عيد العنصرة/ نسيم عبيد عوض

"عنصرة" Pentecost لفظة عبرانية معناها اجتماع أو محفل. واستخدمت الكلمة "عنصرة" لتشير إلي عيد الخمسين اليهودي الذي كان يجتمع فيه كل ذكر من اليهود من كل بقاع الأرض إلي أورشليم للاحتفال بالعيد.كما أطلقت الكلمة أيضا علي عيد الخمسين المسيحي الذي فيه حل الروح القدس علي المجتمعين في علية صهيون، فصار يدعي في العهد الجديد "عيد العنصرة" في العبرية، أو "عيد البنديكوستي" في اليونانية.والقديس يوحنا ذهبى الفم هو الذى أطلق هذا الإسم " عيد العنصرة" على عيد حلول الروح القدس. وعيد الخمسين عند اليهود هو أحد الأعياد الثلاثة الكبرى التي كان يتحتم علي كل ذكر من الشعب الإسرائيلي أن يذهب فيها إلي أورشليم، ليمثل أمام الرب، ويقدم تقدمته للرب ‘وفيما بعد وفي عصور متأخرة حفظ العيد كتذكار لإعطاء الناموس لموسي علي جبل سيناء، اكثر من حفظه كيوم في عيد الحصاد، فصار هو عيد بدء تاريخ اليهود القومي.. ومنذ ذلك التاريخ اعتبر عيد الخمسين أو عيد البنديكستي هو العيد الثاني في الكنيسة بعد عيد الفصح (القيامة). لذلك فهو يعد أقدم أعياد الكنيسة المسيحية بعد عيد القيامة‘ وآخر الأعياد الكبرى فى السنة القبطية ‘ وهناك ثلاث إشارات إلي يوم الخمسين في العهد الجديد (أعمال 2: 1، 20: 16، 1 كورنثوس 16: 8). 
لو تابعنا قراءات الأحد السابع من الخمسين المقدسة ‘ فسنجدها تحتفل مع شعب الله بعيد الروح القدس على النحو التالى: 
1- فى إنجيل عشية من يو (27:7) : " وفى اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلا ‘إن عطش أحد فليقبل الي ويشرب . من آمن بى كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذى كان المؤمنين به مزمعين أن يقبلوه.لأن الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد. لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد." 
2- فى إنجيل باكر يو(14: 26): ومن فم الرب الكريم" وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب بإسمى فهو يعلمكم كل شيئ ويذكركم بكل ماقلته لكم."
3- ومن إنجيل القداس (يو 15: 26‘ 16: 8‘13) يعلمنا الرب يسوع:" ومتى جاء المعزى الذى سأرسله انا اليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى . " ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة..." وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق‘ لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل مايسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية."
4- من قراءة الكاثيليكون 1يو(2: 27)" وأما أنتم فالمسحة التى أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم أن يعلمكم أحد‘ بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيئ .وهى حق وليست كذبا.كما علمتكم تثبتون فيه."
5- ومن رسالة معلمنا بولس الرسول الى كورنثوس الاولى (12: 3) " وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب الا بالروح القدس." 
6- وأيضا من سفر أعمال الرسل (2: 1-4) " ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معا بنفس واحدة . وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم .وامتلأ الجميع من الروح القدس .وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا."

الإيمان المسيحى بالروح القدس


هذا هو الروح القدس الذى يحتفل بعيد حلوله كل مسيحى الأرض وآخر الأعياد السيدية فى سنتنا القبطية‘ وإذا كان ميلاد الرب هو بداية خلاص البشرية أيضا بميلادنا الثانى من الماء والروح نولد من فوق ونصير خليقة جديدة وطبيعة جديدة على صورة الله ومثالة فى القداسة وروح الحق‘ وهاهو يوم الخمسين ويمتلآ الجميع من الروح القدس فيبدأ ميلاد كنيسة الله على الأرض برعاية الروح القدس وإرشاده. 
وهذا هو إيماننا المسيحى بالروح القدس( واحد هو الروح القدس المعزى الواحد باقنومه .منبثق من الآب يطهر كل البرية .يعلمنا أن نسجد للثالوث القدوس بلاهوت واحد وطبيعة. 
وأيضا فى قانون الإيمان المسيحى ( نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحي المنبثق من الآب .نسجد له ونمجده مع الآب والابن.الناطق فى الأنبياء .) وهذ يوم عظيم بعيد عظيم فى كنيستنا هو عيد حلول الروح القدس ‘الأقنوم الثالث فى الثالوث القدوس ‘ وتأملنا اليوم يأخذ بعدا عميقا لنعرف بداية وعود وإنجاز إلهنا الواحد وعمله الخلاصى بنعمته فينا: 
1- الوعد بإرسال الروح القدس : وكانت البداية فى مياه نهر الأردن عندما تقدم الرب يسوع ليوحنا المعمدان ليعتمد منه ‘ ولكن يوحنا منعه قائلا انا محتاج ان اعتمد منك وانت تأتى الي. فاجاب يسوع وقال له اسمح الآن.لانه يليق بنا ان نكمل كل بر . حينئذ سمح له . فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء.واذا السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه. وصوت من السماء قائلا هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت . الرب يسوع لم يكن محتاجا أن يمتلآ من الروح القدس ولكنه كما قال ليوحنا المعمدان لنكمل كل بر ‘ من أجلنا حتى يكون بدأ وعده بالميلاد الثانى من الروح القدس ونمسح به ليعيدنا الى طبيعتنا الأولى قبل السقوط ويقود حياتنا على الأرض‘ وهاهو اليوم رسل المسيح يمتلأون من الروح ليرسلوا للبشرية ويعمدوهم باسم الآب والأبن والروح القدس. ولذلك قبل ان يرتفع الرب عن تلاميذه ويصعد الى السموات قال لهم" ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لى شهودا فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض." 
2- تحقيق الوعد: ولما حضر يوم الخمسين أرسل الروح القدس وأمتلأ الجميع منه‘الذى هو فجر تأسيس الكنيسة ‘ وبداية الميلاد الجديد للبشرية بالروح القدس ‘ وهو العامل فى كل أسرار الكنيسة ‘ وهو الذى الذى يسكن فينا ‘ وهو الذى يبكت العالم غير المؤمن على خطية لأنهم لا يؤمنون به ‘وأيضا على بر لأنهم لا يرجعون ويتوبون عن خطاياهم قبل أن يغلق الباب. وعلى دينونة لأن رئيس هذا العالم إبليس وملائكته قد أدينوا وأصبح لا سلطان لهم على أولاد الله ‘ فالذين لم يؤمنوا عليهم بالإيمان والميلاد الجديد من الروح القدس والإستيقاظ والسهر حتى يأتى العريس.


والروح القدس فى يوم الخمسين أخذ مظهرين


1- ريح عاصفة: والريح لاهوتيا فى اللغة العبرية هى نفسها كلمة الروح ‘ ولذلك يقول الرب لنيقيديموس "الحق الحق أقول لك ان كان أحدا لا يولد من الماء والروح لن يدخل ملكوت السموات.ويقول أيضا مفسراله. الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتى ولا أين تذهب .هكذا كل من ولد من الروح."يو3: 8‘ ولذلك نرى الرب يكلم أيوب من العاصفة(أي38: 1)وإيليا النبى العظيم يروى لنا" واذا الرب عابر وريح عظيمة وشديدة قد شقت الجبال وكسرت الصخور أمام الرب ." 1مل19: 11‘ وناحوم النبى أيضا يقرر" الرب فى الزوبعة وفى العاصفة طريقة." نا 1: 3
2- النار لاهوتيا: معلمنا بولس الرسول يعلمنا أن " إلهنا نار آكلة" عب12: 29‘ وكان حضور الله كنار يقود بنى إسرائيل فى الليل ‘ والنار المشتعلة فى العليقة هى حضور الله وتعبير عن طبيعة الله‘ وأيضا "ولما إنتهى سليمان من الصلاة فى تدشين الهيكل نزلت النار من السما واكلت المحرقة والذبائح وملأ مجد الرب البيت"2أي7: 1‘ ونار يوم الخمسين لم تحرق التلاميذ ‘ لأن خطاياهم قد حملها الرب فى جسده على الصليب ‘ فكانت نار يوم الخمسين للإستنارة والتطهير ‘ وهذا هو مفعول الروح القدس داخلنا ‘ وألسنة النار تشير الى معرفة الحق والنطق به‘ كما جاء قول الرب " متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق ."يو16: 13. 

الروح القدس يقود الكرازة


ورأينا الروح القدس يقود العمل الكرازى ويتكلم مع التلاميذ مباشرة‘ وهكذا ورد فى سفر أعمال الرسل " وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما اليه. فصاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيادى ثم اطلقوهما. فهذا اذ أرسلا من الروح القدس انحدرا الى سلوكية..."أع13: 2و3.
الروح القدس له تأثير كبير فى النفس البشرية المؤمنة: فقد إستقر الآباء القديسين على أن النفس إذا كان لها إقامة فى شركة الروح القدس‘ فان بطول اقامتها فى نار الروح القدس يحصنها ضد أى أرواح شريرة‘ لأنها تحترق بنار الروح الإلهى. والنعمة التى وهبها الله لنا هى "وهوذا ملكوت الله داخلكم ‘ ومسحة ونعمة الروح القدس الساكن فينا له بركات كثيرة .

نعمة وبركات الروح القدس

أ – بدونه لا يمكن ان تقام صلاة مقبوله أمام الله. 
ب- بدونه يستحيل أن تهدأ الأفكار الشريرة والطائشة وتحاربنا خصوصا عن الصلاة.
ج- بدون نعمة الروح القدس يستحيل الجهاد الروحى وبالصوم والصلاة فهو يعيننا على العبادة الطاهرة النقية. 
د- يساعدنا ويعزينا ويجعلنا نتحمل الضيقات والآلام و المظالم العالمية.
ولذلك لنتعلم من معلمنا بولس الرسول الذى يرشدنا كيف نلهب نار الروح داخلنا فيقول لنا:

1- "لا تطفئوا الروح." 1تس5: 19 بإنغماسنا فى شهوات الجسد والمعيشة وملاهى العالم.

2 - لا تحزنوا روح الله القدوس الذى به ختمتم ليوم الفداء" أفس 4: 30.

3- لا تقاوموا الروح أع7: 51.

4- لا تجدفوا على الروح القدس بعدم التوبة وعدم الإيمان بعمل روح الله فى توبتنا وتطهيرنا لأنها خطية لا تغفر فى هذا الدهر ولا الدهر الآتى.
روح الله القدوس النارية داخلنا هو جوهر الحياة الروحية ومصدر القوة الوحيد الدافع للنفس وتربطها بالسماء وسط متاعب هذا العالم ومحاربات العدو. فلنصلى لإلهنا( روحك القدوس يارب الذى أرسلته على تلاميذك القديسين ورسلك المكرمين فى الساعة الثالثة ‘ هذا لا تنزعة منا . أيها الصالح . لكن جدده فى أحشائنا) .أمين.


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق