ترجل فارس الوطنية ومعلم الاجيال المصرية (1 من 2)/ نبيل عواد المزيني

غيّب الموت البابا 117 للكنيسة القبطية عن عمر يناهز 89 عاماً ، نظير جيد روفائيل المعروف كنسيا باسم 'البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بعد صراع مع المرض ورحلات علاجية الى الولايات المتحدة الامريكية ، وبهذا فقدت مصر والشرق الاوسط قامة روحية عالية وحكمة سياسية بارعة حظيت بالحب والاحترام بين جميع الاجناس والاقوام ، فقد أعرب الرئيس الأمريكي باراك أوباما وزوجته ميشيل أوباما عن تعازيهما باسم الشعب الأمريكي في بيان صحفي أصدره البيت الأبيض قائلا "ميشيل وأنا نشعر بالحزن لما علمنا به من رحيل البابا شنودة الثالث، الزعيم الروحي المحبوب للأقباط المسيحيين في مصر وداعية التسامح والحوار الديني.. ونقف جنبًا إلى جنب مع المسيحيين الأقباط والمصريين وهم يكرمون إسهاماته من أجل دعم السلام والتعاون" واستطرد الرئيس الامريكي قائلا "سوف نتذكر البابا شنودة الثالث كرجل للإيمان العميق، وزعيم لدين عظيم، وداعية للوحدة والمصالحة.. والتزامه بالوحدة الوطنية في مصر يمثل دليلاً على ما يمكن إنجازه عندما يعمل الناس من جميع الأديان والعقائد معًا".

لقد كان البابا شنودة الثالث شخصية مصرية متعدد الجوانب والمواهب والامكانيات ، فهو قامة روحية قلما يجود الزمان بمثلها وقد حاول تغطية هذا الجانب الزملاء الكتاب من الاخوة الاقباط ، وكان البابا شنودة أيضا شاعر ملهم وقد القي الزملاء الشعراء والأدباء الضوء علي هذا الجانب من شخصيتة ، وكان البابا شنودة رجلا مصريا خالص الوطنية ومعلم حكيما للأجيال المصرية وهذا هو موضوع مقالنا.

ولد البابا شنودة الثالث في 3 أغسطس من عام 1923، باسم "نظير جيد روفائيل" في قرية سلام بمنفلوط من اعمال اسيوط ،ودرس في مدرسة الأقباط الابتدائية بمدينة دمنهور محافظة البحيرة ، ثم درس بمدرسة الأمريكان ببنها محافظة القليوبية ، وانتقل مع أسرته إلى القاهرة وسكن حي شبرا حيث درس بمدرسة الإيمان ، في اثناء فترة دراستة كان مثال لطالب المجتهد المتفوق دائما كما كان ذواقة للشعر ومجيدا لكتابتة , وعاشقا لمصر وتاريخها لذلك نراة بعد حصوله على الشهادة الثانوية، التحق بكلية الآداب قسم التاريخ بجامعة القاهرة ( فؤاد الأول آنذاك) حيث بدأ بدراسة التاريخ الفرعونى والإسلامى والتاريخ الحديث وحصل على الليسانس بتقدير (ممتاز) عام 1947، كما التحق بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1948 وكان الأول على دفعته ، كما التحق قبل تخرجه من كلية الآداب، بالكلية الإكليركية، وتخرج فيها عام 1949 بتقدير (ممتاز) وكان الأول على دفعته .

كان نظير جيد ابن بارا لمصر أحبها وخدم في جيشها وتشرف بارتداء زيها العسكري فكان ضابط احتياط ، حيث يتلقى ضباط الاحتياط تعليما مدنيا ثم يحصلون على تدريب خاص خلال خدمتهم العسكرية ، وقد حافظ المواطن المصري والجندي الوفي نطير جيد علي نسيج مصر الاجتماعي ووحدتها الوطنية فقال " ان مصر ليست وطن نعيش فية بل وطن يعيش فينا " و كرس نبت مصر البابا شنودة حياته لاثراء التواصل والمحبة بين جميع المصريين فقال "كل فضيلة خالية من الحب لا تحسب فضيلة " وبث في المصريين روح الحكمة فعلمهم انة "ليس القوى من يهزم عدوه وإنما القوى من يربحه " كما ربا ابنائة علي حسن الخلق وعلمهم الكرم فقال "اعط من قلبك قبل أن تعطى من جيبك " ، لقد كان البابا شنودة رجل الحوار والتفاهم والعقل الواعي ، عشق مصر وكتب في عشقها عام 1944 قصيدة بعنوان: «فى حب مصر» يقول فيها :

جعلتك يا مصر فى مهجتي ... وأهواك يا مصر عمق الهوى.

إذا غبت عنك ولو فترة ... أذوب حنينا أقاسى النوى

إذا عطشت إلى الحب يوما ... بحبك يا مصر قلبى ارتوى

نوى الكل رفعك فوق الرءوس ... وحقا لكل امرئ ما نوى

وكانت مصر لاتغيب عنة حتي وإن غاب هو عنها لظروف العلاج ، أذكر أنة في احدي رحلاتة العلاجية التي اتي فيها الي كليفلاند بالولايات المتحدة الامريكية بعد مرور عام علي ثورة ٢٥ يناير ، لم يصبر حتي يعود الي مصر كي يعلق علي مايجري من احداث علي أرضها رغم شدة مرضة وأعيائة الذي كان واضحا في حديثة الذي نقلتة القنوات العربية الامريكية ، ومما جاء فية " أنا سعيدا جدا يا أخوتي وأخواتي ان اتحدث اليكم هذا اليوم , وهذا اليوم 25 يناير هو يوم لة أهميتة في تاريخنا في مصر وكل الناس يحتفلون بهذا اليوم أهنئكم جميعا بهذا اليوم وأهنئ شباب يناير وأهنئ كل من اشتركوا في ذلك اليوم " ثم دعا ان يجعل الله يوم 25 يوم بركة لمصر والمصريين ، ولم يكتفي بهذا بل هنئ مجلس الشعب ورئيسة ودعا لهم و لمصر قائلا " أهنئ مجلس الشعب الجديد ، وأهنئ الاستاذ الكتاتني رئيس مجلس الشعب الجديد " ودعا للمجلس ان يعطية الرب نعمة كي يقوم بمهامة ، أرئيتم حبا لمصر وحرصا علي سلامتها أكثر من هذا !!.. لا أعتقد .

كانت هذة لمحة بسيطة عن الجانب الوطني من شخصية البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ، فماذا عن جانب المعلم من شخصيتة .. هذا ما سوف نستعرضة في الجزء الثاني من هذا المقال مع فصول جديدة من حياة الراحل البابا شنودة ربما لا يعرفها الكثير .. فانتظرونا

الباحث. نبيل عواد المزيني
رئيس مركز المزيني للدراسات والابحاث
وسفير الجمعية المصرية لعلوم وأبحاث الأهرام بأمريكا


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق