عيد الأنوار/ نسيم عبيد عوض

كان اليهود يحتفلون بعيد الأنوار أو التجديد فى الخامس والعشرين من شهر ديسمبر (كسلوا عند اليهود)‘ وهو تذكار لإنتصار يهوذا المكابى على السوريين ( مكابى الثانى 1: 9) ‘ الذى ظل يحاربهم لمدة 3 سنوت (167 – 164ق. م)‘ والسوريين نجسوا الهيكل المقدس ونجسوا مذبح المحرقة ‘ ووضعوا صنم بعل شاميم ‘ داخل الهيكل ‘ والذى أعتبر " رجسة الخراب " التى تكلم عنها دانيال النبى 9: 27 ‘ والتى ذكرها السيد المسيح فى مت 24: 15 ‘ على أنها علامة على خراب الهيكل وأورشليم ‘ وقد تكررت فى عهد الرومان سنة 70 حسب نبوة الرب يسوع المسيح " هوذا بيتكم يترك لكم خرابا..." وقد قام يهوذا المكابى البطل العظيم بعد طرد السوريين ببناء المذبح من جديد ودشن الهيكل (1مكا 4: 41-61)وقد صار اليهود يعيدون كل عام لذكرى تجديد المذبح والهيكل. والأسم اليهودى لعيد التجديد " حنوكا" أى التدشين – المسح بالزيت- وفى اليونانية " التجديد‘ ولكن اليهود يسمونه "عيد الأنوار" وكان اليهود ينيرون كل أنوار الهيكل وكل أنوار أورشليم لمدة 7 أيام طوال العيد ‘ على إعتبار أن تجديد الهيكل هو رجوعهم تحت نور الله أو خيمة الله ومظلته ‘ تذكارا لحلول بهاء الله وملأ الهيكل وقت تدشين هيكل سليمان وقبلها خيمة الإجتماع فى البرية.

ويذكر الكتاب المقدس فى الأنجيل حسب ماكتبه القديس يوحنا ‘ ان أحداث الأصحاحين 9و10 كانت وقت الإحتفال بعيد الأنوار وإعطاء الرب يسوع تعاليمه " وكان عيد التجديد فى أورشليم وكان شتاء ‘ وكان يسوع يتمشى فى الهيكل فى رواق سليمان."يو10: 22و23"

وكان المعنى فى الربط بين تعاليم الرب يسوع فى هذين الإصحاحيين وبين مراسم الإحتفالات بهذا العيد هو العلاقة الواضحة بين رجاء اليهود الذى يثيره ذكرى انتصار المكابيين على السوريين وتخليصهم من يد أعدائهم وبين موضوع الخلاص الذى ينادى به السيد المسيح كقائد النور ضد الظلمة " وفى ظل إضاءة كل أنوار الهيكل وقف الرب ينادى " مادمت فى العالم فأنا نور العالم ."يو9: 5 ‘ وفى اصحاح 10 وعند فتح باب الخراف فى الهيكل لتدخل خراف العيد للذبح وقف المسيح يقول" الحق الحق اقول لكم انى انا باب الخراف..ان دخل بى احد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى.10: 7و8.

وفصل الإنجيل الذى يخص تفتيح عينى المولود أعمى (الإستنارة ) اصحاح9 ‘  يقرأ فى الأحد الرابع من طوبة والأحد السادس من الصوم الكبير ( أحد التناصير) والإثنين مرتبطين بالمعمودية التى هى الإستنارة أو انتقالنا من الظمة الى النور "كان النور الذى ينير كل انسان آتيا الى العالم. كان فى العالم وكون العالم به ولم يعرفه العالم."يو1: 9و10‘ ودعونا نتأمل معا فى بعض جواهر هذا الإصحاح وحياة نور الله فينا. ويبدأ " وفيما هو مجتاز ‘ رأى انسانا أعمى منذ ولادته‘ فسأله تلاميذه قائلين يامعلم من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى؟ أجاب يسوع لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه."يو9: 1-4.

" وفيما هو مجتاز " ..الله دائما وأبدا يجتاز فى حياتنا (انا معكم كل الأيام والى إنقضاء الدهر."مت28: 20. فالله لا يتخلى عن رعايتنا وملاحظتنا وحتى ولم نطلب منه ذلك " اما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم."1كو3: 16‘ ونحن أولاد الله بالتبنى وورثة معه لا يتركنا بل هو دائما مجتاز فى حياتنا ‘ وأيضا يقول الرب معرفا نفسه لنا" الماشى فى وسط السبع المناير الذهبية ." رؤ2: 1‘ يمشى وسط كنيسته أى شعبه المؤمن ‘ فهو يجتاز فى حياتنا ليرعانا ويهتم بنا ويشاركنا مشاعرنا وأحاسيسنا وكما قيل" فى كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم." إش 63: 9 ‘ ويقول المرتل ملاك الرب يحوم حول خائفيه وينجيهم."مز34: 7‘ ويغنى له الملك داود" أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب. ان صعدت الى السموات فأنت هناك .وان فرشت فى الهاوية فها أنت . ان أخذت جناحى الصبح وسكنت فى أقاصى البحر فهناك أيضا تهدينى يدك وتمسكنى يمينك." مز139: 7-9.

" من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى؟ " سؤال من التلاميذ لمعلمهم ‘ وهو السؤال الذى يحير العالم كله قديما أو حديثا‘ فإذا كان السبب هو الخطية كما كان يعتقد اليهود أنه بسبب خطايا أبوه اوأمه ولد أعمى ‘ فسنجد ان دخول الخطية فى الإنسان بسقوط وتعدى آدم على الله ‘ دخل لعالمنا العقاب والألم والموت ‘ وهناك أصول طبيعية لدخول الخطية فى الانسان مثل: 1- بالخطية فقد الانسان علاقته الروحية وعشرته  مع الله ‘ والتى كانت تحجب عنه كل العوامل الطبيعية المؤذية ‘ وواجه الإنسان على الأرض الحيوانات والحشرات والفيروسات والطفيليات وأشياء أخرى لا حصر لها.  2- عوامل الزمن والتى أثرت على خلايا الإنسان بالشيخوخة ‘ فتعرض للأمراض وأسرع بخطواته للموت ‘ وبعد أن كانت أعمارهم تتعدى ال900 عاما.   3- عوامل المعيشة ..فالجهد اللازم والتعب للحصول على لقمة العيش " ملعونة الأرض بسببك . بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك . وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تاكل خبزا .."تك3: 17و18.  4- عوامل كونية يتأثر بها الإنسان مثل البراكين والزلازل وغيرها . 5- هناك أيضا ما يجلبة الإنسان لنفسه من أمراض مثل أكل وشرب ما يضر بصحته ‘ الخمور والمخدرات والشذوذ الجنسى ‘ وكل هذه تورث النسل أنواع مختلفة من العلل وربما العاهات .

وفى حالة المولود أعمى ( لا هذا أخطأ ولا أبواه ) كقول الرب ‘ ولكن ربما الجينات فى خلاياها فاقدة عناصرها السليمة المطلوبة ‘ وليست هذه مسئولية البشر‘ والله يعالج هذا النقص ويمنحهم تعويضا فائقا‘ تعويضا يساوى النقص أو يكمله ‘ مثل " هيلين كيلر" عوضها فى حاسية اللمس بقوة .

والذى لابد للبشر أن يعرفوه أن الحياة هبة من الله معطيها ‘ والهبة لا تصبح حقا لمن أعطيت له ‘ فهى هبة وتظل هبة الى ان تعود الى الواهب الخالق. واصبح علينا اذا كانت لنا صحة كاملة ان نشكر الله واهبها‘ وكذلك اذا إفتقد شيئا  لا يكل عن شكر الله على عطاياه مهما كانت‘ فوجود الله  فى حياتنا يكمل كل نقص بل انه ينيرها ويهبها بصيرة روحية تفوق كل الحدود والتصور" مادمت فى العالم فأنا نور العالم."يو9: 5.

والحياة مفتوحة أمامنا بكل المباهج الروحية ‘ فى ملء حضور الله فى حياتنا وفى غنى نعمته المتفاضلة ‘ فما فعله السيد المسيح مع المولود أعمى نموزج لأعمال الله من رحمه وعطف ومحبة "لتظهر أعمال الله فيه" أى اعادة تصحيح ماأخفقت فيه قوانين الطبيعة والتوريث والجينات الى آخرة ‘ فهنا الخالق يصحح ويعيد نقص الخلقة.

الرب لم ينزل من السموات لهذا الغرض أى تصحيح نواقص الخلقة الجسدية‘ بل ليفدى ويخلص البشرىة ويعيد لنا الحياة معه‘ لكنه يقدم للبشرية آية لتفتيح قلب الانسان لرؤية الله ‘ فالمسيح هو النور الحقيقى ‘ وبنزوله الأرض ليكون نور العالم وهذا ماتحقق للمولود أعمى ‘ رأى النور فى المسيح والعالم.

" وبنورك يارب نرى نورا‘ إنارة عقولنا وقلوبنا ‘ لتبدد ظلمة الخطية ويشرق نورك فى نفوسنا ‘ ولنحيا الحياة الروحية روح الإستنارة الدائمة حتى مانلتقى معك فى السموات." 

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق