العجيبة الثالثة من عجائب القديسة مريم

العجيبة 3
كان أحد الكهنة غنيَّ المال والممتلكات، وفقيراً من ناحية التقوى والعبادة لله تعالى. ففي يوم واحد وزمان واحد دعي كي يناول الأسرار المقدسة لرجل مريض غني جداً، ولامرأة فقيرة متعبدة للبتول مريم العذراء، فاحتار الى من يذهب، الى الغني أم الى الفقيرة المريضة؟ فقادته شهواته الأرضية الى تفضيل الذهاب لخدمة الغني، فعرّفه بسرعة قصوى، ومكث عنده وقتاً قليلاً، وقبل أن يغادر قصره جاء من يقول له أن المرأة الفقيرة في حالة نزاع شديد، وما عليه سوى القدوم ليناولها القربان ويمشحها، ولكنه أبى الذهاب الى بيتها المتواضع. فلما رأى شماسه سوء تصرفه، وكان يخاف الله كثيراً، حاول أن يردعه عن ذلك، ويقنعه بأن من واجب الكاهن خدمة الناس أجمع.. فلم يفلح. عندئذ طلب منه أن يسمح له بالذهاب الى بيت الارملة لمناولتها. فأشار له بيده: اذهب.
مضى الشماس الى الكنيسة، وبكل احترام حمل بيده القربان المقدس، وأسرع الى مساعدة الارملة الفقيرة، الغنية بالتقوى والايمان والعبادة، فوجدها طريحة فوق أكوام صغيرة من التبن، جمعتها كالفراش، فلا أصدقاء يدخلون ويخرجون كما كان يحدث في قصر الغني، ولا طنافس، وأدوات زينة وفراش وثير، ولكنه، بالمقابل، وجد صفاُ من العذارى البتولات يلبسن أثواباً بيضاء كالثلج، وفي وسطهم تجلس الأم الحنونة، معونة النصارى ومعزية الحزانى، مريم البتول.
وكانت العذارى يحملن مناشف بيضاء سماوية، لينشفنَ بها عرق الارملة المريضة، ويتفانينَ بخدمتها. فلما شاهد الشماس هذا المنظر المقدس، وقف والدهشة تعلو وجهها، وبيده القربان المقدس، الذي ما أن رفعه، حتى خرّ الجميع ساجدين، فناولها اياه، وأكمل عليها صلاة المنازعين، حتى استودعت روحها بيد الأم الطاهرة.
خرج من كوخ الارملة والبهجة تغمره، وقصد قصر الغني، حيث يجلس الكاهن، فلم يجد مريم العذراء، ولا البتولات الحكيمات، بل وجد كلاباً سوداء مرعبة ومخيفة، تتحيّن الفرصة لتنهش جسد الغني المتألم، فبهت ولم يقدر على النطق، بل سمع المريض يصرخ: اطردوا عني هذه الكلاب الجهنمية، وخذوا مالي. ولم يقدر أحد أن يسعفه. وفجأة دخل عبد ذو وجه شنيع، شكّ سيفه في خناق الغني وأزهق روحه.
عندئذ تحولت الكلاب الى شياطين، وسحبوه الى نار جهنم، دون أن ينفعه ماله، أو فضته أو ذهبه.
أغمي على الكاهن من هول ما رأى، وعندما استيقظ وهب ثروته للفقراء، وأقسم أن لا ينام الا على بساط من تبن، تيمناً بتلك الفقيرة، وتكفيراً عن ذنوبه. 
**

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق