ـ900 عام ولا يزال دير سيدة الناطور ينبض بالحياة


الغربة ـ فريد بو فرنسيس 

على الطريق الساحلي المؤدي الى بلدة انفه الكورانية، وعند مدخلها الشمالي، يقبع دير "سيدة الناطور" الاثري، تلامس اقدامه مياه البحر، وتظلله اشجار الصنوبر العتيقة. "سيدة الناطور" هو دير سيسترسي بحسب السجلات القديمة المحفوظة، وأسلوب البناء المعتمد، لا سيما الخاص بالكنيسة، من الطراز السيسترسي لما فيه من تشابه كبير مع النمط السيسترسياني لكنيسة دير سيدة البلمند.
 شيد الديرعام 1157، الكنيسة فيه كناية عن لوحات جدارية تجسد صوراً لجميع مراحل التعليم المسيحي، تم تنفذها باعتماد المخطط الأيقوني البيزنطي الذي يعود تاريخه الى القرنين الحادي والثاني عشر وهي تعتمد منهجاً أيقونياً غنياً يرتكز على سيرة حياة السيدة العذراء التي تكرسها الكنيسة مع وجود تمثيل لقديسين منهم الشهداء الثلاثة من مدينة طرابلس في القرن الأول المسيحي والقديسة اكويلينا من مدينة جبيل القديسة ثيودوسيا من مدينة صور.
وبسبب موقع الدير الاستراتيجي، احتلته العديد من الجيوش التي مرت في المنطقة، ونتج عن هذا الاحتلال، تهدّم الجناح الشمالي للدير خلال الحرب العالمية الأولى حيث أعيد ترميمه أخيراً على يد الأخت كاترين الجمل. وتقول الأخت كاترين الجمل مدبرة الدير انها دخلت اليه " مقفراً ومهجوراً، يصلح لكل شيء إلا للسكن، وهو يرتبط بقصة قديمة تقول إن رجلاً ثرياً أراد التكفير عن خطاياه، فقصد الدير المحاذي للبحر، ورمى فيه مفتاح خزنة نقوده، وقال: إن أعيد المفتاح إلي يكُن الله قد صفح عن جميع خطاياي". وبقي يعيش في الدير زاهداً، يعتاش من اللقمة التي يقدمها إليه الصيادون. إلى أن رمى أحدهم ذات يوم شبكته في البحر وقال سأقدم لهذا الفقير ما اصطاده ليأكله، وإذ به يفي بوعده، ليجد من كان يدعى فقيراً داخل إحدى السمكات مفتاحه الذي رماه. عندها أيقن أن الله صفح عن ذبوبه، فوزع أملاكه وأمواله على الفقراء وعاد إلى حياة النسك والصلاة. وربما قد تكون تسمية الدير بالناطور عائدة إلى الفترة الطويلة التي قضاها الرجل في الدير منتظراً رحمة الله". 
في العام 1997 خضع دير سيدة الناطور لعملية ترميم بعض من اقسامه، الى رسم جداريات في الكنيسة والهيكل والمدخل، بمساعدة علماء آثار ومهندسين متخصصين للحفاظ على طابع الدير. وفي ايلول من العام 2013 دشنت ادارة شركة الترابة الوطنية "ترابة السبع" المرحلة الاخيرة من عملية ترميم الدير التي قامت بها، برعاية متروبوليت طرابلس وتوابعها للروم الأرثوذكس، المطران إفرام كرياكوس، وحضور رئيس مجلس ادارة الشركة بيار ضومط وفعاليات انفه والشمال وحشد من المهندسين. 
الأب أمبرواز، الروسي الأصل الذي رسم الأيقونات داخل الكنيسة وأعاد ترميم بعضها، شكر الأم كاترين لدعوته الى زيارة الدير في العام 1997 حيث اطلع على الرسوم والجداريات وعلى تاريخ الدير وساعد في إعادة ترميمه، شارحاً معاني الأيقونات والرسومات التي يعود تاريخها الى القرنين الحادي عشر والثاني عشر. 
اما المطران إفرام كرياكوس فقد اشار في كلمته الى ان "هذا الدير الذي هو أرض مقدسة"، وقال :"العطاء المجاني يأتي أولاً من الله الذي أغدق علينا من نعمه الغزيرة، وأمطرها على الأخيار والأشرار، لكن هنا تتجسد الفضيلة عند الراهبة التي كرست حياتها وقدمت لا مالها، كونها لا تملك شيئاً، بل قدمت نفسها وتعبها ومحبتها للعذراء وللجميع". ووجه الشكر الى رئيس مجلس إدارة شركة الترابة الوطنية بيار ضوميط ومدير الشركة روجيه حداد "اللذين قاما بالمبادرة لتنظيم هذا الاحتفال وساهما مع غيرهما من محبتهم وعطائهم المجاني في ترميم هذا الدير، كذلك المهندس ديب".
 وتحدث رئيس مجلس ادارة ترابة السبع السيد بيار ضوميط فلفت في كلمته الى "إن دير سيدة الناطور وعلى رأسه الأخت كاترين لطالما سهرا على أهاليها في المنطقة طوال سنوات عدة لذا فهما يحتلان مكانة خاصة في قلوبنا. الآن وقد حظينا بفرصة لرد هذا المعروف" مشددا على "اننا عازمون على أن نكون أحد أبرز المساهمين في الحفاظ على الدير".  ثم كانت جولة على مختلف أقسام الدير بما فيه القاعة الجديدة للاستقبال التي تم بناؤها حديثاً والتي تطل على الفناء المركزي حيث أقيم معرض صور من الماضي يحمل توقيع المصورة جومانا جمهوري إضافةً الى صور بصرية للدير تناولت إعادة الترميم والتطور الذي لحق به. 

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق