كما هي عادتنا في مصر أن نهنئ بعضنا بعضا بأعيادنا الدينية مسيحية كانت أم اسلامية وكنت دوما ما أقول أن اعياد المصريين ملك لكل المصريين.. ولأن المناسبة هي عيد القيامة المجيد فتوجهت نحو الحضور وكانوا من المسيحيين والمسلمين بالقول " أهنئكم جميعا بعيد القيامة المجيد أعاده الله عليكم وعلى مصر وشعب مصر والعالم أجمع بالخير واليمن والبركات" ورد الجمع علىّ التهنئة مع خالص الأمنيات الطيبة. قبل الانصراف جاءني أحد شباب السلفيين وهو بالمناسبة صديقا لي ومن تلاميذي وتربطني به علاقة مودة طيبة...
قال لي يا دكتور معذرة أنا لم اقبل تهنئتك لأنها تتناقض مع عقيدتي والتي تقر أن المسيح لم يمت ولم يقتلوه يقينا ولذلك فنحن المسلمون لا نؤمن بقيامة المسيح وإلا كان هذا اعترافا بأنه مات وهو لم يمت ولم يصلب وإنما شبه لهم أي لليهود..
فقلت له وأنا بحسب فهمي للقرآن الكريم طبقا للقول الحكيم " السلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حياً" أن المسيح قد مات ومادام قد مات فلابد أن يقوم من الموت وإلا فكيف سوف يبعث حيا؟.. هل صعد المسيح إلى السماء ميتا؟ وإذا كان صعد حيا فلماذا قيل أنه مات إذن؟ لذلك فحسب فهمي للآية الكريمة وبالمنطق العلمي أنه قد قام من الموت وصعد إلى السماء حيا ولذلك سوف يأتي في آخر الزمان حكما مقسطا وهذا الكلام القرآن لا يتعارض مع أيمان المسيحيين...
وما عساك ان تشرح لي " يا عيسى بن مريم أني متوفيك ورافعك إليّ وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة" ألا يفيد هذا النص أن المسيح رفع إلى السماء فبالتأكيد لم يرفع وهو في حالة الوفاة ولكنه قد قام من الموت ورفع حيا.. كما انه رفع بذاته لأنه هو كلمة الله وكلمة الله لا تحتاج لكلمة الله.
فرد قائلا أن الموت الذي تكلم عنه القرآن هو بمعنى النوم... فأجبته إذا كانت كلمة متوفيك وكلمة موت تعني النوم فما هو المرادف اللغوي لكلمة موت في القرآن الكريم إذن؟ وهل معنى هذا ان المسيح قام من النوم وليس من الموت ورفع إلى السماء بنفس الجسد الذي عاش به على الأرض؟ وهل توجد في السماء اجساد بشرية؟
فقاطعني قائلا وكيف تقبل يا دكتور أن الله يموت الستم تؤمنون ان المسيح هو الله فكيف تؤمن أن الله يموت حاشا لله؟ فقلت له المسيحيون يؤمنون أن الله واحد وليس كمثله شيء ولذلك تجد البسملة المسيحية تبدأ بكلمة باسم وليس بأسماء الآب والابن والروح القدس وهناك فرق بين كلمة اسم والتي للمفرد وكلمة أسماء والتي التي للجمع، والمقصود بالآب هنا هو الذات الإلهية والمقصود بالابن هو الكلمة الإلهية التي تولد من عقل الله، والمقصود بالروح القدس هو روح الله القدوس وهذا يعني في علم الحساب 1×1×1×=1.. لا يمكن أن نفصل الله عن كلمته ولا عن روحه، مع العلم أن كلمة الله هي فعل إرادة وليست حروف أو كلمات بلغة ما.. فعندما يقول الله كن فيكون، وتلاحظ هنا ان الفارق الزمني بين كلمة كن وكلمة يكون صفر وهو ما يعني أن كلمة الله فعل واجب التنفيذ وهو ما يعني أن كلمة الله هي ذاتها إرادة الله سبحانه.
وهكذا تجد أن المسيحيين يؤمنون أن المسيح هو كلمة الله التي ألقيت إلى مريم فصار لها جسدا هو المسيح بن مريم.. إنسان كامل يأكل ويشرب ويجوع ويموت ولكنه لا يخطئ ابدا فهو الإنسان الوحيد المعصوم من الخطأ والسبب بسيط إذ أنه كلمة الله وكلمة الله لا تخطيء أبدا لأنها هي التي تعلمنا الطريق والحق والحياة... ولذلك تجد ان الشيطان ينخس مولود المرأة حين يولد الا المسيح بن مريم فلم ينخسه الشيطان قط...
قال صديقي لكن الشيطان أخذ المسيح إلى جبل عالي وطلب منه السجود له فكيف يطلب من الله السجود أليس في هذا مهانة لله عز وجل؟... قلت له الإجابة بسيطة يا صديقي أولا الشيطان لم يطلب من الله السجود له ولكنه طلب من الإنسان الذي هو المسيح أي كلمة التي صار لها جسد ولكن هذا أيضا لم يتحقق للشيطان إذ أجابه المسيح "بأنه مكتوب للرب الهك تسجد وإياه وحده تعبد" فانهزم بذلك الشيطان وخزي. ولذلك تجد أن آدم في البداية سمع لغواية الشيطان فانتصر عليه الشيطان فطرده الله إلى الأرض فجاء المسيح ليصحح خطا آدم بانتصاره على الشيطان فأعاد آدم إلى المكانة الأولى أي حالة التصالح مع الله وهذا موضوع آخر له حديث آخر...
قال لي صديقي لكن مثل آدم مثل المسيح خلقهما من تراب.. قلت له نعم لأن المسيح أيضا أخذ جسدا بشريا كما آدم ومثل أي إنسان غير أن هناك فرقا شاسعا بين آدم الذي خلق بكلمة الله وبين المسيح الذي هو هي تلك الكلمة أي كلمة الله ذاتها والتي بها خلق الله آدم.
ولذلك تجد أن المسيح كلمة الله حي والذي مات هو الجسد الذي أخذه من العذراء مريم كسائر البشر إذن الله لم يمت بل هو حي بذاته وكلمته أيضا حية لأنها لم تنفصل عن الله منذ الأزل فهي حسب المعتقد المسيحي كائنة مع الله منذ البدء وإلى الأبد حتى وإن صار لها جسدا في وقت ما من الزمان...
في نهاية الحديث اتفقنا على أنه لكم دينكم ولي ديني وعلينا ان نتعاون على البر والتقوى وأكد لي أن القرآن تكلم عن المسيح والعذراء أفضل الكلام حيث قال عن المسيح انه وجيها في الدنيا والآخرة وان أمه العذراء أشرف نساء العالمين.. وأكملت له القول أنه لذلك علينا أن نهنئ بعضنا بعضا بمحبة وأخوة بدون الدخول في تفاصيل العقائد والتي سيظل البشر فيها مختلفون حتى قيام الساعة.. غير أن ما يسر به الله ليس الحوار العقائدي بين اتباع الديانات السماوية أو حتى الأرضية ولكن مدى محبتهم لبعض بغض النظر عما يبدو انه اختلافات فالإنسان أغلى عند الله من العقيدة والتي انزلها له لتساعده على محبة أخيه الإنسان. فالأديان جميعها من اجل سعادة البشرية جمعاء وليس من اجل تعاستها وبث سموم الفرقة بين الناس عن طريق الكلام السطحي والأفكار النمطية... إن الدين في خدمة الإنسان أي إنسان وليس العكس... بارك الله فيك صديقي العزيز.. هذه كانت كلماتي له بعدما عانقني بمحبة وهنئني بعيد القيامة المجيد كتعبير عن المحبة وليس اتفاق عقائدي كما قال.. كل عام وانتم جميعا بخير.
0 comments:
إرسال تعليق