كانت الطائرة تحلق في سماء نيويورك في طريقها إلى أرض الوطن ..
وبينما كانت عيناي تكادان تلامسان تمثال الحرية ، انتابني احساس خاص ، يتكرركلما نظرت إلى هذا التمثال . وإلى تمثال العدالة المعصوبة العينيين .
احساس يدفعني إلى هذا التساؤل : لماذا كلما جسّدنا الأشياء العظيمة في تماثيل منحوتة ؛ نشعر بانها تفقد حيويتها في ضميرنا .. ألم تصبح الحرية مجرد شكل واسم .. والعدالة أيضاً ؟!..
بعد ساعات طوال ، يستقبلني الوطن بلافتة ترحيبية : " ادخلوها بسلام آمنين" .
هذه اللافتة بالذات ، وضعتني في مأذق مع ذاتي التي تحررت من الخوف ، وأنا استعيد آخر خبر طيّرته وكالات الأنباء عن الشاب خالد سعيد ، الذي داسته ايادي وأقدام الشرطة التي في خدمة الاذلال والتعذيب ، وكشفت لي عن أقسى أنواع الكذب الذي يتخذ من النصوص الدينية قناعاً ؛ ليستمر !
تلفت حولي لاجد كل شيء قاتماً قابعاً تحت زي لا يظهر منه إلا عينان تنظران إليّ بكل كراهيـة !
وفي كل المواصلات العامة التي استخدمتها ، كانت الملصقات الطائفية على الابواب وجوانب العربات ، والمشاجرات بين الركاب لأتفه الأسباب في الوقت الذي يحملون فيه كتيبيات دينية من المفترض أنها تمنحهم السلام والهدوء !
وعندما ذهبت في إحدى الصباحات ، إلى حيث كنت أعمل ، كانت تنتظرني أكثر من مفاجأة :
وجدت الكلمات تأخذ صيغاً جديدة على مسامعي ، فحين ألقيت تحية الصباح المعتادة : " صباح الخير" ، أصر بعضهم أن يرد عليّ بشكل مغاير !
وبينما كنت أبادر بمصافحة زملائي ، إذ بزميلة كانت بالأمس بمثابة أخت لي ، ترفض الآن أن تخرج يدها من القفاز ، وتصافحني ؛ لأنني الآن بمثابة أجنبي !
وآخر اشار إلى خاتم زواجي الذهبي ممتعضاً منه ، وكأنني ارتدي عقرباً ؛ لأنني أصبحت متشبهاً بالنساء في حين كانت الصبغة تعلو رأسه ، والحناء تلون ذقنه !
وآخر يقول لي وهو ذاهب للصلاة : " مش هاتيجي تصلي بقي " وكأنه الكائن الوحيد على الأرض الذي يصلي لمجرد أن الجميع يرونه وهو يستعد للصلاة بل ويترك عمله ويذهب للصلاة معطلاً بذلك مصالح المواطنين في حين من الممكن أن أرد عليه بأنني اصلي في اليوم عشرات المرات دون أن يشعر هو أو غيره لأن مفهوم الصلاة مختلف إذ انني اصلي كل حين في الخفاء كما أمرني كتابي المقدس !
وفي يوم الجمعة ، بينما كنت أمر على أكثر من جامع في طريقي إلى منزل أحد انسبائي ، وإذا أذني تتلقى الشتائم واللعنات والدعوات عليّ من مكبرات صوت تكفّرني وتكاد تلتهمني !
وبينما أنا في طريق عودتي إلى بلاد العم سام ،
تساءلت :
كلما اقترب الإنسان من الله ، يكتسب سلاماً وأمانة وحب وضمير صالح ، يجعله يتقن عمله ويساهم في بناء مجتمع يتوفر فيه الرقي والنجاح والنظام ، ولا يوجد به كل هذا الفساد والفوضى وانعدام الضمير . فماهي مشكلتك يا وطني ؟!..
المشكلة الوحيدة ، هكذا قالت نفسي :
أن هناك احتلال ما ، غزا عقل هؤلاء الذين يتشدقون بانهم خير أمة أخرجت للناس ، فجعلهم يقتربون إلى الله بفمهم ويُكرمونه بشفتيهم .. أما قلبهم فمبتعد عنه بعيداً ، وباطلاً يعبدونه وهم يعلّمون تعاليم هي وصايا الناس ! ...
0 comments:
إرسال تعليق