المصدر: "النهار"
هالة حمصي
انها المرأة الثانية التي يوافق السينودس الانجيلي الوطني في سورية ولبنان على رسامتها قسيسة. الواعظة نجلا قصاب هي القسيسة الثانية التي تُرسَم خلال شهر في لبنان والشرق. ساعة من العمر. الجمعة 24 آذار 2017، تُتوِّج 25 عاما من الخدمة في الكنيسة في احتفال ديني دعا اليه السينودس(1)، ويؤمل في "ان يكون مسكونيا". "الله خلق المرأة على صورته ومثاله، وليست أنقص من اي رجل. المسيح أحبّها الى درجة انه مستعد ليستخدمها كما يستخدم الرجل"، تقول لـ"النهار".
القسيسة الجديدة أمّ، وايضا زوجة قسّ، القس جوزيف قصاب، الامين العام للسينودس، بما يجعلهما ثنائيا فريدا للغاية في لبنان والشرق. "قس وقسيسة" جمعهما الحب من ثلاثة عقود، واثمر 3 اولاد، بنتان وصبي، "هم سعداء"، على قولها، بان يكون والداهم قسيسين. مشرقة بابتسامتها، واثقة، متحمسة. الواعظة نجلا تستعد لرسامتها كإستمرار للرسالة التي بدأتها من اعوام طويلة في السينودس والكنيسة، "وهي ان اشارك في بناء الملكوت على كل المستويات، وتحديدا في التعليم الكنسي".
العام 1990، عادت الى لبنان بشهادة في اللاهوت من الخارج، ثم منحها السينودس إجازة واعظة العام 1993، للمرة الأولى في السينودس. "ومن هنا، بدأنا رحلة تثقيف المرأة في الكنيسة عن الدور الذي يريده الله لها. الهدف استخدام طاقاتها في بناء الكنيسة وملكوت الله. نؤمن بانها تكمّل الرجل بمواهبها وحضورها وآرائها ولمستها الانسانية".
نجلا الرحّالة
هكذا بدأت الرحلة، "رحلة تغيير النظرة الى المرأة في الكنيسة"، بتعابيرها. ولا احد يستطيع ان يقنعها "بان الله يحب الرجل اكثر من المرأة". الواعظة المسؤولة عن دائرة التربية المسيحية في السينودس تستمر في رسالتها كقسيسة، مع اقتناع بان "الله يستخدمني في التعليم في الكنيسة وممارسة الاسرار وبناء جماعة الايمان والعمل مع المرأة".
في اليقين ايضا، "المرأة القسيسة تستطيع ان تصل الى المرأة اكثر من الرجل، لانها تعرف جيدا حاجاتها وآلامها وصراعاتها. لذلك هناك انتقاص في الا تكون هناك امرأة قسيسة". وتتساءل: "من اجمل من المرأة كي تتكلم على محبة الله والدخول في جماعة الايمان وحمل طفل وتعميده؟ المرأة أمّ".
ان تُعَمِّد؟ مستعدة لذلك بسرور كبير. وتنتظر ان يُطلَب منها، بعد رسامتها، تعميد اوّل ولد. كذلك، تتوق الى تلك الساعة التي تحتفل فيها بالاسرار، للمرة الاولى كقسيسة. احدى الكنائس في صيدا كانت السباقة الى دعوتها الى ان تقيم لديها احتفالها الاول بالاسرار، بعد رسامتها فورا.
من اكثر من عقدين، تستعد نجلا لهذه الاوقات الغالية. درست اللاهوت مع زوجها القس جوزيف، "وخدمنا ونخدم معا"... مع حرص على "التروي في التثقيف حول دور المرأة في الكنيسة"، على قولها. من نتائج هذا التروي "قبول تلقائي... ما نقوم به يدخل في صلب لاهوتنا وحياتنا الكنسية، في صلب قبول المرأة في جماعة الايمان".
"لا شيء يمنع"
في اللاهوت الانجيلي المُصلَح، "لا شيء يمنع من رسامة المرأة"، يؤكد الامين العام للسينودس القس جوزيف قصاب. "لدى هذا اللاهوت نظرة الى قراءة الكتاب المقدس لا تقوم على الحرفية. نحن لا نؤمن بالوحي الميكانيكي، بل بأنَّ من كتبوا الكتاب المقدس اشخاصٌ مُساقون بالروح القدس، لكنهم كانوا ايضا ابناء بيئتهم ومجتمعهم. لذلك، عندما نقرأ الكتاب المقدس، نحاول ان نجعله آنيا، اي ان نفهم ماذا كان يعني آنذاك، وماذا يعني الآن. لا نقرأه لمجرد ان نقرأ، او نطبق ما نقرأه من دون تفسيره لاهوتاً وتاريخاً".
الموقف من المرأة في المسيحية مبنيٌّ، في رأيه، على "كيفية قراءة الكتاب المقدس". ويقول: "اذا كُتِب فَلْتَصْمُتْ، فثمة من يقولون ايضا فَلْتَصْمُت. لماذا قيل ذلك؟ وفي اي ظرف كُتب؟ لا يهمهم... في موضوع المرأة، نعرف ان هذه النصوص كانت لها ظروفها. بالنسبة الينا، نقطة الانطلاق هي الخلق. "فخلق اللهُ الانسانَ على صورته ومثاله، ذكرا وانثى خلقهما". صورة الله اذاً في الخلق مطبوعة في الذكر والانثى. وكان هذا قبل السقوط. كل امانينا ان نرجع الى حالة ما قبل السقوط. جاء المسيح كي يعيدنا الى تلك الحالة. فكيف نعود الى حالة ما قبل السقوط بعد موته وقيامته من أجلنا؟ هذا هو المنطلق الكتابي الذي ننطلق منه كأنجيليين مُصلَحين".
ردًا على المنطق القائل بان المسيح لم يختر نساء بين تلاميذه، وبالتالي كهنوت المرأة غير جائز، يفسر قصاب ان "عدد 12- وهو عدد تلاميذ يسوع- رمزي، ويدل على الاسباط الـ12 لاسرائيل. ويريد المسيح بذلك ان يقول هذه هي اسرائيل الجديدة، هذه هي الكنيسة".
ترتيب خاص
يؤمن الانجيليون، لا سيما المُصلَحون، بكهنوت جميع المؤمنين، احد مبادىء الاصلاح الاساسية. "ليس لدينا كهنوت خاص، اي ان يُرسَم شخص كاهنا، ويصبح برسامته اعلى مرتبة روحية من المؤمنين. عندنا كهنوت جميع المؤمنين. ونستمده كمؤمنين من كهنوت المسيح، الكاهن الاعظم الذي اعطى الجميع كهنوته"، يشرح قصاب.
وبموجب ذلك، تأتي رسامة القساوسة والقسيسات كـ"ترتيب كنسي خاص". "الرعاية وممارسة الاسرار ترتيب في كنائسنا يقوم على ان القسيس المعلّم يجب ان يتعلم"، وان يلبي متقضيات عدة اولا. "بعد تخرّج الطالب (او الطالبة) من كلية اللاهوت للشرق الادنى التابعة للسينودس، يعينه السينودس للخدمة في مكان ما. وغالبا ما يتم تعيين الذكور في كنائس، حيث يبدأون الخدمة. بعد سنة من الخدمة، يحق له التقدم بطلب لنيل اجازة وعظ، اي ان يكون مجازاً في خدمة الكلمة. فيخضع لامتحان في الوعظ. واذا نجح فيه، يمنحه السينودس اجازة وعظ قانونية. وبالتالي يدخل في تصنيف فئة الرعاة، كالقساوسة، لكن لا يحق له ان يخدم سريّ المعمودية والافخارستيا. وبعد 3 سنوات في الخدمة، يجب ان يُطلَب للرسامة لخدمة السرّين، إما من السينودس، إما من الرعية كما حصل في رسامة القسيسة رولا سليمان لكنيسة طرابلس. وبناء على هذا الطلب، يخضع مجددا لامتحان. وبعد النجاح فيه، يقرر السينودس رسامته قسا".
هذه الاجراءات المطبّقة على الرجل هي نفسها المطبقة ايضا على المرأة. هذه المسيرة التعليمية والخدماتية خاضتها الواعظة نجلا قصاب، وعلى غرارها القسيسة رلى سليمان التي رُسِمت في 26 شباط 2017.
قرار السينودس برسامتيهما "كان تلقائياً وسلساً"، بتعبير قصاب. "قال السينودس في قراره: تقرر رسامة المرأة في السينودس اسوة بالرجل". في تلك الجسلة التاريخية، وافق السينودس "في اقتراع سري" على هذا القرار، باجماع 23 صوتا مقابل اعتراض صوت واحد. المجلس الاداري للسينودس نصفه علمانيين، والنصف الآخر قساوسة. وقد يكون المعترض قسيسا او علمانيا. واذا كان قصاب يقرأ في هذا الاعتراض "حرية رأي"، فانه يرى في الاجماع الواسع "ثمرة عقودٍ من نشر الوعي المنظَّم حول دور المرأة في الكنيسة".
3 قسيسات في القرن الماضي
بعد القرار، بدأت الاسماء تتوالى. سليمان الاولى، "وقد حققت فتحًا في هذا المجال، لاننا كنا ننتظر ان تقوم كنيسة أولاً بطلب رسامة قسيسة لخدمتها. وعندما طلبتها كنيستها في طرابلس، كانت فرحتنا كبيرة"، على قوله. ونجلا قصاب هي الثانية. وبهما، "بدأ مشوارنا مع النساء القسيسات. ونحتاج الى مزيد من الوعي. ونأمل في ان تطلب كنائس اخرى قسيسات".
قسيستان سنة 2017، واخريات تتحضرن مستقبلا. وفقا للسينودس، "هناك واعظة اخرى، وخادمة دين تخرجت اخيرا من كلية اللاهوت، وبدأت مسيرتها في الخدمة. وبعد سنة، تحصل على شهادة الوعظ". قبل سليمان وقصاب، وقبل ان يكون هناك سينودس في شكله الحالي(2)، كانت هناك ايضا قسيسات، ولكن من عقود طويلة، في عشرينيات القرن العشرين.
في ذاكرة رئيس مجمع "كنيسة الله" الانجيلية في سورية ولبنان راعي "كنيسة الله" في الاشرفية القس جوي ملوح، 3 اسماء. "اديل الجريديني كانت اول قسيسة تُرسَم في كنيسة الله في الاشرفية العام 1921. ثم رسمت اثنتان اخريان العام 1923، زهية اسود واسمى الجريديني". في ذلك الوقت، اتمّ الرسامة راع مرسل، الى جانب الراعي المحلي للكنيسة. "تلك الرسامات مذكورة في سجلات الكنيسة مع اسماء القسيسات وتاريخ رسامتهن".
"كنيسة الله" اسسها القس دانيال وارنر في اوهايو في الولايات المتحدة العام 1880، "وتعود جذورها الى الميثودستية ومؤسسات جون وسلي"، يفيد ملوح. في لبنان، "تأسست العام 1912 على يد امرأة مرسلة الآنسة لافلن"، ولديها حاليا 10 كنائس موزعة بين بيروت والمتن والبقاع.
من البداية، "فهمت انه يمكن رسامة النساء قسيسات"، يقول. لكن بعد القسيسات الثلاث في لبنان، لم تُرسَم اخريات "لان رجالا محليين توفروا في ذلك الوقت. حتى القسيسات المرسومات اعطين دورا اكبر للرجال، لكون المجتمع ذكوريا اكثر. كذلك، كان للحرب تأثير في تلك المرحلة". ويؤكد "اننا لا نزال على موقفنا. نؤيد رسامة النساء قسيسات، لكونها في صلب مفهومنا. ونتمنى رسامة قسيسات مستقبلا".
"لا نريد ان نتوقف"
ما اختبرته "كنيسة الله" قبل 94 عاما يحييه اليوم السينودس الانجيلي الوطني في سوريا ولبنان بقرار واضح. الباب امام القسيسات فُتِح من لبنان، مع الثقة بان "العلاقة ببقية الكنائس، لا سيما تلك التي لا تعترف بكهنوت النساء، لن تتأثر، وسيبقى بيننا بالتأكيد احترام ومودة"، يقول قصاب.
ماذا لو لم ترحب تلك الكنائس بالقسيستين؟ يجيب: "نتفهم ذلك. نعيش في الشرق ونعرف اجواءه. لكن لا نريد ان نتوقف. استغرب الا يكون في الكنائس التي ترفع شأن العذراء القديسة مريم دور اكبر للمرأة فيها. الملكوت يحتاج الى فعلة. واذا بقينا "محشورين" في تلك الزاوية، فما نخشاه هو ان نكون نضحّي بشيء ثمين للغاية، الا وهو حق يسوع المسيح في كنيسته، لقاء مسائل قد تكون ثانوية".
"لا احد يسرق منا خدمتنا"
الاعتراض لا يخيف الواعظة نجلا. مرات، عبّر لها بعض الرجال في كنيستها عن رفضهم لدورها. لكنها لم تدخل صراعا معهم، "وقررتُ ان اقوم بما يطلبه مني الله". بعد 20 عاما، تغيّرت الامور، على ما تلاحظ، و"علينا ان نستمر في القيام بخدمتنا بامانة واخلاص، ولا نتلهى بالصراع. وفي الوقت نفسه، لا نساوم على كلمة الله وفهمنا لها".
ماذا تقول للمستائين من رسامتها؟ تجيب: "لا احد يسرق منا خدمتنا في الكنيسة. دعوتنا هي الخدمة، وهي ملك الله". وتؤكد انها تتفهم موقف بقية الكنائس، اذا لم يكن مرحبا بها كقسيسة. "تدربت على عدم الانشغال في الصراع، بل على رفع المسيح في حياتي وخدمتي وحضوري... نحترم سائر الكنائس وخصوصيتها. في كل دور جديد، اتوقع الرفض. لكن لدي ايضا دعم كنيستي، رجالاً ونساء، والقساوسة".
وتبقى كلمتها للنساء: "المرأة في صلب الخدمة. حان الوقت لتنطلق وتمجد الله على المواهب التي اعطاها اياها، وتخدمه بكل امانة. لها دور كبير في البيت والمجتمع والكنيسة. واجمل ما يمكن ان تقوم به في حياتها هو ان تخدم الله من دون حدود. المرأة اساس في الكنيسة".
(1)السينودس الانجيلي الوطني في سورية ولبنان دعا الى رسامة الواعظة نجلا قصاب قسيسة في احتفال يقام الساعة 5,00 ب.ظ الجمعة 24 آذار الجاري في الكنيسة الانجيلية المشيخية في الرابية.
(2)العام 1920، أُعيد تنظيم عمل الكنائس الإنجيلية في سورية ولبنان لتشكل سينودساً واحداً هو السينودس الإنجيلي الوطني. العام 1959، تسلَّم كامل المسؤوليات والخدمات التعليمية والطبية والكرازية من الإرساليات المشيخية الأميركية.
hala.homsi@annahar.com.lb
0 comments:
إرسال تعليق