سورة البقرة: الآيات 122- 123/ عبدالله بدر اسكندر

النداء القاصر الذي يلهج به أعداء الدين لا يحتاج إلى إظهار مسبباته بالقدر التكليفي المتخذ سلفاً على عامة الناس، وذلك كون أصحاب الدعوة لا يهدفون من خلال أفعالهم إلا إلى إبعاد أتباعهم عن الطريق الموصل إلى الحق سبحانه، ولهذا نرى أن تطبيقات أقوالهم قد تخرج عن المألوف في كثير من الأحيان بذريعة ما ينسب إلى الله تعالى من الامتنان الجزافي في تعداد النعم حسب ما يؤول إليه ظنهم، ولكي نبين حصيلة أخطاء هؤلاء الناس يجب أن نجعل القيود التطبيقية تأخذ مجراها الحقيقي من بين الحيثيات المتفرقة التي يتعرض إليها القرآن الكريم، علماً أن هذا الأمر لم يكن بدعاً في الترغيب المقصود من شكر النعم أو الترهيب الذي يرافق الكفر بها، إذا علمنا يقيناً أن القلوب قد يصيبها الصدأ إن لم يطرأ عليها التذكير الموافق لفطرة الله التي فطر الناس عليها، وبهذا ينتفي أصل النداء الذي أرادوا تصنيفه ضمن المداخل العلمية أو الفضائل التي تم وضعها في غير أماكنها لأجل إبطال الحق، ومن هنا نجد أن جميع السبل المتبعة عنوة بهذا الاتجاه لا تقوم مقام المدار الإيماني المتكفل بإظهار النعم على الوجه المقرر في كتاب الله تعالى.
وتأسيساً على ما قدمنا نستطيع القول إن الأحداث البيانية التي أشار إليها الحق سبحانه هي الأصل في ذكر الأسباب المباشرة لتعداد النعم التي تطرق إليها القرآن الكريم مع ملاحظة عدم الأخذ بالآراء السقيمة التي تصل إلينا عن طريق المصادر البعيدة عن الصواب، وبهذا نعلم أن اتباع الضوابط الشرعية يقتضي التذكير بنعم الله جل شأنه دون الاعتماد على الأحاديث الواهية أو الأفكار الباطلة التي ينشرها بعض الناس، وخلاصة الأمر أن التذكير بالنعم لا يخرج عن كونه من السنن الإلهية التي أشار إليها القرآن الكريم وقد ورد تفصيلها على لسان مجموعة من الأنبياء، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره سبحانه حكاية عن موسى في قوله: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين) المائدة 20. وكذا ما ورد على لسان هود في قوله تعالى: (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون) الأعراف 69. وكذلك نجد هذا التذكير على لسان صالح في قوله تعالى: (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين) الأعراف 74.
ومن مجموع الآيات نستخلص مدى أهمية التوجيه الملازم للأقوام الذين أرسل الله تعالى إليهم الأنبياء ما يجعل تذكيرهم بالنعم هو السبيل إلى تخويفهم من الأخطار القادمة إليهم جراء كفرهم بتلك النعم، وهذا أقرب إلى التحذير المرحلي المصاحب للإنذار الموجه إليهم، ومن هنا نعلم أن ذكر النعمة والإشارة إليها بمختلف الوسائل يمهد الطريق لشكرها، لأجل أن يظل الإنسان سائراً في صحبة دين الحق، ومنقطعاً بين الرجاء والخوف، وهذا ما يستنتج من الأغراض الأساسية التي جعلها الله تعالى تحاكي واقع الأمم عبر التأريخ لكي تضمن رجوعها إلى الحق جل شأنه من خلال الترغيب والترهيب كون الإنسان إذا ترك  وشأنه فربما ينسى أو يتناسى نعم الله تعالى، وبالتالي فقد يلجأ إلى قوته الوهمية ويؤمن باستقلالها عن القوة المطلقة التي ترفده في جميع حالاته واتجاهاته، ولذلك فهو ينزع إلى الاستكبار والاستعلاء، وقد أشار سبحانه إلى هذا المعنى بقوله: (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوساً) الإسراء 83. وكما ترى فإن هذا الصنف من الناس سوف يؤدي بهم الإعراض إلى تغيير ما بأنفسهم نحو الأسوأ، كما في قوله عز من قائل: (ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الأنفال 53. وقد يرد هذا البيان إلى الكبرى الكلية التي ذكرها تعالى بقوله: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد 11.
من هنا نرى أن للنعمة مجموعة من المصاديق ترد إلى المفهوم العام وقد تتفرق في تطبيقاتها، فتارة نلاحظ أن الحق سبحانه يذكر المؤمنين بدفع الأخطار عنهم، وتارة يشير إلى نعمة التأليف بين قلوبهم، ويشهد للمصداق الأول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) المائدة 11. وكذا قوله: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً) الأحزاب 9. وكما ترى فإن مقتضى السياق اللفظي في الآيتين يبين مدى تفضل الحق سبحانه على المؤمنين بنعمة دفع الأخطار عنهم لأجل أن يشكروا الله تعالى، وهذا هو المغزى الفعلي الناتج عن التذكير بالنعم لكي يستقر الإيمان في القلوب الطاهرة، ما يؤدي إلى إظهار دين الله في الأرض وعدم الالتفات إلى ما كان يلهج به أصحاب النداء القاصر الذين أشرنا إليهم في أول البحث.
ويشهد للمصداق الثاني قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) آل عمران 103. وكذا قوله: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) الأنفال 26. وقوله تعالى: (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين... وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) الأنفال 62- 63. وكما ترى فإن المشهد البياني الذي ورد في الآيات يذكر المؤمنين بأكبر نعم الله تعالى، وأنت خبير بأن هذه النعم قد تفوق النعم المادية إذا ما نظرنا إلى استضعافهم في الأرض وما يلحق بهم من تفرق القلوب وعدم إيجاد السبيل الأمثل للتأليف بينها، كل ذلك يجعل المؤمنين في شقاق لا تنفك لوازمه، وبالتالي تكون أمة الرسالة قد اتبعت السبل التي تباعد بينها وبين سبيل الله تعالى، ومن هنا ذكرهم الحق سبحانه بنعمه عليهم من أجل أن يتوبوا ويرجعوا إليه جل شأنه، وإذا ما تم هذا الأمر فبلا أدنى ريب ستكون أمة الرسالة هي أفضل الأمم، وبالتالي يصدق عليها قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) آل عمران 110. ولو تأملنا في الآيات التي تذكر المؤمنين بنعم الله تعالى عليهم نجدها تتطابق فعلياً مع النعم التي امتن بها سبحانه على بني إسرائيل، وسنتعرض لهذا المعنى في المساحة المخصصة للتفسير.
تفسير آيتي البحث:
قوله تعالى: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين... واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون) البقرة 122- 123. نلاحظ في الآيتين إرجاع الكلام إلى الخطاب الأول الذي وجهه تعالى لبني إسرائيل والذي ذكرهم من خلاله بالنعم التي تفضل بها عليهم، لا سيما نعمة تفضيلهم على عالمي زمانهم، ومن مصاديق تفضيله تعالى إياهم بأن جعل فيهم النبوة والحكم وأنزل إليهم الكتب كما في صريح القرآن الكريم، ثم أشار سبحانه إلى اليوم الذي لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئاً وهو يوم القيامة، وكذا لا يقبل منها عدل أي فدية ولا تنفعها شفاعة إلا بإذن الله تعالى، وتذكيرهم بيوم القيامة وعطفه على النعم التي أنعمها سبحانه عليهم لا يراد منه إلا إلزامهم بالشكر والرجوع إلى الله تعالى بعد ظهور الانحراف السافر في معتقداتهم، وقد مر عليك تفصيل هذا المعنى في تفسير الآيتين 47- 48. من السورة نفسها، ومن أراد المزيد فليراجع. 

من كتابي: السلطان في تفسير القرآن
              

كنوز السماء/ نسيم عبيد عوض

فى العهد القديم وحتى يعطى الله شريعته ووصاياه لشعبه يقول الكتاب " قال الرب لموسى إصعد إلي  إلى الجبل وكن هناك فأعطيك لوحي الحجر والشريعة والوصية التى كتبتها لتعليمهم."خر24: 12‘وفى ملء الزمان  جاء الرب يسوع المسيح الله الكلمة ‘ ليعطينا شريعته السماوية للعهد الجديد ‘ فيقول الكتاب" ولما رأى الجموع صعد الى الجبل.فلما جلس تقدم إليه تلاميذه.ففتح فاه وعلمهم قائلا‘ وبدأ الموعظة على الجبل بالتطويبات ‘ ثم منحهم هبة أن يكونوا ملح للأرض ونورا للعالم ‘ وأكمل ناموسه بتكميل شريعة العهد القديم ‘ فيقول قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل .ومن قتل يكون مستوجب الحكم أما أنا فاقول لكم ان كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم‘ وهكذا أعطاهم شريعة العهد الجديد ‘وأنهى كلامه بقوله" فكونوا انتم كاملين كما أن اباكم الذى فى السموات هو كامل." مت 5: 48. وقد أوضح الرب عدة مبادئ مهمة فى تفسيرة لشريعة ودستور العهد الجديد عهد النعمة والحق :

1- أنه الكلمة الإلهية فى العهدين" لا تظنوا انى جئت لأنقض الناموس او الأنبياء ‘ ماجئت لانقض بل لاكمل."

2- كلامه ثابت الى الأبد  لا ينتقص ولا يزول" الى ان تزول السماءوالأرض لا يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل."

3- العمل بوصايا الله "لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية.واما الآن فليس لهم عذر فى خطيتهم." يو15: 22.

4- أن فى يده الدينونة" لأن الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للأبن." يو5: 22.

وفى الجزء الثانى من الشريعة قدم لنا أركان العبادة التى هي الصدقة والصلاة والصوم ‘ وطالب المؤمنين بان يكون هدفهم فى العبادة " أن أبوك الذى يرى فى الخفاء  هو يجازيك علانية."

كنوز السماء

فى بداية القداس الإلهى يسأل الأب الكاهن الشعب ‘ أين هي قلوبكم ؟ فنصرخ ونرد عليه " هي عند الرب " ‘ وهذا هو الجزء الثانى المكمل للعبادة المسيحية  وهو فصل إنجيل الأحد الأول من الصوم الكبير" لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ‘ وحيث ينقب السارقون ويسرقون‘ بل إكنزوا لكم كنوزا فى السماء‘ حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون ‘ لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا." والحياة التى يرغبها لنا الرب هي الحياة الأفضل فى ظل الإيمان المسيحى الحق ‘ كقوله الكريم" وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل." 10: 10 ‘ والحياة الأفضل هى الحياة الأبدية السماوية ‘ وليس كحياة الناس على الأرض الذين هدفهم إرضاء الأرضيين‘ بل عبادتنا لابد أن تكون سماوية ‘ بمعنى أن مانفعله على الأرض يكون هو أساس حياتنا فى بيتنا السماوى ‘ فما نحن إلا غرباء على الأرض نسعى ونجاهد لكي نكلل فى السماء. ولذلك كانت تعاليم الرب يسوع هدفها واحد "ان لنا بيتا فى السماء

  1-  " انا أمضى لأعد لكم مكانا .وإن مضيت واعددت لكم مكانا آتى أيضا وأخذكم الي حتى حيث أكون انا تكونون أنتم أيضا."يو14: 2و3 ‘   2 -   وهذا مارد به الرب يسوع للشاب الذى سأله ماذا أعمل لتكون لى الحياة الأبدية؟ قال له يسوع ان اردت أن تكون كاملا فاذهب وبع املاكك واعط الفقراء فيكون لك كنز فى السماء." مت 19: 21‘

   3- وهذا ماقاله الرب لتلاميذه عندما جاؤااليه فرحين" حتى الشياطين تخضع لنا باسمك ‘ بل إفرحوا بالحري ان أسماءكم كتبت فى السموات."لو10: 20‘

  4-  وفى مثال مال الظلم قال الرب" وانا أقول لكم اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتى إذا فنيتم يقبلونكم فى المظال الأبدية." لو16: 9‘ فهناك أناس لن يقبلون فى الأبدية لأنهم لم يصنعوا لهم كنوزا فى السماء فى حياتهم على الأرض ‘ وهذه هى كنوز السماء التى هى حيث يكون قلبك فى السماء.البر والتقوى والإيمان والمحبة والصبر والتواضع والوداعة‘  وأعمال الرحمة والعطاء والبذل لأخوة الرب كنوز فى السماء ‘ ولذلك تسبحتنا المفضلة فى أيام الصوم

" طوبى للرحمى على المساكين فان الرحمة تحل عليهم والمسيح يرحمهم فى يوم الدين ويحل بروح قدسه فيهم"‘ والقديس أغسطينوس يقول" الفقراء ليسوا إلا حمالين ينقلون أمتعتنا من الارض الى السماء.إذا فلتعطوهم مالديكم فانهم يحملونها الى السماء ‘ وتذكروا قول الرب " تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملك المعد لكم...لأنى جعت فأطعمتمونى ...وكل مافعلتم بأحد إخوتى الأصاغر هؤلاء فبى فعلتم." مت25. (قصة بطرس العابد)

دستور الرب لملكوته

بعد أن وجه الرب إهتمامنا بالسماء ‘ وتعليمنا أن كل خدمة وعمل وفكر بل كل حياتنا على الأرض لها هدف واحد فقط هو أن يوصلنا الى بيتنا السماوى ‘ كقول معلمنا بولس الرسول" فلنا فى السموات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد أبدي." ‘ " فنثق ونسر بالأولى ان نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب." 2كو5: 1و8‘ وفى هذا الفصل من الإنجيل يحدد لنا الرب مواد دستوره للوصول الى ملكوته فى السماء على النحو التالى:

1- سراج الجسد هو العين

بالعين الجسدية نرى النور ‘ وهذا ينير الجسد كله ‘ ولكن بشرط أن تكون العين بسيطة‘ بمعنى ليس فيها ظلمة الشرور ‘ بل تكون مرشدا للجسد كله  فى عبادته وسلوكه وأحاسيسه ومشاعره نحو السماويات ‘ ولا تنظر الى الأرض وأمجاده الزمنية الباطله ‘ وهى البصيرة الداخلية والنية الصالحة والقلب المستنير ‘ ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم" كثيرون قد ملأوا سفينتهم بذهب الصدقة والصلاة والصوم وظنوا انها الأعمال الصالحة التى توصلهم الى بر الأمان ‘ ولكن بسبب فساد قلبهم وظلمة بصيرتهم الداخلية يبقون بعيدا عن الميناء وتغرق سفينتهم بكل ما فيها."  والقديس أغسطينوس" العين البسيطة بنية القلب الداخلى التى تقود كل تصرفاتنا‘ فيجب ان تكون كل افعالنا نقية ومرصية فى نطر الله إن صنعناها بقلب بسيط‘ هدفنا فيها سماويا‘ وهنا نفهم العين البسيطة أنها النية النقية السليمة ‘ الناظرة للسماويات ‘ فستكون كل أعمالنا صلحة ‘"جسدك كله" ‘ والعين البسيطة أيضا تشير الى روح التمييز أو الحكمة التى تقود أفكارنا وأعمالنا.

2- محبة الله وليس محبة المال

العدو الأول لحياتنا الروحية التى تجاهد للوصول الى بيتنا الأرضى هو محبة المال‘ التى تبعدنا عن محبة الله ‘ وهذا مايعلمه لنا معلمنا بولس الرسول فى رسالته لتلميذه تيموثاوس " لأن محبة المال هى أصل كل الشرور إذا إبتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة ‘ وأما أنت ياإنسان الله فاهرب من هذا وأتبع البرالتقوى الإيمان والمحبة والصبر والوداعة ."1 تيمو6: 10-12. وقد كان آبائنا الأولين إبراهيم وإسحق ويعقوب وأيوب أغنى الناس ولكن محبة هى التى قادتهم الى السماويات.

3- الله يهتم بنا

يعلمنا الرب يسوع أن لا تكون شهوة تعظم المعيشة من أكل وشرب ولباس هى كل مايهمنا ويشغل حياتنا بعيدا عن الله ‘ والله بطبيعته يعتنى بنا حتى لو لم نطلب كقوله الطاهر" لان أباكم السماوى يعلم انكم تحتاجون الى هذه كلها." ‘ فالحياة الأفضل التى يريدها لنا الرب هى فوق كل شيئ ‘ فالطيور لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع لمخازن‘ وأبوكم السماوى يقوتها‘ أبينا السماوى هو يقوتها فهل يتخلى عن الإهتمام بأولاده‘ وحياة النمو والنضوج يعطيها لنا الرب بدون سؤال منه ‘ وأعطى الرب مثلا بلباس سليمان الملك ‘ بل بزنابق الحقل التى تنمو عشوائيا حول الحقول ‘ ومن الطبيعى جدا أن يهتم الله بنا نحن أولاده بكل هذه ‘ كقول المرتل" ألق على الرب همك فهو يعولك.لا يدع الصديق يتزعزع الى الأبد."مز55: 22 ‘والشك فى ذلك هو قلة إيمان( ياقليلى الإيمان) .

4- اطلبوا ملكوت الله وبره

يطالبنا الرب ان يكون دستور حياتنا على الأرض له هدف واحد هو ملكوت الله ‘ أن يملك على حياتنا ويسكننا معه فى ملكوته فى السماء ‘ ونطلب الخيرات السمائيه ‘ نعمل للطعام الذى للحياة الأبدية عيوننا على الحياة الأبدية ‘ وتجهيز بيتنا السمائى بكل الفضائل المسيحية‘ ووعد الله لنا"هذه كلها تزاد لكم "

ونطلب من إلهنا الصالح أن يثبت ويقوى إيماننا ويقودنا فى فترة هذا الصوم المقدس نحو النقاوة والنية والضمير الحسن ‘ ويرفع عنا شهوة مطالب المعيشة ويجعل أعيننا مرفوعة دائما الى السماء‘  ويقودنا فى موكب نصرته للسماويات.ولإلهنا المجد الدائم .أمين. 


تنظيم الدولة الإسلامية ينشر تسجيلا مصورا "لمفجر" الكنيسة البطرسية في مصر

بي بي سي ـ
نشر تنظيم الدولة الإسلامية تسجيلا مصورا هدد فيه أقباط مصر وعرض ما وصفه بأنه الرسالة الأخيرة لمنفذ الهجوم على الكنيسة البطرسية بالقاهرة الذي أودى بحياة ٢٩ شخصا أواخر العام الماضي.
وظهر في التسجيل المصور، الذي بث الأحد، رجل ملثم يقول التنظيم إنه منفذ الهجوم واسمه أبو عبدالله المصري، وهو يحض المسلحين الموالين للتنظيم في مختلف أنحاء العالم على "تحرير الإسلاميين المعتقلين في مصر".
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أشار إلى أن الانتحاري الذي نفذ الهجوم على الكنيسة يدعى محمود شفيق، وهو طالب في ال 22 من العمر. وكان اعتقل لمدة شهرين في عام 2014 قبل أن ينظم إلى خلية تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في سيناء.
ويتناقض الاسم الحركي لمنفذ الهجوم في التسجيل وهو ابو عبد الله المصري، مع الاسم الحركي الذي سبق أن اعلنته السلطات المصرية لشفيق وهو أبو دجانة الكناني.
وهدد المصري في حديثه بالقيام بعمليات مسلحة لإطلاق سراح المعتقلين الإسلاميين الذين وصفهم بقوله "إخواني الأسرى"، مضيفا "قريبا سنحرر القاهرة ونأتي لفكاك أسراكم ونأتي بالمفخخات".
واستهدف الهجوم الذي وقع في ديسمبر/كانون الأول المصلين المسيحيين اثناء قداس في الكنيسة البطرسية الملحقة بالكاتدرائية المرقسية، مقر بابا الأقباط الأرثوذكس، والتي تتمتع بحماية كبيرة في حي العباسية في القاهرة.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن الأقباط يشكلون نسبة 10 في المئة من سكان مصر البالغ عددهم 92 مليون نسمة، وبذلك يمثلون أكبر مجتمع للمسيحيين في الشرق الأوسط.
وقد وصف تفجير الكنيسة البطرسية بأنه أكثر الهجمات التي وقعت في مصر، خارج شبه جزيرة سيناء، دموية.
وعندما أعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجوم أصدر بيانا حمل اسم "الدولة الإسلامية في مصر" بدلا من ولاية سيناء المعتمد في بيانات سابقة، الأمر الذي فسره بعض المراقبين بأنه اعلان عن توسيع عمليات التنظيم لتشمل عموم مصر.
وقد تحدثت السلطات المصرية أواخر العام الماضي عن صلة منفذ الهجوم بجماعة الأخوان المسلمين، الأمر الذي نفته الجماعة معلنة إدانتها للهجوم ومتهمة حكومة الرئيس السيسي بالفشل في حماية الكنيسة من الهجمات الإرهابية.
وبحسب رواية وزارة الداخلية المصرية، تنقل محمود بين عدة مناطق خارج الفيوم، أبرزها سيناء للتدريب في معسكرات ما يعرف بتنظيم أنصار بيت المقدس، وكان هناك خلال الشهرين الماضيين قبل وصوله إلى القاهرة.
كما أعلنت النيابة المصرية حينها أنها كشفت عن جثة الانتحاري وكان ما تبقى منها رأس وقدمان وتم تمييزه عن طريق وجود شعر بالقدم.
وقد تصاعدت حدة هجمات تنظيم الدولة الإسلامية ضد القوى الأمنية المصرية في شمالي سيناء بعد إعلان السيسي، الذي كان وزيرا للدفاع وقائدا للجيش، يوليو/ تموز 2013 عن عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، إثر احتجاجات حاشدة شهدتها مصر منتصف عام 2013.
كما تعرض بعض الكنائس القبطية إلى اعتداءات وتدمير في مناخ التوتر الذي اعقب الاطاحة بمرسي وفض السلطات المصرية اعتصامات أنصار جماعة الإخوان المسلمين في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر في أغسطس/ آب من ذلك العام.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن حوالي 42 كنيسة وممتلكات مسيحية تعرضت للنهب والسلب في أنحاء البلاد، وأن أربعة أشخاص بينهم مسلمون قتلوا وأصيب عشرات. وحملت المنظمة تيارات إسلامية متطرفة مسؤولية ما حدث.
وتنتقد المنظمة أيضا ما تصفه بحملات القمع ضد المعارضين في مصر خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
مواضيع ذات صلة

قدسوا صوما/ نسيم عبيد عوض

الصوم أقدم وصية عرفها الانسان عندما أمر الرب آدم بعدم الأكل من شجرة معينة(تك 2: 16 و 17) وحكمة الصوم هنا إن الانسان بالإمتناع عن الاكل يرفع نفسه فوق الجسد ويرتفع فوق متطلبات المادة ‘ والتى إذ خالفها آدم  بإنهزامه أمام شهوات الجسد فسقط فى المعصية والتعدى على وصية الله.

ولذلك عندما جاء الرب يسوع المسيح ليردنا الى رتبتنا الأولى بدأ حياته على الارض بالصوم وهزم الشيطان بتلك الوصية" ليس بالخبز وحده يحيا الانسان‘ بل بكل كلمة تخرج من فم الله. مت4: 4" وهى وصيته فى العهد القديم (تث 8: 3)

إذا الصوم هبة من الله ‘ وليست فقط وصية بل هبة ونعمة وبركة‘ فمن أجل نمونا الروحى نحو حياة أبدية نصوم  ‘ ونلاحظ ان الصوم ضرورى قبل ممارسة كل أسرارالكنيسة ‘ ولكن فى سر الاعتراف ماأجمل ان يأتى المعترف وهو صائم ‘ وقد أعفى الرب يسوع المتزوج من الصوم بقوله" لا يستطيع بنو العرس أن يصوموا مادام العريس معهم.مر 2: 19" ويمنع الزواج عموما  فى الأصوام  ‘ لأن بركات الروح القدس التى ينالها المؤمنون فى السر الكنسى تستقبل بالصوم‘ إلا فى حالات إستثنائية.

بالصوم يتدخل الله .. وقد جربته الكنيسة فى كل عصورها ‘ نحميا ‘ عزرا ‘ دانيال ‘ الملكة أستير ‘ وصام الشعب كله فى الاسكندرية فى عمق مشكلة آريوس ‘ وأصبح الصوم عقيدة راسخة فى ضمير الكنيسة

فالصوم هو أعظم فترة لإدخال الله فى حياتنا وفى كل خطواتها على الارض ‘ فالقلب المنسحق بالصوم يستمع لصوت الله وكما ورد فى سفر أعمال الرسل " وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس  افرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما اليه‘ فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الايادى ثم أطلقوهما. "أع 13: 2و3

وكما قال القديس مار اسحق ..ليس الصوم علاقة بين الانسان والأكل ولكنه علاقة بين الانسان والله ‘ وكقول القديس الانبا شنودة الثالث فى كتابه روحانية الصوم " هى فترة يقترب فيها الناس الى الله ‘ ويقترب فيها الله من الناس ‘ ويستمع الى أنينهم..وبالصلاة والصوم يكون صراخ القلب الى الله لكى يدخل الله مع الانسان فى حياته اليومية.وبالصوم الحقيقى يستطيع الانسان ان يحنن قلب الله .

كل سنة وأنتم طيبين اليوم أحد رفاع الصوم الكبير ‘

علمونا أهالينا أنه فى أحد الرفاع تنصب موائد الوز والبط والمشتهيات قبل الصوم ‘وفى منتصف الليل ترفع كل هذه المشتهيات ويحل محلها بعد الصوم الإنقطاعى اكلات نباتية‘  وفى رأيي ان المعنى أننا يجب أن ندخل أسبوع الإستعداد السابق للأربعين المقدسة برفع كل معوقات الصوم الحقيقى المخصص للرب ‘ بمعنى أننى فى هذا الأسبوع :

1- أجهز قلبى للنقاوة وأرفع عنه كل المبغضات فلا يعقل أن أظل مخاصما لأحد ‘ بل يجب أن يحتوى القلب على حب كل الناس ‘ حتى يستحق ان يحتوى كل الحب لله ‘ "إن قدمت قربانك وهناك تذكرت ان لأخيك شيئا عليك‘ فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولا اصطلح مع أخيك ‘ وحينئذ تعال وقدم قربانك."مت5: 23و24.

2- أجهز نظرى وعيناى فيجب ان أدرب عينى أن تكون بسيطة ‘ لا ترى عيوب الغير بل ترى كل شيئ جميل ‘لأن سراج الجسد هو العين ‘فإن كانت عينك بسيطة يكون جسدك كله نيرا‘  وأجهز سمعى لكلمة الله وليس للكلام البطال.

3- أحل كل رباطات الخطايا بمعنى أفك كل مايربطنى بخطية معينة أكررها ‘ وأعاهد نفسى على محاولة التخلص من هذه الخطية ‘ مثل الكذب ‘ الإدانة وهكذا. ونلاحظ أن رب المجد يسوع لم يصوم الأربعين يوما إلا بعد معموديته من يوحنا  ( وهى معمودية التوبة) وطبعا ربنا ليس محتاجا الى معمودية ولا توبة لأنه بلا خطية ‘ ولكنه يقدم هذا لحسابنا ولتعليمنا كيف نعتمد وكيف نصوم .

4- لا تهتموا بماذا نأكل وبماذا نشرب او بماذا نلبس ‘فان هذه كلها تطلبها الأمم‘ لان أباكم السماوى يعلم انكم تحتاجون الى هذه كلها ‘ لكن اطلبوا اولا ملكوت الله وبره‘ وهذه كلها تزاد لكم."مت6: 31و32 

وفصل إنجيل هذا الصباح من بشارة معلمنا متى البشير اصحاح 6 وهو جزء من الموعظة على الجبل ‘ تعاليم ووصايا الرب لنا فى العهد الجديد ‘ وهو هنا يعلمنا كيف نصلى وكيف نصوم وكيف نكون رحماء بالصدقة ‘ وفى تعاليم ربنا يسوع المسيح عن هذه الاركان الثلاثة نلاحظ خيطا واحدا يربطها ببعض وهو ان الصدقة والصلاة والصوم يجب:

1- تكون لأبوك الذى فى الخفاء وهو يجازيك علانية.

2- فانه ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم ايضا ابوكم السماوى ‘ وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم ايضا زلاتكم .

3- لا تكونوا كالمرائين فى الصدقة والصلاة والصوم

4- متى صمتم فلا تكونوا عابسين

 وفى مزامير هذا الصباح المبارك تشترك فى نفس وصايا الرب:

ففى مزمور باكر " اعبدوا الرب بالفرح وادخلوا أمامه بالتهليل. لأننا نحن شعبه وغنم رعيته .

وفى مزمور القداس  " أعبدوا الرب بخشية وهللوا له برعدة.

ونحن سنبدأ صوم الخمسة وخمسين يوما الصوم الكبير ‘ المتضمن صوم الأربعين الذى صامه الرب عنا ‘ الصوم المقدس ‘ وأسبوع الآلام ‘ الخزين الروحى للسنة كلها ‘ قدس أقداس العام كله.

ونلاحظ أنه على جبل التجلى وقف ثلاثة يضيئون بنور مجيد ...وهؤلاء الثلاثة قد صاموا الأربعين يوما والأربعين ليلة..:

السيد المسيح له المجد (مت 4: 2) " فبعدما صام اربعين نهارا واربعين ليلة.."وغلب الشيطان لحسابنا

والثانى موسى النبى (خر34: 28) " وكان عند الرب اربعين نهارا واربعين ليلة لم يأكل خبزا ولم يشرب ماء.فكتب على اللوحين كلمات العهد الكلمات العشر."

وإيليا أيضا (1مل 19: 8) " فقام واكل وشرب وسار بقوة تلك الأكلة اربعين نهارا واربعين ليلة الى جبل الله حوريب."

والعامل المشترك هنا هو قهر الجسد بالصوم وبه تتجلى الروح ويتجلى الجسد .. وهنا فى ملكوت الله وعلى مرأى من الثلاثة التلاميذ بطرس ويعقوب ويوحنا يريهم الرب ان النفوس التى ستتجلى معه فى الابدية هى التى قهرت الجسد بالصوم 

المفهوم الروحى للصوم

يقول الرب فى يوئيل 2: 12و13" ارجعوا الى الرب بكل قلوبكم بالصوم والبكاء والنوح‘ ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا الى الرب الهكم.." اضربوا بالبوق فى صهيون ..قدسوا صوما ..نادوا بإعتكاف.."

والبوق فى العهد القديم كان يستخدم فى حالتين فقط ..الأعياد ..والحروب ..وهنا المعنى المقصود بضرب البوق .. الفرح بالصوم ..والاستعداد بالجهاد  للحروب الروحية

وقد لاحظنا إختيار كنيستنا لمزمور باكر..اعبدوا الرب بالفرح ..وفى مزمور القداس ..اعبدوا الرب بخشية وهللوا برعدة ..

الفرح بالصوم

الانسان فى هذه الفترة الروحية يفرح فى الصوم بالصوم ,,وفى وصية ربنا اليوم " ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين.." ونحن فعلا نفرح بالصوم أكثر مانفرح بالأكل والشرب فى الأعياد ..والقبطى يصوم أكثر من ثلثى السنة ..فهناك 7 أصوام طول العام أذكركم بها 1- الصوم الكبير       2- صوم الميلاد 3- صوم الرسل 4-صوم يونان 5- صوم العذراء مريم 6- صوم برمون الميلاد والغطاس 7- صوم الاربعاء والجمعة كل اسبوع. وهناك الغالبية التى تشتاق دائما للصوم وهم فرحانين بتلك الفترات .وهناك آبائنا الرهبان الذين جعلوا الصوم منهج حياتهم ..فالصوم الحقيقى يساعد على ضبط النفس ويستمر معه الانسان كمنهج حياة

وفى الصوم تكثر الحروب الروحية

الصوم الحقيقى ليس مجرد فضيلة للجسد بعيدا عن الروح ..

بل الصوم الحقيقى هو عمل روحى داخل القلب أولا

وعمل الجسد فى الصوم هو استعداد لعمل الروح..او هو تعبير عن مشاعر الروح

الصوم ليس جوعا للجسد بل هو غذاء للروح

الصوم ليس هو الجسد الجائع بل هو الجسد الزاهد

الصوم هو فترة ترتفع فيها الروح وتجذب الجسد معها.

.فترة روحية يقضيها الجسد والروح معا فى حياة روحية فائقة..فنحن عندما نصلى ليس فقط بجسد صائم ولكن بنفس صائمة كقول الكتاب    " فإن الذين هم حسب الجسد فيما للجسد يهتمون ‘ ولكن الذين هم حسب الروح فيما للروح يهتمون."رو 8: 5‘ وأيضا " إهتمام الجسد هو موت لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله." رو8: 6و7‘ وأيضا" إذن لا شيئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع ‘ السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح."رو8:1." فاذا ايها الاخوة نحن مديونون ليس للجسد لنعيش حسب الجسد ‘ لانه ان عشتم حسب الجسد فستموتون ‘ ولكن ان كنتم بالروح تميتون اعمال الجسد فستحيون‘ لأن كل الذين ينقادون بروح الله فؤلئك هم ابناء الله." رو8: 12-14.

قدسوا صوما

أى خصصوا الصوم ليكون للرب فلذلك نقول الصوم المقدس أى المخصص للرب فأيام الصوم ليست للعالم علاقة بها ولكنها من نصيب الرب ‘ فنحن لا نصوم لمجرد انه طقس لأن الصوم ليس هدف فى حد ذاته بل هو وسيلة جسدية للإنتفاع الروحى ‘ ولتقويم السلوك فى الحياة ‘ وللتخلص من خطايا كثيرة ‘ ولإزدياد الرابطة بالله وكلمته ‘ فتقديس الصوم يصحبة إعتكاف النفس قدر ما تستطيع مع الله فى خبرة روحية عميقة.

ليس الصوم هو مجرد حرمان الجسد وإذلاله ‘ أو لمجرد إرضاء النفس ‘ او للتمشي مع عادة المجتمع الكنسى ‘ فالهدف السليم للصوم من أجل محبتنا لله ‘ ومن أجل ان يقربنا لله ‘ فالصوم ليس مجرد علاقة بين الانسان والطعام بل الانسان ولله ‘ فنحن من أجل الله نأكل ومن أجل الله نصوم ‘

فالصوم الذى ليس لأجل الله باطل‘ 

والصوم البعيد عن حياة التوبة هو صوم غير مقبول

والصوم البعيد عن الرحمة والصدقة ليس صوما لله

والصوم الذى لكسب مديح الناس مرفوض

فالصوم ليس هو تغيير طعام بطعام بل:

1- تخصيص القلب والفكر لله

2- فالإرادة لله أولا ولا تشرد إرادتى عن إرادة ومشيئة الله

3- الحرص ان أخرج من الصوم بتغيير ملحوظ فى سلوكياتى ونمط حياتى ..الحياة الى الأفضل

4- لا تأخذ من الصوم شكلياته بل العمق الروحى للصوم ..فهى فترة مثالية تحتاج الى تدبير روحى يتفق مع قدسية الصوم

5- يكون القلب ملتصق بالله ولا يكون الفكر منشغلا بشيئ غير الله‘ ومن الحروب الروحية الإنشغال بمشاغل الدنيا وهموم المعيشة التى تسحب أفكارنا أثناء الصوم ‘ بل دائما نقول جعلت الرب أمامى فى كل حين ‘فى كل كلمة وهمسة وفكرة وعمل أعمله فان كان الله بعيدا عن فكرك فلست تحتسب صائما.

6- لا تجعل مسئولياتك تطغى على علاقتك بالله ‘ وكل فكر لا يرضى الله إبعده عنك ‘ وأشرك الله معك فى كل أفكارك

فترة الصوم تكون فترة غذاء  روحى

 ..فكما يحتاج الجسد لغذاء كذلك الروح .. كقول الرب " طوبى للجياع والعطاش الى البر لأنهم يشبعون." مت5: 6...وغذاء الروح هو:

الصلاة فى إعتكاف ‘ التأمل فى معطيات الله لى ‘ قراءة الكتاب المقدس ‘ ولقراءات روحية مثل سير القديسين ‘ إجتماعات دروس الكتاب المقدس ‘ المطانيات ‘ التناول من جسد الرب ودمه ‘ فالروح إذا تغذت تساعد الجسد على تحمل التجارب والمشقات والأمراض.

الصوم تصحبه الصلاة والعبادة الروحية

‘ فالصوم بدون صلاة يكون عمل جسدانى ويفقد طابعه الروحى وبالتالى فائدته الروحية ‘ والكنيسة تعلمنا ارتباط الصوم بالصلاة ‘ ودائماتقول بالصلاة والصوم ‘ والرب يسوع المسيح علمنا " عن إخراج الشياطين " هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاةوالصوم" فالاصوام المشهورة فى الكتاب المقدس مرتبطة دائما بالصلاة: مثل نحميا الذى يقول " جلست وبكيت ونحت أياما وصمت وصليت .." نح1: 4‘ وصوم عزرا كان مصحوبا بالصلاة " وناديت هناك بصوم على نهر أهوا لكى نتذلل أمام الهنا لنطلب منه طريقا مستقيما  .."عز8: 21‘ ودانيال الذى كان صومه مصحوبا بالصلاة والتضرع لله " أمل أذنك ياإلهى واسمع .. لأجل مراحمك العظيمة ‘ ياسيد إسمع ‘ ياسيد ‘إغفر ...دا 9: 18 و 19

وفى صوم أهل نينوى كانوا " يصرخون إلى الله بشدة.:يون3: 8" ‘ ففى صلاتنا نعطى لله القلب والفكر ‘ القلب المنسحق ‘ والفكر الطاهر النقى ‘ فالصوم المصحوب بعشرة الله يتحول الى متعة روحية

صوم اللسان والفكر والقلب

يقول مار اسحق "ان صوم اللسان خير من صوم الفم..وصوم القلب عن الشهوات خير من صوم الإثنين ." أى خير من صوم اللسان والفم معا " ولنتذكر قول الرب" ليس مايدخل الفم ينجس الانسان ‘ بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الانسان. مت15: 11 ‘ وكقول القديس يعقوب الرسول عن اللسان " إنه يدنس الجسد كله" يع 3: 6‘ فالقلب الصائم يستطيع ان يصوم اللسان معه ‘ " لأنه من فيض القلب يتكلم الفم" مت12: 34‘ وكذلك" الرجل الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح والرجل الشرير من كنز قلبه الشرير تخرج الشرور." مت12: 35 ‘ فإن كان القلب صائما عن الخطية فسيكون اللسان صائما عن كل كلمة بطالة’‘ والذى يصوم قلبه يمكنه أن يصوم جسده كله.

الصوم يصحبه ضبط النفس ..فصوم الجسد هو أقل شيئ فالمهم هو صوم القلب والفكر عن كل رغبة وخطية ‘ فالمطلوب هو ضبط اللسان ‘ فمع منع الأكل نمنع الكلام الردئ والسيطرة على الافكار وضبط النفس :كقول القديس " ما الفائدة أن نمتنع عن أكل اللحوم ونحن نأكل فى لحوم بعضنا البعض." وكقول الحكيم " من يملك روحه خير ممن يملك مدينة. أم 16: 33" فضبط الشهوات دليل على محبتنا لله

 التداريب الروحية خلال فترة الصوم

1- نركز على التوبة عن نقطة الضعف في أو الخطية المحبوبة (مثل الكذب)

2- التدريب على ترك عادة معينة مثل عادة التدخين مثلا

3- التدريب على الصمت حتى نقاوم خطيةالغضب والإدانة " لأن غضب الانسان لا يصنع بر الله "يع1: 2‘ ,أيضا " كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابا يوم الدين." مت12:  36‘كقول القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك " كل مرة كنت أصمت فيها ماندمت بعكس كل مرة تكلمت فيها."

4- التدريب على المصارحة مع النفس ‘ ومحاسبة النفس وتوبيخها وتبكيتها على التسرع فى خطايا معينة ‘ فالصوم فترة مناسبة للإعتراف والتبكيت ‘ والهروب من تبرير النفس

5- تداريب التواضع ودائما أتذكر كلام الرب " تعلموا منى لأتى وديع ومتواضع القلب."

6- تداريب الصلاة ‘ مثل الصلاة فى الطريق (صلاة يسوع) والصلاة وانت بين الناس ‘ والصلاة فى العمل ‘ والتأمل فى الصلاة وقد قيل لمار اسحق "كيف نتعلم الصلاة فقال بالصلاة ." وممكن أحفظ آيات معينة مثل الموعظة على الجبل 111 عددا (48+34+29) كل يوم 3 أعداد وهكذا المزامير ... 

وهناك تداريب روحية كثيرة نستفيد منها فى فترة الصوم المقدس ‘ نخرج منها الى سلوكيات جديدة وحياة متغيرة سليمة تنطبع على سلوكياتنا فى المجتمع حوالينا ‘ فنكون رائحة ذكية للمسيح ‘ فيرى الناس أعمالكم فيمجدون أبيكم الذى فى السموات.أمين


إسرائيل: إعادة افتتاح كنيسة أثرية أحرقها متطرفون يهود قبل حوالي عامين

انتهت أعمال الترميم في كنيسة "الخبز والسمك" الأثرية الواقعة على ضفاف بحيرة طبريا، والتي أضرم فيها النيران متطرفون إسرائيليون يهود بسبب "كراهية المسيحية". وأعيد افتتاح الكنيسة الأحد بعد قداس حضره مسؤولون مسيحيون ومتبرعون.

أعيد فتح كنيسة "الخبز والسمك" الأثرية في إسرائيل الأحد، بعد 20 شهرا على حريق اندلع فيها أضرمه متطرفون يهود بحسب مصور لفرانس برس.

وتضررت غرفتان في مجمع الكنيسة الأثرية الواقعة على ضفاف بحيرة طبريا، إثر الحريق الذي اندلع في حزيران/يونيو 2015. ولم تتضرر الكنيسة نفسها في الحريق.

وقال هينز ثيل، أمين عام الرابطة الألمانية للأراضي المقدسة التي تدير الكنيسة، "بعد ثمانية أشهر من الأعمال، أصبح بإمكان الزوار من جميع أنحاء العالم الدخول إلى رواق ومدخل كنيسة الخبز والسمك".

وكلفت أعمال الترميم قرابة 950 ألف يورو، دفعت الدولة العبرية مبلغ 370 ألف يورو منها، بحسب بيان صادر عن مؤتمر الأساقفة في الأراضي المقدسة.

وتسمى كنيسة الطابغة التابعة للكنيسة الكاثوليكية كذلك بكنيسة "الخبز والسمك"، إذ شيدت إحياء لذكرى معجزة السيد المسيح المذكورة في الإنجيل التي أكثر فيها الخبز والسمك لإطعام الفقراء.

وأدان القضاء الإسرائيلي ثلاثة متطرفين يهود بتهمة إضرام النيران في الكنيسة بسبب "كراهية المسيحية". ولم يصدر أي حكم عليهم حتى الآن.

وينتهج المستوطنون المتطرفون سياسة انتقامية تعرف باسم "دفع الثمن"، وتقوم على مهاجمة أهداف فلسطينية وكذلك مهاجمة جنود في كل مرة تتخذ السلطات الإسرائيلية إجراءات يعتبرونها معادية للاستيطان.

وتشمل تلك الهجمات تخريب وتدمير ممتلكات فلسطينية وإحراق سيارات ودور عبادة مسيحية وإسلامية وإتلاف أو اقتلاع أشجار زيتون. ونادرا ما يتم توقيف الجناة.

فرانس24/ أ ف ب

عن أي طعام تبحثون؟/ نسيم عبيد عوض

قال الرب يسوع للجموع الذين تبعوه بعد إشباعهم بالخمسة خبزات والسمكتين : " إعملوا للطعام الباقى للحياة الأبدية الذى يعطيكم ابن الانسان لأن هذا الله الآب قد ختمه." يو6: 27‘ وهذه هى المرة الأولى والأخيرة التى يقول فيه الرب يسوع المسيح "الله الآب" ‘ فالمعتاد ان يقول أبى أو الآب ‘ وهنا تأتى التسمية من فم المسيح بالصيغة الأبوية للتنبيه انه ليس ختما خاصا فقط بالسيد المسيح نفسه ولكن أيضا ختما خاصا بالانسان ككل‘ فهو ختم أبوة الله على جسد الابن الوحيد ‘ الكلمة المتجسد ليصير الله به أبا لكل من يقبله أى لكل من يتناول منه .

ختم الله

كلمة ختم أيضا لا تقع على الطعام بل يقصد بها السيد المسيح نفسه ‘ لأن هذا الله الآب قد ختمه بمعنى شهد له بنفسه ‘ كما يقول البشر - أختم أو أبصم -على ان هذا حق وشهادة للتصديق كما أورد الوحى الإلهى " ومن قبل شهادته فقد ختم أن الله صادق‘لأن الذى أرسله الله يتكلم بكلام الله."يو3: 33‘ وسمعنا ختم الله الآب وشهادته فى العماد أو الظهور الإلهى عندما قال صوت من السماء قائلا"هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت." وكذلك على جبل التجلى " وفيما هو يتكلم اذا سحابة ظللتهم وصوت من السماء قائلا: هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت له اسمعوا." مت 17: 5‘ وأيضا عن ختم المعمودية أو الميلاد الثانى " إذا آمنتم ختمتم بروح الموعد المقدس الذى هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده."أفس 1: 13و14‘ وتخص أيضا السيد المسيح لتفيد ختم التقديس كقول الكتاب" الذى قدسه الآب وأرسله الى العالم." يو10: 36‘ وختم التقديس الذى تم بواسطة الآب ‘ فى التجسد" فلذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله." لو1: 35‘ وفى المعمودية " الذى ترى الروح القدس نازلا ومستقرا عليه فهذا هو الذى سيعمد بالروح القدس.- ويكمل يوحنا المعمدان - وانا قد رأيت وشهدت أن هذا هو إبن الله." يو1: 33وفى القيامة أيضا يقول الكتاب " وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الاموات."رو1: 4.

عن أى طعام تبحثون؟

الله فى كلمته لنا اليوم يحذرنا ويشجعنا ان نحارب حب الحياة الجسدانية والمادية وطغيانها علينا ‘ ويحرك فينا الشوق للسمائيات "لأن سيرتنا نحن فى السماويات" ولأن الجسد يشتهى ضد الروح‘ فالرب يحارب فينا ان يطغى سلطان الجسد وطغيان الغرائز الجسدية على سلطان الروح ‘ وينبهنا ان تمسكنا بالأرضيات أكثر يبعدنا عن الغرض الذى خلقنا الله من أجله ‘ فيحذرنا " ان العالم ليس فيه إلا شهوة العين وشهوة الجسد وتعظم المعيشة‘ والعالم يمضى وشهوته ." 1يو1: 16و17 ‘ ويرفع الله نظرنا الى السماء ويقول" الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق يجب ان يسجدوا."يو4: 24‘ وكقول رب المجد" طوبى للجياع والعطاش الى البر لانهم يشبعون."مت5: 6‘ وأيضا قوله " طوبى للذين يسمعون كلام الله ويعملون به." لو11: 28.


يامعلم متى صرت هنا؟

جاء هذا السؤال على لسان الجموع فى فصل إنجيل هذا الصباح المبارك ‘هو الجزء الثانى من الإصحاح السادس من إنجيل يوحنا البشير( يو6: 22-27) ‘ وبالرجوع الى الجزء الأول نتذكر وجود الرب يسوع فى منطقة صيدا شرق بحر الجليل أو بحيرة طبرية ‘ وهى التى أشبع فيها الرب الخمسة آلاف من خمس خبزات وسمكتين ‘ حتى قال لتلاميذه" إجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيئ." ولما رأى الشعب الغفير المعجزة قالوا هذا هو بالحقيقة النبى الآتى الى العالم ." حسب نبوة موسى النبى لهم قديما فى سفر التثنية 18: 15" يقيم لك الرب الهك نبيا من وسطك من اخوتك مثلى. له تسمعون." وحسب قول الكتاب" وأما يسوع فإذا علم انهم مزمعون أن يأتوا ويختطفونه ليجعلوه ملكا انصرف ايضا الى الجليل وحده." ‘ وتكملة هذا الجزء من الكتاب تقول ان التلاميذ فى المساء نزلوا الى البحر ليعودوا من حيث أتوا الى كفر ناحوم ‘ وهاج البحر من ريح عظيمة تهب ‘ ولم يكن يسوع معهم كما قلنا انه انصرف وحده بعيدا عن أعين الشعب ‘ ولما كان التلاميذ فى خطر هياج البحر عليهم نظروا يسوع ماشيا على البحر ومقتربا من السفينة ‘ فقال لهم انا هو لا تخافوا‘ حينئذ صارت السفينة الى الارض التى كانوا ذاهبين اليها ." يو6" 16-21. ولكن الشعب الذى رأى آية إشباع الجموع جاءوا بسفن من طبرية الى قرب الموضع الذى أكلوا فيه الخبز إذ شكر الرب ‘ أو الذى شكر عليه الرب ‘ والذى باركه والذى قدسه بصلاة الشكر (الافخارستيا) ‘فقد هزت الشعب الآية فبحثوا عنه فعثروا عليه فى كفر ناحوم ‘فعادت اليهم آمالهم أنه سيكون ملكهم المنتظر ‘ الذى سيعطيهم طعامهم فى كل حين كما حدث فى البرية طوال ألاربعين سنة لبنى إسرائيل قبل دخولهم أرض كنعان‘ ولكن هذا الحماس وفرحهم بالعثور عليه لا يتعدى ولم يخرج عن المحيط المادى وهو الشبع الجسدانى (الخبز والسمك)‘أو المحيط السياسى (الملك) ‘ وهنا يبدأ الرب فى تصحيح المفهوم عن إستعلان قدراته الفائقة ومصدرها وغايتها‘ ويصحح المقارنة بينه وبين موسى النبى العظيم‘ ولهذا جاءت إجابة الرب على تساؤلاتهم " أنتم تطلبوننى ليس لأنكم رأيتم آيات بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم." وهذه هى الحقيقة ‘ يطلبونه ليس لشخصه كالمخلص والفادى بل من أجل عطاياه الجزيلة ‘ فلم يروا فى أكل الخبز آية بل طعام للشبع الجسدى ‘ كما أيضا لما شفى أمراضهم (والمحتاجون للشفاء شفاهم) لم يبصروا الآية المعجزية أو لم يستدلوا على إعلان شخصه السماوى ‘ بل فقط راحة وشفاء لأجسادهم والطمع فى المزيد ‘ وكان المفترض فيهم وبعد ابصارهم هذه الآيات أن يقروا بإيمانهم به انه المسيا المنتظر والنازل من السماء ‘ ولكن راية الإيمان كانت محجوبة عن أنظارهم وغائبة عن عيونهم وقلوبهم‘ وكان السيد المسيح يرى فى كل مايقدمه لهم من أعمال الرحمة والمحبة والعطف انها قد تثير عقولهم وقلوبهم ويفهموا فيؤمنوا بحقيقة شخصه‘ لأنه بالإيمان وحده تكون لهم الحياة الأفضل والنعمة الدائمة الأبدية ‘ وكما أيضا الشبع الحقيقى لأرواحهم وليس لأجسادهم ‘ ولكنهم لم يكونوا جوعى أو عطشى لبر الله .

إعملوا لا للطعام البائد

واجه الرب هؤلاء الباحثين عنه وبكتهم وطلب منهم ان يعملوا لا للطعام البائد (الخبز للشبع الجسدى) بل للطعام الباقى للحياة الأبدية (جسد المسيح نفسه) الذى يعطيكم ابن الانسان ‘ لأن هذا الله قد ختمه." ‘ ونلاحظ ان كلمة البائد أوالذى يباد هى نفس الكلمة التى قالها الرب إجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيئ ‘ يضيع أو يبيد نفس الكلمة ‘ لأن الرب أراد ان يفهمهم ان الخبز الذى كسره ووزعه عليهم ليس من نوع الخبز البائد ‘لأنه خبز فيه سر الحياة والديمومة‘ وكان المفترض فيهم ان يبلغوا بقوة الإيمان بالمسيح ويفهموا أن الذى باركه وقدسه وأعطاه لا يباد منه شيئا بل يظل مصدر بركة دائمة‘ وهذا هو الفرق بين الذى يأخذ أعمال وآيات الرب يسوع أنها لغرض الإشباع المادى والجسدى ‘ عن الذى بالإيمان والثقة بالمسيح يرى أنها انه إستعلان عن طعام باقى وحي وأبدى لأن فيه سر الإيمان بالمسيح المخلص والفادى. فالذين يعملون للطعام البائد هم الذين أعمالهم جسدانيه كقول معلمنا بولس الرسول" واعمال الجسد ظاهرة التى هى زنى عهارة نجاسة دعارة‘ عبادة الاوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة ‘ حسد قتل سكر بطر وأمثال هذه .. الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله." غل5: 19- 21‘ وأيضا قوله " لا تضلوا لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعى ذكور‘ ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله ."1كو6: 9و10.

الطعام الباقى للحياة الأبدية

أن العطايا الجزيلة التى يمنحها لنا الله يستحيل أن تعمل معنا للحياة الأبدية أو يكون لها نفع روحى فى حياتنا إذ لم يكن المسيح هو غرضها‘ وقصدها وغايتها ‘ فالذى يطلب من المسيح أن يشفيه مثلا لن ينتفع من شفائه شخصيا إذا لم تكن الصحة الموهوبة له هى آية بحد ذاتها تعمل لحساب المسيح ‘ وإلا كانت معجزة الشفاء مثل ملء بطون الجليليون من الخبز والسمك ‘ وكما يرى فينا القديس بولس نحن المؤمنين بالرب يسوع المسيح " لكن ‘إغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا." 1كو6: 11. ‘ وفى رسالة غالطية يقول عن هذا الطعام الباقى للحياة الأبدية" أما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف." الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات. ان كنا نعيش بالروح فلنسلك ايضا بحسب الروح." غل5: 22-25. وقول الرب الطعام الباقى للحياة الأبدية الذى يعطيكم ابن الانسان ‘ فهو عطية للحياة الابدية ‘ وهى نفس الكلمة التى قالها الرب للمرأة السامرية" لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذى يقول لك أعطينى لأشرب لطلبت أنت منه فاعطاك ماء حيا."يو4: 10‘ فهنا عطية المياه الحية للحياة الأبدية ‘وعطية الخبز الحي أو عطية الطعام الروحى ايضا للحياة الابدية ‘ كقول الرب " فقال لهم يسوع انا هو خبز الحياة ‘ من يقبل الي فلا يجوع ومن يؤمن بى فلا يعطش ابدا." يو6: 35‘ والرب ينقلنا هنا الى عمل وفعل الروح القدس المحي‘ فإذا كان الماء الحي فى المعمودية للميلاد الثانى ‘ فالخبز أى الجسد للأفخارستيا كطعام للحياة الأبدية (كالقول فى القداس الإلهى" وحياة أبدية 
   لمن يتناول منه.").

نسأل إلهنا الصالح أن يعطينا غذاء الروح  كلمته المقدسة ويثبتها فى قلوبنا ‘ ليقوى النفس ويحييها ولنعيش فى حياة توبة صادقة‘ ويشفى أمراض أجسادنا وأرواحنا ‘ ويطهرنا من خطايانا ويمحى ذنوبنا وآثامنا ‘ ويجعلنا فى إيماننا ثابتين وأقوياء فى جهادنا الروحى. أمين.

أستراليا: 7 في المئة من القساوسة الكاثوليك اعتدوا جنسيا على 4500 طفل


بي بي سي ـ 
كشف تحقيق بشأن الاعتداءات الجنسية في المؤسسات أجرته اللجنة الملكية الاسترالية أن 7 في المئة من القساوسة الكاثوليك اعتدوا جنسيا على أطفال في الفترة من 1950 و 2010.
كما وجه اتهام لأكثر من 40 في المئة من رجال كنيسة واحدة بانتهاك الأطفال.
وقالت اللجنة إن ما يزيد على 4440 شكوى قدمت من قبل أشخاص قالوا إنهم ضحايا اعتداءات في الفترة بين 1980 و 2015.
كما تحقق اللجنة، وهي أعلى هيئة تحقيقات في أستراليا، بشأن اعتداءات داخل مؤسسات غير دينية.
واستمعت اللجنة إلى شهادات مروعة سابقة لعشرات الأشخاص ممن عانوا من اعتداءات من جانب رجال دين.
وقال أحد الضحايا إن معلمه في مدرسة "الأخوة المسيحيون الكاثوليك" اعتدى عليه في الفصل، وطلب من تلاميذ آخرين أن ينظروا بعيدا.
وفي حالة أخرى استمع التحقيق إلى اتهامات تشير إلى أن قسيسا هدد فتاة بسكين وجعل أطفالا يركعون بين ساقيه.

"عقاب أطفال"
وظهر حجم المشكلة يوم الاثنين عندما كشفت اللجنة الإحصاء الذي أعدته.
وقالت غيل فورنيس، محامية تساعد اللجنة في أعمالها في سيدني، إن أكثر من ألف مؤسسة كاثوليكية في شتى أرجاء أستراليا ورد ذكرها في الشكاوى المقدمة بشأن حدوث اعتداءات جنسية، وإن إجمالي الأشخاص المشكو في حقهم يبلغ 1880 شخصا بين 1980 و 2015.
وكان متوسط عمر الضحايا من الفتيات 10.5 عام و 11.5 بالنسبة للفتيان.
وأضافت فورنيس أن قصص الضحايا "متشابهة بشكل محزن".
وقالت :"يتعرض الأطفال للتهميش أو الأسوأ من ذلك العقاب. فضلا عن ذلك كانت هناك اتهامات لم تخضع لتحقيقات. ونقل بعض القساوسة ورجال الدين من مواقعهم. ولا تعلم الأبرشيات أو هيئات الطوائف الدينية التي نقلوا إليها أي شيء عن ماضيهم".
وقال أنطوني وكريسي فوستر، وهما أبوان لفتاتين تعرضتا لاعتداء على يد قسيس أبرشية، إن الكنيسة الكاثوليكية أظهرت "عدم رحمة وعدم أسف ولم تظهر أي شيء".
وقالا لقناة إيه بي سي الإخبارية : "هذا هو مسلك الكنيسة منذ وقت طويل للتستر على الجناة، تنقلهم من مواقعهم، بدون احترام للأطفال، ويقع أطفال آخرون ضحايا، ويعانون من هذا المصير المروع".
كما كشفت اللجنة الملكية تفاصيل بشأن عدد الاعتداءات المقدم بشأنها شكاوى ضد عشر كنائس، وأظهرت البيانات أن أربع كنائس ضلع أكثر من 20 في المئة من أعضائها في هذه الاعتداءات.
وتحقق اللجنة الملكية، التي شكلت في عام 2013، في اتهامات الاعتداءات الجنسية والبدنية في عشرات المؤسسات في أستراليا، بما في ذلك المدارس والأندية الرياضية والمنظمات الدينية.
وقالت فورنيس يوم الاثنين إن 60 في المئة من الناجين من هذه الاعتداءات كانوا من مؤسسات دينية، نحو الثلثين منها يتصل بالكنيسة الكاثوليكية.
وقال فرانسيس سوليفان، المدير التنفيذي لمجلس الحقيقة والعدالة والشفاء الذي ينسق استجابة الكنيسة الكاثوليكية للتحقيقات، إن البيانات تعكس "خطأ فاحشا" من جانب الكنيسة لحماية الأطفال.
وأضاف سوليفان للجنة :"هذه الأعداد صادمة، إنها مأساة ولايمكن الدفاع عنها."وقال "بوصفنا كاثوليك، يجب أن نحني رؤوسنا في خزي".
وراقب الفاتيكان الإجراءات عن كثب، وشهد الكاردينال جورج بيل، وهو أحد رجال الدين الكاثوليك البارزين سابقا في أستراليا قبل أن يصبح المستشار المالي للبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، جلسات الاستماع السابقة بشأن استجابة السلطات الكنسية للاتهامات الخاصة بالاعتداء الجنسي على الأطفال خلال فترة وجوده في أستراليا.
وسوف يشهد عدد من أبرز رجال الدين الكاثوليك في أستراليا سير الإجراءات خلال الأسبوعين المقبلين، ومن المتوقع إصدار التقرير النهائي للجنة بحلول نهاية العام الحالي.
مواضيع ذات صلة

سورة البقرة: الآية 121/ عبدالله بدر اسكندر

التعلق اليقيني بالكتب السماوية يحتاج إلى مدخل يتطابق في تراكيبه مع التلاوة الصحيحة التي تقوم أركانها على مقدمات أساسية بعيدة عن السطحية، أما إذا اتخذ الإنسان ما يخالف هذا النهج فمن الطبيعي أن يجانب الثوابت المثالية التي يتطلع من خلالها إلى معرفة الكليات البديهية المحتواة في الكتب المنزلة من الله تعالى، وههنا تحدث الإشكالية المنسوبة لتلك الكتب والتي يتحدد على ضوئها المقدار الخاطئ الملازم للبراهين الجزئية التي تمهد السبيل لتدبر الأحكام المتفرقة في الكتب المشار إليها، وتأسيساً على ذلك يمكن تقسيم الذين يتلون كتاب الله إلى قسمين، يختص الأول في التلاوة الخالية من العمق المعرفي المحيط بالألفاظ المبينة للمعاني، ولا يخفى على المتلقي أن هذا النهج سوف يؤول بأصحابه إلى الكفر والإعراض عن المفاهيم السليمة، أو أن يبقى أتباع هذا القسم في دائرة الشك وذلك أضعف الإيمان، ومن هنا يتسلل إلى قلوبهم التفريق بين المعطيات الإلهية وما دونها من المعطيات السلبية وبالتالي يصل كل واحد منهم إلى مرحلة عدم البيان في الاعتقاد الذي كان يأمل في الحصول عليه من خلال التلاوة، وكما ترى فإن هذا المطاف يمكن أن يؤدي به إلى الهلاك بدلاً من السير في الطريق الموصل إلى الهدى.
أما القسم الثاني فهؤلاء هم الذين يتلون الكتاب وفق أسس علمية رصينة ما يجعلهم أقرب إلى فهم الحقيقة الكلامية المنزلة من الله جل شأنه، وقد تتفرع على هذين القسمين مجموعات أخرى منهم من التزم الأخذ بالمصاديق دون إرجاعها إلى المفاهيم العامة وإن شئت فقل دون إرجاعها إلى الكبرى من حيث الفهم التدريجي ومنهم من اتخذ العكس، وقياساً إلى هذين الاتجاهين نستطيع أن نجعل التعليلات آيلة إلى أحد أمرين أولاهما ناشئ عن عدم الإيمان بالمعارف اليقينية للتلاوة، أو الاعتماد الموافق للبلاغة وكذا ما يتفرع على الكتاب من المواقف العلمية المثيرة التي لا تخرج عن المفهوم النظري للألفاظ دون المعاني ما يجعل الأغراض المتخذة من قبل أصحاب هذا الأمر في منأى عن التجديد، وبهذا تقع الأعباء على فهم الكتاب ظاهراً دون الحقيقة التي ترد إلى أصل الحجب الخارجية التي تحول بين القارئ والمراعاة المنهجية للتلاوة، وبهذا القدر يمكن القول إن من كان هذا ديدنه فمن الضروري أن يتم إدخاله ضمن أولئك الناس الذين أدت بهم التلاوة إلى الكفر بدلاً من الإيمان، وثانيهما يرجع إلى معنى التلاوة الحقة التي تأخذ بأيدي مريديها إلى بر الأمان بعيداً عن الفئة الأولى، كون الذين اعتمدوها أقروا بمبادئ الفهم الإيماني دون تعصب أو تعقيد.
من هنا نعلم أن كلا القسمين قد اعتمد الدخول إلى أصل الكتاب إلا أن التباين قد حدث في نوعية الحجب التي ابتلي بها كل فريق منهما، وبناءً على هذا المفهوم نستطيع إبعاد الصنف الأول الذي لم ينتفع بالتلاوة ونجعل اهتمامنا منصباً على الصنف الثاني، وبذلك يمكن تقسيم هذا الصنف إلى مجموعات كثيرة تتفاوت لديهم المعرفة بين التلاوة اليقينية وما دونها من التلاوات التي لا تقف على وجه تطبيقي، ونظراً لهذا التباين نرى أن التقسيم قد آل إلى الاعتقاد الراسخ لدى الإنسان الذي يعمل جهده من أجل الوصول إلى ما يروم إليه من الإيمان الناتج جراء تلاوته إذا ما علمنا أن فقده لأسس المعرفة يحول دون مبتغاه، وعند وصوله إلى هذه المرحلة يصبح مأموراً بالفقرات الاستطاعية التي من أهم مصاديقها تيسير القرآن عند التلاوة كما في قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) القمر 17. مع تكرار الآية عدة مرات في نفس السورة. ومن تلك المجموعات تتفرع مجموعات أخرى من القراء الذين تصعب عليهم التلاوة لأعذار معاشية أو مرضية وكذا من يقاتل في سبيل الله، وقد خاطب سبحانه هؤلاء بقوله: (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه) المزمل 20.
وبناء على ما ذكرنا يمكن أن نجعل جميع الأقسام مندرجة تحت أصل المفهوم الذاتي للاستطاعة والذي قد تتطابق أغراضه بالتلازم مع الواجبات المفروضة على الإنسان، ومن هنا يمكن تقسيم تلك الواجبات إلى قسمين، يتمثل أولهما في التقوى المستطاعة وإن كان ملاكها الضعف، أما الثاني فيأخذ الجانب الأقوى منها ويشهد للأول قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) التغابن 16. ويشهد للثاني قوله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) آل عمران 102. ويتناسب هذا المعنى مع التصورات الفلسفية التي تبين للإنسان معنى الجهاد في سبيل الله تعالى وبنفس القدرة المفروضة في التقوى وكذا ما يرجع إليها من أقسام، ولهذا خاطب الحق سبحانه القسم الأول بقوله: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) الأنفال 60. أما القسم الثاني فقد خاطبهم بقوله: (وجاهدوا في الله حق جهاده) الحج 78.
من ذلك نستطيع القول إن للتلاوة درجات تعتمد في مدلولها على التدبر المناسب لمعاني كتاب الله تعالى من أجل الوصول إلى مقومات الإيمان الأساسية، ما يجعل الإنسان يسير في الاتجاه الصحيح للعقيدة السليمة دون الاعتماد على الفهم السطحي الناتج عن قواعد التجويد، كون للتأمل الصادق وجوهاً أخرى خارجة عن المدلول اللفظي الذي لا يتعدى حدود الأساليب المتعارف عليها، وبهذا نعلم أن التلاوة تتضمن معنى الفهم الحقيقي الذي يدعو إلى الإيمان إذا علمنا أن ليس هناك ما يفرق بين تلاوة القرآن والكتب الأخرى التي لم يطالها التحريف، وقد تطرق الحق سبحانه إلى وصف تلك الكتب بأبلغ الأوصاف كما في قوله: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) المائدة 44. وكذا قوله: (وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور) المائدة 46. وقد ذكر تعالى تصديق القرآن الكريم لتلك الكتب بقوله: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه) المائدة 48. 
من هنا نستشف معنى زيادة الإيمان الناتجة عن التلاوة الصحيحة سواء قام بها الإنسان بنفسه أو إذا تليت عليه، وهذا ما يفهم من منطوق قوله سبحانه: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون) الأنفال 2. ويقابل هذا المعنى قوله تعالى: (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) آل عمران 101. وبالتلازم مع ما قدمنا نلاحظ أن القرآن الكريم قد أثنى على أهل الكتاب الذين يتلون آيات الله حق تلاوتها، وذلك في قوله عز من قائل: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون... يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين... وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين) آل عمران 113- 115. وقد قابل تعالى هذا الصنف المحق بصنف آخر وذلك في قوله: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا) الحج 72. وسيتضح الفرق بين الفريقين من خلال تفسير آية البحث.
تفسير آية البحث:
قوله تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون) البقرة 121.
الكتاب: اسم جنس يقع على الواحد والجمع، وقد ذكر في القرآن الكريم على وجوه أهمها:
أولاً: الفرض: كما في قوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء 103.
ثانياً: الأجل: كما في قوله تعالى: (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) الحجر 4.
ثالثاً: الحجة والبرهان: كما في قوله تعالى: (فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين) الصافات 157.
أما الكتاب بمعنى القرآن فقد ورد في مواضع كثيرة منها عطف العام على الخاص أو العكس، إلا أن أظهرها ما ذكره تعالى بقوله: (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين... قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) الأحقاف 29- 30. وبهذا يظهر زيف من أراد التفريق بين معنى الكتاب والقرآن.
أما التلاوة فلها معنيان:
الأول: القراءة: كما في آية البحث وكما في قوله تعالى: (فالتاليات ذكراً) الصافات 3. وكذا في الآيات التي مرت عليك في معرض حديثنا قبل الدخول إلى تفسير آية البحث.
الثاني: الاتباع: كما في قوله تعالى: (والقمر إذا تلاها) الشمس 2.
من هنا نفهم أن آية البحث تشير إلى أهل الكتاب من اليهود والنصاري، وقد تحدثت عن قسمين:
القسم الأول: الذين يتلون الكتاب حق تلاوته: أي تلاوة تتسامى فيها المعاني دون الألفاظ، وبهذا يصلون إلى التفريق بين الحق والباطل أو الحلال والحرام وكذا الوصول إلى الدلائل التي تميز لديهم العام من الخاص أو المطلق من المقيد وكذا المحكم من المتشابه والناسخ من المنسوخ وما إلى ذلك، أما إذا حملنا الآية على ما في كتبهم فالضمائر لا تقبل الانطباق إلا على شخص النبي (ص) والمعنى الأول أظهر بشهادة السياق، وبناء على ما قدمنا تكون التلاوة الحقة قد أخذت بأيديهم إلى الإيمان بالكتاب المتلو أي المقروء.
القسم الثاني: هم الذين لم تنفعهم التلاوة: ويمكن معرفة هذا المعنى من خلال مفهوم الآية إذا أخذنا بقاعدة الاحتباك، وذلك لاهتمامهم بالتلاوة الشكلية التي تعتمد على الحفظ وما يؤول إليه من قواعد القراءة، وأنت خبير بأن هذا العمل قد لاقى انتشاراً واسعاً لدى فئات كثيرة من المسلمين الذين يبذلون أموالاً طائلة من أجل فتح المدارس التي تعنى بهذا الشأن، دون مبالاة بالتفاصيل المنهجية التي يحث عليها الكتاب، وبهذا يكون مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً... فتأمل ذلك بلطف.  

 من كتابي: السلطان في تفسير القرآن
          

سورة البقرة: الآية 127/ عبدالله بدر اسكندر

قيام الإنسان بعمل لا يحقق الغرض المطلوب يجعله خارج زمرة العقلاء لا سيما إذا كان العمل المقصود لا يتناسب مع الإطار القانوني الذي تبنى عليه الأسس السليمة، وإذا عد هذا العمل من اللعب المجرد أو اللهو الدخيل فإن الذي يأتي به يكون من باب أولى قد ابتعد عن الموازين الكلية التي سخرها الله تعالى للإنسان بما هو إنسان  بغض النظر عن الانتماء اللاحق الذي يضاف إليه، ومن هنا يمكن تطبيق هذا المثال على الأمر العجيب الذي تم بموجبه خلق السماوات والأرض، أي كيف يكون الوصف الذي يؤول إليه الخلق إذا كان الفعل متماثلاً مع العبثية التي لا تنسجم مع النظم اليقينية التي نشاهدها أو تلك التي لم تصل إليها المعرفة الإنسانية، ولذلك أشار الحق سبحانه إلى تنزيه نفسه عن تلك السنخية بمجموعة من الآيات منها قوله تعالى: (لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين) الأنبياء 17. وكذا قوله: (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين) الدخان 38. وقوله: (ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى) الأحقاف 3.
مما تقدم نعلم كيف ظهرت المديات البعيدة التي ساعدت على تنظيم التراتبية المسخرة لهذا الكون، وكيف تم إخراجه بهذا الشكل البديع الذي لولا الدأب وتكرار المشاهدة لأصبح الحديث عن كل ذرة من ذراته يحتاج إلى تصنيف مطابق للآيات الباهرة التي يتساوى فيها الجزء مع الكل، لأن النظام المشاهد الدال على وجود الخالق جل شأنه لا يختلف في تركيبه سواء في الخلق والإيجاد أو الفناء والعدم، بمعنى أن كل شيء يدل على وجود إرادة خالقة لهذا الكون ابتداءً من أصغر الأشياء إلى أكبرها، ولا فرق في ذلك بين القرآن الكريم أو كتاب أصل الأنواع فكلاهما يدل على عظيم صنع الله في هذا الكون، وكذا لا فرق بين ناقة صالح وعصا موسى في قبال النياق أو العصي الأخرى، وكذلك لا فرق بين تسبيح الحصى في يد النبي (ص) أو في يد إنسان آخر مهما كانت درجة إيمانه متدنية، لأن كل ما ذكر هو من صنع الله تعالى الذي خلق كل شيء سواء كان بواسطة أو من دون واسطة، وقد بين سبحانه هذا المعنى بقوله: (صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون) النمل 88. 
فإن قيل: إذا كان الأمر كذلك فلمَ أنزل الله آيات إعجازية مع الأنبياء كالتي ذكرتها دون أن تفرق بين مميزاتها؟ أقول: الآيات الإعجازية التي جاء بها الأنبياء لا تثبت وجود الخالق كون هذا الأمر ليس من اختصاصها، وإنما كان الهدف منها هو تأييد الأنبياء في صحة نبوتهم وصدق دعواهم، ولذا أطلق عليها بعض العلماء تسمية المعجزات للتفريق بينها وبين الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى، وهو وصف صائب وإن أنكره بعضهم ظناً منهم أن القرآن لم يأت به وأنت خبير أن هذا لا يتنافى مع إيجاد المصطلحات التي تحقق الغرض المطلوب من المعنى، وبهذا نعلم أن الله تعالى لا يحتاج إلى معجزة تثبت وجوده فهو ظاهر في الفطرة الإنسانية وإن جحد به الجاحدون، وقد مثل سبحانه لهذا المعنى بقوله: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون) العنكبوت 61. وكذا قوله: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم) الزخرف 9. وهناك آيات أخرى بهذا المعنى.
فإن قيل: إذا ثبتت هذه الدعوى فما سبب الإشارة إلى الآيات التي يفرق القرآن في بيان نوع القوة التلازمية لكل واحدة منها؟ أقول: القرآن يراعي النظر الساذج في طرحه لمنهجيته المعرفية وذلك كون التكرار الملازم للإنسان قد يطغى في جميع الحالات على مسيرته الحياتية، وبهذا يبتعد شيئاً فشيئاً عن مشاهدة الأدلة الحسية سواء أكانت صغيرة أم كبيرة، ولذلك نرى أن القرآن الكريم يريد أن يلفت انتباه الإنسان إلى صنع الله تعالى ومن هنا كان التفريق بين صغر الآيات وكبرها، أما الأمر في حقيقته فليس فيه هذا البعد كون الآية ظاهرة في الحجر الصغير وفي الجبل العظيم على حد سواء، وتعليلاً لهذا المعنى نلاحظ مدى التفريق في نوع الآيات، كما في قوله تعالى: ( لنريك من آياتنا الكبرى) طه 23. وكذا قوله: (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) الزخرف 48. وقوله سبحانه: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) النجم 18. وكذلك قوله: (فأراه الآية الكبرى) النازعات 20.
إذا علمنا هذا يكون الأمر قد أخذ مساراً آخر في التفريع وكيف أن الله تعالى قد جعل في كل جزء من أجزاء الكون ما لا يحصى من الآيات وإن شئت فقل كل شيء آية، ولندع الكون وما به من عجائب ولنأخذ الإنسان وليكن هو حسبنا في هذا السرد ولنطرح السؤال الذي يفرض نفسه، وهو هل من الطبيعي أن يترك هذا المخلوق سدى وهو يبصر الآيات في كل حين لا سيما تلك التي ترافقه في تكوينه بل وفي جميع الأعمال التي يقوم بها سواء المادية منها أو المعنوية، وههنا نلاحظ أن الحق سبحانه قد تحدث عن الآيات المصاحبة له وذلك في قوله: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) الذاريات 21. أي إن الآيات التي يصعب عليكم اكتشاف مكوناتها لا تزال تتكاثر وتنتج كل يوم ما هو أعجب وأغرب وذلك لتفرقها في البدن أو ما يختلج النفس من مشاعر وأفكار، وقد يطلع الإنسان على بعضها في كل لحظة تمر به ليدرك الكيفية التي تتكون منها هيئته المادية وصولاً إلى ما يظهر أمامه من أفعال متفرعة عن الملكات الناطقة أو الحواس المشاركة في التمييز الذي يصنف لديه الخير من الشر أو الحسن من القبح وما إلى ذلك، وهذا التفريق بحد ذاته يعد من أعظم الآيات إذا ما جمع في غاية واحدة دالة على خالق واحد لا شريك له، ثم إذا أمعن النظر إلى ما وراء التركيبات المادية فسوف يرى أن هناك ما هو أبعد منها، كالقوى التي يمتاز بعضها عن بعض وما يلحق بها من تفريعات، ولو شاهد هذه الآيات التي اجتمعت في بناء كيانه لعلم أن جميع ما وجد في نظام الكون قد وجد في شخصه، وهنا تجدر الإشارة إلى ذكر قوله تعالى: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) القيامة 36. بمعنى كيف يخلق الله سبحانه هذا العالم بما فيه من غرائب الصنعة التي يكون الإنسان على رأسها وبالتالي يترك وشأنه ليلعب ويلهو ويفعل ما يشاء دون حساب يذكر، وعند تأمل هذا الوجه نرى عدم تناسب المبررات إذا ما وجد بهذا الشكل.
وخلاصة لما سبق يمكن القول إن الله تعالى قد ألزم هذا المخلوق بالعبادة التي تمثل روح الحياة، دون العبادة التي يفهمها القابعون في الظلام والذين لا يريدون التحرر من الأخطاء التي ورثوها عن سلفهم كون المعنى الحقيقي للعبادة يتجسد في إثراء الحياة بما يتناسب مع العيش الكريم في هذه الأرض بعيداً عن الاجتماع الفاحش الذي نشاهده لدى جم غفير من الناس عند استصغارهم لعظائم الأشياء ظناً منهم أن هذا من اللمم الذي لا يحاسب على فعله الإنسان، وهذا تفسير يخالف الواقع بكل مجرياته، كون الخالق جل شأنه لا يرضى لعباده السير في طريق الضلال، وإن كان ما يترتب على ذلك لا يتعدى إلى أكثر من كلمة يلفظها الإنسان أو شق كلمة، وكما ترى فإن كثيراً من الناس لا يهمهم سوى القول الذي لا يثمر عطاءً ولا يقدم منفعة، فهم يأتون المجالس صفاً حديثهم الدنيا وهمهم الدنيا، ولذلك أصبح دينهم أقرب إلى اللهو واللعب، علماً أن الله تعالى قد تعبدنا بذكره في كل عمل نقوم به، ولهذا قيل إن كل أمر لا يبدأ بذكر الله فهو أبتر وروي هذا الحديث بطرق مختلفة، ومن هنا يجب أن نقارن بين أولئك الناس الذين تعرضنا لذكرهم، وبين الناس الذين لا يفارقهم ذكر الله تعالى في جميع الأعمال التي يمارسونها وقد ضرب الحق سبحانه لهؤلاء الناس أروع الأمثلة بإبراهيم وإسماعيل عند رفعهم القواعد من البيت، وذلك في قوله: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) البقرة 127.

من كتابي: السلطان في تفسير القرآن