إبراهيم رئيس الإيمان/ نسيم عبيد عوض

إبرام

وفسد أولاد نوح وأحفادة ‘ ولم يستوعبوا دروس الله مع أبيهم نوح ‘ وانكروا بركة الرب الإله التى منحها لهم ‘ وتجاهلوا الميثاق مع الله ‘ ولا بشروا بعبادة الله الواحد ‘ وحتى قبل إنتشارهم على الأرض وجدوا بقعة فى أرض شنعار شرقا وسكنوا فيها‘ وكانت الأرض كلها لسانا واحدا ولغة واحدة ‘وتحديا لله ‘ صنعوا طينا وشوه شيا  لصناعة حجارة بنوا بها برج عال‘ قالوا عنه ليكن برجا رأسه فى السماء‘ ونصنع لأنفسنا إسما لئلا نتبدد على وجه الأرض(تك11) ‘ ونزل الرب لينظر المدينة والبرج ‘ وقال" هوذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم ..‘ هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض‘ فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض ‘ ولذلك دعى اسم المدينة بابل . وأيضا فسدوا بعد إنتشارهم فى انحاء المسكونة‘ وإستمرت شعوب الأرض تعبد الأصنام والأوثان والكواكب والنجوم ‘ وبحث الله عن إنسان يعرفه ويعبده فوجد ابرام العبرانى فى أرض الكلدانيين الوحيد على وجه الأرض الذى يعبد الله خالق السماء والأرض‘ وهو ابن تارح الذى ولد ابرام وهاران وناحور ‘ وولد هاران لوطا ومات ‘ واخذ إبرام لوط ابن أخيه هاران ليعيش معه ومع سراى إمرأته .وقبل ان نقدم شخصية ابرام لابد من وقفة سابقة لنعرف علاقة الله بشخصيات الكتاب المقدس.

كلمة لله

يبدأ الكتاب المقدس وينتهى بكلمة الله ,  نسمع صوت الله فى بداية خلقة للكون " وقال الله ليكن نور فكان نور." تك1: 3, وينتهى الكتاب المقدس بصوت الله وكلمته يقول بفمه الكريم" " أنا آتى سريعا. آمين" رؤ22: 20"

وإذا كان  الله هو الأول والآخر والبداية والنهاية.وهو الألف والياء " رؤ1: 8"‘وكقول الكتاب المقدس " الله بعدما كلم الآباء بالانبياء قديما بانواع وطرق كثيرة ‘كلمنا فى هذه الأيام الاخيرة فى ابنه الذى جعله وارثا لكل شيئ الذى به ايضا عمل العالمين."عب1:1و2 .

فالكتاب المقدس كله شخصيات وأحداث وأفعال , كلها تدور فى فلك الله ومشيئته وكلمته ويحتويها الكتاب بين ضفتى الأول والآخر وبين الألف والياء , أى كلها تحت الأمر و الوعد و التحرك الإلهى. بمفعول الله الكلمة وروحة القدوس تتحرك شخصيات الكتاب المقدس ‘وأول شخصية تقابلك فى أول سطور يخبرنا بها الوحى الإلهى , شخصية آدم "وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض . ونفخ فى أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفسا حية.تك2: 7"  , وآخر شخصية ينتهى بها الكتاب المقدس شخصية يوحنا الحبيب الرائى  الذى أرسل له الرب إعلان يسوع المسيح بيد ملاكه , ويصعد به إلى أعلى السموات فيرى عرش الله ويصفه لنا ويرى الرب وهو يفتح الختوم السبعة , ويكتب لنا عن رؤياه , كما قال له رب المجد " فأريك ما لا بد ان يصير بعد هذا, فاكتب ما رأيت وما هو كائن وما هو عتيد ان يكون بعد هذا. وفى آخر عددين فى الكتاب المقدس يقول يوحنا الرائى "يقول الشاهد بهذا نعم..  .. تعال ايها الرب يسوع. نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم( آمين ) رؤية22: 20-21"

الله وقيادته لشخصيات الكتاب المقدس

1- كانت القيادة الشخصية لله للآباء والأنبياء والرسل والكهنة بصفة دائمة‘ يكلمهم ويوجه تحركاتهم ويعطيهم النبوات ويعطيهم الوصايا والفرئض والطقوس.  .2- التدبير الإلهى لمستقبل الأيام وإعداده لملء الزمان .  3– المشيئة الإلهية فى إعداد وعلاقة هذه الشخصية بالله .

4- الوعد الإلهى ومعاهدات الله مع الإنسان.   5 – التدبيرات الإلهية فى تحركات هذه الشخصيات لخلاص البشر وفدائهم.   6- عهد النعمة أو العهد الجديد بالميلاد الجديد وتجديد الخليقة  وبنوة الإنسان لله.   7- قيادة الروح القدس لكنيسة الله على الأرض.      7  - حياة الأمل والرجاء فى مجئ الرب له المجد ليدين المسكونه ويعطى كل واحد حسب أعماله.

وتتجلى الطبيعة البشرية بكل تناقضاتها وتنوعها فى كل شخصيات الكتاب المقدس فنرى:

1- أول جريمة وأول قاتل وهو قايين القاتل لأخيه هابيل .(تك 4)        2 - أول من قدم ذبيحة حيوانية لله وهو هابيل. تك4.

3- شخصيات كتاب مواليد آدم ( شيث –أنوش – قينان – مهلئيل – يارد  – أخنوخ  – متوشالح – لامك –نوح) وهم رؤساء الآباء. وأطول شخص عمرا على الأرض وهو متوشالح وعاش 969 عاما.

4- أولاد نوح  سام وحام ويافث ومن هؤلاء الثلاثة جاءت الخليقة كلها ومن هؤلاء تفرقت الأمم فى الأرض كلها بعد الطوفان(تك10: 33)( ساما أب للشعوب الأسيوبة – حام أب للشعوب الأفريقية- يافث أب لشعوب الشمال أو أوروبا)

5- دعوة الله لابرام وبركته له ومعه زوجته سراى والذى فى بركته له وعد بالسيد المسيح الفادى والمخلص المرتقب. وشخصية ابرام الذى عرف بخليل الله وأب للأيمان يجب أن نتوقف عنده لمزيد من الدراسة.   6- أول معركة حربية يقودها أبونا ابراهيم لخلاص ابن أخيه لوط بعد سقوطه اسيرا من معركة الخمسة ملوك ضد اربعة ملوك(معركة كدر لعومر) .       7- أول قصة حب بين رجل وامرأة - يعقوب وراحيل -  وأيضا الكثير من توجهات البشر وتحركاتهم حول وفى دائرة الله أو من خارجها ‘ وسيجيئ الحديث عنها فى وقتها

كيف عرف ابراهيم الله ؟

كان اسمه إبرام ابن تارح عندما وجده الرب الإله ‘وبعد أن ذكر الوحى الإلهى مواليد سام , وحتى وصل الى تارح أبو ابرام- "ولد تارح ابرام وناحور وهاران." - ( الإصحاح 11) ‘ ثم يبدأ الإصحاح 12 مباشرة بالقول    " وقال الرب لابرام اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت ابيك الى الأرض التى أريك. فاجعلك امة عظيمة واباركك واعظم اسمك . وتكون بركة. .. فذهب ابرام كما قال له الرب..؟ وهنا السؤال كيف عرف ابراهيم الله حتى انه من أول دعوة له يذهب؟ !!ويفسر لنا ذلك معلمنا بولس الرسول بقوله " بالإيمان ابراهيم لما دعى أطاع ان يخرج الى المكان الذى كان عتيدا ان ياخذه ميراثا فخرج وهو لا يعلم الى أين ياتى. " عب 11: 18.و يقول الرسول العظيم " بالإيمان" .. و أطاع.. فكيف عرف ابراهيم الله حتى يؤمن به ويطيعه طاعة عمياء فى تسليم عجيب..؟ 

نعم كان ابراهيم يعرف الله ويؤمن به ..!!

وهذه حقيقة لان الله لم يترك الإنسان وحتى بعد سقوط أبوينا الأولين وتوقيع العقوبة عليهما .. ولكننا نجد الحب الإلهى يتجلى فى حب الله  لأولاده والحياة معهم  فى الصور التالية على سبيل المثال وليس الحصر:

1- كان آدم وحواء يعيشون مع الله , يتكلمون معه وينعمون بالتحدث اليه وينصتون لصوته , بدليل قول الكتاب " وسمعا صوت الرب الاله ماشيا فى الجنة ." تك3:8 ويقول آدم لله " سمعت صوتك فى الجنة.. " تم3:10.

وفى قول الكتاب " وصنع الرب الاله لآدم وأمرأته اقمصة من جلد والبسهما. تك3: 21"  فتمتع آدم برؤية الله وهو يصنع لهم الأقمصة من جلد ذبيحة حيوانية ‘ وهذه أول صناعة فى التاريخ يقدمها لنا الله بذاته الإلهية.

2- كان آدم وإمرأته يعيشون فى ستر العلى , فى رعاية الله وحمايته , بدليل انه بعد السقوط ولدت حواء إبنا أسمته قايين " وقالت أقتنيت رجلا من عند الرب . " تك4: 1 ‘ ومتذكرة وعد الرب بان نسل المرأة يسحق رأس الحيه , فظنته هو هذا النسل. وفى تقديم هابيل وقايين لذبيحة وتقدمة كانت فى الحضور الإلهى كقول الوحى الإلهى" فنظر الرب الى هابيل وقربانه ولكن الى قايين وقربانه لم ينظر .. ( وقد عرف قايين على الفور ) بدليل قول الكتاب " فاغتاظ قايين جدا وسقط وجهه.. " تك 4: 4-6 " فقال الرب لقايين لماذا إغتظت ولماذا سقط وجهك؟ ‘ وفى عدد 9 " فقال الرب لقايين أين هابيل أخوك؟ " وعدد 10 " فقال ماذا فعلت ؟ . صوت دم أخيك صارخ الى من ألأرض." وهذه صورة حقيقية لوجود الرب الإله فى وسط آدم وذريته يتكلم معهم ويرونه وينصتون لقوله ويتجاوبون معه, ويؤمنون بوصاياه بدليل تقدمة ذبيحة هابيل , وكان مصدرها الله نفسه.

3- ودليل على وجود الإيمان بالله وما ورد بآخر إصحاح 4 عدد 26  " ولشيث ايضا ولد ابن فدعا إسمه أنوش . حينئذ أبتدأ ان يدعى باسم الرب." اسم شيث معناه ( قيامة)  ويتأمل الآباء مفسريين التدبير والمفهوم الإلهى لنا نحن البشر.. وإذا كان  معنى اسم هابيل ( الزوال) وشيث القيامة , وبالإيمان الذى ولد فيهما ولدت مدينة الله فى هذا العالم أى الولد او الرجل         ( أنوش) الذى يعيش بالرجاء داعيا باسم الرب .وهذا مافسره لنا المعلم والرسول " لأننا بالرجاء خلصنا. ولكن الرجاء المنظور ليس رجاء . لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه أيضا. ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبر." رو8: 24و25"

4- كان الإيمان بالله قويا لدرجة انه يسير فى وسطهم ومعهم , والصورة التى نقلها لنا الوحى الإلهى عن أخنوخ " " "وسار أخنوخ مع الله بعد ماولد متوشالح.". ثم يكررها الوحى الإلهى بقوله.. " فكانت كل ايام أخنوخ ثلثمائة وخمسا وستين سنة. وسار اخنوخ مع الله ولم يوجد لان الله أخذه." تك 5: 22و24 .. وعن أخنوخ يقول الرسول بولس فى إصحاح الإيمان " بالإيمان نقل أخنوخ لكى لا يرى الموت ولم يوجد لان الله نقله. إذ قبل نقله شهد له بانه قد ارضى الله ." عب11: 5.وعن أخنوخ يقول معلمنا يهوذا الرسول" وتنبأ عن هؤلاء ايضا أخنوخ السابع من آدم قائلا هوذا قد جاء الرب فى ربوات قديسيه. ليصنع دينونة على الجميع .." يهذا 14"

5- أولاد الله ,  وهذه المرة الأولى ان يذكر الله انهم أولاده بقول الكتاب عن أولاد رؤساء الآباء من آدم الى نوح انهم أولاده ‘عندما يذكر الوحى الإلهى فى إصحاح 6" وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض وولد لهم بنات. أن ابناء الله(أولاد آدم) رأوا بنات الناس انهن حسنات.  .. فقال الرب لا يدين روحى فى الإنسان الى الأبد ... وبعد ذلك ايضا اذ دخل بنو الله على بنات الناس .." ويقول أيضا عن نوح" كان نوح رجلا كاملا فى أجياله. وسار نوح مع الله. "

وفى الفلك  ولمدة سنة وعشرة  أيام كان نوح وأولاده سام وحام ويافث تحت رحمة وقيادة الرب الإله , وبارك الرب الإله نوحا وبنيه وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الأرض‘ ووضع معهم ميثاقا ‘ وعرفهم وصاياه وقال لأن الله على صورته عمل الانسان ‘ وتناقلوا بالتقليد لأجيالهم من بعدهم عبادة الله ‘  ومن نسل  سام جاء إبراهيم وذريته , وكان هذا النسل ينقل بالتسليم حب الله ووعده وعبادته ويتناقل ذلك عبر كل الأجيال ‘ ولكن للأسف الكل ذاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله‘ ماعد رجل واحد هو إبرام أو ابراهيم فيما بعد‘  ولم يكن غريبا أن يسمع إبراهيم لصوت الله ويعرفه ويطيعه طوال أيام حياته ولذلك أستحق ان يأتى المخلص من نسله إسحق ابن الموعد.

نعم كان ابراهيم يعرف الله ويؤمن به بل ومعرفته به شخصية وأقوى من ذلك صداقة متينة  حتى يسميه الكتاب خليل الله اى صديق الله .. وهذه الشخصية العظيمة التى تعتبر بداية نقلة كبيرة لتدبيرات الله الإلهية لخلاص البشر ‘يستحق منا التدقيق فى شخصيتة وسيرتها ومسارها مع الله. نلتقى بها فى مقال قادم بإذن الرب

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق