العجيبة 7 من عجائب القديسة مريم

كان لأحد الأغنياء ابنة تقيّة اسمها أوفيميا، ندرت عفّتها للسيدة العذراء، وكانت مستنيرة بالفضائل وبنعمة الله منذ طفولتها، فتعجّب كل من عرفها من حسن سيرتها، ومن مواظبتها على زيارة الكنائس. وكانت كلما نمت بالجسد، ازدادت فضيلة وتقوى.
دبّت الغيرة بقلب الشيطان، فحسدها على عفّتها، فتلاعب بعقل أحد الأكابر الأغنياء، وصوّر إليه أنه مغرمٌ بها، وأن لا حياة له بدون أوفيميا، فذهب الى قصر أبيها وطلبها منه زوجةً، وأنه سيكون سعيداً لو أصبح صهراُ له.
لم يصدق الوالد أذنيه وهو يسمع كلام أحد أشهر أغنياء البلاد، وهو يشرح له حبّه لابنته وفخره بمصاهرته، فوعده بها دون أن يسألها، فجنّ جنون أوفيميا حين علمت بالوعد الذي قطعه أبوها للطامع بعذريتها. وأخبرته وهي تبكي بأنها أقسمت للعذراء مريم أن تهبها بتوليتها، وأنها اختارت المسيح خطيباً لها.
فلم يصغِ لها بل قال:
ـ هذا الرجل من أشرف العائلات، وأغنى الأغنياء، وكل فتاة تحلم بقربه.. لذلك ستتزوجينه مهما كان، وإلا سأغضب منك وأعاقبك بشدة.
وعندما رأت أوفيميا إصرار والدها على تزويجها من ذلك الغني، وأن وعدها لأم الاله سيذهب أدراج الرياح، دخلت الى الكنيسة، وراحت تبكي وتتضرّع لشفيعتها كي تعينها في مصيبتها هذه.
وفجأة صاحت:
ـ يا أم الاله، اذا كان جسدي سيكون حجر عثرة في تحقيق حلمي المقدّس، سأشوّهه، ولن أكذب عليك أو على سيدي يسوع المسيح، وأحنث بوعد قطعته لكما.
ثم بدأت بتقطيع شفتيها وجدع أنفها، وهي تردد: مع آلامك يا يسوع.
وعندما شاهدها والدها على هذه الحال، والدماء تسيل من وجهها، تملكه حقد شديد عليها، وقرر إذلالها بدلاً من أن يقطع رأسها، فدفعها الى فلاحه البربري، عديم الانسانية والشفقة، وأمره أن يقوم بضربها وتعذيبها، والويل له ان أشفق عليها، فسيقطع رأسه هو بدلاً منها.
خاف الفلاح من سيده، فراح يذيق أوفيميا العذاب المر، ويتفنن بضربها ويعيّرها بالبشاعة التي اختارتها لنفسها، دون أن تتأفف، لا، بل كانت فرحة جداً لأنها حفظت عذريتها وعفّتها من الفساد من أجل عينيّ أمها مريم العذراء.
وفي ليلة عيد الميلاد المجيد، تناول ذلك الفلاح البربري عشاءه، وراح يفتّش عن ابنة سيده، فوجدها تصلي في الاسطبل، وتشكر السيد المسيح على تجسده انساناً من اجل خلاص البشرية، فبدلاً من أن يشفق عليها، تناول عصاه كي يضربها، فإذا بنور شديد يظهر له من بعيد، فاعتقد أن بيته يحترق، فإذا بالسيدة العذراء تخرج من ذلك النور وحولها رهط من الملائكة، وتقول لأوفيميا:
ـ أوفيميا، أوفيميا.. لقد تحمّلت الكثير من العذاب من أجلي وأجل ابني مخلص العالم، وآن الأوان كي تستريحي وتعودي كما كنت جميلة الجميلات.
وللحال، عادت شفتا أوفيميا أجمل مما كانتا، وشمخ أنفها الجميل في مكانه، فهرب ذلك الفلاح البربري بعدما رأى هذه العجيبة، وأحضر جيرانه، كي يشاهدوا ما شاهد، فخروا ساجدين تحت قدمي السيدة العذراء، التي كانت تحضن أوفيميا وتضمد جراحها.
وعندما وصل أبوها، ورأى ابنته الوحيدة أجمل مما كانت، شكر الله، وطلب منها المغفرة، وأمر ببناء دير كبير مكان الاسطبل، يحمل اسم السيدة العذراء، كي تترهب فيه ابنته، وتقدّم ذاتها لحبيبها السماوي. فانضمت اليها العذارى من كل مكان، فكانت لهن الرئيسة القديسة، الى أن طلبها السيد الى ملكوته السماوي. بعد أن عطّرت الكتب بقداسة حصلت عليها عن جدارة.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق