فى رحلة خروج شعب بنى إسرائيل من أرض مصر التى هى رمز العبودية خلصهم منها الرب الإله ‘ بذراع قوية وآيات وعجائب ‘ وشق لهم البحر الأحمر وعبروا فيه كأرض يابسة ‘ولكن لم يتوقف هذا الشعب عن التذمر حتى وصفهم الله بشعب غليظ الرقبة قساة القلوب‘ وكان أهم تذمر لهم على موسى وهرون وبالتالى على الرب نفسه هو موضوع الأكل والشرب رغم علمهم أنهم فى حماية الله الذى يتبعهم من فوق بسحابة فى الصباح وعمود نور فى الليل ‘ ورغم رؤيتهم للضربات العشر التى عملها الله فى فرعون حتى يخرج شعبه ‘ إلا أنهم تذمروا على مياه الشرب فى بلدة اسمها مارة "فتذمر الشعب على موسى قائلين ماذا نشرب؟خر15: 24‘ فصرخ الى الرب فأراه الرب شجرة فطرحها فى الماء فصار الماء عذبا‘ وبعد قليل صرخوا فى وجه موسى عن الطعام والخبز وقالوا " ليتنا متنا بيد الرب فى ارض مصر اذ كنا جالسين عند قدور اللحم ناكل خبزا للشبع ." خر16: 3‘ وأمطر الرب لهم خبزا من السماء(المن) طوال 40 عاما فى برية سيناء حتى دخلوا الأرض التى تفيض لبنا وعسلا كما وصفها الرب. ومن هنا جائت وصية موسى للشعب ‘ وهم على مشارف الدخول لأرض كنعان التى وهبها الله لهم " انه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل مايخرج من فم الرب يحيا الإنسان." تث.8: 3 ‘ وهو نفس مارد الرب به على إبليس فى البرية عندما حاول أن يجربه ليعرف هويته " إن كنت ابن الله فقل ان تصير هذه الحجارة خبزا .فأجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله." مت4: 3و4.
وفى إنجيل قداس الأحد الأول من شهر أمشير اصحاح 6: 22-27 ‘ واجه الرب يسوع هذا الشعب بعد أكثر من 1500 سنة على خروجهم من مصر ‘ ووجدهم فعلا يبحثون عن الخبز ‘ فبعد أن رأوا بعيونهم معجزة إشباعهم وهم خمسة الاف رجل بخلاف النساء والأطفال ‘ ليذكرهم أنه سبق وأشبعهم فى البرية 40 سنة ‘ والذى قصدة الرب انه هو الذى يفتح يداه فيشبع الجميع خيرا ‘ ولكن وهم نسل الآباء الذين تذمروا فى برية سيناء ‘ وجدهم الرب وقد جاؤا لمكان صنع المعجزة يبحثون عن شبعهم من الخبز مرة أخرى ‘ وعندما رأوا الرب فى وسط البحر بعد أن مشى على المياه لينقذ سفينة التلاميذ من الغرق ‘ وهذه آية تهز الوجدان من الله خالق الكون يمشى على المياه‘ ولكن الرب كشف قصدهم وقال لهم" الحق الحق أقول لكم أنتم تطلبوننى ليس لأنكم رأيتم آيات بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم." يو6: 26 . يطلبونه ليس لشخصه كمخلص وفادى بل من أجل عطاياه وخيراته ‘ فلم يروا آية اشباعهم من خمسة خبزات وسمكتين‘ ولا آيات شفاء مرضاهم مثل مريض بركة حسدا المشلول 38 عاما (يو5)‘ ولا تحويل الماء الى خمر(يو2) ‘ لم يروا ذلك بل جاؤوا يبغون الطعام والخبز لكى يشبعوا جسديا ‘وليس الشبع الروحى الذى طوبه الله عندما قال" طوبى للجياع والعطاش الى البر لانهم يشبعون."مت5: 6‘ كل هذه المعجزات غابت عنهم ‘وكل هذا تعبير عن فقدان الإيمان بإبن الله المنتظر.
والسيد المسيح كان يرى فى كل مايقدمه لهم من أعمال الرحمة والمحبة والعطف أنها قد تثير عقولهم وقلوبهم ‘ ليؤمنوا بحقيقة شخصه ‘ لأنه بالإيمان به تكون لهم الحياة الأفضل والنعمة الدائمة الأبدية ‘ فالشبع الحقيقى هو مالأرواحهم وليس لأجسادهم‘ وهذا يفهم من تنبيهه لهم " اعملوا لا للطعام البائد (خبز الشبع الجسدى) بل للطعام الباقى للحياة الأبدية (جسد المسيح نفسه) الذى يعطيكم ابن الإنسان لأن هذا الله الآب قد ختمه."يو6: 27و28. ونلاحظ ان كلمة ( البائد) أو الذى يباد هى نفس الكلمة التى قالها الرب (اجمعوا الكسرالفاضلة لكى لا يضيع شيئ." يو6: 12
وأيضا ليقول لهم ان الخبز الذى كسره ووزعه عليهم هو رمز لعطية الرب فيما سيعطينا ليس من نوع الخبز البائد بل خبز الحياة لأنه فيه سر الحياة والديمومة ‘ واذا بلغوا الى قوة الإيمان بالمسيح فهموا ذلك "أن الذى باركه الله وقدسه وأعطاه لا يباد منه شيئا ‘ بل يظل بركة دائمة. وهذا هو الفرق بين الذى يأخذ أعمال وآيات الرب أنها لغرض الإشباع المادى والجسدى عن الذى بالإيمان بيسوع المسيح تؤخذ وتفهم على انها باقية وحية وأبدية ‘ لأن فيها سر إيماننا بالمسيح.
أن العطايا التى يمنحها لنا الرب ‘ يستحيل ان تعمل معنا للحياة الأبدية أو يكون لها نفع روحى إذا لم يكن السيد المسيح هو غرضها وقصدها وغايتها‘ فالذى يطلب من المسيح أن يشفيه لن ينتفع من شفائه شيئا إذا لم تكن الصحة المعطاة له هى آية مجد لذاتها تعمل لحساب المسيح‘ وإلا كان الشفاء الجسدى مثل ملء بطون الجليليون من الخبز والسمك.
وقد أورد معلمنا بولس الرسول أمثلة عن الطعام البائد أو الذين يبحثون عنه ‘ ومثل هؤلاء لا يرثون ملكوت الله‘ فهناك الزناة ‘ عبدة الأوثان (الطمع فى ذلك الزمان عبادة أوثان) ‘الفاسقون والمأبونون ومضاجعى الذكور والسارقون والسكيرون والشتامون والخاطفون ‘ وأما الطعام الباقى للذين إغتسلوا (إعتمدوا) وتقدسوا وتبرروا باسم يسوع المسيح وبروح إلهنا‘ والطعام الباقى للحياة الأبدية الذى يعطيكم ابن الإنسان هو عطية من الله للحياة الأبدية ‘ وهو شخص السيد المسيح الذى ختمه الله الآب "هذاهو إبنى الحبيب الذى به سررت" وأيضا ختم المعمودية "إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس."أف1: 13.
يقول لنا السيد المسيح اليوم : - لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون ولا لأجسادكم بما تلبسون."لو12: 22 ‘ وقال أيضا " الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس ‘ فالرب يطلب منا نحن المؤمنين ‘ الواثقين فى قدرته والمتكلين عليه وحده ألا نطلب مانأكله أو مانشربه فقط ‘ لأن هذه كلها تطلبها الأمم بل نطلب نحن الطعام الباقى للحياة الأبدية وملكوت الله الذى هو" لأن ليس ملكوت الله أكلا وشربا بل هو بر وسلام وفرح فى الروح القدس."رو14: 17 ‘ وفى هذا نكون قد سلمنا أنفسنا لله وهو سوف يرعانا فى كل شيئ حتى فى الطعام الجسدى "الرب يرعانى فلا يعوزنى شيئ.."مز23: 1.
وقد فسر الرب لهم هذا فى نفس الإصحاح فقال لهم" لان خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم. فقالوا له ياسيد أعطنا فى كل حين هذا الخبز . فقال لهم يسوع أنا هو خبز الحياة .من يقبل الي فلا يجوع ومن يؤمن بى فلا يعطش أبدا."يو6: 23-25‘ فقال لهم يسوع" الحق الحق اقول لكم ان لم تاكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدى ويشرب دمى فله حياة ابدية وانا اقيمه فى اليوم الأخير. لان جسدى مأكل حق ودمى مشرب حق." 53-55. والحكيم سليمان يعطينا النصيحة" فلنسمع ختام الأمر كله.أتق الله واحفظ وصاياه لان هذا هو الانسان كله. لان الله يحضر كل عمل الى الدينونة على كل خفى ان كان خيرا أو شرا."جا12: 13و14.
والله اليوم يقوينا ان نحارب حب المادة وطغيانها علينا ‘ ويحرك فينا الشوق الى السماويات ‘ لأن سيرتنا نحن فى السماويات‘ وليعرفنا ان الجسد يشتهى ضد الروح ‘ ويحارب فينا أن يطغى سلطان الجسد وتطغى الغرائز الجسدية على مطالب الروح ‘ ونجد أنفسنا بين أنياب إبليس. "ان العالم ليس فيه الا شهوة العين‘ وشهوة الجسد وتعظم المعيشة‘ والعالم يمضى وشهوته ." 1يو16و17
فليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله. ومع صيام يونان الذى سيبدأ اليوم نسأل الهنا الصالح ان يعطينا غذاء الروح – كلمته الحيه الفعالة – ليقوى النفس ويحييها ويشفى أمراضنا ويطهرنا من خطايانا ‘ ويجعلنا ثابتين غير متزعزعين واقوياء غير مغلوبين فى جهادنا الروحى .أمين.
0 comments:
إرسال تعليق