خرج الزارع ليزرع/ نسيم عبيد عوض

تكررت هذه الجملة "خرج الزارع ليزرع "فى أناجيل الكتاب المقدس ‘ فى مت 13‘ ومر 4 ‘لو8‘ ولهذا التكرار وبإرشاد روح الله القدوس ‘ إختارت كنيستنا شهر هاتور ليقرأ في أحدين متتاليين نفس الفصل من الأناجيل ‘ لتواكب المثل مع بذر بذور القمح فى هذا الشهر ‘ وخصوصا فى أراضى الشرق ‘ ولعل الرب قد نظر زارعا يبذر البذار ليزرع حقله ‘ فلفت نظر الجموع حواليه ليكون المثل مع التطبيق العملى سهلا للفهم ليوصل رسالته الروحية لقلوب الشغوفيين بتعاليمه ووصاياه. وهذا هو المعروف فى عالمنا الحديث بوسائل الإيضاح .

الأمثال

وكان الرب له المجد يستخدم أسلوبا جديدا فى التعليم وهو الأمثال القصصية ‘ وكان يستخدم التشبيهات مثل "أنتم نور العالم"‘ أنتم ملح الأرض" ‘ زمرنا لكم فلم ترقصوا" ‘ نحنا لكم فلم تلطموا "‘ وقد فسر الرب هذا فقال لتلاميذه المؤمنين به ‘ "قدأعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السموات أما لأولئك فلم يعط. من أجل هذا أكلمهم بأمثال"مت13: 11-13.ولا عجب أن يحتوى إصحاح 13 من انجيل متى البشير  على 7 أمثال عن ملكوت السموات ‘ وأولهم مثل الزارع الذى خرج ليزرع.

الخروج

ومعلمنا متى البشير يستخدم هنا كلمة الخروج مرتين أولهما " وفى ذلك اليوم خرج يسوع من البيت وجلس عند البحر فكلمهم كثيرا بأمثال ‘ وثانيهما ‘ قائلا هوذا قد خرج الزارع ليزرع. لقد كان الخروج دائما فى فكر الرب يسوع ‘ ولعل خروج شعب إسرائيل من مصر أرض العبودية الى أرض كنعان أول رمز للخروج من عبودية إبليس وعتقنا من سطوة الشيطان. وهاهو فى ملء الزمان يخرج من بيته السماوى لينزل لنا على الأرض ليخرجنا بالحقيقة من الظلمة الى النور‘ الى حرية مجد أولاد الله " فإن حرركم الإبن فبالحقيقة تكونون أحرارا "يو8: 36‘ وعندئذ" وتعرفون الحق والحق يحرركم."يو8: 32.

ونلاحظ أيضا أن لقاء الرب مع الجموع كان دائما فى أحضان الطبيعة ‘ ففى القائه شريعة العهد الجديد عهد النعمة كان على الجبل (مت إصحاحات 5‘6‘7) كما سبق وأعطى موسى الوصايا العشر على جبل حوريب‘ وهو هنا يجلس على البحر ليعطيهم درسا عن ملكوت السموات ‘ ليعطينا ايضا المثل لنتأمل فى الطبيعة التى خلقها لنا لننعم بها ونشهد بعمل الله ونشكره عليها كما قال المرتل " السموات تحدث بمجد الله . والفلك يخبر بعمل يديه.مز19"

وفى هذا المثل يحدد طرفين: الزارع والزرع ‘ أو الباذر والبذار ‘ أى الله الكلمة ‘ وكلمة ملكوته ‘ كذلك التربه حددها بأربعة أنواع :

الطريق ..

أو المدق البعيد عن التربة الحقيقية‘فإذا وقعت عليها البذور جائت الطيور وألتقطتها مثل لإبليس. تربة حجرية.. فمظهرها تربة تصلح للزرع ولكنها تخفى صخرا فى عمقها ‘وإذا وقعت عليها    البذور تجف وتموت لأنه ليس لها عمق أرض فتحرقها الشمس .

تربة نمت فيها الأشواك والأعشاب .. البذره تجد صعوبة فى النمو لأن الشوك يخنقها ‘ وهذا الشوك كثيرا فى حياتنا ‘ هموم العالم واللهس وراء الغنى وجمع الثروة.

التربة الجيدة..

وهى التى تنتج لصاحبها ثمرا بعض مائة وآخر ستين وآخر ثلاثين. والله يريدنا أن نكون أرض مسرة له " ويطوبكم كل الأمم لأنكم تكونون أرض مسرة."ملا3: 12‘ " مولدين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى .بكلمة الله الحية الباقية الى الابد."1بط1: 23.

ورسالة الله لنا من هذا المثل :

أولا: مسئولية سامعى كلمة الله 

لأنه ليس كل من يسمع يعمل بما سمع " ليس كل من يقول يارب يارب يدخل ملكوت السموات ." مت7: 21‘ فالمطلوب منا الفهم والتفكير فى ما نسمع والعمل به ‘ لأن الله يقول لنا "الكلام الذى أكلمكم به هو روح وحياة." وقد علمنا الرب أن كل من يسمع كلامى ويعمل به أريكم من يشبه . يشبه انسانا حكيما بنى بيته على الصخر ‘فلما هبت الرياح ونزلت الأمطار وجائت الأنهار وصدمت ذلك البيت فلم يسقط لأنه مؤسسا على الصخر .وأما من يسمع كلامى ولا يعمل به فأشبهه برجل جاهل بنى بيته على الرمل..."

ثانيا: كل أنواع التربة

سواء الحجرية أو المملوءة أشواكا وعشبا لها مايسمى بإستصلاح الأراضى ‘ كذلك التربة الجيدة إذا أهملتها تبور ‘فكما ان التربة تستصلح بالمواد الغذائية والمياه ‘كذلك القلوب اللحمية تحتاج لوسائط النعمة والروح القدس. الذى يعلمنا ويفهمنا ويرشدنا لكل شيئ.

ثالثا: واجبنا نحو كلمة  الله

يقول المرتل " خبأت كلامك فى قلبى لكى لا أخطأ اليك."مز119: 11‘ وأيضا يقول " كلامك أحلى من العسل وقطر الشهد."مز19: 10‘ ويعلمنا الرسول القديس بولس" كلمة الله حية وفعاله وأمضى من كل سيف ذى حدين..."عب4: 12‘ ويقول لتلميذه تيموثاوس : " وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص.2تي 3: 15. والمعنى هنا – الكلمة تحفظ من الوقوع فى الخطية ‘ لأنها سراج ينير وسلاح حاد ضد قوات العدو‘ وكلمته حلوة كقطر الشهد فى دسامتها الروحية ‘ وهى التى تعطى حكمة وحياة وتخلص النفوس. وفى التجربة على الجبل نرى كيف غلب المخلص إبليس ‘ بكلمة الله

رابعا: فى الدينونة سنسأل عن ثمار كلمة الله

ولذلك هناك أمرا مهما فى علاقتنا بالله ‘الإيمان وأعمال الإيمان ‘ أو الإيمان العامل بالمحبة ."لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله .ليس من أعمال كيلا يفتخر احد. لاننا نحن مخلوقين فى المسيح يسوع لاعمال صالحة قد سبق الله واعدها لكى نسلك فيها.أف2: 8-10.

فإذا كانت تربة قلبك طريق أو مدق أو صخر حجري فلا تقلق فهناك محراث خشبى مرسل من الله مأخوذ من شجرة مثمرة‘ ليحرث قساوة القلوب ويعدها للإثمار والحصاد وهذا هو عمل خشبة الصليب والذى عليه انسال دم الفادى ليطهر ويغسل كل خطايانا.

وإذا كانت الأشواك تلتف حولك فلا تيأس فأن الله جمع كل الشوك ووضعه إكليل على رأسه وهو فى طريق الصليب والآلام وسفك  لنا دمه لفدائنا وخلاصنا. ولذلك يشبهنا المرتل بالشجرة المغروسة عند مجارى المياه ‘التى تعطى ثمارها فى أوانه وأوراقها لا يذبل .وكل مايصنعه ينجح.مز1. وعندما جاء يوحنا المعمدان ليهيئ الطريق أمام وجه الرب‘ قال لليهود " اصنعوا أثمارا تليق بالتوبة ..وهوذا الفأس قد وضع على أصل الشجر. فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى فى النار."مت3: 8-10.

فلنصلى جميعا لله ان ينعم علينا بالإيمان العامل بالمحبة ‘ وان يجعلنا نورا للعالم ‘ حتى إذا مايضيئ نوركم قدام الناس يروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذى فى السموات ‘ ونرفع قلوبنا ونصلى له" أعدها للزرع والحصاد " الذى له المجد الدائم . أمين.


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق