افطار مطرانية طرابلس المارونية



زغرتا ـ الغربة
بدعوة من راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، اقامت مطرانية طرابلس المارونية افطارها السنوي، في معهد مار يوحنا للتعليم العالي في بلدة كرمسده في قضاء زغرتا، في حضور مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار وعدد من مشايخ دار الافتاء، راعي ابرشية طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الارثوذكس المطران افرام كرياكوس، راعي ابرشية طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الملكيين المطران ادوار ضاهر، وفد من مشايخ الطائفة العلوية ممثلا رئيس الطائفة الشيخ اسد عاصي، الى عدد من رؤساء الاجهزة الامنية، ونقباء المهن الحرة، ورؤساء بلديات، واساتذة جامعيين، ورجال دين وحشد من المدعوين.
والقى المطران بو جوده كلمة قال فيها: " إنّ الأيام الصعبة والعصيبة التي عاشتها هذه المدينة والتي ما تزال تعيشها بعد عشرين جولة من القتال تدعونا لوقفة تأمّل ومراجعة حياة من أجل التخطيط معاً لترسيخ الأمن والإستقرار الذي تسعى الخطة الأمنيّة لفرضه، والتي ما زالت تتعرض لبعض الإختراقات من أشخاص مشبوهين قد يكونون مدعومين ومموّلين من بعض المسؤولين المدعومين من الخارج. وهذا في نظرنا ما يعيق هذه الخطة التي وضعتها الدولة والتي أوجدت نوعاً من الإستقرار والإرتياح لفترة من الزمن تنفس فيها المواطنون الصعداء لكنّ بعض التحركات والتصريحات الحاصلة منذ فترة تجعلنا نتساءل عمّن يثيرها وعمّن يطالب بالإفراج عن أولئك الذين كانوا السبب في إيصال هذه المدينة إلى ما وصلت إليه من خراب ودمار. إنّنا نطالب بالعدالة وبالإسراع في دراسة ملفات الجميع فيُفرج عمّن يجب أنّ يُفرج عنهم لأنهم أبرياء ولا يفرج عمّن إرتكبوا المجازر والذين حرضّوهم مهما نُظّمت من أجل ذلك الإعتصامات والإضرابات. فالأمن لا يتم ولا يجب أن يتم بالتراضي، بل يُفرض على الجميع فرضاً كائناً من كانوا. ألم يصل التراخي في هذا الأمر  إلى تهديدكم شخصياً يا صاحب السماحة أنتم الذين تُعرفون بالإعتدال وبروح المصالحة والمحبة للجميع وبروحكم الوطنيّة والروحيّة المميّزة؟ ".
اضاف المطران بو جوده:" أودّ أن أتوقّف معكم اليوم، ولو بسرعة، يا صاحب السماحة وأصحاب الفضيلة ويا أصحاب السيادة ويا أيّها العاملون في الحقل السياسي ويا أعضاء المجتمع المدني ويا أيها الحضور الكرام عند ما يحصل  في البلدان العربيّة المجاورة من أمورٍ يرفضها العقل والدين فأتساءل  معكم أمِنَ الطبيعي أنّ يُهدّد ويُهجّر المسيحيّون في العراق وسوريا كما هو حاصل في الموصل والرقة ودير الزور وغيرها ويطردوا من منازلهم ومناطقهم ويستولى على أديرتهم وكنائسهم، وتهدم وتسلب وتدنس الأدوات الكنسيّة والملابس البيعيّة وتحرق ويطرد الرهبان دون السماح لهم بأخذ حتى ملابسهم، وتبقى الحكومات العربية والعالمية صامتة مغمضة العينين مصمة الآذان عن إستغاثتهم وهم من سكان البلاد الأصليّين والأصيلين، منذ العصور المسيحيّة الأولى".
وقال :" ليس هذا هو الإسلام الذي عرفناه ونعرفه منذ القديم. الإسلام الذي نعيش معه منذ ألف وأربع مائة سنة والذي ميّز بلدان الشرق الأوسط منذ القديم. إنّ في هذه التصرفات تشويهاً خطيراً للإسلام وإعطاء صورة عنه تجعل العالم ينظر إليه نظرة عداء خطيرة وتجعله يشجع ما يجري من مجازر في غزة في حق الأبرياء من نساء وأطفال، ويعتبر أن تصرفات العدو الإسرائيلي الغاشم أمر طبيعي ويشجعه على ذلك. إنّ ما تقوم به هذه العصابات التكفيريّة، لا تمت إلى الإسلام بصلة، وأنا كمسيحي ورئيس ديني في هذه المدينة بالذات التي عُرِفت منذ القديم بالعيش المشترك بين جميع أبنائها، أرفع الصوت عالياً طالباً من الحومات العربيّة معالجة هذا الموضوع بأقصى سرعة ممكنة".
وتابع المطران بو جوده:" لكنّني لستُ متشائماً بالرغم من كل ما يحصل بل على العكس فإنّني إذا ما رجعت إلى التاريخ وجدتُ أن المسيحيين، منذ القدم قد تعرضوا للإضطهادات من قِبل مجموعات متعددة، دينية أم سياسية وإيديولوجية، كما حصل في القرن العشرين المنصرم مع النازية والفاشية والشيوعية، لكنّها لم تستطع ولن تستطيع إقتلاعنا لا من هذه البلاد ولا من غيرها في العالم، وإسمحوا لي  أيها السيدات والسادة أن أذكر كلام أحد المفكرين المسيحيين في القرون الأولى وهو ترتليانوس، عندما كان المسيحيّون يساقون كالحملان إلى الذبح، فقال لهم: بإمكانكم قتلنا وذبحنا وتقطيع أوصالنا، لكنكم لن تستطيعوا إلغاءنا من الوجود، فإنّ دم الشهداء هو زرع لمسيحيين جدد".
واردف يقول:" أعتذر عن هذا الكلام الذي قد يبدو تعصّبيّاً لكنه ضروري وإلزامي في نظري خاصةً في هذه الأيام. وإني واثقٌ بأنّكم تشاطروني الرأي يا صاحب السماحة ويا أصحاب الفضيلة وأيها الأحباء جميعاً. لأنّ ما نعيشه معاً في طرابلس يؤكّد على ذلك. وبالتالي فإنّنا مدعوّون جميعاً للعمل معاً على ترسيخه في قلوب وعقول مواطنينا وأبناء بلدنا، كي تستتب الأمور فيها وينسحب ذلك على كل لبنان وكل البلدان العربية إن شاء الله. وإنني أنتهز هذه الفرصة لأتقدّم منكم بأصدق التمنيات والتهاني بمناسبة عيد الفطر السعيد. أعاده الله علينا جميعاً بالأمن والخير واليمن والبركات".
ثم تحدث مفتي طرابلس الشيخ الدكتور مالك الشعار فقال :" لا يجوز ان يكون اللقاء قاصرا ً على مساحة النخبة النوعية في المجتمع، لأنه لا مشكلة بين أبناء النخبة في أي انتماء مذهبي او ديني طالما ان العقل والقيم والدين هو المناخ الذي نتحرك من خلاله، فلن اجد مشكلة مع مطلق إنسان. الكارثة ان لا يعمل الانسان عقله او ان ينسلخ من قيمه، او ان يعتبر الدين جاء من اجل هدم الشعوب او هدم الحضارات والأمم والثقافات، أمّا ما عدا ذلك فلن تكون هناك مشكلة بيننا وبين مطلق إنسان لا في هذا الوطن ولا خارجه. أريد أن أؤكد ان هذه اللقاءآت من شأنها أن تقرّب المسافات وان تبدد الدخن والأجواء الضبابية التي في كثير من الأحيان تفتعل من قبل بعض السياسيين او الأحزاب".
اضاف المفتي الشعار:" نحن "فيلتر" هذا المجتمع، ومصفاة المناخ السياسي والثقافي، نحن الذين وضعنا نصب أعيننا مرضاة ربنا وخدمة الإنسان أيا ً كان. و نحن لا نتحدث عن المسلمين والمسيحيين بل أوسع النطاق ليشمل غير المسيحيين، و لو أن في ديننا مكانة خاصة للمسيحيين، فربنا قال في كتابه الكريم: { و لتجدنّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انّا نصارى } و كما قال نبينا عليه الصلاة و السلام : " أنا أولى بعيسى ابن مريم منكم " إن مثل هذه اللقاءآت تجعل العلاقات بمستوى من المتانة و الإلتحام و التقارب ما من شأنه ان يشق الطريق و لو عبر الجبال. لن نجد عقبة في مسيرتنا الوطنية التي ارتضينا ونذرنا انفسنا لها ان نحمل شعارها في اطار خدمة الإنسان والقيم والدين. لبنان بحاجة الينا والى هذه الثقافة والجهد الكبير حتى لا يهتز الكيان ، او حتى لا يجد الأشرار متنفسا ً للنيل من لبنان لا قدّر الله".
وتابع المفتي الشعار :"رغم كل ما يحدث في لبنان، لا أقول لست متشائما ً بل أقول انا متفائل. إن الذي يتدبّر ويمعن النظر في وضعنا اللبناني يجد ان المشكلة ليست بين أبناء الوطن بصورة مباشرة . ما حدث في طرابلس مثلا ً، أنا اجزم انه ليس بين أبناء الشمال او أبناء طرابلس، هناك فريق سياسي له ارتباطات وكان يقوم بدور، لكني لا استطيع ابدا ان اتناول مطلق فرد في منطقة معينة على انه مقاتل او عدو او على انه يريد ان يناصب الآخرين العداء. المشكلة ليست بين أبناء الوطن و هذا بحد ذاته يريحني و يجعلني كثير التفاؤل ان الحرب لن تجد طريقها الينا . لذلك ، في يوم الأثنين بدأت الخطة الأمنية ، و الأثنين بعد العصر كان اخواننا في جبل محسن وإخوانا من باب التبانة قد التقوا مع بعضهم، وبعضهم كان يركب مع الآخر على دراجة نارية كما رأينا في التلفزيون. صعد أبناء التبانة الى جبل محسن ونزل إخواننا من جبل محسن الى التبانة لأن المعركة ليست بين سني وعلوي واجزم ابعد من ذلك ان المعركة ليست بين سني وشيعي، الصراع سياسي يمثله حزب له طابع معين وانا لا اريد ان أقول ان المعركة مع الشيعة. و الله ان لي علاقات وزيارات ومحاضرات وندوات مع نخبة من إخواننا الشيعة هم لا يقلوا اريحية وطنية لا عن أبناء كسروان ولا عن أبناء زحلة ولا عن أبناء الشمال، هم مواطنون بامتياز و ثقافتهم و نفسهم الوحدة الوطنية".
وقال:" يريحني جدا ان المعركة ليست بين أبناء الوطن ، لكننا امام احداث متسارعة و متتابعة، لماذا ؟ حتى نفقد صبرنا ونخرج عن حلمنا ونتسرع لبعض ردات الفعل و نقاوم السيئة بمثله. لا لن ننجر الى قتال داخلي لا مع المسيحيين ولا مع العلويين ولا مع الشيعة ولا مع مطلق إنسان لأن ديننا يحرّم علينا القتال لمطلق إنسان إذا خالفنا في دينه ومعتقده، ولا أعلم آية في القرآن ولا حديثا ً شريفا ً يأمرني بقتال من يخالفني في ديني و معتقدي. إن الله سبحانه أعطى الناس حرية ان يؤمنوا او لا يؤمنوا و هذه الحرية مصانة، وعندما تصان الحرية في المجتمع الإسلامي ستصان كنائس المسيحيين و معابد اليهود و كل المعابد لمن ارتضى غير الإسلام دينا . لقد ذكرت في إفطار جامع أقيم في البترون عند الوزير جبران باسيل بكل وضوح اننا نعتبر الإعتداء على الآخر هو جريمة دينية و حرام و أثم و الإسلام بريء من كل ذلك.
كنت يوما ً على مائدة غبطة البطريرك و قال ان المسيحيين في الشرق اقلة ، فقلت ياصاحب الغبطة ما الفائدة من تكرار ان المسيحيين في الشرق اقلة ؟ قال او ليست هذه الحقيقة يا سماحة المفتي ؟ قلت لكن هناك حقيقة أخرى يا صاحب الغبطة ، فقال ماهي ؟ قلت ان المسيحية في الشرق قبل الإسلام و الإسلام عندما جاء لم يلغ لا وجود المسيحية و لا وجود اليهود. كل الكنائس في مصر شيّدت في عهد الدولة الإسلامية فالإسلام لم يأت للإعتداء على حرية احد او معتقده. ليست مهمتنا ان نحمل الناس على رأينا { و قل الحق من ربكم } فمن شاء فليؤمن و من شاء لا يؤمن و هو أمر يعود للإنسان بكل ما يختاره في حريته و مشيئته".
واضاف:"ما يحدث في بلادنا العربية ليس أمرا ً عاديا ً على الإطلاق، فليل الظلم طال، وهناك بلاد تحكم شعوبها بالحديد والنار، و سيأتي يوم تنتصر فيه الشعوب ولا اريد ان اتحدث عن حق الشعوب في بلادها. وأمّا ما يحدث في الموصل فقد كفاني سيادة المطران المؤونة انه ليس له علاقة بالإسلام. لا اعلم نصا يأمرنا بهدم كنيسة، بل على العكس. لا يقوم دين من الأديان على الإعتداء على الانسان ولا على ممتلكاته ولا على حريته . وهناك إنتظام عام ينبغي ان نحتكم جميعا ً اليه وهو يحكم المجتمعات و الشعوب والبشر ولا يقترب من حرية المعتقد ، فحرية المعتقد مصانة ، لذلك ما يحدث من تهجير امر مفتعل و مفبرك غايته ان يسيء العالم النظرة الى المسلمين على انهم متوحشون و معتدون . نحن براء و الإسلام بريء مما يحدث . و ينبغي علينا ان ننشأ تيارا ً نعلي فيه الصوت من اجل الحفاظ على حرية الشعوب و بالتحديد وجود المسيحيين في الشرق و لبنان و سوريا و العراق".
وختم:" لن نحتاج الى جهد كبير حتى نستنكر مايحدث في الموصل و سوريا و مطلق بلد في العالم فيه إعتداء على الحريات و المعتقدات. يهمنا ان نحكم العلاقة في ما بيننا و ان نزداد تقاربا ً و تماسكا ً ، فعندنا مهمة كبيرة جدا ً ، ينبغي ان نحافظ على وحدة هذا الوطن و تميزه و تنوعه . و لبنان في قاموسنا السياسي يعني الوجود الإسلامي و المسيحي معا ً على أساس المساواة و المناصفة و لا علاقة لنا لا بالعدد ولا بالمناطق و الكل لهم مالنا و عليهم ما علينا . هذه قواعدنا الشرعية و منطقنا الديني و المجتمعات لا تستقر الا بالحرية و العدل و رفع الظلم و المساواة ”.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق