الإعلام الديني بالمغرب.. محاولات للتحديث تحاصرها إمكانات محدودة وخطاب جامد

العربية - الرباط ـ حسن الأشرف
تحد جملة من العراقيل الذاتية والموضوعية من إشعاع الإعلام الديني بالمغرب، وتمنع من تغلغل خطابه الإسلامي وسط الجمهور المحلي، الأمر الذي يجعل التعطش إلى التدين وضعا قائما لدى العديد من فئات المجتمع، بالرغم من بعض نقاط الضوء التي تنبعث من هذا النمط من الإعلام.

ويحاول الإعلام الديني بالمغرب أن يجد لنفسه آليات ووسائل جديدة، ينافس من خلالها القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية الدينية التي تنشط بشكل كثيف في العديد من بلدان المشرق العربي.

سياقات الإعلام الديني
ويرى عبد الله بوغوتة، الباحث المهتم بشؤون الإعلام الديني بالمغرب، أن هذا الصنف من الإعلام كان ـ في سنوات مضت ـ مُختزلا في بعض المنشورات الورقية التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، من قبيل مجلتي دعوة الحق، وسبيل الرشاد، أو مؤسسة رابطة علماء المغرب التي تحول اسمها إلى الرابطة المحمدية للعلماء، مثل جريدة ميثاق الرابطة، ومجلة الإحياء الفصلية.

وتابع بوغوتة أن هذا الإعلام الديني كان يجد فسحة أيضا في ملاحق بعض الصحف، مثل ملحق الفكر الإسلامي في جريدة العلم، أو في بعض البرامج التلفزيونية الدينية التي كانت تبث في مناسبات معينة عبر الفضاء السمعي البصري.

ومن أشهر البرامج الدينية التي كانت تبثها القناة التلفزيونية الرسمية بالمغرب خلال سنوات الثمانينات مثلا: برنامج "ركن المفتي" الذي كان يحظى بقاعدة جماهيرية ملحوظة لدى فئات عريضة من الناس، بالرغم من طابعه التقليدي الذي كان يجعل منه برنامجا محدود الأفق، ولا يتجاوز السقف المرسوم له من طرف المشرفين على هيكلة البرامج الدينية في الإعلام المغربي حينها.

ويستطرد بوغوتة أنه في العقدين الأخيرين تعزز الإعلام الديني بمجلات وجرائد ومواقع إلكترونية اهتمت بالجانب الديني كلية أو في غالبيته، وتطورت بشكل ملحوظ وأصبحت ترسم المعالم الكبرى لمشروع إعلامي ديني يحاول تقديم الجديد "إن توفرت له الإمكانات المادية والبشرية"، بحسب تعبير الباحث.

رعاية رسمية
ويلاحظ المراقبون للشأن الديني بالمغرب أنه خلال السنوات القليلة الأخيرة أولت الدولة بعض الاهتمام للإعلام الديني، فأنشأت قناة السادسة وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، فضلا عن برامج دينية ـ على قلتها ـ تؤثث خريطة البرامج في قنوات عمومية مفتوحة أخرى.

ويُعزى الاهتمام بالإعلام الديني الرسمي من طرف المسؤولين على هذا القطاع إلى عوامل كثيرة، تضافرت فيما بينها لتخلق الحاجة إلى ملء فراغ كبير في هذا المجال كان يعاني منه المغاربة بشكل جلي، والذين ما يزالون ينتقدون مردودية وتوجه هذا الإعلام الديني الرسمي خصوصا.

ومن بين هذه العوامل ما يرتبط بوظيفة الإعلام الإسلامي ذاته، والتي تتمثل في ضرورة التأطير الديني للناس، حيث إن غياب التأطير يدفع بالجمهور حتما ـ خاصة فئة الشباب ـ إلى الارتماء في جاذبية إعلام ديني تُحسن قنوات فضائية لبلدان إسلامية وعربية أخرى تسويقه.

ووجدت الدولة نفسها مضطرة ـ بسبب الزخم الإعلامي المتسارع لتنخرط في حتمية تدشين إعلام ديني، يتبع لرؤيتها وتدبيرها للمجال الديني ويحاول ترسيخ الثوابت الدينية للبلاد، والتي لا تخرج عن ثلاثة ركائز رئيسية ورسمية: مذهب الإمام مالك وعقيدة أبي الحسن الأشعري رحمه الله، وطريقة الإمام الجنيد.

مكامن الضعف
ويعتري عمل الإعلام الديني الرسمي خصوصا الكثير من مكامن النقص والضعف التي تجعله إعلاما لا يواكبه الجمهور بالشكل اللائق، مع وجود نقاط مضيئة تحتاج إلى بعض الدعم والتحفيز الذاتي والموضوعي بالنسبة لشروط وآليات العمل داخل هذا الفضاء الإعلامي.

ويرى بوغوتة أن نقاط قوة هذا الإعلام الديني ينبغي ترسيخها والمحافظة عليها وتطويرها في إطار الثوابت والمتغيرات، أما جوانب ضعفه فتستوجب تضافر الجهود لتجاوزها.

ويشرح العضو السابق بالمجلس العلمي بمدينة الناظور شمالي البلاد أن الإعلام الديني كغيره اليوم لا يمكن أن يثبت ويستمر إلا بما قد يتميز به من إضافات نوعية، تراعي أصالة المنتج الإعلامي، وجودة الخطاب، ومخاطبة هموم الناس ومواكبة طموحاتهم وتلبية حاجياتهم.

ويعتبر بوغوتة أن الإعلام الديني الرسمي يعاني في غالبيته من الخط الانغلاقي، بمعنى أنه خطاب لا يقبل النقاش ولا المراجعة، الشيء الذي ينقص من مرونته وتوهجه وإشعاعه بين الجمهور المغربي.

ويسترسل المتحدث بأن عددا من العاملين في هذا الإعلام يحتاجون إلى دورات متخصصة في تقنيات تسويق الخطاب والتواصل الإعلامي الذي يطرد هاجس كل ما هو سياسي وأمني، لفائدة كل ما هو معرفي وواقعي يمس حياة الناس واهتماماتهم الملحة ارتباطا بدينهم وعباداتهم وتعاملاتهم.

ولتجاوز هذه المعوقات وغيرها، يرى بوغوتة أنه لا بد من شيء من الجرأة في طرح مجموعة من الأفكار والمواضيع التي لها علاقة بهموم المواطن واهتمامه، والتطرق لملفات منبثقة من أسئلة الواقع، مع ضرورة مراعاة خصوصية المرحلة، إضافة إلى ضرورة اختيار النماذج البشرية المؤثرة، وذلك بالانفتاح على جميع الكفاءات العلمية والدعوية.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق