم التخلص من الوضع العالق بين الطرفين، فههنا تكون الدعوات المنادية بوقف القتال لا قيمة لها أمام قوم هم للشر أقرب منهم للخير، ولهذا وجب على جميع الفرق سواء المشاركة في الحدث، أو تلك التي يحق لها التوسط بين الطرفين من أن تأخذ الحذر وتكون قريبة من نبذ تلك الدعوات، وذلك لأجل درء المخاطر الناتجة من الطرف المعتدي، وأنت خبير من أن تجنب هذا النوع من القتال قد يجعل اشتراك الفئة المعتدى عليها مع الفئة الباغية في نفس الإثم المتفرع على هجرهم لنهج القرآن الكريم، وهذا هو الهجر الحقيقي الذي يُصنّف على أنه من الكبائر الملازمة لجميع الأطراف بسبب ابتعادهم عن كتاب الله تعالى ولهذا ترى أن كثيراً من الناس قد يقع في اللبس أحياناً وذلك عند ظهور المؤشرات الحاصلة بسبب التزاحم الذي يترك أثره في إرجاع أمر القتال بين الأطراف المتنازعة إلى غايات غير معرّفة، وبالتالي تظل جميع الفئات التي هي خارج دائرة القتال تنظر إلى شيءٍ مجهول لا يحق لهم الخوض في تفاصيله أو الأخذ بما هو مشاهد من اختلاف المسميات التي يصعب عليهم من خلالها تمييز الحق من الباطل الذي يقربهم إلى ترجيح أي من الفريقين يصدق عليه مصطلح البغي. 

من هنا ظن بعض الناس أن الصفة الكمالية التي يهبها الله تعالى لأصحاب الحق لا يستقيم لها الثبات والبقاء إلا إذا استمرت موجباتها في تأييد الدخول الفعلي إلى ميادين القتال دون النظر إلى المصاديق اللاحقة المخصصة له، وكأن هؤلاء قد وصلوا إلى هذه النتيجة من خلال فهمهم لقوله تعالى: (ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين) البقرة 251. ولذلك نشأ عن هذا الظن أن القتال جزء لا يتجزأ من استقامة الحياة على الأرض واستقرارها على الوجه الأمثل علماً أن الإنسان الذي يركن إلى هذا القصد لا بد أن يقع في أخطاء كثيرة لا حصر لها، باعتبار أن الحرب لها طرق مختلفة واتجاهات شتى تتفرع على تحرير الأراضي المغتصبة، إضافة إلى جلبها لكثير من المنافع وكذا في دفعها للمكاره والأضرار وصولاً إلى أرقى أنواع الحروب التي تُرد أسبابها إلى ما يفرضه الشارع من إظهار العقيدة والدفاع عنها، أما الحروب التي تكون تابعة لأمر الحاكم المستبد وإرضاء غروره فهذه مما لا ريب في وقوعها بعيدة عن الجوانب الإيمانية، ولا يمكن أن نجري عليها الآية آنفة الذكر.

من هنا يجب إخراج الحروب العبثية المجانبة للحق عن الشرعية، أما إذا كانت الحرب تابعة لما هو مقرر في الشرع من جلب المنافع أو دفع المضار كما بينا فههنا قد يخرج السبب عن العبثية، ويصبح الأمر واجباً مقدساً، وربما لا يُفهم هذا المعنى من قبل كثير من الناس الذين لا يروق لهم مشاهدة المناظر غير المألوفة من سفك الدماء أو تناثر الأعضاء بعد أن كانت على وضعها الطبيعي، وكذا ما يحدث للأطفال والنساء وكبار السن من متاعب لا حدود لها، ولا يخفى على المتلقي من أن هذا المعنى إذا صدق عرفاً بموازاته لأمر الله تعالى وانطباقه على الحق المبين، فمما لا شك فيه قد يرغم المشاهد شرعاً من أن ما ثبت في خياله من المناظر المؤلمة سوف يأخذ الجانب الآخر لهذه الرؤية، حتى تصبح تلك المناظر من الأشياء الحسنة المستساغة، وبالتالي يُبدل ذلك الحال إلى برد وسلام، وهذا التقدير قد لا يلامس أذواق أصحاب القلوب الضعيفة الذين لا يمكنهم رؤية المناظر التي بيناها بسبب عدم ممارستهم لهذه الأفعال، وقد يُعد هذا حق من حقوقهم إذا ما نظرنا إلى الضعف والفتور الذي يلاحقهم بسبب بُعدهم عن التجارب الميدانية التي يكون لها أثر في إضفاء صفة الجلادة على الإنسان مما يجعله على يقين من أن مقرراته السابقة لا وجود لها إلا في مخيلته التي لا تقوده إلى الرؤية الحقيقية، أما إذا اجتمعت هذه المقررات ولم تُجدِ نفعاً فمن الطبيعي قد ترى هذا الصنف من الناس يدعون بين فترة وأخرى إلى عدم مهاجمة الفئة الباغية، باعتبار أن ذلك يجعل الأمور تأخذ المعنى المعاكس للسلم بموجب النظرة الملازمة لأصحاب القلوب الضعيفة الذين لا يروق لهم رؤية الدماء، وكذا ما يحدث للأطفال والنساء أو كبار السن الذين هم بمنأى عن القتال كما أسلفت، ولذلك ترى هذا الصنف الذي لا يستحق العيش الكريم قد جعل تلك الأسباب أقرب إلى الذريعة التي تبنّى من خلالها الدعوة إلى وقف القتال، معللاً ذلك بالأضرار الناتجة عنه دون التوجه الحقيقي إلى التفريق بين ما شرعه الله تعالى، وبين ما في قلوبهم البعيدة عن الإيمان، ولو تعمّق هؤلاء الناس في دراسة الأساليب العليا لظاهرة القتال الحق فبلا أدنى ريب سوف تبدل نظرتهم، ويكون ما يجري أمامهم أقرب إلى الرشاد منه إلى الاعتداء، وبطبيعة الحال لو أردنا تعريف السبب المباشر المدّعى من قبل الناس الذين لا نزال نتحدث عن ضعفهم، لوجدناه يعود إلى قلة التصدي لما يُفرض جرّاء القتال دون التوسع بمعرفة أهدافه، مما يباعد بينهم وبين الركون إلى العادات المألوفة من قبل الناس الذين هم في الجانب الآخر من هذا النهج.
         
abdullahhenrico@outlook.com


إيمان ساراى/ نسيم عبيد عوض

ساراى أو سارة فيما بعد هى زوجة إبرام ‘ والتى يطلب الآن من الزوجات ان  يتمثلوا  بها ‘ويوافقن على التشبه بها فى حفل زفافهم ‘ لأن ساراى كانت مثلا فى طاعة واحترام زوجها ‘ وكانت تدعوه سيدها ‘ ولكن هناك الجانب المهم فى سراى وهو إيمانها بإلاه ابرام ‘ فعندما صدرت الدعوة من الله لإبرام " بالخروج من ارضه ومن عشيرته ومن بيت أبيك الى الارض التى اريك" يقول الكتاب "فأخذ ابرام ساراى امرأته وذهبوا الى حاران على طريق دمشق ‘ ثم أتوا الى ارض كنعان"تك12: 5"‘ وهنا يظهر إيمان ساراى بإلاه ابرام لأنها لم تعترض بل وافقت على الخروج هى أيضا من الارض والعشيرة وبيت ابيها ‘ بعكس أمنا حواء فرغم ان آدم أخبرها بقول وصية  الرب يوم ان تاكل من هذه الشجرة موتا تموت‘ تجاهلت الوصية واطاعت الحيه‘ واسقطت البشر معها ‘ ولكن ساراى سارت مع زوجها كما سار‘  لأن هذا أمر الرب الإله كما أخبرها ابرام ‘وساروا الى مكان مجهول لا يعلمون عنه شيئا‘ وتكرر الترحال حتى وصلوا الى ارض كنعان ‘ وهنا قال الرب الإله لإبرام " لنسلك اعطى هذه الارض"وبنى ابرام مذبحا للرب الذى ظهر له ‘ وبطبيعة الحال ان ساراى امرأته على علم بكل ذلك وآمنت  به.

ساراى فى مصر 

آمنت ساراى بالرب الإله الذى يكلم زوجها ابرام ويظهر له ‘وعاشت حياتها مطيعة له ‘ ولكنها مرت بتجربة قاسية ومؤلمة فوق طاقتها ‘ فقد توجه زوجها الى مصر بدون سؤال الرب الإله ‘ لانه وجد فى مصر الطعام الذى يقيه شر الجوع ‘ واطاعت ولم تعترض ‘ ولكنها واجهت الطامة الكبرى فهاهو ابرام يسألها أمرا غريبا وشاذا حتى لوكان حقيقة" وحدث لما قرب ان يدخل مصر قال لساراى امرأته"انى علمت انك امرأة حسنة المنظر" فيكون اذا رآك المصريون انهم يقولون : هذه امراته فيقتلوننى ويستبقونك." قولى انك أختى ليكون لى خير بسببك وتحيا نفسى من اجلك ." تك12: 11-13‘وهي بالفعل اخته غير شقيقته‘  وهذا ماحدث رآها المصريون انها امرأة جميلة واخبروا فرعون الذى ضمها لحاشيته وسراريه ‘ وفى كل ذلك لم تنطق سراى بأى كلمة اعتراض ‘ وكأن لسان حالها يقول أنها مؤمنة بان إله ابرام سينقذها من هذه الورطة فى الوقت المناسب ‘ وحدث  كما هو إيمانها‘ وكقول الكتاب" فضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراى امرأة ابرام."فقال فرعون لابرام هوذا امراتك خذها واذهب.



ساراى وهاجر المصرية

عندما قال ابرام للرب " انك لم تعطنى نسلا وهوذا ابن بيتى وارث لى. فاذا كلام الرب اليه: لا يرثك هذا بل الذى يخرج من احشائك هو يرثك." "فآمن بالرب فحسبه له برا. "تك15: 3-6.وبالقطع ابلغ ابرام امرأته ساراى بوعد الرب بان يكون له ابن من احشاءه ودمه‘ وقد يكون ان ساراى فهمت الامر على انها كبرت على ان تلد له ابنا وان الرب امسكنى عن الولاده‘ وهذا ايضا ايمان ان الرب هو الذى يعطى او يمسك الولاده‘ ففكرت ان تعطى جاريتها المصرية هاجر ليتزجها ابرام وينجب منها ولدا يكون لهما ‘ وهذا كان أمرا شائعا فى ذلك الزمان ‘ ولا غرابة فيه‘ ولكن الجارية تكابرت على ساراى فغضبت على ابرام ومع ان هذا لم يكن له دخل به ‘ ولكنها قالت" يقضى الرب بينى وبينك"وولدت هاجر ابنها وسمي اسماعيل.

ابراهيم ووعود الله

بعد 13 عاما على ولادة اسماعيل ‘ اى عندما كان ابرام ابن 99 سنة ظهر الرب لابرام وقال له : انا الله القدير ( وهذا اسم من اسماء الله) سر امامى وكن كاملا. ووعده الله ان يكون ابا لجمهور من الأمم ولا يدعى اسمك بعد ابرام بل يكون اسمك ابراهيم ‘ وايضا اعطى عهدا بين الرب ونسل ابراهيم بالختان لكل ذكر‘ ابن ثمانية ايام يختن ‘ وغير الرب اسم ساراى " كقوله " ساراى امرأتك لا تدعو اسمها ساراى بل اسمها سارة .(اسم ساراى معناه – أميرتى – واسم سارة معناه أميرة ‘ وكأن الرب يقول لم تعد لك فقط أميرتك بل تكون أميرة لكل المؤمنين‘ كما صار ابرام ابراهيم اى ابا لجمهور كثير )‘  واباركها واعطيك ايضا منها ابنا اباركها فتكون امما وملوك شعوب منها يكونون.وكانت سارة وقتها بنت 90 سنة ‘ فلما تعجب ابراهيم وظن انه يخبرة بابنه اسماعيل قال له الرب" بل سارة امراتك تلد لك ابنا وتدعو اسمه اسحق .واقيم عهدى معه عهدا ابديا لنسله من بعده.

سارة تسمع صوت الله

عند ظهور الرب لإبراهيم عند بلوطات ممرا ‘ وبعد اسضافته للثلاث رجال وبكل كرم الضيافة ‘ فوجئ ابراهيم بسؤالهم عن سارة" وقالوا له " اين سارة امرأتك فقال هاهى فى الخيمة " فقال "انى ارجع اليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة امرأتك ابن" وكانت سارة سامعه فى باب الخيمةوهو وراءه‘ فضحكت سارة فى باطنها قائلة: افبالحقيقة الد وانا قد شخت؟ فقال الرب لابراهيم " لماذا ضحكت سارة ؟ هل يستحيل على الرب شئ؟ ارجع اليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة ابن" فانكرت سارة قائلة" لم اضحك – لأنها خافت- فقال " بل ضحكت". كانت سارة موضع اهتمام الرب فباركها واعطاها اسم جديد ووعدها بابن يسمى اسحق. وكما قال الوحى الإلهى" وافتقد الرب سارة كما قال وفعل الرب لسارة كما تكلم‘ فحبلت سارة وولدت لابراهيم ابنا فى شيخوختها فى الوقت  الذى تكلم الله عنه. وايضا الرب يساند سارة فى نقاشها مع ابراهيم حول ابنها اسحق وابن الجارية ‘لأنها قالت لأن ابن الجاية لا يرث مع ابنى اسحق ‘ فقبح الكلام جدا فى عينى ابراهيم لسبب ابنه ‘ فقال الله لابراهيم " لا يقبح فى عينيك من اجل الغلام ومن اجل جاريتك ‘ فى كل ماتقول لك سارة اسمع لقولها لانه باسحق يدعى لك نسل."تك 21" وكان هذا ضمن تدبيرات الله لخلاص البشر فى ملء الزمان

وكانت حياة سارة 127 سنة سني حياة سارة‘ وماتت فى قرية اربع التى هى حبرون فى ارض كنعان ‘ فاتى ابراهيم ليندب سارة ويبكى عليها. وبعد ذلك دفن ابراهيم سارة امرأته فى مغارة حقل المكفيله امام ممرا فى حبرون.  وستظل ذكرى سارة أمام كل الأجيال حقيقة واقعية عن أمرأة فاضلة آمنت بربها وأطاعت زوجها فباركها الله وأعطاها ابنا  وجعلها امما وملوك لشعوب كثيرة ‘ فوجب اسمها ام المؤمنين. وابنها اسحق ابن الموعد‘  لأن من نسلها اسحق يأتى المخلص الموعود به. أمين.


سورة البقرة من الآية 1 إلى الآية 2/ عبدالله بدر اسكندر

مدنية وآياتها 286
قوله تعالى: الم: ذكر النظام الكوني مفصلاً في القرآن الكريم وبمختلف الاتجاهات والطرق التي تم التعبير فيها عن حقائق الكون، وقبل الدخول إلى التفاصيل التي تقرر ما أشرنا إليه نجد هذا المعنى مبيناً في أسماء السور التي تكون القرآن الكريم، حيث إن دلالاتها تغطي كل الوجود المشاهد وصولاً إلى الأعراض أو ما يختلج النفس من أوهام ومشاعر، وكل هذا تراه مجسداً تحت التغطية المتمثلة بأسماء السور سواء كانت توقيفية أو إصطلاحية. فإن قيل: إذا كانت أسماء السور إصطلاحية ألا يتنافى هذا مع الطرح الذي قدمت؟ أقول: لا يتنافى مع ما قدمت إذا جعلنا الطرح يمهد لأضعف الوجوه التي بنيت عليها مادة السور القرآنية فضلاً عن التوسع، وهذا ما جعل بعض المفسرين يذهب إلى أن الحروف المقطعة هي أسماء للسور، إلا أن هذا المذهب يقرر التأرجح بين التوقيف والإصطلاح من جهة ومن جهة أخرى يثبت التوازن والتكامل المستفاد من الأسماء التي يراعى فيها التقابل الذي نجده في متفرقات القرآن الكريم، وهذا التقابل يظهر في أسماء السور نفسها كما هو الحال بين سورتي المؤمنون والكافرون والجن والناس والشمس والقمر... إلخ. فإن قيل: القرآن الكريم يقابل الجن بالإنس وهذا مستطرد؟ أقول: ما تشير إليه أسماء السور لا يقتضي الملكات الناطقة ولذلك جعل الناس مقابل الجنة عدولاً عن الجن الذي يستقيم المعنى فيه أيضاً بغير القرآن، كما هو الحال في عدوله عن التلاوة إلى الذكر في قوله: (فالتاليات ذكراً) الصافات 3. وهذا ظاهر في سياق الآيات التي أضافت الصف للصافات والزجر للزاجرات، أما في التاليات فقد عدل القرآن كما أشرت إلى الذكر لرفع الوهم الحاصل في المعنى المقرر للسير اللاحق فتأمل، والقرآن الكريم يراعي إزالة اللبس في جميع حركاته وسكناته التي يحسبها بعض الناس زيادة على الأصل كما في قوله: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) البقرة 196.
وكما هو ظاهر في الآية الكريمة فإن الناتج هو تحصيل حاصل إلا أن القرآن الكريم أتى به لإزالة اللبس حيث إن حرف الواو كثيراً ما يأتي بمعنى التخيير فيكون التوهم أن الصيام مرخص فيه بين ثلاثة أيام في الحج أو سبعة عند الرجوع إلا أن الجمع الذي ورد في قوله تعالى: (تلك عشرة كاملة) أزال هذا الشك. فإن قيل: وهل جاء الواو بمعنى أو؟ أقول: نعم جاء ذلك في قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) النساء 3. فالواو هنا بمعنى (أو) والتخيير ظاهر في قوله: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) النساء 3. وقد يأتي (أو) بمعنى الواو كما في قوله: (فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً) الإنسان 24. والمعنى ظاهر في أن الطاعة التي نهى عنها تعالى للاثنين دون التخيير بينهما. وهذا كقوله: (أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس) يونس 24. ومن هنا يظهر أن التكامل يبين حقيقة المقابلة بين الحروف المقطعة التي افتتح تعالى فيها بعض السور وبين السور الأخرى التي بينت أطوار النظام الكوني في افتتاحها ليضاف هذا الرصيد إلى التكامل المتقابل في القرآن الكريم وبغض النظر عن الآراء التقليدية نكون قد وصلنا إلى أن الفائدة التي حصلنا عليها من تلك الحروف تكمن في التحدي المستخلص من الكتاب الكوني وصولاً إلى الكتاب المقروء، علماً أن هذه الحروف ليس بدعاً في التراث العربي فقد استعملها العرب في نثرهم وشعرهم حيث إن طباعهم تميل إلى الإيجاز والاختصار في التعبير عن مقاصدهم وقد نسب إلى الوليد بن عقبة قوله:
 قلت لها قفي فقالت قاف... لاتحسبينا قد نسينا الإيجاف 
وقاف يعني وقفت، وقال آخر:
نادوهم ألا ألجموا ألا تا... قالوا جميعاً كلهم ألا فا 
وهنا أراد: ألا تركبون، قالوا: ألا فاركبوا، وقال زهير:
بالخير خيرات وإن شراً فشر... ولا أريد الشر إلا أن تا
وأراد هنا وإن شراً فشر إلا أن تشاء. 
وذكر الطبرسي في مجمع البيان مجموعة من آراء المفسرين في هذه الحروف منها:

أولاً: أنها أسماء السور ومفاتحها عن الحسن وزيد بن أسلم.

وثانياً: أن المراد بها الدلالة على أسماء الله تعالى، فقولـه تعالى: (الم) معناه أنا الله أعلم و (المر) معناه: أنا الله أعلم وأرى و (المص) معناه أنا الله أعلم وأفصل والكاف في كهيعص من كاف والهاء من هادٍ والياء من حكيم والعين من عليم والصاد من صادق عن ابن عباس. وعنه أيضاً: إن الم الألف منه تدل على اسم الله واللام تدل على اسم جبرائيل والميم تدل على اسم محمد صلى الله عليه وسلم وروى أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره مسنداً إلى علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: سئل جعفر بن محمد الصادق عن قولـه الم فقال في الألف ست صفات من صفات الله تعالى: (الابتداء) فإِن الله ابتدأ جميع الخلق والألف ابتداء الحروف و(الاستواء) فهو عادل غير جائر والألف مستو في ذاته و(الانفراد) فالله فرد والألف فرد و(اتصال الخلق بالله) والله لا يتصل بالخلق وكلهم محتاجون إلى الله والله غني عنهم وكذلك الألف لا يتصل بالحروف والحروف متصلة به وهو منقطع من غيره والله عز وجل باين بجميع صفاته من خلقه ومعناه من الألفة فكما أن الله عز وجل سبب إلفة الخلق فكذلك الألف عليه تألفت الحروف.

وثالثاً: أنها أسماء الله تعالى منقطعة لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم الله الأعظم تقول: الر وحم ون فيكون الرحمن.

ورابعاً: أنها أسماء للقرآن عن قتادة.
وخامساً: أنها أقسام أقسم الله تعالى بها وهي من أسمائه عن ابن عباس وعكرمة. قال الأخفش: وإنما أقسم الله تعالى بالحروف المعجمة لشرفها وفضلها ولأنها مباني كتبه المنزلة بالألسنة المختلفة وأسمائه الحسنى وصفاته العليا وأصول كلام الأمم كلها بها يتعارفون ويذكرون الله عز اسمه ويوحدونه فكأنه هو أقسم بهذه الحروف أن القرآن كلامه وكتابه.

وسادساً: أن كل حرف منها مفتاح اسم من أسماء الله تعالى وليس فيها حرف إلا وهو في آلائه وبلائه وليس فيها حرف إلا وهو في مدة قوم وآجال آخرين عن أبي العالية. انتهى. والحق أن هذه الآراء لا تطمئن إليها النفس والصواب ما قدمنا.

قوله تعالى: ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين: إن معارف القرآن الكريم التي نزلت بلسان عربي مبين لا يمكن أن تكون هي نفسها التي أشار تعالى إلى وجودها في اللوح المحفوظ والتي لا يمكن كشف تفاصيلها أو الاحاطة بها إلا من قبل النبي (ص) والخاصة من المقربين، فإن قيل: إذن ما فائدة وجود تلك المعارف دون الاحاطة بها من قبل العامة؟ أقول: الضعف في القابل وليس في الفاعل، ولهذا فصلت هذه المعارف بواسطة التدريج الذي وصل للناس عن طريق التنزيل، وقد بين الله تعالى هذه الحقيقة بقوله: (بل هو قرآن مجيد... في لوح محفوظ) البروج 21- 22. وكذا قوله: (فلا أقسم بمواقع النجوم... وإنه لقسم لو تعلمون عظيم... إنه لقرآن كريم... في كتاب مكنون) الواقعة 75- 78. وبهذا تظهر النكتة في قوله تعالى: (إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون... وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) الزخرف 3- 4. أي إن الأصل هو الممتنع دون الإنزال الذي وصفه تعالى بقوله: (قرآناً عربياً) وهذا ما بينته الآية في ترتيبها.
  وبناءً على هذا يمكن التوصل إلى معرفة ما خفي على بعض المفسرين من تأويل قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) الواقعة 79. أي في مرحلة وجوده في اللوح المحفوظ، أما عند التنزيل الذي كشف الله تعالى من خلاله ما خفي على الآخرين فقد بينه بقوله: (تنزيل من رب العالمين) الواقعة 80. وإلى هنا يمكن أن ترفع الأعذار في عدم فهم الكتاب أو الميل عنه، ولذا أنزل النتيجة بطريقة أقرب إلى التوبيخ المصحوب بالوعيد، وذلك في قوله: (أفبهذا الحديث أنتم مدهنون... وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) الواقعة 81- 82. ومن خلال ما مر يمكن أن نتوصل إلى أن النبي (ص) كان يعلم الكثير من المعارف القرآنية قبل نزولها وذلك بتعليم من الله تعالى، مما أدّى به إلى أن يعجل بإيصال تلك المعارف إلى الأمة إرشاداً دفعياً لا تجزيئياً، وهذا ما أشار إليه تعالى بقوله: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه) طه 114. وكذا قوله: (لا تحرك به لسانك لتعجل به) القيامة 16.
 من هنا نعلم أن العلم الإجمالي لمعارف القرآن الكريم كان في متناول يد النبي (ص) إلا أنه امتنع عن الإيصال الكلي لتلك العلوم والأحكام بأمر من الله تعالى، لئلا يحدث الريب والشك في إلقاء التعاليم على شكلها المجمل باعتبار أن الأفهام لم تتوصل بعد إلى اكتشاف المسلمات اللاحقة قبل التدريج في تفاصيلها التي يتعذر الأخذ بها دفعة واحدة، وهذا بطبيعة الحال لا يمكن للإنسان أن يطلع عليه لأنه من علم الغيب الذي استأثر به الله تعالى. وبهذه النتيجة نكون قد توصلنا إلى أن الله تعالى قد وعد نبيه الكريم (ص) من أن هذه المعارف والأحكام التي تعلمها سوف نرسلها لك على شكل قرآن يقرأ وكتاب يكتب، وهذا ما بينه بقوله: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) البقرة 2. فكأن الله سبحانه قد أنزل الوعد من القوة إلى الفعل. فإن قيل: كيف وُصف القرآن بالكتاب قبل إتمام تنزيله؟ أقول: لفظ الكتاب قد يطلق على الجزء وعلى الكل، وبعبارة أخرى كل ما يكتب يسمى كتاباً، وهذا ما بينه تعالى بقوله: (إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى) الأحقاف 30. والجن لم يسمعوا إلا بعضاً منه. وقد يسمى بعض القرآن قرآناً كما في قوله تعالى: (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) القيامة 18. وكذا قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) الأعراف 204. وبناءً على ما تقدم يمكن أن نقول إن هذا هو الوجه الأول الذي يبين علة الإشارة إلى الكتاب بـ (ذلك) ويؤيَد هذا الوجه بقوله تعالى: (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) المزمل 5.
 أما الوجه الثاني: فإن قوله تعالى: (ذلك الكتاب) لا يراد منه الكتاب الذي في اللوح وإنما الإشارة إلى الحروف المقطعة، أي لمّا فرغ تعالى من قوله: (الم) البقرة 1. قال: (ذلك الكتاب) وهذا يعني أن ذلك هو الكتاب المؤلف من هذه الحروف، لأنها أصبحت في حكم المتباعد عند الفراغ من ذكرها، وهذا كثير في القرآن الكريم، كقوله تعالى: (لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك) البقرة 68. أي عوان بين الفارض والبكر. وكذا في قوله: (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون) مريم 34. وذلك بعد الفراغ من بيان أمره. وقوله تعالى: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً... ثم قال... ذلك رب العالمين) فصلت 9.

    من كتابنا: السلطان في تفسير القرآن
         

سورة الفاتحة من الآية 5 إلى الآية 7/ عبدالله بدر اسكندر

قوله تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين: ترجع جميع اشتقاقات المعنى المجرد لمفهوم العبادة إلى التذلل والخضوع، وإن كان هناك توسعاً في الاستعمال فهذا يُرد إلى اختلاف المصاديق التي يتفرع إليها اللفظ وعند اعتماد هذا النهج يظهر أن العبادة هي جعل الإنسان نفسه في مقام المملوكية لله تعالى ومن هنا يتبين مدى انتفاء الاستكبار عن العبد، ولا يخفى على ذوي البصائر أن هذا المعنى يظهر جلياً من خلال نوع الجزاء الذي يلحق بالمستكبرين عن عبادته جل شأنه والذين أشار إليهم بقوله: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) غافر 60. ولو تأملت الفرق بين الآية آنفة الذكر وبين قوله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) الكهف 110. لعلمت السبب الذي يؤول إليه اقتران النهي في آية سورة الكهف، دون آية سورة غافر وذلك لعدم اجتماع الاستكبار مع العبادة فتامل. وبهذا تظهر النكتة في مدحه تعالى لعباده الذين وعدهم بالاستخلاف والتمكين وذلك في قوله: (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) النور 55. وكما ترى فإن قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) فيه دلالة على اعتماد النظام الجمعي سواء في العبادة العرفية أو ما يلحق بها، وهذا ظاهر في ضمير الجمع المشار إليه بقوله: (نعبد) وكذا قوله: (نستعين). 
قوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم: الصراط هو دين الله تعالى الذي بينه على لسان رسله، والذي يدعو من خلاله إلى توحيده جل شأنه كما في قوله: (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) الأنعام 161. وهذا النهج يبنى على استمرار الاستقامة دون العدول عنها، وبذلك نصل إلى أن سبب تأكيد الصراط بـ (المستقيم) يعني طلب العبد للاستمرار في الاستقامة، وذلك لأن مصطلح الصراط يتضمن الاستقامة في نفسه، كما قال الشاعر:
شحنا أرضهم بالخيل حتى... تركناهم أذل من الصراط
أي تركناهم أذل من الطريق المعبد الذي يصل بسالكيه إلى مبتغاهم. فإن قيل: ما هو الغرض من طلب الهداية لا سيما في سورة الفاتحة التي تكرر في كل صلاة إذا علمنا أن الإنسان قد اهتدى مسبقاً؟ أقول: استمرار طلب الهداية اشبه بالاغتسال الذي يسبق الأمور العبادية وأنت خبير من أن طلب الهدى يؤدي إلى استقراره في نفس الإنسان الصالح، كما في قوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) القتال 17. أما الزيغ عن طريق الحق سبحانه فإنه يجعل القلب لا يتقبل الحقائق الإيمانية، كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين) الصف 5. من هنا يتضح أن الهداية التي يستمدها الإنسان مباشرة من الله تعالى لا يمكن استمرارها إلا بمتابعة طلبها قولاً وعملاً، ولهذا نجد الاشارة في متفرقات القرآن الكريم تبيّن هذا الأمر وتجليه على حقيقته التي حرفها بعضهم إلى اتباع السبل الجائرة، وقد ذكر تعالى هذه الحقيقة بقوله: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون) فصلت 17.
فإن قيل: هل يمكن أن نفهم من الآية أن الصراط هو أحد الطرق الحسية التي تظهر في الآخرة؟ أقول: الاستعمالات الحسية كثيرة في القرآن الكريم لأنها السبيل الوحيد في تقريب المعاني إلى الأذهان باعتبار أن اللغة هي الوسيلة الأقرب لتبيان الطرق المعنوية إذا ما قرناها بالطرق الحسية المألوفة لدينا وهذا نهج واسع في كتاب الله تعالى، حيث نجد انتشار الصور التي ترمز إلى السقوط من الأعلى إلى الأسفل، وفتح أبواب السماء والانحراف عن سواء السبيل والصعود إلى الأعلى وما إلى ذلك من الاشارات التي يتفهمها الإنسان من خلال المناظر التي دأب على مشاهدتها، وأصبحت راسخة في ذهنه، فعند مشاهدة الأشياء الساقطة على الأرض من الأعلى فإن هذا المنظر يرشد إلى الواقع الخاسر الذي يكرر أمام أعين الناس في كل وقت، ولهذا أشار تعالى إلى الخسران المعنوي بقوله: (كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) طه 81. وعند التأمل أكثر نجد أن القرآن الكريم يصور السماء بأنها ذات أبواب لا يمكن فتحها للذين كذبوا بآيات الله واستكبروا عنها، كما في قوله: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين) الأعراف 40.
وفي موضع آخر نشاهد صورة أخرى لوسط الطريق الذي ضل عنه من يتبدل الكفر بالإيمان، وذلك في قوله تعالى: (ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل) البقرة 108. أما الطرق الصحيحة التي تؤدي إلى الصراط المستقيم فقد أشار إليها تعالى بالارتفاع والصعود، كما في قوله: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فاطر 10. وكذا قوله: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة 11. وقد جمع الحق سبحانه هذه الوجوه التي تصور تعدد السبل الصحيحة التي تنتهي إلى صراطه المستقيم، وذلك في قوله: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين... يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) المائدة 15- 16.
قوله تعالى: صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين: يقول القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: اختلف الناس في المنعم عليهم، فقال الجمهور من المفسرين: إنه أراد صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وانتزعوا ذلك من قوله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً) النساء 69. فالآية تقضي أن هؤلاء على صراط مستقيم، وهو المطلوب في آية الحمد، وجميع ما قيل إلى هذا يرجع، فلا معنى لتعديد الأقوال والله المستعان.
ويضيف القرطبي: في هذه الآية رد على القدرية والمعتزلة والإمامية لأنهم يعتقدون أن إرادة الإنسان كافية في صدور أفعاله منه، طاعة كانت أو معصية، لأن الإنسان عندهم خالق لأفعاله، فهو غير محتاج في صدورها عنه إلى ربه، وقد أكذبهم الله تعالى في هذه الآية إذ سألوه الهداية إلى الصراط المستقيم، فلو كان الأمر إليهم والاختيار بيدهم دون ربهم لما سألوه الهداية، ولا كرروا السؤال في كل صلاة، وكذلك تضرعهم إليه في دفع المكروه، وهو ما يناقض الهداية حيث قالوا: (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فكما سألوه أن يهديهم سألوه ألا يضلهم، وكذلك يدعون فيقولون: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) آل عمران 8.
وأضاف في الجامع لأحكام القرآن: اختلف في (المغضوب عليهم) و (الضالين) من هم؟ الجمهور: أن المغضوب عليهم اليهود، والضالين النصارى، وجاء ذلك مفسراً عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم، وقصة إسلامه، أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، والترمذي في جامعه. انتهى موضع الحاجة.
أقول: إن الاعتقاد الملازم لرأي الجمهور الذي أشار إليه القرطبي والمتمثل في نسبة الجزء الثاني من الآية الأخيرة في سورة الفاتحة إلى اليهود والنصارى لا يعد إلا ترجيحاً من دون مرجح، وذلك لأن القرآن الكريم لا يمكن أن يأتي بالكلام على هذا الوجه إذا كان المشار إليهم ممن التزم شرع الله تعالى الذي أرسل به الأنبياء، فليس من الحق أن نقول إن الله تعالى قد خص هؤلاء بالغضب والضلال دون غيرهم، باعتبار أن التسليم بأخذ النسبة الخاطئة يجعل هذا الأمر متداولاً بين الناس على خلاف المراد من مفهوم النص مما يولّد الكراهية والحقد بين أبناء البشرية لا سيما في هذا الزمن الذي أصبح فيه العالم على مقربة من بعضه. وبطبيعة الحال إذا كانت هناك مجموعة من اليهود أو النصارى قد غضب الله عليهم، فلا بد أن يكون من المسلمين من هو داخل في هذا الغضب إذا كان نهجه مطابقاً لنهجهم، من هنا نفهم أن المصادر القديمة التي تطرقت إلى هذا النوع من التحليل، يجب أن لا ينظر إليها لأنها بعيدة كل البعد عن مراد الله تعالى، وتناقضها ظاهر مع مفهوم الآيات التي تعطي لكل ذي حق حقه، شريطة أن يكون أتباع تلك الشرائع قد ساروا على نهج الله تعالى الذي أنزله على لسان رسله، وهذا ما ينطبق على المسلمين أيضاً، وقد أثنى الله تعالى على جميع أصحاب الشرائع ووصفهم بأبلغ الأوصاف كما في قوله: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة 62. وقريب منه المائدة 69. وهذا يدل على أن الله تعالى لا ينظر إلى الأسماء والأوصاف وإنما الأصل في ذلك يُرد إلى الإيمان به جل شأنه وإلى الإيمان باليوم الآخر، إضافة إلى العمل الصالح الذي يعد علة الأشياء المقررة في الوصف، وما يثبت أن الأسماء والأوصاف لا تقرر قبول العمل عنده تعالى هو ما ذكره من محاسن الأنبياء في قوله: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم) الأنعام 83. ثم ذكر مجموعة من الأنبياء بأحسن الأوصاف والثناء وفي الختام قال سبحانه: (ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) الأنعام 88.
وبالإضافة إلى هذا فقد أثنى القرآن الكريم على أهل الكتاب بأبلغ الأوصاف، كما في قوله تعالى: (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) الأعراف 159. وكذا قوله: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب) آل عمران 199. وقوله: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون... يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين) آل عمران 113- 114. وفي مقابل هذه الآيات هناك آيات تذم المسلمين الذين ضلوا عن طريق الله تعالى ويغنينا عن ذكرها تفرقها وانتشارها في القرآن الكريم وبطرق مختلفة أهمها النفاق وظن السوء وأكل مال اليتيم و التعامل بالربا وغيرها من المحرمات، إذن لا فضل لأحد على أحد إلا باتباع طريق الحق سبحانه بغض النظر عن العناوين ومن هنا يظهر أن الآيات التي تتحدث عن غضبه تعالى لا تختص بقوم دون قوم وإنما بفئة من نفس القوم فتأمل. وهذا ظاهر في قوله: (وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) البقرة 61. وقريب منه آل عمران 112. والحقيقة أن الذين قتلوا الأنبياء هم فئة من اليهود، وكذا قوله: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل) المائدة 60. والتبعيض ظاهر في قوله: (وجعل منهم) وقوله تعالى: (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين) الأعراف 152.
وما يتناسب وهذا الطرح هناك بعض الآيات التي أشارت إلى غضب الله تعالى على المؤمنين أنفسهم كما في قوله: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) الأنفال 16. وكذا قوله: (والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) النور 9. 

    من كتابنا: السلطان في تفسير القرآن
       

رمضان مبارك من الأستاذ حميد عوّاد

 إخوتي الأعزّاء وأخواتي العزيزات،

إذ تتهيؤون لإحياء رياضة روحيّة رمضانيّة تغنونها بممارسة فضائل التقوى والعفّة والإحسان والبرّ والصبر وصفاء التأمل ونقاء الضمير وذروة التواصل، أشعر بتخاطر معكم أحبّائي خلال التماسكم هداية ورضى الله عزّ وجلّ في صلواتكم وأعمالكم وسلوككم فيغدق عليكم بغمر قلوبكم بالغبطة. كما آمل أن يساهم هذا المسح الروحيّ في انقشاع الرؤية واستدلال الحلول للمشاكل الشائكة التي تكبّل وطننا ومنطلقنا لبنان الحبيب فينهض متعافياً ويعمّه السلام والأمان والاستقرار. رمضان مبارك. 

 Valued friends,
As you embark on an exploratory spiritual journey in the depth of rituals of devotion and fasting during this blessed Month, I would like to wish you all Ramadan Kareem.  
In the Spirit of Ramadan there is an engagement into introspection and expurgation to attune the human conduct in harmony with the sublime spiritual and moral values ingrained in our conscience.  
May the virtues of goodwill, compassion, charity, tolerance, resilience, generosity and philanthropy culminate during Ramadan and persist beyond its end.  
May the serenity, harmony and peace camping over this month enlighten the minds so it would be extended and dwell over our beloved homeland Lebanon.

Hamid Aouad

Compassionate empathy, accurate discernment, judicious opinion, support for freedom, justice and Human Rights.
 http://hamidaouad.blogspot.com/

الأزهر ينفي إهدار دم إسلام بحيري ويتبرأ من وصف المسيحية بديانة فاشلة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-
نفت مشيخة الأزهر الأربعاء، ما وصفها بـ"ادعاءات" الإعلامي المصري، إسلام بحيري، حول قيام أكبر مؤسسة دينية في مصر بإهدار دمه، أو طلب لقائه، في الوقت الذي تبرأت فيه من وصف المسيحية بـ"ديانة فاشلة"، والذي أثار الجدل مؤخراً.

وذكر المركز الإعلامي بالأزهر الشريف، في بيان أصدره الأربعاء، أنه تابع ما نشر على إحدى الصحف المصرية الثلاثاء، على لسان بحيري، من أن بعض الشخصيات العامة، وما يُسمى بـ"جبهة الدفاع عن الأزهر"، قد طلبوا منه لقاء شيخ الأزهر، أحمد الطيب، وأنه رفض ذلك الطلب.

وشدد البيان، الذي حصلت عليه CNN بالعربية، على أنه "لم يحدث قط" أن طلب الأزهر لقاء بحيري، كما اكد على أن "الأزهر الشريف ليس في خصومة مع أحد، وأن مواقفه يتخذها من منطلق المسؤولية الشرعية والدستورية.. في القيام على حفظ التراث وعلوم الدين، والحفاظ علي فكر الشباب من التضليل."

وأوضح البيان أن موقف الأزهر، بتقديم بلاغ إلى النائب العام، في أبريل/ نيسان الماضي، طلب فيه وقف برنامج "مع إسلام بحيري"، جاء "رافضاً لما قدمه المذكور، من آراء شاذة، تتعمد النيل من أئمة وعلماء الأمة الأعلام، المشهود لهم بعلو المكانة، ومنزلة تراثهم الذي لا ينكره إلا موجه أو جاحد."

وبشأن ما ادعاه بحيري، في حواره مع صحيفة "المصري اليوم"، من أن "الأزهر أباح دمه"، فقد اعتبره البيان "مجرد حديث لتحقيق شو إعلامي، وذلك بعد أن رفض الشعب المصري ما جاء في برنامج المذكور من تجاوزات بحق الثوابت الدينية، لا يقبلها علم صحيح ولا عقل سليم."

كما شدد الأزهر الشريف، في بيانه، على أنه "لا يكفر أحداً، ولا يهدر دم أحد، وادعاء غير ذلك فيه تقول وكذب على الأزهر، وافتراء عليه وعلى منهجه"، مؤكداً أنه "سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال هذه الادعاءات الباطلة."

من جانب آخر، أكد الأزهر أن ما ورد في كتاب "دراسات غربية تشهد لتراث الإسلام"، من عبارة أثارت الجدل، إنما هي عبارة قالها المستشرق مونتغومري وات، في كتابه "الإسلام والمسيحية في العصر الحاضر"، الذي نشر في مصر سنة 2001، وأُعيد نشر مقتطفات منه في الكتاب الملحق بمجلة الأزهر.

وشدد المركز الإعلامي للأزهر، في بيان آخر أصدره الأربعاء، على خلفية الجدل الذي أُثير حول العدد الأخير من مجلة الأزهر لشهر شعبان 1436 هجرية، متضمناً وصف المسيحية بأنها "ديانة فاشلة"، على أن "هذا الرأي، الذي ذهب إليه المستشرق البريطاني، لا يعبر عن مجلة الأزهر الشريف."

ودفع ذلك الجدل، الذي رافق اتهام البعض للمجلة التابعة لمشيخة الأزهر بـ"الطعن في المسيحية"، شيخ أكبر مؤسسة دينية في مصر والعالم الإسلامي، أحمد الطيب، إلى إقالة رئيس تحرير المجلة، محمد عمارة، بعدما أعاد نشر تلك العبارة في مقدمته لكتاب "دراسات غربية تشهد لتراث الإسلام"، الذي تم توزيعه مع المجلة.

خليل الله.. بالإيمان/ نسيم عبيد عوض

هذه الصفة ذكرت فى رسالة يعقوب الرسول " وتم الكتاب القائل فآمن ابراهيم بالله فحسب له برا‘ ودعي خليل الله.( صديق الله)"يع2: 23" هذا هو الإيمان الذى كان الله يبحث عنه طويلا فوجده فى أبونا إبراهيم‘واتصف أبونا ابراهيم بالخليل فى اللقاء الذى إستضاف فيه ابراهيم الله وملاكين(تك 18) ويقول الكتاب" ثم قام الرجال من هناك وتطلعوا نحو سدوم‘ وكان ابراهيم ماشيا معهم ليشيعهم. فقال الرب هل أخفى عن ابراهيم ما أنا فاعله؟. وابراهيم يكون امة كبيرة وقوية ويتبارك به جميع امم الارض. لانى عرفته لكى يوصى بنيه وبيته من بعده ان يحفظوا طريق الرب ليعملوا برا وعدلا لكي يأتى الرب لابراهيم بما تكلم به." وماقاله الرب هنا انه إختار إبراهيم ليكون مؤسسا لشعب الله - بنى إسرائيل - أو الأمة اليهودية فيما بعد" ..وقص الرب على ابراهيم ان صراخ سدوم وعمورة قد كثر وخطيتهم قد عظمت جدا .وكأنه يشاركه الرأي ..وانصرف الرجال(الملاكان) من هناك وذهبوا نحو سدوم.وأما ابراهيم فكان لم يزل قائما امام الرب. وتقدم صديق الله وقال" أفتهلك البار مع الأثيم  ‘ وهذه هى لغة الصديق الى صديقه حتى لو كان الله ‘ لأنه سمح لنفسه ان يحاكى الله ويتشفع فى أهل سدوم وعمورة وكان الله يقبل منه ويستمع ويرد عليه قولا بقول‘ حتى وصل الحوار الى قول ابراهيم " أديان كل الارض لا يصنع عدلا." وبعد ان فرغ ابراهيم من كلامه يقول الكتاب "  وذهب الرب عندما فرغ من الكلام مع ابراهيم ورجع ابراهيم الى مكانه."تك18: 33" ‘والإيمان بالله هو الذى أوصل ابراهيم أن يحصل على مرتية صديق الله ‘ وهو نفس ماقالة الرب يسوع فى العهد الجديد " لا أعود اسميكم عبيدا لان العبد لا يعلم ما يعلم سيده. لكنى قد سميتكم احباء لانى أعلمتكم بكل ماسمعته من أبى." يو15: 15‘ فبالإيمان نكون لله أصدقاء وأحباء‘ ولكن كيف وصل أبونا ابراهيم الى هذه العلاقة مع الله؟.

إيمان إبرام فى طاعة الله:

كان ابرام يعيش فى أور الكلدانيين وسط عائلته أبواه وأخوته وإمرأته ساراى‘ وفجأة جاءت دعوة الله لإبرام وقال له" اذهب من ارضك ومن عشيرتك ومن بيت ابيك الى الأرض التى أريك. فاجعلك امة عظيمة واباركك واعظم اسمك . وتكون بركة. وابارك مباركيك ولاعنك العنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الارض. "تك12: 1-3‘ ولا نعلم كيف استقبل ابرام هذه الدعوة ‘ وخصوصا ان الله لم يحدد له المكان الذى سيحط فيه رحاله ‘ لقد وعده الله بالكثير ليكون له شأن عظيم عند الله ‘ واصبح امام خيار ان يذهب الى المجهول الذى لا يعلمه ‘ ولكن إيمانه بان الله هو قائده جعله يحزم أمره ويبدأ الرحلة ‘ وفى هذا يقول القديس بولس الرسول" بالإيمان ابراهيم لما دعي اطاع ان يخرج الى المكان الذى كان عتيدا ان يأخذه ميراثا فخرج وهو لا يعلم الى اين يأتى.عب11: 8‘ وماذا فعل ابرام " فذهب ابرام كما قال له الرب وذهب معه لوط .وكان ابرام ابن 75 ىسنة لما خرج من حاران. وخرجوا من حاران ليذهبوا الى ارض كنعان .فأتوا الى أرض كنعان مرورا بمكان شكيم وبلوطة مورة ‘ وهنا ظهر له الله وقال " لنسلك اعطى هذه الارض ." فبنى هناك مذبحا للرب الذى ظهر له. وعرف ابرام ان وعد الله هو تمليكه ارض كنعان فتوجه جنوبا ارتحالا متواليا‘ والى الجبل شرقا فى بيت إيل‘ فبنى هناك مذبحا للرب ودعا باسم الرب." اى ثبت إيمانه بالرب فدعا باسمه الها له وراعيا يقوده حيث يشاء الى بركة وبركات.

غربة ابراهيم

عاش ابراهيم حياته وهو ساكن على الارض التى وعده الله بها ميراثا‘ معتبرا نفسه غريبا‘ وهذا أول التعاليم الإلهيه التى نؤمن بها ‘ أن نعيش على الارض غرباء لأن لنا بيتا فى السماء ‘والعجيب ان ابراهيم وقد كان أغنى من فى المنطقة ‘ وحوله الكنعانيين يعيشون فى بيوت وقصور مبنية بالطوب والحجارة ‘ ولكنه ومعه ابنه اسحق وابنه يعقوب يعيشون فى الخيام ‘ وهذ قمة الإيمان من أبونا ابراهيم ‘ وكما قال معلمنا بولس الرسول " بالإيمان تغرب فى أرض الموعد كأنها غريبة ساكنا فى خيام مع اسحق ويعقوب الوارثين معه لهذا الموعد عينه. لأنه كان ينتظر المدينة التى لها الأساسات التى صانعها وابارئها الله."عب11: 9و10. وهذا وعد الرب يسوع المسيح لنا فى العهد الجديد " لا تضطرب قلوبكم. انتم تؤمنون بالله فآمنوا بى. فى بيت ابى منازل كثيرة. والا فانى كنت قد قلت لكم. انا أمضى لاعد لكم مكانا.وإن مضيت واعددت لكم مكانا آتى أيضا وآخذكم الى حتى حيث اكون انا تكونون انت ايضا."يو14: 1-3‘ وشرحها لنا القديس بولس أيضا فى 2 كو5: 1و7و8" لاننا نعلم انه ان نقض بيت خيمتنا الارضى فلنا فى السموات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد .ابدي. ..ونحن مستوطنون فى الجسد فنحن متغربون عن الرب. لاننا بالإيمان نسلك لا بالعيان. فنثق ونسر بالأولى ان نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب". هذه كان إيمان أبونا إبراهيم طوال حياته عائشا فى خيام منتظرا بيته فى السموات ‘ وعلم أبنه وأحفاده بذلك ‘ فعاشوا طوال حياتهم فى خيام.

تكرار الوعد من الله لابرام

بعد اعتزال لوط ابن أخ ابرام عنه قال له الرب" ارفع عينيك وانظر من الموضع الذى انت فيه شمالا وجنوبا وشرقا وغربا. لان جميع الارض التى انت ترى لك اعطيها ولنسلك الى الابد. واجعل نسلك كتراب الارض .حتى اذا استطاع احد ان يعد تراب الارض نسلك ايضا يعده. قم أمش فى الارض طولها وعرضها .لأنى لك اعطيها. فنقل ابرام خيامه واتى واقام عند بلوطات ممرا التى فى حبرون.وبنى هناك مذبحا للرب."تك13: 14-18.

ملكى صادق كاهن الله العلى

بعد انتصار ابرام ورجوعه من كسرة كدر لعومر‘ والتى فيها أعاد ابن أخيه لوط وعائلتة من السبى وكذا أهل سدوم وجد فى لقائه ملكى صادق ملك شاليم الذى أخرج خبزا وخمرا.ويقول الكتاب عنه"وكان كاهنا لله العلي. وباركه وقال له مبارك ابرام من الله العلي مالك السموات والارض.ومبارك الله العلي الذى اسلم اعداءك فى يدك. فاعطاه ابرام عشرا من كل شيئ ."تك14: 18-20‘وهذة المرة الاولى والأخيرة التى يذكر فيها اسم ملك صادق والذى يقدمه لنا القديس بولس الرسول" المترجم اولا ملك البر ثم ايضا ملك ساليم  اى ملك السلام .بلا اب بلا أم بلا نسب.لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة بل هو مشبه بابن الله هذا يبقى كاهنا الى الابد."عب 7: 2و3‘ ووجود شخصية ملكى صادق فى مقابلة ابرام صورة حية على ان  الله يتدبر أمور الخلاص ‘ لأن الرب يسوع المسيح سيكون كاهنا ورئيس كهنة ليس على نسب لاوى كهرون لأنه من سبط يهوذا سبط الملوك ‘ وأيضا سيكون كاهنا الى الابد على رتبة ملكى صادق ‘ لأنه صار ليس بحسب ناموس وصية جسدية بل بحسب قوة حياة لا تزول (الحياة الابدية ) وهو نفس قول المزمور 110: 4 نبوة عن السيد المسيح"انت ابنى وانا اليوم ولدتك. أقسم الرب ولن يندم .انت كاهن الى الابد على رتبة ملكى صادق ."وكذلك يؤكدها الوحي الإلهى على لسان القديس بولس" لان كل رئيس كهنة ماخوذ من الناس يقام لاجل الناس فى ما لله..ولا ياخذ  احد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الله كما لهرون ايضا. كذلك المسيح ايضا لم يمجد نفسه ليصير رئيس كهنة بل الذى قال له انت ابنى انا اليوم ولدتك .كما يقول فى موضع آخر(مز110)انت كاهن الى الابد على رتبة ملكى صادق. " (عب5) ‘ وقال ايضا فى (عب8)"واما رأس الكلام فهو ان لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس فى يمين العظمة فى السموات."فظهور ملكى صادق ترتيب الهى لينبأ بقدوم ابنه الوحيد لخلاص البشرية فى ملء الزمان. كذلك جاء ذكر للعشور التى قدمها ابرام عن كل شيئ للكاهن ‘ وليعرفنا ان العشور طقس استلمته الكنيسة وتعمل به حسب وصايا الله.

أمن ابرام بالله فحسبه له برا

بعد عودة ابرام من حرب كسرة لعومر منتصرا" صار كلام الرب الى ابرام فى الرؤيا قائلا: لا تخف يا ابرام .انا ترس لك .اجرك كثير جدا. فقال ابرام ايها السيد الرب ماذا تعطينى وانا ماض عقيما ومالك بيتى هو اليعازر الدمشقى. وفال ابرام ايضا انك لم تعطينى نسلا وهوذا ابن بيتى وارث لى. فاذا كلام الرب اليه قائلا.لا يرثك هذا .بل الذى يخرج من احشائك هو يرثك.ثم اخرجه الى خارج وقال انظر الى السماء وعد النجوم ان استطعت ان تعدها.وقال له هكذا يكون نسلك. فآمن بالرب فحسبه له برا.تك 15: 1-6. وفى ذلك اليوم قطع الرب مع ابرام ميثاقا - كعادة أهل ذلك الزمان – قائلا.لنسلك اعطى هذه الارض."

هذا هو خليل الله ابراهيم فى رحلة من التدبيرات الإلهية لخلاص البشر ‘ وفى الطريق مع الله سار ابراهيم معه الى نهاية المطاف مؤمنا واثقا فى وعود الله ‘ وفى كل تجارب وامتحان الله معه ‘لم تقل ثقته فى الاهه الذى يقوده ويؤمن به إيمانا لا ريب فيه ‘ وهذا ماسنكمله فى المقال القادم إذا شاء الرب وعشنا. 

قل كلمتك وامش علها تفيد احدا/ المحامي ميشال جرجس

بداية اعترف بأني انسان بسيط لا ادعي الفلسفة او كثير المعرفة, لكني سأروي ما جال في خاطري ذات صباح.
استيقظت مع الفجر على غير عادتي ولم استطع للنوم سبيلا وبدأت الأفكار تتوالى تباعا من دون رادع وكأنها تطلب مني تدوينها فرضحت للأمر.
اول تلك الأفكار كانت: لماذا كل هذا الخراب وسيل الدماء والكره غير المحدود بين البشر؟
وثانيا: لماذا لم يصرف العالم هذه الأموال الطائلة على تقدم وخير الإنسان بدل صرفها على الحروب بما تتسبب من دمار وقتل 
للبشر وانتشار البغضاء بين الشعوب؟.
عندئذ عاد بي تفكيري الى بدء البشرية وكيف ان الله تعالى خلق آدم وحواء وكيف ميزهم عن باقي المخلوقات واعطاهم فكرا ليستطيعوا التمييز والتصرف وابقاهم في جنته على شرط واحد وهو ان لا يستمعوا لغير صوته لأن الله تعالى كان يعلم بنوايا الشرير.
وحيث ان الله تعالى اعطى الإنسان حرية الخيار واتخاذ القرار بعد ان دله على طريق الحياه والموت.
وحيث ان الإنسان قد سمع لغير صوته وارتكب الخطيئة .
لذلك طرد الله الإنسان من جنته وهكذا انفصل عنه وبدأت رحلة العذاب.
وكون الله اله محبة ورحمة وعدالة فقد ابى ان يرى قوى الشر تعذب الإنسان الذي خلقه بهذا الشكل رغم عدالة حكمه.
فقررت رحمته ان تعطي فرصة ثانية لمن يريد الخلاص والعودة الى جنته وكي يحقق ذلك كان لا بد من تحضير انسان طاهر كي يستطيع دخول جنته وعندها تكون قد تحققت عدالته بحيث انه كما كان موت الإنسان بسبب الخطيئة تكون قيامته بتوبته الكاملة وبواسطة انسان.
وجد الله في ابينا ابراهيم خيرا فكلمه واختبره فكان سامعا ومطيعا وبدأت رحلة الخلاص.
ابانا ابراهيم رحمه الله لبره بدأ يعلم ذريته بما امره الله تعالى به وبدأ الله تعالى يرسل الأنبياء ليكرزوا بقدوم المخلص الى ان ينتهي بهم الأمر بالإستشهاد على يد قوى الشر وكيف لا وقد فعل الشرير المستحيل كي يهلك الإنسان.
فقد اجمعت النبوؤات على مواصفات المخلص وعلى ما سيحصل له.
وعندما رأى الله تعالى ان قسما من شعبه قد ضل الطريق وإن الوقت قد حان لم يجد اطهر من مريم العذراء عليها السلام وعاء يستوعب كلمته ليتجسد ويعلم البشر فأرسل الملاك وبشرها بانها سوف تحمل من الروح القدس والمولود منها قدوس وسوف يخلص شعبه .
سمعت مريم العذراء عليها السلام بشارة الملاك واطاعته بقلبها و قالت له: انا امة الرب فليكن كما امرني به الرب.
وكونه كانت تقاليد اليهود تقضي برجم الفتاة الزانية حتى الموت وجد الله تعالى يوسف النجار انسانا بارا وقورا طاعنا في السن فأرسل الملاك ليطلب منه ان يكون خطيبا لمريم كي لا ترجم بسبب حملها.
اطاع القديس يوسف كلام الملاك لكنه فيما بعد انتابه الشك كون علامات الحمل بدأت تظهر على العذراء وهو لم يمسها فقرر تركها والهرب الا ان الملاك عرف بنوايا يوسف فظهر له وقال له لا تخف من ان تأخذ مريم خطيبتك فهي حبلى من الروح القدس والمولود منها قدوس يخلص شعبه .
عندما حان وقت الميلاد ارسل الله الملائكة ليبشروا الرعاة وليس كهنة اليهود لعلمه ان الرعاة بشر بسطاء القلوب وليس عندهم مكر وارسل اشارات للمجوس يعلمهم بميلاد المخلص ويدلهم على مكان وجوده وهكذا كان فقد قدمت اجواق الملائكة تسبح وترتل وبشروا الرعاة بولادة المخلص ومكان الولادة.
وعندما علمت قوى الشر بولادة يسوع الملك قتلوا كل طفل ذكر ليتحققوا من قتله لكن الملاك كان قد اخبر يوسف بأخذ يسوع وامه والذهاب الى مصر حتى يطلب منه العودة وحين حان موعد العودة كان يسوع ينمو في الروح والجسد وكان مار يوحنا المعمدان يعد له الطريق ويبشر بقدومه.
وفيما كان يوحنا يعمد الجموع وقف يسوع امامه واحنى رأسه كي يتعمد وكان المعمدان لم يرَ يسوع من قبل لكنه فوجئ بقوة اعظم منه وسمع صوتاً من السماء يقول هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ورأى الروح القدس يحل على رأسه بشكل حمامة ولم يقبل يسوع الا ان تعمد على يديه.
بدأ يسوع يعلم ويكرز في مجامع اليهود على الرغم من صغر سنه وعندما حانت الساعة بدأ بصنع العجائب امام تلامذته الذين امنوا به وتبعوه فشفى المرضى واقام الموتى من القبور واحياها ولما رأى ان كثيرا من غير اليهود قد تبعه واحبه في حين ان شعبه الذي اتى لأجل خلاصه بدأ الشر يفعل فعله بينهم وبدأوا يخططون لموته فطلب من تلامذته ان يبشروا جميع الأمم .
في رحلة الموت اقرب الناس اليه انكره وكان يسوع قد اخبره سابقا عن ذلك كما ان اخرا من تلامذته اسلمه للموت لقاء ثلاثين من افضة، لكنه شدد عزيمتهم وسامح من صلبه وكيف لا وهو اله المحبة والغفران وبعد صلبه وموته ودفنه وقيامته من بين الأموات اظهر نفسه لتلاميذه وكان من بينهم من شكك بأنه هو الاله لكن يسوع طلب منه كي يتحقق عمليا بأنه هو وهكذا تحقق الوعد الالهي بقيامة الإنسان من الموت فكما كان الموت بإنسان تكون القيامة بإنسان وكما كان الموت سببه الخطيئة تكون القيامة بواسطة التوبة الصادقة والإيمان بأن يسوع المسيح هو الاله المخلص الذي تجسد وصلب ومات لأجل خلاصنا وقام من الموت كي نحيا به وكل من اعتمد باسم الآب والإبن والروح القدس لا يهلك .
امام كل ما تقدم منذ بداية الخلق مرورا بموت الانسان بسبب خطيئته وسماعه لقوى الشر ومحبة الله تعالى للانسان ورحمته له واعطائه فرصة للخلاص بارساله الانبياء ليعلموه طريق الخلاص حتى اضطر ان يرسل كلمته ويتجسد, وكيف لا فهو قادر على كل شيء, وكيف ان قوى الشر ابت ان تتخلى عن الانسان فقتلت الانبياء والرسل وحتى المسيح نفسه صلبوه وقتلوه ,الا ان المسيح قد انتصر على الموت لأنه اله وكل الظروف التي احاطت به منذ النبؤات الى الميلاد والعجائب التي صنعها واظهاره نفسه لتلاميذه بعد القيامة تدل بشكل قاطع لا يقبل الشك بأنه الاله المخلص.  
بعد كل ذلك عرفت جواب سؤالي وهو ان الشرير لا يزال يعمل بكل طاقته ليلا نهارا من دون كلل واتباعه كثر كي لا يخلص الانسان لذلك ينفقون الاموال الطائلة على الحروب والقتل والدمار و يضطهدون المسيح واتباعه بكل الوسائل وعلى الإنسان المسيحي الفعلي الا يخاف خاصة وان يسوع قد اخبرنا بذلك حيث قال سوف يضطهدونكم لإجل اسمي لكن لا تخافوا من الذي يقتل الجسد بل من الذي يقتل الروح , وانا معكم حتى انتهاء الدهر. 
خلاصة كل ذلك عرفت لما لم استطع النوم ذاك الصباح وكأن احدا يأمرني بأن اقول كلمتي وامشي عل وعسى احدا يستفيد منها.
 

سورة الفاتحة من الآية 3 إلى الآية 4/ عبدالله بدر اسكندر

قوله تعالى: الرحمن الرحيم: كرر سبحانه هذا المقطع مرة أخرى لإجل إيصال النتائج الفاصلة بين الرجاء والخوف الظاهر من خلال ما يشتمل عليه السياق من ملامح الحمد الواقع بين رحمتين مما يجعل اقتصاره على لفظ الجلالة أكثر بياناً إذا ما نظرنا إلى المنطوق العام للسورة، وهذا ما يقرر مدى استحقاقه جل شأنه للحمد وعلاقته الطردية مع الرحمة التي يهبها لعباده. فإن قيل: ألا يخل التكرار بالجانب البلاغي للقرآن الكريم؟ أقول: إذا كان التكرار لغير فائدة فمن الطبيعي أن يخل بالجانب البلاغي، أما إذا كان لفائدة تحقق المطلوب فلا يعد تكراراً مملاً وهذا ما دأب عليه القرآن الكريم، ولو تأملنا المتفرقات التي يكثر فيها التكرار نعلم أن الغرض منه يكمن في مجموعة من الأسباب أهمها التذكير الذي بني عليه الشرع وذلك لأجل إتمام الحجة على المعاندين من جهة ومن جهة أخرى يرسّخ الفكرة في قلوب المؤمنين، وقد نجد فيه دلالات أخرى تجعل اللفظ خاضعاً للصيغة التقريبية التي لها ارتباط بالأسئلة المفترضة، وسيمر عليك هذا المعنى في العلة الناتجة من تكرار الصراط المستقيم من خلال تفسير السورة التي نحن بصددها.
ولكي تكون الصورة أكثر وضوحاً أود أن أشير إلى بعض الأمثلة التي تبين أسباب التكرار، وأهم تلك الأمثلة ما ذكره تعالى حكاية عن فرعون في قوله: (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب... أسباب السماوات) غافر 36- 37. فههنا كرر سبحانه الأسباب مرتين في نفس السياق علماً أن الكلام يمكن أن يستقيم بواحدة، ويكون التقدير "يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ أسباب السماوات" إلا أن هذا لم يرد وذلك لأجل أن يُظهر المفاجأة التي حصلت لهامان والتي جعلته يردد السؤال وكأنه يقول أي أسباب هذه التي تريد أن تبلغها، وكما ترى فإن هناك حديثاً طويلاً قد دار بينهما، ويمكن أن نستنتج ذلك بواسطة تكرار لفظ الأسباب الذي اختزل القصة بكاملها، ولو لا ذلك لما تبادر إلى ذهن المتلقي هذا المعنى. ومنه قوله تعالى: (ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا... قوارير من فضة قدروها تقديراً) الإنسان 15- 16. وكذا قوله تعالى: (أولى لك فأولى... ثم أولى لك فأولى) القيامة 34- 35. وقوله: (والسابقون السابقون) الواقعة 10. وكذلك قوله: (فإن مع العسر يسراً... إن مع العسر يسراً) الشرح 5- 6. 
وهذا النوع من التكرار لم يبتدعه القرآن الكريم لأنه كان معتمداً من قبل أفصح الناس لساناً، سواء أكان ذلك في النثر أو الشعر، وقد نجد هذا التكرار في قصيدة لأبي النجم العجلي يقول فيها:
أنا أبو النجم وشعري شعري... لله دري ما أجن صدري
تنام عيني وفؤادي يسري... مع العفاريت بأرض قفري
وله أيضاً:
واهاً لريا ثم واهاً واهاً... هي المنى لو أننا نلناها
وذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني مجموعة من الأبيات لمالك بن الريب وهو من الشعراء الذين لم تكن لهم شهرة عريضة، وقد كرر في تلك الأبيات لفظ الغضا أكثر من خمس مرات، ومن أبيات قصيدته:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة... بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا
فليت الغضا لم يقطع الركب عرضه... وليت الغضا ماشى الركاب لياليا
لقد كان في أهل الغضا لو دنا الغضا... مزار ولكن الغضا ليس دانيا
من هنا يظهر أن الله تعالى قد كرر قوله: (الرحمن الرحيم) لأجل أن يكون بمنزلة الأمان الفاصل للرهبة التي سبقت في قوله: (الحمد لله رب العالمين) وهذا من دأب القرآن في الجمع بين الرهبة والرغبة، وقد نجد هذا الأسلوب في كثير من متفرقات القرآن الكريم دون نسبة الترهيب مباشرة للحق سبحانه، كما في قوله: (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم... وأن عذابي هو العذاب الأليم) الحجر 49- 50. ومنه قوله تعالى على لسان الجن: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً) الجن 10. 
قوله تعالى: مالك يوم الدين: لا نريد الدخول في الجدال المفضي إلى التفريق بين قراءة ملك ومالك لأن هذا يخرجنا عن البحث المقرر للآية باعتبار أن المصطلحين فيهما دلالة على الملك والتصرف لا سيما إذا كان المعنى يتعلق بالحق سبحانه، لأنه المالك لكل شيء على وجه الحقيقة دون الملك الاعتباري سواء في الدنيا أو الآخرة، وفي هذا الصدد يقول الفخر الرازي في التفسير الكبير: اعلم أن الإنسان كالمسافر في هذه الدنيا، وسنوه كالفراسخ وشهوره كالأميال، وأنفاسه كالخطوات، ومقصده الوصول إلى عالم أخراه، لأن هناك يحصل الفوز بالباقيات الصالحات، فإذا شاهد في الطريق أنواع هذه العجائب في ملكوت الأرض والسماوات، فلينظر أنه كيف يكون عجائب عالم حال الآخرة في الغبطة والبهجة والسعادة، إذا عرفت هذا فنقول قوله: (مالك يوم الدين) إشارة إلى مسائل المعاد والحشر والنشر، وهي قسمان: بعضها عقلية محضة، وبعضها سمعية، أما العقلية المحضة كقولنا: هذا العالم يمكن تخريبه وإعدامه، ثم يمكن إعادته مرة أخرى، وإن هذا الإنسان بعد موته تمكن إعادته، وهذا الباب لا يتم إلا بالبحث عن حقيقة جوهر النفس، وكيفية أحوالها وصفاتها وكيفية بقائها بعد البدن، وكيفية سعادتها وشقاوتها، وبيان قدرة الله عز وجل على إعادتها، وهذه المباحث لا تتم إلا بما يقرب من خمسمائة مسألة من المباحث الدقيقة العقلية.
وأما السمعيات فهي على ثلاثة أقسام: أحدها: الأحوال التي توجد عند قيام القيامة وتلك العلامات منها صغيرة ومنها كبيرة، وثانيها: الأحوال التي توجد عند قيام القيامة، وهي كيفية النفخ في الصور، وموت الخلائق، وتخريب السماوات والكواكب، وموت الروحانيين والجسمانيين، وثالثها: الأحوال التي توجد بعد قيام القيامة وشرح أحوال أهل الموقف، وهي كثيرة يدخل فيها كيفية وقوف الخلق، وكيفية الأحوال التي يشاهدونها، وكيفية حضور الملائكة والأنبياء عليهم السلام وكيفية الحساب وكيفية وزن الأعمال، وذهاب فريق إلى الجنة وفريق إلى النار، وكيفية صفة أهل الجنة وصفة أهل النار، ومن هذا الباب شرح أحوال أهل الجنة وأهل النار والأعمال التي يباشرونها، ولعل مجموع هذه المسائل العقلية والنقلية يبلغ الألوف، من المسائل، وهي بأسرها داخلة تحت قوله: (مالك يوم الدين) انتهى.
ويمكن أن نستشف من كلام الفخر الرازي أن هناك ردا مبطناً لأصحاب الآراء الساذجة الذين يريدون اقتصار التفسير على رأي واحد، ولا أعلم كيف تناسى هؤلاء تعدد العلوم الشرعية بنوعيها العقلي والنقلي، وكذا ما يمكن ملاحظته من اختلاف الأذواق في المأكل والمشرب والملبس، وما إلى ذلك من الطرق التي يألفها الناس على اختلاف مللهم ونحلهم، وليت شعري كيف يتقبل هؤلاء القوم الذين لا يكادون يفققهون قولاً أن يُختزل هذا الكم الهائل من المعلومات في قول إنسان بعينه، فهل بعد هذا الجهل جهل، ومن هنا يمكن القول إن الوصول إلى الحقيقة المطلقة لا يمكن الإحاطة به من خلال هذا التعبير، لأن المالكية لا تدخل في الزمان أو المكان، ولهذا اختلفت الألفاظ والمصطلحات التي يعرضها القرآن الكريم عن الأيام التي تخضع للعندية الإلهية، كما في قوله تعالى: (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) المعارج 4. وكذا قوله: (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون) الحج 47. وأنت خبير بأن الآيتين أشارتا إلى اختلاف عدد الأيام وهذا قد يؤول إلى مقدار العمل والتكليف الذي تتوسط به الملائكة.
من هنا نفهم أن قدرة الإنسان على الإحاطة بيوم الدين قد تكون أقرب للقياس مع الفارق إذا ما أردنا مقارنة ذلك بعلم الله تعالى وما يؤول إليه من طرق الحساب والمراحل التي تمر بها الخلائق وصولاً إلى تقسيم الناس ودخولهم الجنة أو النار، وبهذا يظهر فساد من ذهب إلى أن الله تعالى قد خصص مالكيته ليوم الدين لأن في الدنيا يوجد من ينازعه في الملك، ويمكن أن يرد هذا الرأي بقوله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) آل عمران 26. وكذا قوله: (كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم) يوسف 76. وفي هذا دليل على أن الإنسان لا يمكن أن يستقل بالتأثير المباشر ما لم يخضع للسنن الإلهية التي تتحكم في مصالح الناس نظراً للطاعة أو العصيان فتأمل. 

   من كتابنا: السلطان في تفسير القرآن

مقابلة مع سيادة المطران اميل نونا السامي الاحترام مطران ابرشية مار توما للكنيسة الكلدانية في استراليا ونيوزلندا


اجرى المقابلة يوحنا بيداويد

"التحدي الكبير الموجود في تاريخ الكنيسة هو كيف يتم جعل المؤسسة الكنسية في خدمة هدف الجماعة المؤمنة التي هي الكنيسة الحيّة المتكونة من اعضاء مؤمنين، وليس ان تكون المؤسسة هدف بحد ذاتها."

سيادة المطران اميل نونا هو من مواليد القوش سنة 1967، وفيها أنهى الدراسة الاعدادية، الفرع العلمي، بعدها دخل معهد شمعون الصفا الكهنوتي في بغداد، ورُسم كاهنًا في 11/1/1991.

خدم المطران نونا في خورنة القوش ككاهن مساعد لخوري البلدة الى سنة 1997 ثم استلم مسؤوليتها. في سنة 2000 سافر الى روما – ايطاليا لإكمال دراسته اللاهوتية العليا وحصل على شهادة الدكتوراه في الانتروبولوجية اللاهوتية من جامعة اللاتران الحبرية سنة 2005 بأطروحته الموسومة: (انتروبولوجية العلاقة الزواجية في كتابات مار افرام السرياني). 

رسم رئيسًا لأساقفة الموصل في 8/1/2010. وعلى اثر التهجير القسري الذي جرى لأبناء ابرشيته مع بقية المسيحيين انتقل الى عنكاوا ومن هناك راح يقوم بمهام كرئيس للجنية تقديم المساعدات والاهتمام بالمهجرين الى ان تم ترشيحه من قبل سينودس الكنيسة الكلدانية المنعقد بعينكاوة – اربيل من 24-27 حزيران 2014 راعيا لأبرشية مار توما في استراليا ونيوزلندا خلفا لمار جبرائيل كساب الذي تقاعد بسبب بلوغه سن التقاعد. تم تنصيبه من قبل سيادة المطران بشار وردة مطران ابرشية حدياب-أربيل بتكليف من غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو الجزيل الاحترام في 7 اذار 2015 في كنيسة مار توما سدني.

بعض إصدارات المطران نونا:
الكتب المؤلفة:
1.   كتاب: افرحوا في الرب – تأملات في السنة الطقسية لكنيسة المشرق الكلدانية – الاشورية، الموصل 2011.
2.    كتاب: رتبة درب الصليب، الموصل 2012.
3.   كتاب: العائلة والمجتمع، 2013

الكتب المترجمة:
1-   تفسير الخدم الكنسية لابراهيم القطري، بغداد 1996.
2-   كلمة الله في روايات البشر، اربيل 2007.
3-   100 سؤال في الحب والزواج، اربيل 2009.

وحينما طلبنا منه اجراء هذه المقابلة قبلها مشكورا برحابة الصدر على الرغم من التزاماته الكثيرة.

 س1       سيدنا اهلا وسهلا بكم في استراليا كراعي جديد لأبرشية مار توما الرسول للكلدان في استراليا ونيوزلندا خلفا لسيادة المطران جبرائيل كساب الذي تقاعد من الخدمة بسبب العمر بحسب القانون الكنسي. كيف كان انطباعك قبل وصولك؟ وكيف هو الان بعد ان حصلت لك لقاءات واجتماعات بين ابناء الابرشية في سدني وملبورن؟

الجواب
قبل وصولي كان الانطباع العام هو الترقب لمعرفة وضعية الابرشية بشكل صحيح وليس عن طريق الاصغاء، لهذا لم يكن هناك تحديد دقيق لما كنت اشعر به لان من الطبيعي ان نكّون انطباع عن شيء حين نبدء نتعرف عليه او نعيشه. بعد وصولي ارى ان ابناء الابرشية لا زالوا ملتزمين بإيمانهم ومتطلباته وهم بشكل عام محبين لكنيستهم وكل ما تتطلبه تعاليم الكنيسة.

س2       اثناء قداس يوم الخميس المصادف 18 اذار 2015 في كنيسة مريم العذراء حافظة الزروع، سمعنا من خلال كرازتك، إنك تحمل شعارا تقول فيه:" صورا طاوا لبني علما -اي الرجاء الصالح لبني البشر".  لماذا اخترت هذا الشعار الذي هو جزء من انشودة الملائكة حينما بشروا الرعاة بولادة المخلص. وكيف تطبقه في حياتك؟ وما اهميته لأبناء الابرشية لأنهم الحقل الذي ستقضي عمرا مديدا ان شاء الله معهم في تطبيق هذا الشعار؟

الجواب
شعار اسقفيتي من البداية كان حول الرجاء المسيحي، وقد اخترت كبداية مسيرتي في ابرشية مار توما هذا النداء الذي أطلقه الملائكة، كونه يرتكز على الرجاء. في ايماننا الرجاء هو اساسي وجوهري للحياة، لأنه لا يعطي فقط قوة للمستقبل بل يحقق في الحاضر ما نطلبه في المستقبل. لذا الحياة الانسانية اليومية بحاجة ماسّة للرجاء كي تستطيع ان تحقق الفرح والسعادة المرجوة من الله في تفاصيل الحياة اليومية. اعتقد ان ابرشيتنا تحتاج الى رجاء قوي يعطيها زخم وقوة في مواجهة تحديات عالم اليوم ومتغيراته.

س3      من خلال حفلة العشاء يوم الاحد المصادف 22 اذار في اخر لقاء لك مع ابناء رعية ملبورن، قلت كلمة قصيرة ولكن كانت جوهرية وكثيفة على مسامعنا، حينما قلتم ما معنها: "ان الكنيسة يجب ان تستدير وجهها 180 درجة، ان تستدير وجهها الى المؤمنين وتقوي علاقة المحبة والاخوة في الايمان أكثر من العلاقات الادارية الرسمية او البيروقراطية بين الإكليروس والشعب (المؤمنين). وقلت ايضا هذه تعليمات الكنيسة الكاثوليكية في عهد قداسة البابا فرنسيس الجديد". الان هل تستطيع توضح لنا هذه الفكرة أكثر لقرائنا المؤمنين؟ وماذا كنت تقصد بوجود ركنيين في الكنيسة، المؤسسة او الهيكل الإداري والعائلة الواحدة حسب المفهوم الروحي؟

الجواب
الكنيسة هي جماعة الرب يسوع المسيح المؤمنة به والتي تحاول ان تحقق رسالته الخلاصية في العالم في كل مكان وزمان. هذه الجماعة هي نفسها لها هيكيلية مؤسساتية مهمة جدا لديمومة رسالة الجماعة المؤمنة. التحدي الكبير الموجود في تاريخ الكنيسة هو كيف يتم جعل المؤسسة الكنسية في خدمة هدف الجماعة المؤمنة التي هي الكنيسة الحيّة المتكونة من اعضاء مؤمنين، وليس ان تكون المؤسسة هدف بحد ذاتها. في ايماننا المسيحي نحن نؤمن بان رسالة الكنيسة هي جعل الخلاص متاحا للجميع، لذا من المهم ان يكون كل ما عند الكنيسة موجّه لهذا الهدف، وان لا يكون هناك فصل او مسافة كبيرة بين المؤسسة الكنسية والجماعة المؤمنة.

س4      سيدنا هل ممكن نعرف اهم خمسة أولويات لك ستقوم بها في خدمتك لهذه الأبرشية؟

الجواب
لقد تكلمت في خطاب التنصيب عن برنامج عملي الذي سأعمل على تحقيقه في الابرشية، وممكن ان نلخصها في بعض النقاط، وهي التعليم الايماني والانساني بكافة جوانبه، الممارسة الطقسية للإسرار بروحية وايمان عميق، الاهتمام بالعائلة بكافة جوانبها، الاهتمام بالأجيال الناشئة هنا والشباب، تقوية العلاقات داخل جسم الابرشية بين مختلف الشرائح.

س5    ما مدى اهمية الهوية الإنسانية التي تحملها ككلداني؟ وما أهمية اللغة بالنسبة لك؟

الجواب
الهوية للإنسان جوهرية في مسيرته الحياتية، فمن المهم ان يكون لكل شخص هوية يعتز بها وتعطيه خصوصيته التي يُغني بها الحياة والعالم، بشرط ان لا تعمل على الغاء خصوصيات الاخرين بل تساعدهم على ابراز ما لهم كونه سيعطي زخم لهويته الشخصية. انا انسان كلداني، وهذه هي هويتي الانسانية التي تعطيني خصوصية معينة مؤَسَّسة على تاريخ وحضارة وانتماء كنسي معين. هذه الخصوصية يلزم ان اضعها في خدمة الخصوصيات والهويات الاخرى ايضا كي اغتني بها واحاول ان اغني الاخرين بما عندي. 
اللغة بالتأكيد هي واحدة من اسس تشكيل الهوية والانتماء القومي لاي جماعة او شعب، ولغتنا هي تصوغ شخصيتنا بكل ابعادها، وايماننا ايضا هو مُصاغ بهذه اللغة الخاصة بنا. من المهم اذن ان نحافظ عليها ونحاول ان نجعلها حيّة عند جميع الاجيال الحالية.

س6    ما الإيجابيات التي لاحظتها من خلال خبرتك القصيرة في رعايا ابرشية ما توما؟ وما هي النواقص التي تحتاج الاهتمام والعمل على إصلاحها؟

الجواب
   لا زالت الفترة التي قضيتها قصيرة لعمل تقييم او انطباع دقيق عن الابرشية، لكن أستطيع ان اقول ان الكنز الاساسي في الابرشية هو الجماعة المؤمنة التي لا زالت محافظة بشكل عام على ايمانها وتقاليدها وطريقة عيشها لهذا الايمان. اما ما يحتاج العمل عليه فاعتقد كل شيء، ليس لان كان هناك نقص فقط بل لان العمل لا ينتهي والطموح يلزم ان يكون نحو الاحسن دائما.

س7     انت كنت رئيس أساقفة لأبرشية عريقة وقديمة يعود تاريخها الى أكثر 18 قرنا، وفجأة بين يوم وليلة اجبرتم كلكم الى الهجرة والترحيل القسري. ماذا تستطيع ان تخبرنا عن تلك الأيام العصيبة التي مريتم فيها كراعي وكأبناء رعية؟

الجواب
   ممكن ان اقول انها كانت ايام سوداء بكل معنى الكلمة ومن كل الجوانب: من الناحية الانسانية ليس سهلا ترك، وبشكل اجباري، المحيط والبيئة التي ينشأ ويتربى بها الانسان والتي تعطيه طابعه الخاص، لذا كان تأثير الازمة ولا يزال على مؤمنينا كبيرا جدا، بحيث افقدتهم الثقة بالبيئة والبلد والاخرين وأحيانا بالمستقبل. من الناحية الكنسية نحن خسرنا تاريخا ايمانيا طويلا وتراثا معماريا وحضاريا عميقا جدا في التاريخ بحيث لا يعوّض، مثل الكنائس القديمة في الموصل. من ناحية اخرى ليس سهلا ترك كل شيء من مقتنيات واملاك وبيوت وحاجيات ومكتبات. شخصيا خسرت مكتبتي التي كانت موزعة بين الموصل وكرمليس، بينما استطعت ان انقل الجزء الموجود في تلكيف. وهكذا حال بقية المؤمنين الذي خسروا الكثير جدا. لكن في ايماننا هناك الرجاء ونحن متأكدين ان اهم شيء هو الحياة، ونشكر الله انه لم تراق دماء ابنائنا او يتم سبيهم. نطلب من الله ان يعطي القوة للجميع ليكملوا حياتهم بايمان عميق بالحياة المسيحية.

س8  من خلال استماعي الى أحاديثك وجدتك مهتما كثيرا بالثقافة. على الرغم من قصر مدة استلامك مهمة راعي الأبرشية، لا بد ان نسألك، ما هي مشاريعك في هذا المجال؟ ما الذي تنتظر ان تجلبه الثقافة للمؤمنين؟  هل للثقافة أهمية في حياة الانسان فعلا؟

الجواب
   الثقافة في ايماننا لها بعدان اساسيان: الثقافة الايمانية، والثقافة العامة. انا ارى ان من الجوهري اليوم ان يكون المؤمن مثقفا ايمانيا بشكل كبير، وخاصة في بلدان الانتشار مثل استراليا ونيوزلندا، لان التحديات التي يواجهها كبيرة جدا ضد كونه مؤمنا. ولهذا سأحاول كل جهدي التركيز على نقل وتوضيح وزيادة الوعي والثقافة الايمانية عند مؤمنينا لأنها سلاحهم الاساسي في حياتهم الحالية. وقد بدأت بمحاضرات اسبوعية عامة للجميع، ونحاول الان تنظيم الامور ليكون هناك شمول لكل الفئات بالتعليم والتعمق الايماني. 
   من جانب آخر هناك الثقافة العامة التي تخص الجوانب الاخرى في الحياة غير الايمانية. هذا البعد للثقافة هو اساسي ايضا لأنه يعطي دافعا للسؤال والاستفسار عن الايمان ويجعل المؤمن متحركا نحو المطالبة بمعرفة اكثر عن ايمانه استنادا الى ثقافته العامة. سنحاول ان نعطي اهمية كبيرة لكل ما يخص هذا الجانب إن كان بالاهتمام بالمكتبات او النشاطات المسرحية او غيرها من الجوانب الاخرى.

س9    ما هي القاعدة الذهبية في حياتك؟

الجواب
    هي القاعدة الذهبية التي قالها الرب يسوع المسيح (اعمل للآخرين ما تريد ان يعمله الاخرين لك).

س10 هل من كلمة أخيرة لإخوتنا في ارض الوطن والمهجر؟

الجواب
 مؤمنينا من ابنائنا في الوطن هم اساسنا وسند لوجودنا كمؤمنين مشرقيين في بلدان الانتشار. ايمانهم وقوة رجائهم تعطي لنا كلنا هنا دافعا لنشر رسالة ربنا بحياتنا ونموذجنا الانساني. لذا نحن ممتنين لهم لوجودهم ولايمانهم. سوف نعمل لك جهودنا – بقدر لامكانيات الموجودة هنا - من اجل ان تكون ظروف حياتهم افضل.

سورة الفاتحة من الآية 1 إلى الآية 2/ عبدالله بدر اسكندر


مكية وآياتها سبع
الفرق بين السور المكية والسور المدنية يكمن في أن السور المكية هي التي نزلت في مكة قبل الهجرة، أما المدنية فهي كل ما نزل في المدينة أو في غيرها بعد الهجرة، بما في ذلك الآيات التي نزلت في فتح مكة أو في الغزوات الأخرى، ويطغى على السور المكية طابع الإيجاز وذلك لأن المخاطبين بها لديهم من الأدوات البلاغية ما يفوق المجتمع المدني الذي يكثر فيه اليهود الذين هم بحاجة إلى شيء من الإسهاب باعتبارهم أقل فهماً في تلقي الخطاب العربي، ومن هنا اقتصرت السور المكية على تبيان الأسس الرئيسة للدين دون الإطناب في تفصيل التشريعات، وهذا يدل على أن سورة الفاتحة هي سورة مكية بجميع آياتها ولا يعتد بقول مجاهد الذي اعتبرها من السور المدنية مخالفاً بذلك الإجماع والحجج الظاهرة في السياقات المكية، وكذا لا يعتد بقول من ذهب إلى أنها نزلت مرتين إحداهما في مكة والأخرى في المدينة، وذلك بدليل قوله تعالى: (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) الحجر 87. وسورة الحجر التي أشارت إلى سورة الفاتحة ووصفتها بالسبع المثاني هي الأخرى مكية بالإجماع وبهذا تسقط حجة من ذهب إلى أن سورة الفاتحة مدنية أو أنها نزلت مرتين فتأمل.
وبناءً على ما تقدم يظهر أن القرآن الكريم كان مجموعاً في عهد النبي (ص) وبهذا يظهر فساد من قال إنه جمع في عهد الصحابة، وما يبين قوة حجتنا ويبرهن على صدق قولنا هو تسمية السورة بفاتحة الكتاب، فإذا لم يجمع القرآن في عهد النبي تكون التسمية باطلة ولم يقل أحد ببطلانها فلاحظ ذلك بدقة وتأمل. فإن قيل: ما معنى تسميتها بالسبع المثاني؟ أقول: فاتحة الكتاب هي المركز والقرار للقرآن الكريم ولذلك فإن آياتها تثنى وتعطف على غيرها من الآيات، والثني هو العطف، كما في قوله تعالى: (ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق) الحج 9. وهذا يوحي أن معنى المثاني هو الاسم المشترك بين القرآن وبين فاتحة الكتاب مما يدل على أهميتها وفضلها على السور الأخرى، علماً أن الله تعالى قد وصف جميع القرآن الكريم بما فيه سورة الفاتحة بالمثاني، كما في قوله: (الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد) الزمر 23.
قوله تعالى: بسم الله: الاسم: لفظ يدل على مسمى، وقال الراغب في المفردات: الاسم: ما يعرف به ذات الشيء وأصله، وقال غيره: إنه مشتق من السمو وتصغيره سمي وجمعه أسماء. انتهى. والسمو: يعني العلو والارتفاع: وكل شيء يعلو بعنوانه واسمه ولا يمكن أن يستدل على ذات الشيء إلا بالرجوع إلى الاسم الذي وضع له، وهو مأخوذ من السمة التي تفيد معنى العلامة. ومن هنا نعلم أن الاسم يوضع للتشريف كما هو الحال في بعض الحضارات التي تطلق أسماء الأشراف على الأماكن المهمة، وذلك تيمناً ببقاء صاحب الاسم وإن كان ميتاً. ولهذا فإن ابتداء سورة الفاتحة باسم الله تعالى يدل على التوجه الصحيح الذي يرشد إلى تعليم الناس كيفية الابتداء باسمه سبحانه في جميع أمورهم الحياتية، كالذبح والأكل وما إلى ذلك من الأعمال التي يقوم بها الإنسان، وقد بين سبحانه هذا المعنى بقوله: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين) الأنعام 118. ومنه تعليم الإنسان كيف يبدأ القراءة، وذلك في قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) العلق 1. ويقول الطباطبائي في الميزان: قد شاع بين المتكلمين في الصدر الأول من الإسلام في أن الاسم عين المسمى أو غيره وطالت المشاجرات فيه، ولكن هذا النوع من المسائل قد اتضح اليوم اتضاحاً يبلغ إلى حد الضرورة ولا يجوز الاشتغال به بذكر ما قيل وما يقال فيه والعناية بإبطال ما هو باطل وإحقاق ما هو الحق فيه، فالصفح عن ذلك أولى، وأما لفظ الجلالة، الله أصله الإله، حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال، وإله من أله الرجل يأله بمعنى عبد، أو من أله الرجل أو وله الرجل، أي تحيّر، فهو فعال بكسر الفاء، بمعنى المفعول، ككتاب بمعنى المكتوب، سمي إلهاً لأنه معبود أو لأنه مما تحيرت في ذاته العقول، والظاهر أنه علم بالغلبة، وقد كان مستعملاً دائراً في الألسن قبل نزول القرآن يعرفه العرب، كما يشعر به قوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) الزخرف 87. وقوله تعالى: (فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا) الأنعام 136. ومما يدل على كونه علماً أنه يوصف بجميع الأسماء الحسنى وسائر أفعاله المأخوذة من تلك الأسماء من غير عكس، فيقال: رحم الله، وعلم الله، ورزق الله، ولا يقع لفظ الجلالة صفة لشيء منها ولا يؤخذ منه ما يوصف به شيء منها. انتهى بتصرف يسير منا.
قوله تعالى: الرحمن الرحيم: رحمن أكثر مبالغة من رحيم وذلك لأن فعلان فيها مبالغة تفوق ما في فعيل، وقدم الرحمن على الرحيم، باعتباره يتناول كل ما عظم من الأمور، أما الرحيم فيتناول دقائقها، واستناداً إلى صيغة المبالغة فإن رحمن يلزم منه الدوام كغضبان، ورحيم بمعنى دائم الرحمة، لأن صيغة فعيل تستعمل في الصفات الدائمة، أي إن الرحمن صفة ذاتية تدل على المنشأ والأصالة، أما الرحيم فإنها تدل على وصول الرحمة إلى المنعم عليه. ومن المواقف الطريفة التي حدثت للزمخشري في معنى المبالغة يقول في تفسيره الكشاف: مما طن على أذني من ملح العرب: أنهم يسمون مركباً من مراكبهم بالشقدف وهو مركب خفيف ليس في ثقل محامل العراق، فقلت في طريق الطائف منهم لرجل ما اسم هذ المحمل؟ أردت المحمل العراقي فقال: أليس ذاك اسمه الشقدف؟ قلت: بلى، فقال: هذا اسمه الشقنداف، فزاد في بناء الاسم لزيادة المسمى وهو من الصفات الغالبة. انتهى. وما ذكره من زيادة بناء الاسم وعلاقة ذلك في زيادة المسمى فهذا مجمع عليه، ولذلك لا يعتد ببضع أسماء تخرج عن القاعدة في إظهار المبالغة للاسم الأقل بناءً، كما ذهب بعض المحدثين إلى عدم الاعتماد على القاعدة بسبب أن حذر أكثر مبالغة من حاذر فتأمل.
قوله تعالى: الحمد لله رب العالمين: الفرق بين الحمد والمدح والشكر يترتب على كون المراد من الحمد لغة: الثناء على عمل اختياري أما المدح فهو الثناء على الممدوح سواء صدر منه عملاً فيه نفعاً للمادح أو لم يكن فيه نفع، كما هو الحال في مدح الإنسان لجماله أو لكرمه وإن لم ينتفع المادح بذلك، وهذا يدل على عموم المدح دون الحمد، أما الشكر، فهو أخص من الحمد والمدح لأنه لا يستعمل إلا في رد الجميل سواء أكان ذلك بالقول أو العمل، كما في قوله تعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) إبراهيم 7. وكذا قوله: (اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور) سبأ 13. والألف واللام في الحمد للاستغراق أي إن كل حمد هو لله تعالى وذلك لما أنعم به على عباده عن اختيار منه. أما مصطلح الرب: فيعني المالك والمربي، ويلزم منه الإضافة إذا أطلق لغير الله تعالى، كأن تقول: رب البيت أو رب العمل وهكذا. وقال الطبرسي في مجمع البيان: الحمد والمدح والشكر: متقاربة المعنى، والفرق بين الحمد والشكر أن الحمد نقيض الذم كما أن المدح نقيض الهجاء، والشكر نقيض الكفران، والحمد قد يكون من غير نعمة، والشكر يختص بالنعمة، إلا أن الحمد يوضع موضع الشكر ويقال: الحمد لله شكراً، فينصب شكراً على المصدر، ولو لم يكن الحمد في معنى الشكر لما نصبه، فإذا كان الحمد يقع موقع الشكر، فالشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب التعظيم ويكون بالقلب وهو الأصل، ويكون أيضاً باللسان، وإنما يجب باللسان لنفي تهمة الجحود والكفران، وأما المدح فهو القول المنبئ عن عظم حال الممدوح مع القصد إليه، وأما الرب فله معان منها السيد المطاع، كقول لبيد:
وأهلكن قدماً رب كندة وابنه... ورب معد بين خبت وعرعر
أي سيد كندة، ومنها المالك نحو قول النبي (ص) لرجل: أرب غنم أم رب إبل، فقال: من كل ما آتاني الله فأكثر وأطيب، ومنها الصاحب نحو قول أبي ذؤيب
قد ناله رب الكلاب بكفه... بيض رهاب ريشهن مقزع
أي صاحب الكلاب، ومنها المربب، ومنها المصلح واشتقاقه من التربية، يقال ربيته ورببته بمعنى، وفلان يرب صنيعته إذا كان ينممها، ولا يطلق هذا الاسم إلا على الله، ويقيد في غيره، فيقال رب الدار ورب الضيعة. و (العالمون) جمع عالم والعالم جمع لا واحد له من لفظه، كالنفر والجيش وغيرهما، واشتقاقه من العلامة لأنه يدل على صانعه، وقيل إنه من العلم لأنه اسم يقع على ما يعلم وهو في عرف اللغة عبارة عن جماعة من العقلاء، لأنهم يقولون جاءني عالم من الناس ولا يقولون جاءني عالم من البقر، وفي المتعارف بين الناس هو عبارة عن جميع المخلوقات. انتهى.
وفيه: إن عدم صحة قولهم جاءني عالم من البقر يرجع إلى الاستعمال الشائع للمصطلح وأنت خبير بأن لغة العرب تميل في الغالب إلى الأدب في التعبير وإلا فالمعنى في نفسه صحيح، ولذلك عدل في آخر كلامه إلى القول المتعارف بين الناس والمراد به التعبير بالعالمين عن جميع المخلوقات، لأن هذا هو الحق، وما يثبت ذلك الحديث الذي دار بين موسى وفرعون، والذي صوره تعالى في قوله: (قال فرعون وما رب العالمين) الشعراء 23. فأجابه موسى كما في قوله تعالى: (قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين) الشعراء 24. ثم أخذ موسى بإرجاع فروع الخلق إلى هذا الأصل، وذلك في قوله تعالى حكاية عنه: (قال ربكم ورب آبائكم الأولين) الشعراء 26. وكذا قوله: (قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون) الشعراء 28. وبهذا تدخل جميع الأشياء التي ذكرها موسى في معنى رب العالمين.

من كتابنا: السلطان في تفسير القرآن