المطران جورج بو جودره تراس قداس العيد في كنيسة مار مارون طرابلس


طرابلس ـ  الغربة
تراس راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، قداس عيد الميلاد منتصف الليل، في كنيسة مار مارون في طرابلس، عاونه خادم الرعية المونسنيور نبيه معوض، الخوري جوزيف فرح. وحضر القداس العقيد مصطفى الايوبي ممثلا مدير عام قوى الامن الداخلي العميد ابراهيم بصبوص، وحشد من المؤمنيين. بعد الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها :"نبوءة آشعيا هذه تحقّقت ليلة الميلاد، أيّها الأحبّاء، عندما أعلن الملائكة للرعاة أنّ المسيح الذي ينتظرونه قد وُلد، وأنشدوا قائلين: المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر". كما أنّ آشعيا سيقول في الفصل التاسع والأربعين:" رنّمي يا سماء وإبتهجي أيّتها الأرض، ويا أيها الجبال إهتفي، لأنّ الرب سيعزّي شعبه ويرحمه، مشفقاً على بؤسه". اضاف:" ليس الميلاد، أيّها الأحبّاء، مجرّد مناسبة إجتماعيّة نزيّن فيها بيوتنا والشوارع ونشعل فيها الأنوار ونتبادل الهدايا والزيارات، ثمّ نطوي الصفحة لنعود إلى روتينيّة ورتابة حياتنا اليوميّة. الميلاد هو حدث دائم نعيشه كل يوم لأنّه عيد تجسّد إبن الله، إنّه زمن المصالحة بيننا وبين الله لأنّه تنفيذ لوعد الله الخلاصي الذي قطعه لأبوينا الأوّلين، آدم وحواء، عندما إبتعدا عنه ورفضاه وإستسلما لإغراءات الشيطان المجرّب الذي أقنعهما بأنّهما إذا عملا ما يطلبه منهما، يصبحان كآلهة ولا يعود لله أي سلطة عليهما".
وتابع بو جوده:" وقد أرفق الله هذا الوعد الخلاصي بكلمات قاسية وعقاب فرضه على الشيطان حين قال له هو المتمثّل بالحيّة:" لأنّكِ فعلت هذا، فأنتِ ملعونة من بين جميع البهائم وجميع وحوش البر. على بطنك تزحفين وتراباً تأكلين طول أيام حياتك، بينك وبين المرأة أقيم عداوة، وبين نسلك ونسلها. فهو يترقّب منك الرأس، وأنتِ تترقّبين منه العقب. بمخالفته لأمر الرب حكم الإنسان على نفسه بالموت، فذكّره الله أنّه من التراب أُخذ وإلى التراب سيعود، لكنّ الله حكم له بالحياة. بهذه المخالفة قطع الإنسان علاقته بالله فشوّه صورة الله فيه، هو الذي خلقه الله على صورته ومثاله ونفخ فيه روحه. ولذلك إختبأ من وجه الله وإكتشف عريه ومحدوديّته. الميلاد هو عيد تجسّد إبن الله، إذ به عادت الطبيعة الإنسانيّة لتتوحّد بالطبيعة الإلهيّة إذ أنّ المسيح المولود هو في الوقت عينه إله وإنسان، ولذلك يقول أحد الآباء القديسين: صار الله إنساناً كي يجعل الإنسان إلهاً، من جديد. وهذا ما عبّر عنه القديس يوحنا في فاتحة إنجيله حين قال:" في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله والكلمة هو الله، به كان كل شيء وبدونه ما كان شيء ممّا كان، فيه كانت الحياة والحياة نور الناس، والنور يشرق في الظلمات ولم تدركه الظلمات... والكلمة صار بشراً فسكن بيننا، فرأينا مجده، مجداً من لدن الآب لإبن وحيد ملؤه النعمة والحق".
وقال بو جوده:" سنوات طويلة وقرون عديدة إنتظر الإنسان تنفيذ هذا الوعد إلى أن بلغ ملء الزمان، كما يقول القديس بولس في رسالته إلى أهل غلاطية، فقد أرسل الله إبنه مولوداً لإمرأة، مولوداً في حكم الشريعة ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة، فنحظى بالتبنّي. علاقة الإنسان بالله لم تكن دائماً على ما يرام، إذ إنّه كان دائماً يعود فيستسلم لإرادة الشيطان بدلاً من أن يستسلم لإرادة الله، بينما بقي الله أميناً لمواعيده. وهكذا فإنّنا نرى أنّه يوم ولادة يسوع، ومع أنّه كان في العالم والعالم به كان، فإنّ العالم لم يعرفه إذ أنّه جاء إلى أهل بيته فما قبله أهل بيته، كما يقول يوحنا. ومع أنّه من سلالة ملوكيّة هي سلالة داود لم يستقبله الأنسباء والأقرباء، ولم يكن لوالديه موضع في الفندق عندما جاءا لينفّذا أمر الحاكم للإحصاء، فقد وضعته أُمّه في مغارة وفي مذود للحيوان".
واردف يقول" وبالرغم من ذلك، ولأنّ الله صادق في مواعيده فإنّ نبوءة آشعيا قد تحقّقت وهو الذي قال:"إسمعوا يا بيت داود، أما كفاكم أن تضجروا الناس حتى تضجروا إلهي أيضاً؟ فإنّ السيّد الرب نفسه يعطيكم هذه الآية: ها هي العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعو إسمه عمّانوئيل". وقد تحقّقت هذه النبوءة ليلة الميلاد إذ أرسل الله ملاكه إلى الرعاة الساهرين على قطعانهم في هجعات الليل ليقول لهم:" لا تخافوا لأنّي أبشّركم بفرح عظيم يكون فرح الشعب كلّه. فقد ولد لكم مخلّص في مدينة داود، وهو المسيح الرب".  كما تحقّقت نبوءة أخرى من نبوءاته التي تقول: "إصعدوا على جبل عالٍ يا مبشّري صهيون،  إرفعوا صوتكم مدوّياً يا مبشّري أورشليم: إرفعوه ولا تخافوا، قولوا لمدائن يهوذا: ها هو الرب إلهكم آت، وذراعه قاضية،  تتقدّمه مكافأة لكم ويحمل جزاءه معه.  يرعى قطعانه كالراعي ويجمع صغارها بذراعه".
وقال بو جوده:"هذه هي البشرى السارة التي يحملها إلينا الرعاة اليوم، أيّها الأحباء، إنّها فرحة الإنجيل، كما يسمّيها قداسة البابا فرنسيس في إرشاده الرسولي، الصادر منذ أيام. إنّها فرحة الخلاص الآتي من عند الرب. فالمهم أن نفتح آذاننا وعقولنا والقلوب، مثل الرعاة فنذهب معهم إلى ملاقاة الرب، ومثل الملوك المجوس، فنرى معهم نجمه فنأتي ونسجد له ونقدّم له الذهب، والبخّور والمر. فلنتأمّل في موقفنا في هذه المناسبة السعيدة، أيها الأحبّاء، ولنتساءل بمن نتشبّه: أبأبوينا الأوّلين فنستسلم لإرادة الشيطان، فنحكم على نفسنا بالموت، أم بالعذراء مريم، فنقول معها ما قالته للملاك: أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك يا رب؟ أمّا السؤال الثاني الذي نطرحه على أنفسنا اليوم فهو هل إنّنا سمعنا كلام المسيح في الإنجيل الذي تماهى فيه مع الفقراء والمساكين وقال: كلّما إهتممتم بأي جائع وعطشان أو مهجّر أو سجين أو عريان فإنّكم بي أنا بالذّات تهتمّون".
وختم بو جوده:" المسيح لم يولد مرّة واحدة في التاريخ أيها الأحباء، إنّه يولد كل يوم ويتجسّد فعلياً في كل جائع وعطشان، في كل لآجئ ومهجّر، في كل ضحيّة من ضحايا الحقد والضغينة، وكم هم كثر اليوم في بلادنا وفي البلدان المجاورة، وكل بلدان الشرق الأوسط حيث تستعر المعارك والحروب. ونحن نرى نتائجها في شوارع بلداتنا ومدننا وقرانا، من أطفال مشرّدين، ورجال ونساء يستعطون لقمة العيش. فلنتجرّأ ونقلب الصورة، على ما يقول القديس منصور دي بول: إذا رأيتم إنساناً قذراً تملأ جسمه القروح، لا تتوقّفوا عند هذه الصورة، بل أقلبوها فتروا على وجهها الآخر صورة المسيح. فإلى مثل هذا الموقف يدعونا قداسة البابا فرنسيس اليوم، فلا نكتفي بالإهتمام بخروف واحد ضال، بل نوسّع آفاقنا كي نهتم كذلك بالتسعة والتسعين الآخرين. وهكذا نعيش حقيقة فرح الميلاد وفرح الإنجيل ونرتّل مع الملائكة قائلين: المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر".

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق