الإستنارة/ نسيم عبيد عوض


" 1وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَانًا أَعْمَى مُنْذُ وِلاَدَتِهِ، 2فَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ:«يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟». 3أَجَابَ يَسُوعُ:«لاَ هذَا أَخْطَأَ وَلاَأَبَوَاهُ، لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ. 4يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. 5مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ».

هذه مقدمة إنجيل معجزة تفتيح عينى المولود أعمى والتى وردت فقط فى انجيل القديس يوحنا الإنجيلى ‘ وتضمنها الإصحاح التاسع بأكمله ‘ وقبل الدخول فى تأمل أحداث ومعانى هذا الحدث ‘ نعود لإصحاح 8 لنرى مقدمة لإصحاح 9‘ فبعد ماحدث للمرأة الممسوكة فى ذات الفعل وقول الرب لها ولا أنا أدينك أذهبى ولا تخطئي أيضا. قال الرب " ثم كلمهم يسوع أيضا قائلا: أنا هو نور العالم .من يتبعنى فلا يمشى فى الظلمة .بل يكون له نور الحياة.فقالوا له من أنت؟ فقال لهم يسوع أنا من البدأ ما أكلمكم أيضا به." يو8: 12و25‘ وايضا إمتلأت نبوات العهد القديم الكثير عن هذه المعجزة وعن علامات المسيا المنتظر: إشعياء : - 29: 18"ويسمع فى ذلك اليوم الصم اقوال السفر .وتنظر من القتام والظلمة عيون العمى. " – 35: 5" هو يأتى ويخلصكم . حينئذ تنفتح عيون العمى وآذان الصم تتفتح."  - 42: 6."أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم." 7." لتفتح عيون العمى لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين فى الظلمة."  - ومز146: 8 "الرب يفتح أعين العمى."

زمن هذه الآية

وبناء على ماورد بالإصحاحين التاسع والعاشر هو زمن عيد التجديد فى أورشليم ‘أو عيد الأنوار ولمدة 7 أيام الإحتفال تنار كل أنوار الهيكل وكل أورشليم لأنه عيد الأنوار‘ وهو ذكرى تجديد المذبح والهيكل ‘وذكرى إنتصارات المكابيين لمدة 3 سنوات (167-164 ق.م.) فقد طرد يهوذا المكابى السوريين الذين نجسوا مذبح المحرقة وأقاموا صنم بعل(شاميم) فى الهيكل ‘ والمعتبر رجسة الخراب التى وردت فى نبوة دانيال النبى (9: 27) ‘وقد بنى المكابى بعد إنتصاره المذبح من جديد وتم تدشين الهيكل حسب الطقوس ‘ وصار يعيد كل سنة تذكارا لذلك . وكان قد مضى حوالى 3 سنوات على خدمة الرب ‘ والذى كان  خلالها يجول يصنع خيرا كما قال معلمنا بطرس فى أعمال 10: 38. وكان رمزا جميلا وله معانى رائعه ان تنفتح عينى المولود أعمى فيرى هذه الأنوار.

ويقرأ هذا الإنجيل فى ألأحد السادس من الصوم الكبير أو احد التناصير (المعمودية) بكونها إستنارة للبصيرة الداخلية ‘وليلحق بإنجيل الجمعة الماضى حيث قرأ من إنجيل يوحنا 3: 1-13‘ والخاص بالمعمودية التى هى ميلاد من الماء والروح ‘ وأيضا ميلاد من فوق ‘    ويقرأ نفس الفصل فى الأحد الرابع من شهر طوبة بعد عيد الغطاس لإرتباطه أيضا بالعماد ولإمتلاء المعمد بنور الله.

    " وفيما هو مجتاز رأى انسانا أعمى منذ ولادته."

  وهو الذى رأى بدون رأى أحد وبدون أن يسأل الرب احد لشفاء الأعمى ‘ وتحقيقا لنبوات الكتاب:  "أصغيت الى الذين لم يسألوا.وجدت من الذين لم يطلبوننى .قلت ها أنذا لأمة لم تسمى باسمى."اش65: 1‘ وفسرها القديس يوحنا ذهبى الفم " انه هو الذى رأى الأعمى ولم يأت الأعمى إليه." وكذلك القديس أغسطينوس" هذا الأعمى هو الجنس البشرى .لأن هذا الأعمى وجد له موضعا فى الإنسان الأول بالخطية . عدم الإيمان هو العمى ‘والإيمان استنارة ‘ فان كان الشر قد وجد له جذور فينا ‘ فان الإنسان ولد أعمى ذهنيا ويحتاج الى أحد يقوده وينير طريقه." وفى القداس الغريغورى يقول " وهبت النظر للعميان." ‘وفى الكيرلسى" يامن فتح أعين العميان إفتح عيون قلوبنا‘  وفى سفر الخروج يقول الرب لموسى " من صنع للإنسان فما أو من يصنع أخرس أو أصم أو أعمى .أما هو أنا الرب." خر4: 10و11‘ ويقرر أيوب هذه الحقيقة" روح الله صنعنى ونسمة القديرأحيتنى .." أي33: 4.

الخطية والمرض

ان الرب يجتاز فى وسط شعبه دائما وكما يقول الوحى الإلهى " فى كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم بمحبته ورأفته."اش63: 9‘ وكما يقول المرتل" ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم." مز34: 7 ‘ وأيضا" كثيرة هى بلايا الصديق ومن جميعها ينجيه الرب." مز34: 19.  وقد رد الرب على سؤال التلاميذ من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى حسب إعتقاد اليهود بأن سبب أمراض الإنسان هو خطاياه ‘ وقد تورث هذه من الآباء ‘ ولكن الرب قد أجاب على هذه التساؤلات فى سفر حزقيال النبى عندما قال" الابن لا يحمل من إثم الأب . والأب لا يحمل من إثم الإبن. بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون ‘ ولكن هناك أصول طبيعية ترتبت عليها دخول الخطية فى البشر وبالتالى الأمراض ‘ مثال ذلك أ-فقد الإنسان لوضعه الروحى وعشرته مع الله فأصبح فريسه لكل الشرور. ب- عوامل الزمن. ج- عوامل البحث عن المعيشة وما يستلزمه من تعب وجهد.  د- عوامل كونية (زلازل وسيول وغيرها من ثورات الطبيعة). هه- وهناك أنواع امراض يجرها الإنسان على نفسه وعلى غيره ويتحمل عواقبها مثل أكلات ومشاريب معينة وتعاطى مايضره ‘ وهناك العلاقات الشاذه جنسيا التى تسبب أمراضا وغيرها. 

" أجاب يسوع : لا هذا أخطأ ولا أبواه . لكن لتظهر أعمال الله فيه." مثلما قال تماما فى مرض لعازر وموته" هذا المرض ليس للموت.بل لأجل مجد الله .ليتمجد ابن الله به." يو11: 4‘ والذى يقصده الرب أنه من حكمة الله التى سمحت بولادة هذا الإنسان أعمى ‘ لكى تظهر قوة الله ليستنير جسديا ونفسيا وروحيا ‘ ويكون شفائه سببا فى خلاص كثيرين‘ فحكمة الله التى سمحت بحصول العمى لتكون الرحمة فى شفاءه هى العلة فى ظهور أعمال الله فيه‘ كما يقول القديس أغسطينوس " المسيح هو المخلص وبعمل الرحمة صنع مالم يصنعه فى الرحم".

" مادمت فى العالم فأنا نور العالم."

يتحدث الرب عن كونه فى العالم بالجسد ‘ لأنه هو الذى قال" ها أنا معكم كل الأيام وإلى إنقضاء الدهر."مت28: 20‘ وهكذا النبوة" وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم لتفتح عيون العمى .." اش42: 6‘ وعند خروج بنى اسرائيل من مصر كان الرب يسير أمامهم نهارا فى عامود سحاب ليهديهم فى الطريق وليلا فى عامود نار ليضيئ لهم لكى يمشوا نهارا وليلا."خر13: 21 ‘ونحن المؤمنين علاقتنا أقوى بالنور لأنه هو نور حياتنا "من يتبعنى فلا يمشى فى الظلمة بل تكون له نور الحياة." يو8: 12 ‘ "فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس."يو1: 4‘ ونحن عند خروجنا من جرن المعمودية نصير أبناء النور كقول القديس بطرس يوم الخمسين" توبوا وليعتمد كل واحد  منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس." أع2: 28‘ وهو نفسه قول الرب " إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله." يو3: 5‘ وقد أصبحنا ابناء النور بقول الرب " مادام لكم النور آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور." يو12: 36 ‘ وهكذا أصبحنا هيكل لله وروح الله يسكن فينا(1كو3: 16).

الطين

تفتيح عينى المولود أعمى بتفل الطين لها سابقة فى حالة الأصم الأعقد ..أخذه من بين الجمع على ناصية ووضع أصابعه فى أذنيه وتفل ولمس لسانه ورفع عينيه نحو السماء وقال إنفثأ أى انفتح وللوقت انفتحت آذانه وانحل رباط لسانه وتكلم مستقيما (مر7: 33‘ وأيضا اعمى بيت صيدا " فأخذ بيد الأعمى وأخرجه الى خارج القرية وتفل فى عينيه ووضع يديه عليه .." مر8: 22‘ ولكن نحن هنا امام عملية خلق عضو ناقص فى جسم الإنسان ‘ الذى جبله الرب على صورته ومثاله واستخدم طين الأرض كما ورد فى تك 2: 7" وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض ونفخ فى أنفه نسمة حياة فصار نفسا حية." وكقول اشعياء النبى" والآن يارب أنت أبونا ونحن الطين وأنت جابلنا وكلنا عمل يديك." اش64: 8.فعندما طلى عيني المولود أعمى بالطين خلقت له المقلتين ."

والله هنا يعطينا الدرس :

1- أنه يتمم عمله حسب فكره الإلهى وليس حسب رغبات ووسائل البشر.

2- أن مايشغله هو ان يهب للأعمى البصر بعينيه والبصيرة لقلبه وروحه.

3- لم ينتظر حتى يعبر السبت لكى يعلمنا الا نؤجل عمل الخير للغير.

4- ونحن نتعلم ان نعمته وبركته هو سر القوة. فهنا الإغتسال فى بركة سلوام له معنى بأن الإغتسال بالمياه المقدسة هو المعمودية ‘ والمعمودية فى العهد الجديد بالماء والروح ‘ وهو فعل الميلاد الجديد ‘ واسمها الروحى أو السرائرى هو الإستنارة فالمعمودية هى سر الإستنارة .

كنت أعمى والآن أبصر

عندما سال الفريسيون الرجل الذى كان أعمى عن كيف انفتحت عيناه  قال شيئا واحدا كل ما أعرفه اننى كنت أعمى والآن أبصر ‘ ولكن فعل الإستنارة فيه كانت واضحه فى تعريفه لمخلصه ‘ فقال " إنسان يقال له يسوع (المخلص) ‘ وقال عنه أنه "نبى" عندما سألوه ماذا تقول أنت من حيث فتح عينيك؟ ‘ وقال عنه أيضا " منذ الدهر لم يسمع أن أحد فتح عينى مولود أعمى ‘ لو لم يكن هذا من الله لا يقدر أن يفعل شيئا."  وعندما تقابل وجها لوجه بيسوع المسيح الذى سأله أتؤمن بابن الله .أجاب ذاك وقال من هو ياسيد حتى أؤمن . فقال له يسوع قد رأيته والذى يتكلم معك هو  هو." فقال أؤمن ياسيد وسجد له."

وكما قال الرجل كنت أعمى والآن أبصر ‘ كذلك نحن كنا فى الظلمة وبالإيمان نبصر النور ونستنير بالميلاد الجديد بالماء والروح الذى يعطينا عربون الحياة الأبدية ونهارا أبديا‘ فهل " أخبر بفضل الله الذى دعانى من الظلمة الى نوره العجيب ."كما قال الكتاب ‘ هل أكون إنجيلا مقروءا أمام الناس فيمجدوا أبانا الذى فى السموات‘هل نعيش قول الرب لنا أنتم نور العالم. الله ينعم علينا أن نكون له نورا يشع ورائحة ذكيه شاهدا له. والمجد لإلهنا. أمين.


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق