النهار
انه شاغلها الاول، "كفن المسيح المحفوظ في تورينو"، بحثها الدائم الذي قادها الى اكثر من 40 بلدا، محاضِرَة، محقِّقَة، متابعة نهمة لكل المستجدات. "السندونولوغ"، او الخبيرة العالمية بكفن المسيح، الايطالية ايمانويلا مارينللي(1) من المؤمنين بصدقية الكفن. "انه الكفن الحقيقي ليسوع المسيح. لا شك لدي اطلاقا في ذلك"، تقول لـ"النهار".
منذ نحو 34 عاما خلت وهي تتابع مختلف البحوث حول الكفن، ووضعت اكثر من 15 كتابا عنه. لفتتها الدراسات التي أجريت على لقاحات الزهور الموجودة على الكفن، كونها متخصصة بالعلوم الطبيعية، الى جانب العلوم الجيولوجية، مما جعلها توجّه أنظارها الى الكفن وتحسم موقفها منه. فالاكتشاف الذي بيّن ان "معظم اللقاحات عليه مصدرها، ليس اوروبا، بل الشرق الاوسط، وان ثمة منها خاصّة بصحراء سيناء وغرب الاردن ومحيط اورشليم"، أذهلها، واعتبرته "دليلا علميا قويا" الى ان "الكفن جاء من اورشليم".
الى جانب موقع الكتروني (2) انشأته وشقيقها العام 1997، وكان الاول في ايطاليا حول الكفن، تضم مكتبة مارينللي اكثر من 900 كتاب و300 بحث عن الكفن. وفي احصاء بسيط، تبيّن لها ان "50 بحثا فقط يشكك في صدقية الكفن، في مقابل 250 تؤكدها"، وأن "كل الذين عاينوا الكفن مباشرة يوافقون على أنه كفن المسيح، ومن يعارضون هم الذين لم يعاينوه عن قرب". الخلاصة التي تنادي بها ان "لا احتمال آخر سوى انه الكفن الحقيقي، وفقا لما تؤكده بحوث علمية وتاريخية كثيرة (...)".
التفاصيل تناقشها، تجادل فيها، وتتوقف عند بحوث اطباء شرعيين "ان الجثة لم تبقَ في الكفن اكثر من 36 ساعة، وان لا اثر لتحلل جثة فيه، وان شكل انسان بالكامل انطبع عليه بطريقة سلبية، كما نراه في "نيغاتيف" الصور الفوتوغرافيّة، وذلك ألفي سنة قبل الكاميرا".
ان يكون الكفن صنع فنان او نتيجة “عملية قتل مدبرة” تمت في القرون الوسطى في اوروبا، وفقا لنظريات، امر تستبعده. فمسار الدم على الكفن واعادة تركيب حديثة للطريقة التي صلب بها رجل الكفن (في الصورة) حاسمان في رأيها. "لو كان الكفن صنع فنان او تدبير بشري، لكان يجب صلب احدهم، بعدما يكون عانى كل العذابات التي عاناها المسيح. وهذا أمر مستحيل، إضافة إلى أن المعلومات الدقيقة عن الدورة الدمويّة وأماكن ظهور الدم على الجسم لم تكن متوافرة في القرون الوسطى".
دليل آخر تبرزه. "لو انتزع الجسم نزعا عن الكفن، كما يدعي البعض أن الجثمان سرق، لما امكن ابقاء قطرات الدم ثابتة بوضوح كما هي ظاهرة عليه اليوم. ولا قطرة واحدة تحركت ملليمترا"، تؤكد. ويبقى السؤال: كيف انطبع شكل انسان على الكفن؟ لقد توصل علماء ايطاليون الى ان "التفسير الممكن لذلك هو ان انبعاثا للطاقة حصل في لحظة من اللحظات"، تفيد. الاختبار تم على قطعة قماش بواسطة ليزر بشعاع فوق بنفسجي. وتشرح "انهم توصلوا الى القول ان الآثار التي على الكفن ناتجة من عوامل اكسدة وجفاف تفاعلت مع بنية الياف كتانه، وأدت إلى التغيير الظاهر على القماش، وانه بالتالي من المستحيل ان يكون الكفن من صنع فنان او دهن بالدم، وخصوصا انه لم يتم العثور على مواد تلوين او دهان او اصباغ في الالياف...".
الاختبارات المؤكدة لصدقية الكفن عديدة، موثقة، تذكِّر بها مارينللي. واذا كانت نتيجة فحص الكربون 14 أتت مغايرة لما أثبتته الفحوص الأخرى والوثائق التاريخية، فهذا يعود، في رأيها، إلى "تلوث سطح القماش وتأثير الفطريات والباكتيريات التي اكتشفت على الكفن، والتأثير الممكن للحريق الذي تعرض له العام 1532".
تفاصيل اكثر وتشابه
بين ما هو ظاهر على الكفن وما تورده الاناجيل عن آلام المسيح، التشابه واضح. "الكفن يعطي تفاصيل اكثر. والاهم ان لا شيء مما يكشفه يتعارض مع الاناجيل"، تقول مارينللي. وما يخبره عن "آلام" صاحبه مثير: هناك انتفاخ في عظمة خده الايمن منع عينه ان تفتح، انفه مكسور، جزء من لحيته نتف، على جبينه سال دم من الشرايين والاوردة، وعلى رأسه "نحو 15 جرحا"، وفي رسغيه ورجليه، آثار مسامير. اما جسده، فيحمل آثار جلد. تقول ان "السوط الذي استخدم لجلده له ألسنة ثلاثة، كل منها ينتهي بقطعة عظم. وبعد الجلد، كان الصلب، بما يتطابق مع الاناجيل. ويبيّن سير الدم ان المجلود كان منحني الظهر خلال الجلد". ففي ضوء اعادة تركيب حديثة قام بها المونسنيور جوليو ريتشي" بالاستناد الى "حركية" الدم على الكفن، يتبين على ما تفيد، ان "الدم يتجه نزولا وايضا افقيا. آثار الضربات على الجسد مئات ومئات، على الاقل 120، علما ان كل ضربة تحدث 6 علامات نظرًا الى شكل السوط الروماني المستعمل". على الكتف اليمنى جرح جلي، "خلّفته احدى ذراعي الصليب من جراء حمله في شكل مائل من فوق بجعله على الكتف وربط الذراع الاخرى بالرجل اليسرى". اما الصلب، فيحدده ايضا اتجاه الدم: "اليد اليسرى ممدوة على طول الذراع اليسرى للصليب، والاخرى ثُبِّتَت في شكل عمودي على الذراع المقابلة".
ويبقى جرح الجنب الايمن "مهما"، على قولها، "اذ يظهر ان الدم الخارج منه يتجه الى اسفل. والمؤكد ان الجرح حصل بعد الموت، لأنه بقي مفتوحًا". فما خرج منه هو "دم متجلّط وحوله بقعة من مصل الدم. وانفصال المصل عن الدم لا يحصل الا عند الوفاة". وهذا الاستنتاج يقود الى آخر هو ان "المسيح كان يتألم في الجستمانية، وان معاناته ازمة قلبية ونزفا في الشريان الاورطي اديا الى تعجيل وفاته. وهذا يعني ان الدم المتسرب من الشريان الاورطي ملأ "البيريكارديوم" حول القلب بالدم الذي تجلط وانفصل عنه المصل طاف فوقه. وهذا ما يفسر خروج دم متجلط ومصل الدم لدى طعن جنبه بحربة". بالنسبة الى مارينللي، لما امكن تحقيق آثار هذا الجرح في القرون الوسطى، لجهلهم آنذاك خصوصية الدورة الدموية. ويستدعي ما عرضته ان ترفض كليا مقولة ان المسيح مات اختناقا لعجزه عن التنفس على الصليب.
الجدل حول "كفن المسيح" لن ينتهي يوما، في رأيها، لما ينطوي على "دلائل" تفتح المجال امام اختلاف في الوجهات او توافقها. ايا يكن، فان الكفن "علامة واضحة على حصول قيامة”، تقول. اما موقف الكنيسة، فتختصره بكلمات قليلة: "البابا راكعا امام الكفن".
(1) دعتها "جماعة يسوع" في لبنان الى القاء محاضرة عن "كفن المسيح" في 10 نيسان الجاري في جامعة سيّدة اللويزة.
(2) www.sindone.info بالإيطالية والإنكليزية. اما بالعربيّة، فيمكن مراجعة www.kafanalmassih.org للسندونولوغ اللبناني المهندس فارس حبيب ملكي.
هالة حمصي
(hala.homsi@annahar.com.lb )
0 comments:
إرسال تعليق