اللِقَاءُ التَّارِيخِيُّ بَيْنَ بَابَا الأسْكندرِيّة وَبَابَا رُومَا



تأتي زيارة البابا تاوضروس الثاني بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية؛ إلى كرسي روما الرسولي في سياق له دلالات عميقة، فقد أتت بعد يوم من عيد القيامة المجيد؛ وبعد يوم من تذكار شهادة كاروزنا الرسولي مرقس الرسول الإنجيلي وبطريرك الأسكندرية الأول مبدد الأوثان... كذلك تأتي الزيارة في أول سفرة يقوم بها البابا تاوضروس إلى خارج كورة مصر؛ بعد رسامته بطريركًا للأسكندرية؛ بل وفي نفس ذكرى اليوم الذي زار فيه البابا شنودة الثالث روما منذ أربعين سنة.
إنها بكل المقاييس زيارة تاريخية لها مدلولاتها؛ فمنذ أكثر من خمسة عشر قرنًا انقطعت الشركة بين كنيسة الأسكندرية وكنيسة روما بسبب الخلاف الكريستولوجي وما ترتب عليه من جفوة عميقة؛ تخللتها بوادر طيبة في عصر البابا القديس كيرلس السادس؛ عندما أهدى الفاتيكان جزءًا من رُفات القديس مرقس إلى كنيسة الأسكندرية بمناسبة الاحتفالات بمرور ١٩٠٠ سنة على استشهاده في يونيو ١٩٦٨ م.. كذلك قام البابا شنودة الثالث ومعه وفد رفيع المستوى من أحبار وآباء الكنيسة بزيارة رسمية صباح الجمعة  ٤ مايو ١٩٧٣ ؛ والتي صرح فيها بابا روما البابا بولس السادس (إن اجتماعه مع الآباء الأقباط يمثل لحظة مهيبة وسارة)، وأضاف بأنه يأمل أن يتزايد التفاهم المتبادل خلال الحوار والصلاة؛ كي يهبنا الله فرصة عظيمة؛ على الرغم من أن ما نرجوه وننتظره؛ لن يتم على الفور؛ كي يتجاوز صعوبات ١٥٠٠ عامًا من التاريخ.. إلا أننا لا بُد أن نخطو ونُسرع على الطريق.
وفي نفس تلك الزيارة تسلم البابا شنودة الثالث رُفات القديس العظيم أثناسيوس الرسولي حامي الإيمان؛ وعاد به إلى كنيسته في احتفال مرور ١٦٠٠ سنة على نياحته؛ وإيداعه في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالأنبا رويس.. هذا وكان البابا بولس السادس قد أهدى كنيستنا نسخة ميكروفيلمية من بعض المخطوطات القبطية القديمة المحفوظة بمكتبة الفاتيكان.. ويحق لنا أن نفتخر ونعتز بالتقدير الذي سجلته كنيسة روما نحو احترامها للمراجع الفكرية القبطية المجيدة؛ ودورها العالمي والمسكوني على مدى التاريخ؛ وبالمكانة المرموقة التي يحظى بها الرهبان والكُتاب الكنسيون الأقباط عبر العصور الممتدة.
لذلك نتطلع إلى هذه الزيارة الرسولية الرسمية التي يقوم بها بابا الأسكندرية ال ١١٨ ؛ وتحدونا الرغبة في أن تجد الوسائط الواضحة المعالم والفاعلة؛ من أجل التغلب على العقبات التي تُعيق وحدتنا الروحية في خدمة ربنا يسوع المسيح الذي أعطانا خدمة المصالحة لنصالح العالم كله فيه... وفقًا للمجامع المسكونية الثلاثة الأولى.
لا شك أن مبادرة بابا الأسكندرية تاوضروس الثاني وزيارته ذات الدلالات تجعلنا نعيد اكتشاف أنفسنا وتراثنا المشترك، وسط الظروف التي يموج بها العالم من حولنا. كي تكون الكنيسة قادرة على أن تشهد لمسيحها الواحد وللحياة الجديدة في المسيح بصورة أكمل؛ ولا تكون هذه اللقاءات الرسولية على سبيل العلاقات العامة؛ لكن ترقىَ إلى مكانة وقداسة ورسولية الباباوات منارات هذا اللقاء... فنترك عنا الخلافات الممتدة التي اتسعت شقتها بفعل عوامل سياسية وشخصية غير لاهوتية – وإن كانت هذه الخلافات لا يمكن تجاهلها – لكن العمل الصادق يحقق مشيئة إلهنا في صلاته الوداعية بأن يكون الجميع واحدًا؛ عندما تكتمل تمامية هذه الوحدة المرتجاة؛ والتي هي عطية من عند الرب؛ رب الكنيسة وعريسها. الذي له المجد والإكرام والسجود.
القمص أثناسيوس چورچ.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق