عظة سيادة المطران انطوان شربل طربيه في أحد الأعمى


صاحب السيادة،
معالي الوزراء،
سعادة النواب، القائم بالاعمال، والقناصل،
الكهنة والراهبات،
ايها الاحباء،

نبدأ اليوم الاسبوع السادس من زمن الصوم المبارك متأملين بآية شفاء الأعمى متوقفين عند كلام الرب يسوع القائل للأعمى "ايمانك خلصك، أبصر" ( مر10/52).

لقد كان أعمى اريحا مبصراً بايمانه، قبل أن يبصر بعينيه، وهذا ما اراد يسوع ان يكشفه للجموع ولنا بشفائه. ادرك يسوع ان الاعمى كان مبصراً بعين الايمان، عندما بدأ يصرخ صرخة الرحمة "يا ابن داود ارحمني!" والناس الكثيرون الذين انتهروه ليسكت، لم يكونوا "مبصرين". فبالنسبة اليهم يسوع هو فقط الناصري ابن يوسف النجار، اما بالنسبة الى الاعمى فهو المسيح الملك الجديد، المنتظر، حامل الرحمة الالهية، ولهذا ازداد صراخاً، لشدة ايمانه المبصر: " يا ابن داود ارحمني!"
أجل، الاعمى كان مبصراً: فلقب "ابن داود" يعني ان يسوع الناصري رجل ارسله الله الى شعبه بمواعيد الخلاص المسيحانية. عندما شفى يسوع رجلاً كان اعمى واخرس، فتكلم وأبصر، دهش الجموع وقالوا: "لعل هذا هو ابن داود" ( متى12/23). وعندما دخل اورشليم لآخر مرة قبيل آلامه، هتف له الشعب بعفوية: "هوشعنا لابن داود! مبارك الآتي باسم الرب!" ( متى21/9) وهذا ما سنحتفل به الاسبوع القادم في أحد الشعانين. 
 هذا الايمان عند الاعمى، بما له من أساس نبوي، استوقف يسوع، فطلب ان يدعوه ولمّا فعلوا، "خلع الاعمى رداءه ووثب آتياً الى يسوع"، منقاداً اليه ببصيرة قلبه وعقله. ولكي يعطي البرهان للجمع ان الأعمى وحده كان مبصراً حقاً بايمانه، سأله يسوع: "ماذا تريد ان أصنع لك؟" فأجاب: "يا معلمي ان أبصر". فقال له: "اذهب ايمانك خلصك!" وللحال أبصر وراح يتبع يسوع في الطريق"  (مر10/49-52).
تكشف لنا آية شفاء الاعمى ان البصر الحقيقي هو بصر الايمان النابع من عقلٍ مستنير وقلبٍ محب. كلنا عميان، طالما ننظر الى العالم والامور الحياتية بالعين الحسّية فقط، وليس بعين الايمان. لأن أعين الجسد هي محدودة بحدود هذا العالم الارضي، اما اعين الايمان فتفتح حياة الانسان على عالم الله، عالم الحياة الابدية، عالم الانجيل، عالم لا ينتهي بالموت الجسدي. 

أيها الأحباء،
عظمة ايمان برطيما الاعمى، أنه كان وحده مبصراً حقاً. والايمان كالحب، فالحب لا يوجد اذا لم يكن حباً لشخص، كذلك الايمان لا يوجد ان لم يكن ايماناً بشخص، وهذا الشخص يدلنا عليه اعمى اريحا وهو يسوع المسيح ربنا والهنا. 
وقبل ان أختم كلمتي أريد أن أجدد الترحيب بمعالي الوزير جبران باسيل وزير الخارجية والمغتربين (يعني وزيرنا)، الذي يحمل في شخصه وقلبه حباً كبيراً للبنان وللبنانيين مقيمين ومنتشرين، وهو لا يتعب ولا ينام، حاملا القضية اللبنانية من بلد لاخر ومن ندوة دولية لاخرى،  ساعيا مع كل اصحاب الارادة الصالحة في لبنان وخارجه،  للنهوض بالوطن، واطلاق المشاريع الانمائية لخير الجميع في لبنان. واريد ان أرحب ايضا بمعالي الوزير الدكتور بيار رفّول، وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية، وابن هذه الابرشية الدائم، والذي له حضوره ومكانته ومحبته في هذه الجالية الكريمة، واهلاً وسهلاً ايضا بالوفد الرافق.

واحتفالنا اليوم بهذه المناسبة الفريدة والجامعة، يدفعنا للتوقف عند الامور التالية:
اولاً - كما تعلمون يا معالي الوزير باسيل ان الحضور اللبناني في العالم هو الكنز الحقيقي للبنان. هذا الحضور الذي ساهم ببناء حضارات جديدة وكان له دوره الفاعل في السياسة والتنمية والتطوير في بلدان عديدة، واوستراليا خير دليل على ذلك، والسؤال يبقى ألم يأن الاوان ليشارك اللبنانيون المنتشرون في الحياة السياسية وصنع وانطلاق لبنان الجديد؟  طبعاً نحن نهنأ معاليكم على المبادرة التي اطلقتموها منذ عدة سنوات تحت عنوان مؤتمر الطاقة الاغترابية. انها مبادرة طيبة وفي الاتجاه الصحيح وهي تشكل بداية جيّدة لتلبية تطلعات المنتشرين من ابناء لبنان لأن عظمة لبنان هي اولا في موارده البشرية وكانت ولا تزال في انسانه. انما اشراك المنتشرين في الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان هو دليل عافية وقد عبّر عن ذلك مشكوراً، فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفي اكثر من مناسبة. وهذا ما يشجعنا اليوم على التذكير بضرورة انشاء وزارة للانتشار اللبناني تعنى بشؤون اكثر من عشرة ملايين لبناني في الانتشار مقابلة مع اربعة ملايين ونصف مقيمين. 

ثانياً- ان مبدأ المصالحة وتنقية الذاكرة في حياة المجتمعات والاوطان يبشر ببزوغ فجر جديد وفتح صفحة جديدة. قد يكون الماضي متعدد ولكن المصالحة والمصالحة الشاملة تجعل المستقبل واحداً لأن الشعوب مدعوة باتحادها الى صنع تاريخها الوطني، لكي لا تبقى خارج التاريخ او تصبح، لا سمح الله، مهزلة التاريخ. ونحن اليوم مع فخامة الرئيس ومع كل المسؤولين السياسيين المخلصين للبنان، وللبنان اولاً، امام فرصة تاريخية قد لا تتكرر، للاتحاد  في بناء الدولة القوية للبنان الجديد. صلاتنا ورجاؤنا ان لا نضيّع هذه الفرصة.
   
ثالثاً واخيراً إن مسؤولية الحفاظ على لبنان والنموذج اللبناني هي مسؤولية مشتركة بين ابنائه المقيمين والمنتشرين. واريد في هذه المناسبة ان نرفع الصلاة معاً على نية المسيحيين في الشرق الاوسط ومصر، وهم يُضطهدون ويُعذبون ويُقتلون كل يوم أمام عيون العالم الصامت عن هذه الجريمة. انهم يتعرضون لما يسمّى بالمحرقة الصامتة والتهجير الجماعي وقد خطط لذلك جماعات عانت هي نفسها المحرقات والاضطهاد العرقي. فهل نقبل ان يصبح شرقنا الحبيب من دون مسيحيين وهم من سكان المنطقة الأصليين؟؟؟
 ولنصلي اليوم ايضا، وبنوع خاص للبنان الوطن والدولة طالبين بشفاعة العذراء مريم سيدة هذه الكنيسة المباركة وسيدة لبنان وكل القديسين، خصوصاً شربل ورفقا ونعمة الله، لكي يعطي الله المسؤولين فيه الحكمة والقوة، ليقودوا سفينة الوطن الى ميناء الامان في بحر هذا الشرق الهائج بامواج التطرف الديني البغيض، والذي تعصف فيه رياح حروباً منظورة واخرى غير منظورة. نصلي لفخامة رئيس الجمهورية الساهر على الوطن والدستور، ولقائد الجيش الجديد العماد جوزف عون الحاضر ابداً مع جيشنا الباسل للدفاع بكل جدارة عن لبنان وارضه وسيادته. واذ نجدد الشكر اليوم على حضوركم معنا يا صاحب السيادة واصحاب المعالي والسعادة، نسأل الله ان يعطينا القوة لنرى يسوع دوما بأعين الايمان، وان يمنّ على الجمع بنعمه وبركاته، ويفيض امنه وسلامه على اوستراليا ولبنان أمين.


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق