يعطينا الرب يسوع المسيح هذا الصباح المبارك ‘ وصية هامة فى حياتنا الروحية ‘ فى سلوك المؤمن المسيحى ‘ لطريق الحياة الأبدية الموضوع عليه رجاءنا جميعا ‘ وجاءت الوصية فى قوله للذين جاءوا الى قرب الموضع الذى اكلوا فيه الخبز اذ شكر الرب‘ ثم جاءوا لكفر ناحوم أيضا يبحثون عنه فقال لهم هذه الوصية " اجابهم يسوع وقال الحق الحق اقول لكم انتم تطلبوننى ليس لأنكم رأيتم آيات بل لانكم اكلتم من الخبز فشبعتم. اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقى للحياة الابدية الذى يعطيكم ابن الانسان لان هذا الله الآب قد ختمه."يو6: 26 و 27. ولأن قول الرب هذا جاء نتيجة أحداث ومعجزات أجراها الرب ‘ وأصحاح 6 من انجيل معلمنا يوحنا الإنجيلى من ضمن الإصحاحات المشهورة والمحبوبة فى الكتاب المقدس ‘ ففى الجزء الأول وكان الشعب يتبع يسوع المسيح فى منطقة صيدا شرق بحر الجليل أو بحيرة طبرية ‘ أشبع الرب الجموع وقد زادوا عن خمسة آلاف بخمسة خبزات وسمكتين ‘ وفاض عنهم كسر ملأت 12 قفة من بواقى شبعهم‘ وكقول الكتاب " فلما رأى الناس الآية التى صنعها يسوع قالوا ان هذا هو بالحقيقة النبى الآتى الى العالم. واما يسوع فاذ علم انهم مزمعون ان يأتوا ويخطفوه ليجعلوه ملكا انصرف ايضا الى الجبل وحده."يو6: 14 و 15. وفى الجزء الثانى نزل التلاميذ الى البحر فدخلوا السفينة وكانوا يذهبون الى عبر البحر الى كفر ناحوم ‘ وهاج البحر من ريح عظيمة تهب‘جاءهم الرب ماشيا على البحر مقتربا من السفينة وقال لهم انا هو لا تخافوا ."يو6: 16-20 .
والمفترض أن السفن والجموع التى جاءت من طبرية بحثا عن يسوع ‘ الى قرب الموضع الذى أكلوا الخبز وشبعوا ‘ وأيضا وجدوا يسوع الذى تركوه وحده ‘ فى السفينة مع التلاميذ فى عرض البحر ‘ والمفترض انهم إهتزوا من رؤية هاتين الآيتين فتقربهم من الله وتدعهم يشكرون ويحمدون الرب على عطاياه ‘ ويسلكون حياة روحية فى ظل بركة السماء ‘ ولكنهم فكروا فى تنصيبه ملكا عليهم لأنه سشبعهم طعاما ‘ هذا الحماس والقبول اليه لم يخرج عن المحيط المادى(شبع البطون) أو الهدف السياسى (الملك) ‘تماما مثل مافعلوه مع موسى النبى فى البرية‘ ولذلك واجههم الرب بالحقيقة لتصحيح المفهوم عن قدراته الفائقة ومصدرها وغايتها ‘ ويصحح لهم المقارنة الخاطئة بينه وبين موسى النبى ‘ ليصلوا الى نتيجة حتمية أنه المسيا المنتظر ‘ ولكن هيهات انهم شعب يبحثون عن طعام يسد البطون ولا ينفع الروح ‘ فجاءت إجابة الرب عليهم" أنتم تطلبوننى ليس لانكم رأيتم آيات بل لأنكم أكلتم الخبز فشبعتم"‘ يطلبونه ليس لشخص المخلص والفادى الآتى للعالم ‘ بل من أجل عطاياه المادية ‘ طعام للشبع ‘ وحتى هذه لم يروا فيها آية كآيات الشفاء التى صنعها لم يفكروا فى شخصه الذى يبحث عن راحة وشفاء أجسادهم ‘ ولكنهم لم يروا الآيات أى لم تتفتح بصيرتهم للإيمان به‘ فالرؤية الروحية كانت غائبة عنهم.
الهدف والغاية
السيد المسيح كان يرى فى كل مايقدمه لهم من أعمال الرحمة والمحبة والعطف ‘أنها قد تثير عقولهم وقلوبهم ليؤمنوا بحقيقة شخصه ‘ ولأنه بالإيمان تكون لهم الحياة الأفضل ‘ والنعمة الدائمة الأبدية ‘ والتى جاء من أجل قيادتهم نحوها‘ فالشبع الحقيقى يكون للحياة الروحية بالإيمان وليس لإشباع الاجساد بالطعام. وهذا هو ماقاله لهم الرب " اعملوا لا للطعام البائد (الخبزلإشباع البطون ) بل للطعام الباقى للحياة الأبدية ( جسد المسيح نفسه ) الذى يعطيكم ابن الانسان ‘لأن هذا الله قد ختمه." ونلاحظ ان كلمة (البائد) التى قالها الرب هنا هى نفس الكلمة التى قالها عن الكسر التى أمر بجمعها لكى لا (يضيع) شيئا ‘ ليوضح لهم ان االخبز الذى كسره ووزعه عليهم ليس من نوع الخبز البائد ‘بل مثال جسده الذى يذبح عنهم الذى فيه سر الحياة والديمومة‘ ان الذى باركه وقدسه وأعطاه لا يباد منه شيئا ‘ ويظل مصدر بركة دائمة ‘ فيصلوا الى إيمان قوى بالمسيا الذى يترقبوه. وهذا درس لنا لأن هناك فرق بين الذى يفهم النعم البركات التى يعطيها لنا الرب هى للإشباع المادى فقط بل لغرض الإشباع الروحى بالإيمان بالمسيح وهى باقية وأبدية لأن فيها سر إيماننا بالمسيح.
وهنا الهدف والغاية: ان عطايا ونعم الرب التى يمنحها لنا يستحيل ان توصلنا للحياة الأبدية أو يكون لها نفع روحيا مالم يكن السيد المسيح هو غرضها وقصدها وغايتها‘ فالذى يطلب الشفاء لن ينتفع بعمل شفائه إذا لم يؤمن بان الصحة المعطاه له آية فى حد ذاتها تعمل لحساب الإيمان بالمسيح. ‘ وإلا كان الشفاء مثل ملء بطون الجليليين من الخبز والسمك.
الذى يعطيكم ابن الانسان
وقول الرب يعنى ان مايعطينا ابن الانسان هو عطية الحياة الأبدية ‘ وهى نفس ماقاله الرب للمرأة السامرية" لو كنت تعلمين عطية الله. ومن هو الذى يقول لك أعطينى لأشرب لطلبت انت منه فاعطاك ماء حيا‘ "يو4: 10‘ فعطية المياه الحية للحياة الأبدية ‘ تماما مثل الخبز الحى للحياة الأبدية ‘ وهو هنا ينتقل بنا الى فعل الروح القدس المحي ‘ فى ماء المعمودية للميلاد الثانى ‘ وفى الخبز أى الجسد – الأفخارستيا – كطعام للحياة الأبدية ‘وهذا مانردده بإيمان مع الكاهن فى القداس الإلهى " الجسد المحي الذى يعطى لمغفرة الخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه.
ختم الله
قول الرب " لأن هذا الله الآب قد ختمه" المرة الأولى والأخيرة يقول فيها ((الله الآب)) فالمعتاد قوله أبى أو الآب ‘ وهو يأتى بالله بالصيغة الأبوية العامة من فم السيد المسيح ‘ ولتنبيه أنه ليس ختما خاصا فقط بالمسيح نفسه ‘ ولكنه أيضا ختما خاصا بالإنسان ككل ‘ فهو ختم أبوة الله على جسد الابن الوحيد‘الكلمة المتجسد‘ ليصير الله به أبا لكل من يقبله أى يتناول منه. وكلمة ختم تقع على السيد المسيح وليس على الطعام ‘ لأن هذا الله الاب قد ختمه ‘ بمعنى شهد له بنفسه ‘ كقول العامة ( أختم وأبصم) والمعنى أنه شهادة حق وتصديق. كما ورد فى يو3: 33" ومن قبل شهادته فقد ختم أن الله صادق‘ لأن الذى أرسله الله يتكلم بكلام الله." وسمعنا ختم الله الآب وشهادته فى العماد المقدس " هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت."مت3: 17 ‘ وأيضا على جبل التجلى " وفيما هو يتكلم اذا سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السماء قائلاهذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت له اسمعوا."مت17: 5‘ ويعلمنا القديس بولس الرسول عن ختم المعمودية او الميلاد الثانى " إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس الذى هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجدة."أف1: 13‘ والختم يخص السيد المسيح ليفيد التقديس كقول الكتاب " الذى قدسه الآب وأرسله الى العالم."يو10: 36‘ وختم التقديس الذى تم بواسطة الآب فى الميلاد" الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله" مو1: 35‘ وفى العماد المقدس" الذى ترى الروح القدس نازلا ومستقرا عليه فهذا هو الذى سيعمد بالروح القدس .ويكمل يوحنا المعمدان " وأنا قد رأيت وشهدت ان هذا هو ابن الله."يو1: 33‘ وفى القيامة " وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات." رو1: 4.
وصية الله لنا " لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون ولا لأجسادكم بما تلبسون"لو12: 22‘ " الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس ‘ فالرب يطلب منا نحن المؤمنين المتكلين عليه أن لا نطلب ماتطلبه الأمم غير المؤمنة به ‘ بل نطلب الطعام الباقى للحياة الأبدية وملكوت الله لأن ليس ملكوت الله أكلا وشربا بل هو بر وسلام وفرح فى الروح القدس ."رو14: 17 ‘ وفى عملنا للطعام الباقى –كلمة الله الحية- سوف يقيمنا من موت هذا الجسد كوعد الرب يسوع " أنا هو القيامة والحياة من آمن بى ولو مات فسيحيا." يو11: 25‘ واليوم تحذرنا كلمة الله ويعلمنا ان نحارب حب المادة وطغيانها علينا ‘ ويحرك فينا الشوق للسماويات ولأن – الجسد يشتهى ضد الروح - ‘ فنحارب الغرائز الجسدية ولا ندعها تطغى على مطالبنا الروحية ‘ فلنرفع أعيينا نحو السماء ونطلب أن يعيننا على كبت جماح الشهوات الجسدية ويزيد فى نفوسنا من الغذاء الروحى الذى هو كلمة الله الحية الفعالة ‘ الصلاة والصوم ‘ حياة الإعتراف والتوبة ‘ والتناول من جسد الرب ودمه ‘ السلوك المسيحى الحقيقى ‘ وكلها عطية الله للحياة الأبدية. أمين.
0 comments:
إرسال تعليق