نهرو طنطاوي: النص الديني ليس مقدساً وتأخير تنفيذ الأحكام جائز


روز اليوسف ـ حسام سعداوي

من موقع المكفر إلي موضع المفكر الواقع في مرمي سهام التكفير، كانت رحلة الباحث نهرو طنطاوي، التي بدأت قبل ما يقرب من ثلاثين سنة، في إحدي قري محافظة أسيوط، ولم تزل مسيرتها مستمرة حتي الآن.. شهدت هذه الرحلة محطة فاصلة تمثلت في اعتناق الفكر الإلحادي، ومن المتوقع ان تشهد علي مدار السنوات المقبلة سلسلة من المحطات تمثل كل منها نقطة فارقة في التطور الفكري والبحثي للرجل، حتي ينزل في محطة اليقين.

يطرح طنطاوي مجموعة أفكار تسبق كثيرا من الباحثين الذين تصدوا للظاهرة الدينية وعلاقتها بنظم الحكم ويقول إنه يمتلك منهجا توصل إليه بعد قراءات كثيرة في كتب صفوة المفكرين الإسلاميين وعلماء الطبيعة والماركسيين والعلمانيين وحتي الملحدين.

«روزاليوسف» تنقلت مع الباحث عن الحقيقة ـ كما يوصف نفسه ـ عبر تلك المحطات في محاولة لتقديم تجربة جديرة بالنظر والاهتمام فكان هذا الحوار:

< لنتعرف في البدء علي تجربتك مع التيارات الدينية؟

ـ بدأت رحلة انضمامي إلي التيارات الدينية في سن مبكرة جدا، حيث انضممت لجماعة الإخوان في العاشرة من عمري.. بطبعي مولع بالقراءة وكنت احرص علي شراء الكتب غير الدراسية، كانت عناصر جماعة الإخوان تنظم لقاءات في المسجد، وكنت أحضرها.. كانوا يركزون علي القضايا التي تثير النزعة الدينية داخل الفرد.. كنت اسمع إليهم باهتمام وأصبحت مواظبا عليها.. مع مرور الوقت شعرت بأن النزعة الدينية تتنامي بداخلي.. وأصلوا بداخلي فكرة عمل التيارات الدينية وفي مقدمتها الإخوان وهي عزلة شعورية للعناصر عن واقعهم المعاش، من خلال غرس بعض المفاهيم داخل الفرد منها انه انسان ملتزم ولا يجب ان ينغمس في المجتمع الفاسد المنحل أخلاقيا ودينيا.

< مجتمع جاهلي كما وصفه سيد قطب؟

ـ نعم، هو يصور لك الواقع علي انه "واقع أليم" ويرسم بداخلك في نفس الوقت صورة لمجتمع نقي مثالي تسعي دائما إلي الوصول اليه،وهو هنا دائما ما يربط ذهنيا بين هذه الصورة والمجتمع الذي أسسه الرسول (ص)، وبدأ قيادات الجماعة يلهبون فينا حس الجهاد، ويوصونا بالحفاظ علي أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، جعلونا نثور علي الرشوة والفساد والانحلال الأخلاقي.. كل هذه أمور جيدة لكن السيئ في الأمر أن توظف كل هذا سياسيا.

< بأي معني توظفه سياسيا؟

ـ هم كجماعة يريدون الوصول للسلطة وفي سبيل ذلك يعتمدون في الحفاظ علي تماسك الصف بهدف عام يتمثل في تحرير فلسطين، تدريجيا هو يحرض هذه العناصر ضد الدولة وضد التيارات الدينية الأخري وبشكل غير مباشر يدمج بين الفكرة الأشخاص فيصبح الإخوان هم حملة دعوة الإسلام الحق وما سواهم باطل سواء كان الآخر دينيا أو فكريا أو حتي سياسيا، هو يغلف هذه الأمور كلها بغلاف آخر.

< ما تأثير ذلك عليك نفسيا ومجتمعيا؟

ـ بالفعل بدأت انظر للمجتمع نظرة فوقية وانطبق هذا الأمر علي والدي ووالدتي ومدرسي في الفصل.. ظللت مع الإخوان حتي بدأت التيارات الدينية الأخري في الانتشار، كنت في سن المراهقة وهي الفترة التي يكون فيها الفرد أكثر ميلا نحو الثورة وكل ما يمثلها، كان الإخوان ومازال كثير منهم يرتدون البنطلون والقميص ولا يطلقون لحاهم علي نحو كبير، وجدت في الجماعة الإسلامية نوعا آخر من النظرة للدين فهم يرون ان الالتزام بالهدي الظاهر هو أولي الخطوات للوصول للإسلام الصحيح؟

< بمعني؟

ـ هم يرون أن المظهر يجب أن يكون علي نفس الشاكلة التي كان عليها النبي ومجتمع الجزيرة العربية في القرن السابع بداية من الجلباب القصير الأبيض والسروال من تحته، والعمة البيضاء، وعلامة الصلاة البارزة.. اهتموا بكل هذا وجعلوه من الدين.

< رغم أن السعوديين أنفسهم لا يلتزمون به الآن؟

ـ بالضبط.. وبدأت اسمع مصطلحات ومسميات لم أكن اسمعها مع الإخوان كـ"الأمير" و"يا مولانا" و"الشيخ فلان".

< أنت تتحدث عن مبدأ "التمايز"؟

ـ هو مبدأ أصيل بل إنه يصل ويوازي عندهم الإيمان بالله.. ويتضح هذا عند دعاة السلفية الذين يظهرون في الفضائيات، فتجد احدهم يحف شاربه ويطلق اللحية والآخر يجز شاربه.. هذا يستند إلي حديث نبوي والآخر يستند إلي رواية أخري لنفس الحديث، وهذا الفريق له فكر والآخر له فكر مغاير، رغم ان الفريقين ينتميان للتيار السلفي.. الرغبة في التمايز هذه تدخل أصحاب هذه التيارات في معتركات شديدة الخطورة.

< كيف؟

ـ بمعني أننا قد نكون سلفيين لكن فكرينا مختلفان وبالتالي يأخذ الاختلاف حول الفكرة أو التفصيلة البسيطة نزعة شخصية، وتشعر بأن المسائل أصبح بها قدر كبير من العصبية أو القبلية أو الطائفية.

< من هنا نشأت التفريعات الدقيقة للتيارات الدينية؟

ـ بالفعل وأنا رأيت هذه التجربة داخل السجن.. الفروق حتي بين الاتجاهات العامة للتيارات الدينية محدودة رغم وحدة الهدف فما بالك بالجماعات الصغيرة، فالسلفيون يحملون نفس فكرة الجماعة الإسلامية في تطبيق الشريعة ومع ذلك تري الجماعة ضرورة الجهاد للوصول للهدف بينما يري السلفيون ان الهدف يتحقق من خلال هداية الناس أولا.

< هـل شاركت في عمليات من تلك التي نفذتها أي من الجماعات التي انتميت إليها؟ ـ كنت مسئولا فقط عن الجانب التثقيفي للأفراد لأني كنت أزهريا وأحفظ القرآن كاملا.

< كيف كان تأثير فترة السجن عليك؟

ـ قبل أن ادخل السجن لم أكن اعلم من التيارات الدينية غير السلف والإخوان والصوفية والجماعة الإسلامية وعندما دخلت وجدت ما يشبه مجمع الأديان أو مجمع الفرق الدينية، ما يقرب من 25 فكرا دينيا مختلفا وجدت من جماعات التكفير عشرا علي الأقل، صحيح أن جميعها تكفيريون لكن هؤلاء يسمون جماعة تكفير البنوك وأولئك جماعة تكفير المدارس وغيرهم جماعة تكفير الضرائب: من يدفع الضريبة كافر، اكتشفت داخل السجن أن من يدفع تذكرة القطار أو الحافلة كافر، لأن هذه التذكرة صادرة بقانون وضعي للدولة الكافرة التي تشرع من دون الله. < انقسامات لأتفه الأسباب؟

ـ هي كانت أشبه بالانقسامات البكتيرية والنقاشات مستمرة والانقسامات بناء عليها متوالية وأذكر ذات مرة كنا نتناقش حول قضية ما بعد صلاة المغرب في جماعة وكنا خمسة أو ستة أفراد، وانتهينا من النقاش داخل المسجد إلي أن صلي كل منا العشاء بمفرده لأنه لا يجوز أن يصلي وراء كافر.

< من خلال تجربتك مع الجماعة الإسلامية في السجن كيف تقيم فكرة المراجعات؟

ـ مازلت مصرا علي أن «معظم» التيارات الدينية التي كانت في السجون وخرجت لا تزال تحمل نفس الأفكار التي دخلت بها لأنها لم تجد بديلا مقنعا عنها، وكل من خرج من السجن بعد أن وقع علي وثيقة مراجعة هو يؤمن أنها بمثابة هدنة لا أكثر لأنه رأي نفسه في السجن لفترة طويلة فقرر أن يخرج منه إلي أن يشاء الله وتضعف قبضة الدولة وهذا بدليل أنهم رغم عملهم في بعض الوظائف لا يزالون يكفرونني وقال احدهم لي منذ شهر تقريبا "إني أكرهك في الله" وهي تحمل معني باطنا شديد القسوة.

< يقول المدافعون عن المراجعات إن من قاموا بها أصحاب فكرة يعتبرونها صحيح الدين وبالتالي ليس من السهل ان يبيعوا دينهم من اجل عرض الدنيا؟

ـ المراجعة كانت عبارة عن تقية للخروج من السجن، هم لا يزالون علي نفس أفكارهم بل إنهم في السابق كانوا يفرغون طاقاتهم في المحاضرات والتمارين والمعسكرات أما الآن فهم بمثابة قنابل موقوتة ولو عادوا مرة أخري ستكون هناك مشكلة كبيرة كنت مع هؤلاء وأعرف جيدا كيف يفكرون، تجري في دمائهم أفكار التكفير وحتي الآن لم يجدوا البديل الأنسب من وجهة نظرهم بدليل أنهم حتي الآن يحافظون علي نفس مظهرهم.

< لكن المراجعات لم تكن أمنية فحسب وإنما شارك فيها علماء من الأزهر؟

ـ هم لا يحترمون علماء الأزهر ويعتبرونهم موظفين لدي الدولة تأمرهم فيحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل ومن ثم لا يمكن أن يقتنعوا بأفكارهم.. ولا أقول هذا من باب أن الدولة عليها أن تعدمهم مثلا وإنما لكي توجد من يصلح لهم أفكارهم.

< من هؤلاء إذا كانوا لا يعتدون برجال المؤسسة الرسمية؟

ـ الشيوخ المستنيرون من خارج عباءة السلطة.

< نقطة الانطلاق نحو الفهم المختلف للدين متي كانت؟

ـ داخل السجن، عندما رأيت هذا التنازع والتصارع قلت في قرارة نفسي إن هذا ليس دينا ومن المستحيل أن يكون هذا إسلاما، من هنا بدأت انقلب من داخلي علي هذه الجماعات ومررت بمرحله شبه إلحادية امتنعت خلالها عن تأدية الصلوات ويئست من الدين.

< الصورة المثالية سقطت في عينيك؟

ـ قلت وقتها نحن غرر بنا وليس هناك دين ولا الله ولا قرآن وكانت هذه المنطقة الفاصلة بمثابة هدنة لأنني رأيت أن كل البدائل معطوبة، لم يكن هذا نتيجة السجن والرغبة في الخروج وإنما كانت معركة نفسية بداخلي.

< رغم أنك كنت مسئولا عن غسيل العقول والأدمغة؟

ـ كنت باحثا عن الحقيقة قبل أي شيء آخر بمعني أني أثناء انضمامي للجماعة الإسلامية كنت أقرأ أعداد مجلة «روزالوسف» رغم اختلافها الشديد معنا وكنت أضعها في كيس اسود وأخفيها تحسبا لزيارة الإخوة لي في المنزل، بدأت أقرأ كثيرا في كل الاتجاهات داخل السجن وبعد خروجي.. وأشير هنا إلي أنني لم أوقع علي مبادرة للمراجعات ولم أقابل أيا من علماء الأزهر، إنما طلبت من إدارة سجن "أبو زعبل" أن تتاح لي الفرصة لأن أقرأ حتي أصل إلي الحقيقة وبالفعل.. ولذلك خرجت من السجن بعد ثلاث سنوات فقط من اعتقالي وأفرج عني رغم أني من أسيوط ووقتها كان الإفراج عن قيادي من أسيوط شبه مستحيل لأنها كانت تمثل المعقل الأول للجماعات الدينية.

< لمن قرأت حتي تصل إلي مرحلة يكفرك فيها قيادات التيارات الدينية وبعض مشايخ السعودية؟

ـ قرأت للشيخ محمد عبده والمستشار محمد سعيد العشماوي ومحمد صادق العظم ومحمد شحرور وغيرهم وقرأت للملحدين والماركسيين والعلمانيين وغيرهم.

< أثار كتابك "قراءة الإسلام من جديد" كثيرا من الجدل فماذا يمثل لك؟

ـ هو يمثل المحطة الأولي في معالجاتي الفكرية.

< طرحت في كتابك طرحا مختلفا يقوم علي الاعتماد علي النص القرآني وحده في فهم الدين.. كيف وصلت إلي هذه القناعة التي تمثل نقطة تماس مع القرآنيين؟

ـ وجدت من خلال قراءتي أن سبب الاختلاف بين العلماء سواء بين السنة أنفسهم أو بين السنة والشيعة منذ عهد الرسول وحتي الآن هو اختلافهم حول السنة واعتمادهم علي أحاديث مختلفة واعتماد كل فريق علي التشكيك في الحديث الذي يستند إليه الآخر وشعرت بأن الاحاديث التي تمثل بالقطع نصوصا ظنية هي سبب فوضي الفتاوي وأنا أختلف هنا عن القرآنيين في أني لا أنكر السنة كليا ووقفت في منطقة وسط.. ومنهجي يقوم علي إعادة قراءة السنة من جديد.

< هو نفس ما ذهب إليه جمال البنا؟

ـ جمال البنا منهجه انتقائي فهو يتناقض أحيانا لا ينكر السنة ولا يؤيدها.

< هو يطالب بإعادة النظر في الأحاديث المنسوبة إلي الرسول ويضع للتسليم بصحة الحديث مجموعة من الشروط؟

ـ هو ليس لديه منهج فلسفي لفهم الدين وإنما يعتمد علي الأفكار والآراء الفقهية المتروكة التي تثير بلبلة فقط، أي شخص يريد إصلاحا حقيقيا لابد أن يكون لديه منهج فلسفي لفهم الدين ككل، ومنهجي أنا يعتمد علي فكرة "أنسنة الدين".

< بمعني؟

ـ من وجهة نظري هناك خطأ يقع فيه الجميع من رجال دين وعلمانيين، وهو تقديس النص الديني والنظر إليه علي أنه يتعالي علي الإنسان، بمعني آخر أن النص الديني مقدس وإن فهمنا له فهم بشري ناقص، وبالتالي لا نحكم بالبشري علي المقدس وأنا أعتبر هذه ثغرة منهجية كبيرة جدا ستزيد الفكر الديني فوضي أكثر من تلك التي يعيشها، وأنا أري أن الدين نزل للإنسان فلابد أن يكون مؤنسنا حتي يستطيع البشر التعامل معه، بمعني أننا يمكن أن نؤخر نصوصا حتي ونحن نعلم ان الله قالها، وذلك من اجل مصلحة الإنسان، والدين نفسه هو الذي قال هذا ولست أنا.

< كيف آخذ من الدين ما يناسبني وأترك الآخر أو أؤجله.. هل هذا دين؟

ـ سأضرب لك مثالا اعمل في وظيفة ما وطلب مني صاحب العمل أن أؤدي مهمة أو احقق نتيجة ما، ومن ثم لا يكون خطأ مني إن حققت النتيجة بغير الوسيلة التي قالها أو سكت عنها.. هنا أنا أنفذ التعليمات بغض النظر عن المراحل الإجرائية المتبعة.

< ما الاختلاف في وجهة نظرك؟

ـ الفهم الديني السائد يقوم علي أن الله طلب منا أمرا والرسول (ص) نفذه بطريقة ما ومن ثم يكون علينا التنفيذ بنفس الطريقة التي نفذ بها الرسول حتي إن توصل البشر إلي وسائل اخري مغايرة تحقق نفس الهدف الرباني، وأنا هنا لا أؤخر النص الديني ولكن أنفذه وفق إمكانيات وظروف عصري.

< تحدثت في كتابك عن الاجتهادات الفقهية وقلت إنها الشر الذي لحق بالدين رغم أن ما تقوله الآن لا يعدو أن يكون اجتهادا مختلفا.. هل هذا تناقض؟

ـ الاجتهاد بالمعني المعاصر جريمة في حق الدين، بمعني أني عندما أضع تشريعا من عندي قياسا علي تشريع آخر وأقول إن هذا من عند الله أكون وقعت في مخالفة واضحة لما قال الله، وللأسف فإن الاجتهاد بهذا المعني هو السائد الآن، فما يقوم به دعاة الفضائيات وغيرهم يمثل جريمة في حق الناس لأنهم يجعلون رؤاهم من صحيح الدين.

< تقديس النص الديني و التعامل معه علي انه مطلق يجعله مجموعة من القواعد العامة المجردة الصالحة للناس جميعا في أي وقت؟

ـ هذه الطريقة من الفهم تعزل الناس عن الدين وتجعله من الصعب علي البشر الالتزام به وهي توقعنا في اشكاليات كبيرة فإذا كنت أنظر إلي تفسير النص الديني علي أنه اجتهاد بشري يناسب العصر الذي نعيش فيه يصبح النص الديني أجوف لا قيمة له بمعني أن الله كان عابثا عندما أنزل نصا لا يمكن أن يخضع لإنسانية البشر وهذا عيب في حق الله وفي حق النص الديني نفسه.

< أختلف معك وأري أنني في هذه الحالة ارتقي بالدين وألخصه في مجموعة الأوامر والنواهي المجردة؟

ـ هذه القواعد إذا ما عممت يصعب علي البشر الالتزام بها ويولد لديهم شعوراً دائماً بالعجز عن الوفاء بها، أضف إلي ذلك انه مع تزايد حجم الاختلافات بين تفسيرات الآية الواحدة تضيع الحقيقة ويعيش كل وفق ما يعتقد أنه الدين رغم تناقضنا.

< الاجتهاد هنا ليس مطلقا علي عواهنه وإنما الأمور ظنية التفسير؟

ـ علماء الدين يرون أن حتي المعلوم من الدين بالضرورة نص مقدس وفهمنا له بشري قاصر، وهي مشكلة فكرية بين العلمانيين والإسلاميين، فالإسلاميون يرون أن النص مقدس وكذلك الفهم له مقدس، وهذه جريمتها لا تحتاج لشرح لأنها تمثل افتراء علي الله، أما العلمانيون فيرون أن النص الديني مقدس وأن فهمنا له بشري، وهذا يؤدي إلي أن يصبح الدين كما أسلفنا نصا أجوف ويجعل من المنطقي ألا ننكر علي بن لادن وباقي الجماعات الإرهابية فهمهم للدين.

< أين يقف طرحك أنت من هذه الإشكالية؟

ـ أطالب كما قلت بأنسنة النص الديني ومن اجل هذا وضعت كتابا سميته "الجهاز العلمي في الإنسان" وتوصلت فيه من خلال القرآن إلي الجهاز المسئول عن العلم في الإنسان، وهو بالمناسبة ليس المخ الذي تنحصر وظيفته في تخزين المعلومات الواردة من الحواس، خلال الكتاب حاولت وضع منهج علمي علي غرار منهج «بيكون» اسعي من خلاله لتفسير طرق حصول الإنسان علي المعرفة والعلم.

< إلي أي شيء وصلت من خلال المنهج؟

ـ وصلت إلي أمر مهم وهو أن كثيرا من الناس يعتقدون علي سبيل الخطأ أن لدي الإنسان جهازا يسمي العقل وأنه قادر علي الوصول إلي العلم مع الإلمام به، وهو كلام فارغ لأن الجسم البشري لا يتضمن عضوا بهذا الاسم وإنما هو حال يكون الإنسان عليها، وفي القرآن لم ترد كلمة عقل في صيغة الاسم أو المصدر وإنما وردت 49 مرة جميعها دائما في صيغة الفعل المضارع أو الماضي، علي خلاف القلب الذي ورد اسما ومصدرا.

< لديك كتاب لا تجد من ينشره عنوانه يحمل سؤالا هل وصل الإنسان إلي الله.. ماذا كانت الإجابة؟

ـ وصلت إلي أن الإنسان لن يتمكن من العثور علي الله، وهذا الكلام ليس معناه أن الله ليس موجودا وإنما لن نصل إليه لأنه ليس كمثله شيء فهو مطلق.

< هل أسلوبك في تفسير النص القرآني استنادا إلي النص ذاته مشابه إلي حد كبير لما ذهب إليه المفكر السوري محمد شحرور عندما استند إلي مبدأ عدم الترادف في اللغة؟

ـ محمد شحرور وبالمناسبة أنا قرأت جميع كتبه، استند إلي نظرية صحيحة لكنه شط بها وأخرج لنا أحكاما بعيدة تماما عن الدين لأنه ابتعد عن أهداف النص، وتستطيع أن تنظر مثلا إلي تفسيره لمسألة الجيوب في لباس المرأة فهو يقول إن لبس البحر كاف لستر العورة وهذا غير مقبول.

< ما موقفك من خلط الدين بالسياسة؟

ـ أري أننا لو طبقنا نظرية أنسنة النص الديني لأصبح الدين هو الحكم.

< بمعني؟

ـ ماذا يضيرنا لو كان الحاكم ملتزما بتعاليم وقيم الدين من صدق ونبل وشهامة وشفافية وتجرد وذكاء.

< أنت هنا تتكلم عن الدين بوصفه إيمانا أخلاقا وقيما.. والتصور السائد لخلط الدين بالسياسة خلاف ذلك فلمصلحة من هذا؟

ـ هذا الشكل من الدين الذي تروجه الفضائيات هو نموذج هدفه تخدير الناس لكي يجدوا فيه ما ينسيهم مشاكلهم الكبري من تخلف ومرض وهو نموذج ترضي عنه الحكومات لأنه يخدم بقاءها في الحكم والدعاة من غير وعي يقومون بتخدير الناس.

< وفق تصورك هل نجحت المجتمعات الغربية في أنسنة الدين وطبقته علي النحو السليم فهي أكثر التزاما منا؟

ـ بالضبط هذا ما حدث، أما عندنا فالناس تعيش في غيبوبة ويعتبر انتشار نفوذ التيارات الأصولية سببا أساسيا فيها ولا يمكن تجاهل سماح الدول لهذا النوع من الدين المخدر.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق