الحسين..روح الإباء و الشموخ الانساني/ العلامة محمد علي الحسيني

من الخطأ الفاحش أخذ ثورة الامام الحسين"ع"، و قولبتها ببعد أو إطار طائفي او حتى عرقي او إقليمي او ماشابه، لأنها قضية و طرح فکري ذو منحى عمومي يکسر و يحطم کل الحواجز و الحدود و يفرض تلك القيم و المبادئ الانسانية الخلاقة، التي دفع حياته و حياة أهل بيته و أنصاره ثمنا لها.
من الظلم کل الظلم إعتبار الحسين إرثا لفئة او طائفة، لأن قيمه و مبادئه التي أراق في سبيلها دمه الزکي أعلى کعبا و أرفع مقاما من ذلك، هذا الثائر الکبير بموقفه و بالتعاليم و المفاهيم الحية التي جسدها في ثورته، أعطى درسا کبيرا و ذو معان عميقة جدا للإنسانية کلها، وان الزعيم الهندي غاندي تعلم الدرس الاکبر من هذه الثورة التي للأسف جهلناها نحن جميعا کمسلمين عندما أطلق مقولته الشهيرة و ذات المعنى النير:(تعلمت من الحسين كيف أکون مظلوما فأنتصر)، فهل هناك من إکتشف هکذا قبس و کنه و مغزى من ثورة الحسين؟
الامام الحسين الذي لاخلاف هناك على أنه سيد شباب أهل الجنة، وأنه کان أحب الناس مع أخيه الحسن إلى قلب جدهما المصطفى"ص"، ليس بإمکان أحد أن ينکر ان آية التطهير التي نزلت بحق أهل بيت النبي و  الحسين"ع"، واحد منهم والتي قال فيها سبحانه و تعالى:
{إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا}؟ لايمکن التصور بأنه قد ذهب ثائرا من أجل السلطة و المال في وقت کان يعلم علـم اليقين بأن الموت الزؤام بإنتظاره، لکنه ذهب و أطلق أول صرخة إصلاح في التأريخ الاسلامي و الانساني عندما قال:( لم أخرج أشرا ولابطرا وﻻ مفسدا وﻻظالما انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي)، وهو درس غني و عظيم في نفس الوقت لأنه يعلمنا بأن لانرکن للسلطة او للوجوه وانما لميزان الحق و الباطل، والاصلاح عماده يقوم على کلمة الحق بوجه سلطان جائر، لکننا نتساءل و من حقنا التساؤل:
هل ثارت أمة الاسلام على الاخطاء و الامور السلبية و التجاوزات الفاحشة التي حدثت حتى سقوط الدولة العثمانية؟
الاقدام السائرة بقلوب مفعمة بالحب للحسين نحو مرقده الطاهر في کربلاء، ليس هو مجرد سير عادي، بل هو مسيرة حضارية تذکر البشرية بتضحية إستثنائية و بموقف فريد من نوعه من أجل إباء الانسان و عزته و کرامته، فهذا المسير هو بمعنى الانتماء لمدرسة الحسين الانسانية في طلب الحق و العدالة و الاصلاح، وهو مسير يجسد في نفس الوقت رفضا کاملا للسير في طريق الباطل و الشر و العدوان و الظلم، وان الذين يحاولون قولبة هکذا ممارسة حضارية إنسانية سلمية و إلباسها دثارا سياسا اومذهبيا ، فإنها محاولات مرفوضة و مدانة ولايمکن أبدا أن تتفق مع النهج و الفکر القويم الذي قامت عليه ثورة الحسين مطلقا بل وان ذلك تجن على هذه الثورة و تشويه واضح لها وهي قبل ذلك کله طعنة سامة في القلب الطاهر للامام الحسين الذي نعتبره ميراثا إسلاميا و إنسانيا جامعا وليس سلعة سياسية او مذهبية يتم إستغلالها لإلحاق الاذى و الظلم بالاخرين فالحسين براء من هذا براءة الذئب من دم يوسف.
الحسين في تضحيته الکبيرة التي قدمها على أرض کربلاء و بقيت تداعياتها و آثارها باقية و ستبقى بعون الله الى يوم الوقت المعلوم، هي تضحية من أجل ذلك الانسان الذي أکرمه الله عزوجل بجعله أفضل المخلوقات، وانه و هو سبط الرسول و سيد شباب أهل الجنة أبى أن يذل و يهان هذا الانسان و يجبر على الانکسار و الانحناء، وجسد رفضه لإهانة انسانية الانسان و سلبها من محتواها السر الذي منحها الله تعالى له بثورته هذه التي جسدت روح الاباء و الشموخ الانساني.
*حفيد الإمام الحسين (ع)..محمد علي الحسيني. 
alsayedelhusseini@gmail.com

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق