أهمية ردود الفعل/ البابا شنودة الثالث

كل عمل يعمله الانسان له ردود فعل‏.‏ بل ايضا كل كلمة يقولها‏.‏ ذلك لأن ما يزرعه الانسان إياه يحصد‏.‏ وينطبق هذا علي‏,‏ كل ما يصدر عن الانسان خيرا كان او شرا فردود الفعل تكون علي الارض وايضا في السماء‏.‏

نري هذا ايضا في العلاقات بين الناس بعضهم والبعض‏.‏ فكل شيء له نتائجه‏,.‏ المحبة تلد محبة‏.‏ والعداوة تلد عداوة‏,‏ واللطف يلد لطفا‏,‏ بل ان ابتسامة منك في وجه طفل‏,‏ تطبع ابتسامة اخري علي شفته والادب والاحترام في معاملة الناس‏,‏ يكون من ردود فعل احترامه من جهته‏,‏ أتذكر زميلا لنا في الدراسة كان لا يكلم أحدا الا باحترام شديد‏.‏ وكانت النتيجة ان الكل يقابلونه بالمثل‏.‏ وان خرج احد منهم عن اللائق كان ذلك الزميل يتصرف باسلوب رصين ورزين يجبر الآخر علي تعديل سلوكه والالتزام بالاحترام في معاملته وأتذكر ايضا ان ناظر مدرسة كان يعامل المدرسين بجفاء وبأسلوب قانوني بحت‏,‏ فكان رد‏.‏ الفعل هو كراهية جميع المدرسين له‏.‏ وقد سأل لماذا يكرهونني وانا لم اخرج عن القانون في معاملة احد منهم؟
وكان الجواب‏:‏ انت تعاملهم بالقانون وليس بالمحبة بينما الناس لا يلجأون الي القانون الا اذا زالت المحبة من بينهم ويقول المثل اذا تراضي الخصمان استراح القاضي‏.‏

ان الحزم يولد الانضباط والتسيب يولد الفوضي‏.‏ ولكن القسوة في الحزم تلد كراهية او عداوة‏,‏ لذلك ينبغي ان يكون الانسان حكيما في حزمه‏,‏ لا يتطرف فيه الي القسوة او الشدة الزائدة عن الحد وقد قلت مرة في تأبين شخص عظيم منذ حوالي ستين عاما‏:‏

يا قويا ليس في طبعه عنف‏..‏ ووديعا ليس في ذاته ضعف
ياحكيما أدب الناس وفي‏..‏ زجره حب وفي صوته عطف
لك أسلوب نزيه طاهر‏..‏ ولسان أبيض الألفاظ عف

ينبغي للانسان قبل كل كلمة يقولها‏,‏ ان يفكر في ردود فعلها ويحسب حسابا لتأثيرها علي من يسمعه ومدي انفعاله بها‏.‏ ولذلك عليه ان يتحاشي الالفاظ القاسية‏,‏ وعبارات التهكم‏,‏ والكلمات التي لها اكثر من معني‏,‏ وقد تفهم من البعض علي معني سييء لذلك حاول في حياتك الخاصة ان تنتقي ألفاظك‏,‏ وتكون بميزان دقيق‏.‏
ومع الاطفال بالذات‏,‏ ينبغي ان يكون المتكلم حريصا‏.‏ فالطفل من كلامك قد يأخذ عنك‏,‏ فكرة لا تستطيع نزعها منه‏.‏ ويجب ان تكون صادقا فيما تقوله امامه‏.‏ وان توفي بكل وعد تعده به‏.‏ ولا تهز المثاليات التي في ذهنه بأخطائك في الكلام‏,‏ واحترس من شدة التوبيخ والانتقاد‏,‏ فإن لها ردود فعل‏.‏

وكن رقيقا فالرقة لها رد فعل عميق في من يتعاملون معها احيانا يكون الرجل رقيقا جدا في معاملته لخطيبته‏,‏ واذا ما تم زواجه بها‏,‏ يظن للأسف الشديد ان الرقة هي لون من الكلفة بينما قد زالت الكلفة بينهما بالزواج‏!‏ وهذا خطأ شديد لذلك احتفظ باحترامك لزوجتك‏,‏ واستخدم الرقة واللطف لمعاملتها بل والاحترام ايضا وسيكون رد الفعل لذلك طيبا جدا في نفسيتها‏,‏ أتذكر في احدي المرات وانا اسقف انه زارني استاذ من جامعة كمبريدج ومعه زوجته فكان يجعلها تتقدمه باستمرار وكان يتحدث عنها باحترام‏,‏ ولا يذكر اسمها مجردا وانما معه لقبها وكانت هي تحترمه‏,‏ بالمثل كذلك اذكر صديقا لنا كان يتخاطب مع أبنائه باحترام‏,‏ حتي مع الصغار منهم‏. ‏وكان اطفاله يحبونه إذ انه كان يشعرهم بقيمة شخصية كل منهم وبتوقيره لمواهبهم‏.‏

هناك الفاظ يقال عن بعضها مثل رجم الطوب وتأتي بعكس ما يريد صاحبها وفي الانجيل‏:‏ بكلامك تتبرر‏,‏ وبكلامك تدان حتي بالنسبة لرئيس العمل في معاملته لمرءوسيه‏,‏ يمكنه ان يوجههم ويشرح لهم اخطاءهم‏.‏ ولكن بأسلوب غير جارح‏,‏ فكل انسان له مشاعره التي لا يقبل ان تهان ومن جهة ردود الفعل‏,‏ يقول المثل السائد اللي يشد ذيل القط‏,‏ يخربشه‏.‏
من اجل هذا عليك ان تدرس نفسيات الناس‏,‏ وتعاملهم بما يناسبهم فالزوجة احيانا تطلب من زوجها طلبا وتظل تلح عليه الحاحا وتكرر الالحاح حتي يسبب له ذلك شيئا من التبرم والضجر وربما لا يحتمل المزيد من الالحاح فيثور او يرفض او يرد بكلمة شديدة وان عرفت الزوجة ان هذا رد الفعل عند زوجها‏,‏ عليها ان تحترص من الضغط علي اعصابه بالالحاح‏,‏ ويمكن ان تغير الطلب في مناسبة اخري يكون فيها اكثر هدوءا واكثر استجابة‏,‏ كذلك يحدث احيانا ان المرأة في بيتها تهمل ذاتها‏,‏ ولا تهتم بزينتها او جمالها‏,‏ ويكون رد الفعل لذلك عند رجل ضعيف‏,‏ ان تجذبه اغراءات من الخارج يجد انها تفوق بيته جمالا وشكلا وأناقة حقا متي نري بيوتنا لها الجاذبية التي تغني الرجال والابناء والكبار من طلب المتعة خارج البيت‏.‏

كثيرا ما نلوم الفتاة التي تفسد اخلاقها‏,‏ وتستجيب لاغراء احد الشبان وتخطيء معه‏,‏ او لتهرب من بيتها‏,‏ وقد يكون ما تفعله هذه الفتاة هو رد فعل للمعاملة التي تلاقيها في منزل الاسرة حيث لا تجد حبا ولا حنانا‏,‏ والقسوة في المعاملة وانتهارها وكلاما جارحا‏,‏ فتلجأ الي طلب الحنان خارج البيت‏.‏ وان وجدته‏,‏ تسلم ذاتها وتسقط‏,‏ ونصيحتنا الي الآباء والامهات ان يشبعوا ابناءهم وبناتهم من الناحية العاطفية‏,‏ وان يبتعدوا عن القسوة والتقيدات الكثيرة‏,‏ حتي لا يصير البيت بمثابة سجن عند الأبناء ويكون رد الفعل هو الهروب أو الفساد‏.‏

يحدث أحيانا أن بعض رجال الدين لا يهتمون بالناحية الروحية لرعايتهم‏.‏ ولا يفتقدون شخصا اذا غاب وكثر ابتعاده عن بيت الله‏,‏ دون ان يهتموا به أو يفتقدوه ويكون رد الفعل أن يفتقده الشيطان أو الاصدقاء الاشرار‏.‏ ويكون قلبه جاهزا لهم مستعدا ويضيع ذلك الشخص‏.‏
نفس الأمر نقوله عن عدم اهتمام أي انسان بروحياته فيكون رد الفعل انه يضعف ويكون رد الفعل في حياته أنه باهماله الحرص يضعف ويتعود أمورا تتحول فيه الي طبع‏.‏

جريدة الأهرام

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق