عظة الأب جوزف سليمان بمناسبة عيد القديس انطونيوس الكبير



مار شربل – سيدني 17/1/2014
مقدمة:
يسعدني اليوم ان نلتقي مع اصحاب السيادة واخوتنا الرهبان والراهبات لنحتفل بذكرى القديس انطونيوس الكبير مؤسس الحياة الرهبانية في الكنيسة، حيت نجدد نذورنا الرهبانية الطاعة والعفة والفقر بحسب مضمون قوانين الرهبانية اللبنانية المارونية. هذا القديس الكبير الذي زرع بذار الحب الالهي في قلوب المؤمنين في ذلك الوقت، حيث ازهرة البراري والقفار بالنساك المتعبدين لله ليل نهار على غرار انطونيوس. فمن بداية القرن الثالث والرابع لا تزال روحانية هذا القديس تتجدد في الاديار الرهبانية وبنوع خاصة الشرقية منها.
منذ البداية كان القديس انطونيوس جذريا في قراره، هو الذي وضع يده على المحراث ولم يلتفت الى الوراء. فلم يدع اي شيئ يفصله عن المسيح مرددا مع مار بولس: من يفصلني عن محبة المسيح؟ لا موت ولا حياة، لا رئاسات ولا سلاطين، لا حاضر ولا مستقبل... يقدر ان يفصلني عن المسيح.
فالقديس انطونيوس هو اكثر من مؤسس لحياة رهبانية ونسكية، هو مثال يقتدى به في تطبيق روحانية الانجيل وقيمه.
اولا:  هو قدوة في الاصغاء الى كلمة الله.
من بداية حياته كان القديس انطونيوس يتردد الى الكنيسة ويشارك الجماعة المسيحية في احتفالاتها الليتورجيا. فحضوره لم يكن مجرد حضور جسدي في مكان معين ومع جماعة معينة بقدر ما كان حضوره تفتيش عن معنى الايمان والعلاقة بخالقه. هذا التفتيش طبع فيه حب الاصغاء وبدقة الى كل كلمة من كلمات الانجيل. لا شك انه سمع يوما ما قاله القديس بطرس للمسيح :" الى اين نذهب وكلام الحياة  الابدية عندك". ولانه كان مؤمنا ان كلام المسيح كلام الحياة الابدية، اثرت في نفسه مثل الشاب وكيف طلب منه الرب يسوع ان يترك كل شيئ ويتبعه. هذه الكلمة كانت ولا تزال مصدر الحياة، حياة لكل مؤمن. هذه الكلمة التي كشفت عن وجه الاب الحقيقي في شخص يسوع المسيح والذي من خلاله قال الله الاب كل شيء.
هذه الكلمة كانت الدافع لخلق خط جديد في الكنيسة، من الرسل الاثني عشر الى التلاميذ الاثنان والسبعين، الى الجماعة الاولى فالشهداء وغيرهم من المؤمنين. كلمة الله لا تحد بزمان او مكان. فهي تخرق الى قلب الانسان وتنير عقله الى معرفة سر الحب الاسمى الى معرفة سر الملكوت على الارض.
ثانيا: هو قدوة في الشهادة.
الحياة الرهبانية هي شهادة حية لحقيقة العالم الاتي المبني على المحبة والشراكة. في هذا العالم كل شيئ جديد، الارض والسماء وحتى الانسان، حيث السلام والمحبة كما يقول القديس يوحنا في كتاب الرؤيا:" ورايت سماء جديدة وارضا جديدة. فالقديس انطونيوس مع اجواق الرهبان يشهدون ان رجاءنا ليس في هذا العالم الزائل انما في العالم الاتي كما يقول مار بولس: لو كان رجانا في هذه الدنيا وحسب فنحن اشقى جميع الناس. كم بالاحرى الرهبان والمتنسكين. لذلك نرى في عالمنا الاتي ان اكثر المؤسسات الخيرية المجانية ( تربوية او تمريضية او ثقافية..) في العالم هي تنتمي الى مؤسسات رهبانية او كنسية لانها تعكس مرآة الحياة الابدية على الارض.
لذلك تبقى الحياة الرهبانية والتي هي القلب النابض في الكنيسة، منارة لكل المنغمسين في عالم المادة والذين يفتشون عن السعادة المزيفة المبنية على حب المال والانغماس في الملذات غير مدركين او متناسين ان لهم عالم اخر غير زائل ابدي، يجب العمل لدخوله من خلال حب الشراكة واحترام الاخر الى اي فئة انتمى او دين واعتباره اخ لنا في البشرية خليقة الرب كما كانت تشهد القديسة الام تريزا دي كالكوتا في حياتها مع فقراء ومرضى الهند.
ثالثا: حياة انطونيوس هي استشهاد يومي.
كل مرة نتكلم عن الحياة الرهبانية ترتسم في فكرنا صورة للرهبان القديسين من انطونيوس ومار مارون ومار شربل والحرديني والقديسة رفقا والاخ اسطفان وماري ماكيلوب وغيرهم. فنرى فيهم فرح السماء وبهاء المجد السماوي الساطع على وجوههم. فيغيب عن بالنا احيانا كم وكم جاهدوا في حياتهم اليومية واستطاعوا ان يتغلبوا على التجارب بانواعها، روحية ونفسية واجتماعية وانسانية ورهبانية وغيرها...
فلكل عصر مغرياته وصعوباته، ولكل رهبانية صعوباتها تعترض رسالتها. كم وكم من الرهبانيات انقرضت  او رهبان تخلوا عن دعوتهم ربما لانهم ضيعوا الهدف الاول والذي من اجلهم كرسوا حياتهم. لذلك يظل القديس انطونيوس مؤسس الحياة الرهبانية قدوة في الاستشهاد اليومي لبلوغ الهدف. لم يتوانى يحارب التجارب ويستقوي بالصلاة والصوم والتقشف. 80 سنة قضاها انطونيوس في الصحراء في جهاد يومي اضف الى ذلك تشجيعه للرهبان الذين اقتدوا به.

الخلاصة والعبرة: 
بهذه الافكار الثلاثة : اصغاء، شهادة واستشهاد يومي،  يسعدني ان اشكر اصحاب السيادة بمشاركتكم معنا هذا الاحتفال الرهباني واتوجه الى ذاتي والى كل فرد من اخوتي الرهبان والكهنة  والراهبات والجمع الحاضر، طالبا من الرب يسوع بشفاعة القديس انطونيوس ان يقوي ارادتنا ويملئ قلوبنا من محبة المسيح لكي نظل شهودا حقيقيين للعالم الاتي في عصر كثرت فيه التيارات المناقضة لايماننا المسيحي والتي همها الاوحد في هذاالعالم. اعاده الله عليكم جميعا وعلى كل من اتخذ انطونيوس شفيعا له ونخص بالذكر سيادة المطران انطوان شربل طربيه ابن الرهبانية اللبنانية المارونية والمحترم الاب انطوان طعمه وكل الحاضرين والغائبين.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق