إنها السياسة، لا السنة و لا الشيعة/ العلامة السيد محمد علي الحسيني

لسنا ندعي بأنه لم تکن هنالك خلافات مذهبية او طائفية في الوطن العربي والعالم الإسلامي، لکننا نؤکد بأن تلك الخلافات بالفروع وليست بالأصول ولم تکن تتجاوز حالات محلية ضيقة ناجمة عن الجهل والتعصب والانغلاق في أغلب الاحيان ولم تکن مطلقا بمقدورها الاتساع وفرض نفسها کظاهرة او کأمر واقع.

الخلافات المذهبية(والعرقية والدينية أيضا)، کانت دوما تثير إنتباه وفضول القوى الطامعة او المتربصة شرا بالعرب والمسلمين، وکانت"وبالاستناد للأرضية العقائدية المتينة والحمية والغيرة الاستثنائية للأمة الاسلامية"، تدفعهم وتحثهم للبحث عن أية ثغرة او فجوة يتسللون منها لداخل البنيان الاجتماعي الفکري والسياسي ونفث سمومهم الکريهة من أجل الوصول الى غاياتهم واهدافهم المتعارضة مع مصالح وأهداف المسلمين عموما.

ان إيلاء المسألة الطائفية ومسألة الاقليات الدينية والعرقية في الوطن العربي والعالم الاسلامي أهمية استثنائية ملفتة للنظر من جانب مختلف القوى والجهات الاقليمية والدولية المعادية، وحتى ان هناك دوائر واوساط مختصة لاهم لها سوى إعداد الدراسات والبحوث عن أفضل الطرق والاساليب التي يمکن إتباعها من أجل إبقاء الامة الاسلامية منشغلة بنفسها ولاتفکر او تتمعن فيما يعد او يخطط لها من جانب الاعداء، وحتى ان بدايات الاجتياح الاستعماري للوطن العربي والعالم الاسلامي شهدت ترکيزا مکثفا على هذه المسألة ومنحها الاولوين قياسا لکل المسائل الاخرى التي يمکن توظيفها من أجل التسلل الى العمق العربي والاسلامي وإقامة مناطق ومراکز للنفوذ، لکن، عودة المسألة الطائفية ولاسيما من زاوية الترکيز على الاختلافات بين الطائفتين السنّية والشيعية واللتين هما بالاساس دعامتي الاسلام الرئيسيتين وهما يشکلان معا سدا منيعا بوجه کافة الاعداء والطامعين وليس بالامکان مطلقا إختراقهما إلا باللجوء للألاعيب والدسائس والمؤامرات والمخططات القذرة والمشبوهة، کانت متزامنة مع إقامة نظام ولاية الفقيه في إيران والذي قام ومنذ الايام الاولى لترسيخ رکائزه بسلوك نهج أقل مايقال عنه غريب ومشبوه، حيث أنه إعتمد وبشکل ملفت للنظر على إثارة النعرات الطائفية والترکيز على الاختلافات الشکلية والفرعية بين السنّة والشيعة وجعلها تبدو وکأنها صميمية و ليس بالمکان مطلقا معالجتها أو تخفيفها ولو بالحوار.

وقد کان لإثارة الطائفية السنية داخل إيران ولاسيما في المناطق الغربية والشرقية منها بوجه خاص، أکثر من دليل دامغ على النهج غير السليم للنظام الجديد في إيران. بيد ان إثارة النعرات الطائفية لم تتحدد بالداخل الايراني، ذلك أن النظام طفق ينفث سموم الاختلاف الطائفي عبر منافذ متباينة أهمها حملاته المختلفة لتغيير الترکيبة الاجتماعية الفکرية القائمة منذ مئات السنين وجعلها تبدو بشکل ومضمونين مختلفين عن ماهي عليها، وقد کانت هذه المحاولات واضحة في السودان والمغرب العربي بشکل خاص، وفي عموم الوطن العربي بشکل خاص، وحتى أن ترکيز النظام الايراني على کتب ومؤلفات تتحدث علنا وبشکل مکشوف عن مسائل الاختلاف ومن ضمنها على سبيل المثال لا الحصر کتاب(ثم أهتديت)، لتونسي غير مذهبه من سني الى شيعي، حيث تم طبع هذا الکتاب بشکل واسع بحيث تجاوز مئات الالوف من النسخ وتم توزيعه هنا وهناك عبر مختلف المنافذ والطرق والسبل والوسائل، وقد رکز النظام بشکل خاص على مفردة(الاستبصار)، إذ صور تشييع السني بأنه إستبصار للحقيقة مما يلفت الانظار الى أن البناء العقائدي للطائفة السنية غير سليمة، وهو امر أثار إستهجان ليس الاوساط السنية لوحدها وانما حتى الغيورين من الطائفة الشيعية من اولئك الذين أنتبهوا للغايات الخبيثة والمشبوهة الکامنة خلف المسألة من أساسها، وقد تأکد لکل هذه الاوساط بأن هنالك غايات سياسية بحتة قائمة خلف هکذا دعوات ومحاولات مشبوهة وليست لها أية علاقة بالدين لامن قريب او بعيد، وان علاقات الاخوة المتينة التي ربطت وتربط بين السنة والشيعة لهي اقوى واعمق وارسخ بکثير من هذه المخططات والطروحات المشبوهة وليس هنالك من سنّي أو شيعي لا يرفض هذا الطرح جملة و تفصيلا.

إننا کمرجعية إسلامية للشيعة العرب، نؤکد دائما و أبدا أن الأصل في الإسلام شهادة أن لا اله إلا الله محمد سول الله فمن قالها وامن بها حرم دمه ماله وعرضه وهو مسلم موحد وهذا ما يقول به ويشهد عليه كل المذاهب الإسلامية سنة وشيعة ويعتقدون بالقرآن والصلاة والصيام والحج والزكاة وهو الأصل والجوهر، والباقي فروع واجتهادات ومذاهب وآراء مشروعة و مسموحة وفيها مدعاة للتحرك الفكري الفقهي الكلامي.

فليس هنالك قضية أصولية اسمها الاختلاف بين السنة والشيعة وإنما هناك أجندة وسياقات سياسية مفتعلة تسعى لتوظيف المسألة من أجل أهداف تکتيکية وإستراتيجية وندعو أبناء الأمة الإسلامية ولاسيما إخواننا من الشيعة العرب في مختلف الأقطار العربية والعالم کله إلى أخذ الحيطة والحذر والانتباه جيدا إلى هذه المؤامرة الخبيثة والفصل بين المرام والأهداف السياسية المشبوهة وبين الأساس النقي الذي يقوم عليه البناء الاجتماعي الفکري لکلتا الطائفتين وإننا نؤکد للجميع بأنها السياسة المشبوهة فقط وليس هنالك قضية اسمها السنة والشيعة وان کلا الطائفتين براء من إثارة هکذا قضية مختلقة وخطيرة تهدد الأمن الاجتماعي للأمة العربية، وإننا نعلن أن لا خلاف أصولي جوهري بين السنة والشيعة وعليه يجب الابتعاد عن أي مسلك أو تغطية مذهبية لهذا الحزب أو ذاك الزعيم أو الجماعة حتى لو نسبت نفسها واسمها إلى الله تعالى عم ينسبون{كل حزب بما لديهم فرحون }فهل من متعظ.

*المرجع الاسلامي للشيعة العرب.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق