المصدر: "النهار"
هالة حمصي
العد العكسي بدأ، والتنفيذ يأخذ مجراه من اللحظة التي تفتح المحاكم الروحية الكاثوليكية في لبنان ابوابها بعد ايام قليلة، في انطلاق نشاطها (5 تشرين الاول). انه الجديد المهم الذي استحوذ قبل اسابيع اهتماما كنسيا واسعا ومؤتمرات صحافية ومقابلات ومقالات ترحيب واشادة، في وقت تعالت ايضا اصوات منتقدة، مشككة. "إرادتان رسوليتان" عن بطلان الزيجات الكاثوليكية يحقق بهما #البابا_فرنسيس "اول عملية لاصلاح القانون الكنسي منذ 250 عاما"، وذلك قبل شهر من سينودس مهم جدا للاساقفة حول العائلة.
الاصلاح "تاريخي"، توصف خطوة البابا، ويهدف بها تبسيط عملية بطلان الزواج وتسريعها. بتعابير اخرى، الخطوة "متقدمة نحو كنيسة الرحمة"، يقول متروبوليت صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك المطران ايلي حداد لـ"النهار". "مؤسسة المحاكم الروحية تعقدت قليلا، في ظل الاجتهادات القانونية واللاهوت والفلسفة فيها. ومن خلال تدبيره، يحاول البابا ان يعيد اليها روح الرحمة".
أخبار ذات صلة
البابا فرنسيس غادر الولايات المتحدة بعد زيارة تاريخية
بعد عقود من الانتظار ... البابا يجري تعديلا لإجراءات الكنيسة الكاثوليكية...
في التاريخ الكنسي، اجرى باباوان فقط، قبل فرنسيس، إصلاحاً في قضايا إعلان بطلان الزواج،هما بندكتس الرابع عشر (1741)، وبيوس العاشر (1908). الثلثاء 8 ايلول 2015، "حفر" البابا فرنسيس بصمته، "تماشياً مع المجمع الفاتيكاني الثاني": 21 قانوناً عدلت في مدونتي القانون الكنسي وقوانين الكنيسة الشرقية، قال عميد المحكمة الرومانية المختصة بإعلان بطلان الزواج رئيس اللجنة المكلفة المونسنيور بيو فيتو بينتو في مؤتمر صحافي في الفاتيكان. بتعابيره، اصلاح فرنسيس "عميق"، "ويمتثل لمحورين هما الفقراء وقرب الكنيسة من المتألمين".
تغييرات "مهمة"
عمليا، يدخل الاصلاح "تغييرات عدة مهمة" لتسريع معاملات بطلان الزواج، اولها "الغاء مبدأ حكمين متطابقين لاعلان بطلان الزواج، والاكتفاء بحكم بطلان واحد"، يشرح حداد. القرار توصلت اليه لجنة شكلها البابا فرنسيس العام 2014 لتدرس سبل تسهيل اصول محاكمات بطلان الزواج. "بدأ التطبيق في محكمة "الروتا" الرومانية، التي هي محكمة البابا، واستمرت التجربة فيها طوال الاشهر الماضية. واحب البابا تعميمها على كل المحاكم الروحية الكاثوليكية".
وفقا للتدبير الجديد، "يقصد المرء محكمة الابتدائية لاعلان بطلان الزواج، من دون الاضطرار الى استئناف القرار. في الماضي، كان مجبرا على الاستئناف. اما اليوم، فبات الاستئناف اختياريا، ولم يعد الزاميا كما في السابق"، يقول حداد. تغيير آخر يدخله الاصلاح. "بات يمكن الاسقف وحده ان يبت الحكم، من دون وجود هيئة او جمعية من 3 قضاة، اي ان القاضي الفرد يمكن ان يصدر بطلان الزواج. واسقف الابرشية هو القاضي في هذا الامر، ويمكن ان يبت الحكم. ويكون معه محامي ميثاق، ومحامي عدل، ومسجّل". هذا ما يُسمّى "سلطات جديدة" للاسقف.
ما يعنيه كل هذا هو انخفاض عدد القضاة والدراسات. "الملف يمرّ عادة على 3 قضاة، ثم على محاميي العدل والميثاق. والتدبير الجديد يجعل الامر ممكنا مع قاضٍ واحد ومحاميي العدل والميثاق"، يقول حداد. وللامر ايجابية ايضا: تقليص الرسوم المالية. "فبدلا من دفع رسوم مرور الملف على 3 قضاة في البداية، و3 في الاستئناف، وتكاليف محاميي العدل والميثاق في البداية والاستئناف، تقل الرسوم تلقائيا، لان لا لزوم بعد اليوم لان يمر الملف على كل هذا العدد من الاشخاص".
نقطة اساسية: الاصلاح لا يطاول مفهوم الكنيسة لقانون الزواج، ولا يغير الغرض الأساسي والنظام القضائي في الكنيسة، ولا المفهوم الذي يحكم بالبطلان، ولا يؤثر على المطالبة بالإثباتات. "الرب يسوع القاضي الوديع"، و"يسوع الوديع والرحيم"، عنون البابا الارادتين الرسوليتين. ويؤكد فيهما ان الهدف "ليس تعزيز بطلان الزواج، بل الاسراع في عمليات إبطال الزواج"، وان دعاوى البطلان "مسألة قضائيّة"، مشددا على "مجانية" العمليات، "لان الكنيسة التي تظهر نفسها للمؤمنين امًّا سخية في ما يتعلق بخلاص النفوس، عليها أن تظهر أيضا محبة المسيح المجانيّة التي تخلصنا جميعا".
الاستئناف لن يتأثر
الهدف البابوي"رعائي" بحت. وتباشر المحاكم الروحية الكاثوليكية تنفيذ الاصلاح فورا "على صعيد حكم البطلان، اي قاضي البداية الفردي". غير ان ما يخشاه حداد هو ان "مسار محكمة الاستئناف لن يتأثر، اذ تبيّن احصاءاتنا ان اي دعوى الا واستئنفت بمفاعيلها المدنية. بتعابير اخرى، لا احد يقبل بحكم واحد. هناك دائما اعتراضات، وكل فريق يريد كل شيء له، من حضانة الاولاد الى النفقة".
هل هذا يعني ان رغبة البابا في تسريع العملية وخفض نفقاتها صعبة التحقيق في لبنان؟ يجيب: "اليوم، اذا وقّع زوجان امام كاتب العدل اتفاقا مدنيا لا يضرّ بالاولاد، ولم يدخلوا بالمفاعيل المدنية الى المحكمة، فنثبت لهم هذا الاتفاق، و"تمشي الامور". غير ان قلةً قليلة جدا ممن يدخلون المحكمة متفقين، على صعيد المفاعيل المدنية. وبالتالي، ستبقى محاكم الاستئناف في المرصاد لما يصدر عن المحكمة الابتدائية من اجل ترتيب الامور".
في التوقعات الاكيدة، سيزداد عمل المحاكم الروحية الكاثوليكية، لتزايد حالات بطلان الزواج. "اذا سُجِّل نحو 2000 زواج كاثوليكي في لبنان، لدينا في المقابل 100 بطلان. النسبة تصل حاليا الى اكثر من 5% من الزيجات السنوية، في مقابل 3% او 4% في الاعوام الماضية". الخبرة في المحاكم الروحية، خصوصيات الشرق، وتحديدا لبنان، هي التي تجعل حدادي تمنى لو "منح البابا فترة تجريبية اطول لتدبيره: 3 او 6 سنوات. وفي ضوئها، كان ثبته، او عاد الى القانون السابق".
اختصارا، توصيات اللجنة البابوية جيدة. "وكان هذا طرحنا ايضا، ولكن مع وجوب التنبه الى خصوصيات الشرق"، يقول. كان الامل ايضا "ان تضم اللجنة اشخاصا من الشرق، اذ ان كل اعضائها غربيون. وسبق ان ارسلنا الى الفاتيكان اقتراحات في هذا الشأن. لكن "بدك مين يرد علينا". تكلمنا مرارا، وهناك مؤتمرات ومحاضرات، ولكن لم يؤخذ بها كثيرا".
واذا كان التدبير البابوي دخل حيز التنفيذ ابتداء من 15 ايلول 2015، فانه يتطلب امرا آخر: "آلية تشريعية خاصة، اذ ان كل تشريع بابوي عام تقابله عادة تشريعات خاصة. وبالتالي لا بد من ان تجتمع معا الطوائف الكاثوليكية في لبنان لتضع خطوطا مشتركة لهذه التشريعات، على ان تنسجم مع العناوين الكبيرة للتدبير البابوي. والى حينه، يمكن اتخاذ قرارات ادارية".
hala.homsi@annahar.com.lb
0 comments:
إرسال تعليق