إنجيل برنابا أين الصحيح وأين الغلط؟

الأب سليم دكاش-عميد كلية العلوم الدينية في جامعة القديس يوسف -

إنجيل برنابا هو كتاب يروي حياة يسوع بقلم مؤلفين عديدين مغفلي الهوية وعلى الارجح هم من المسلمين. وهذا الانجيل، الذي لا نسميه منحولا بل موضوعا لأن الأناجيل المنحولة هي من بدايات المسيحية ومعروف من وضعها، قد كتب في نهاية القرون الوسطى حيث إن المخطوطين الاقدمين المعروفين يرتقيان الى نهاية القرن السادس عشر، واحد إيطالي والثاني باللغة الاسبانية، والنسخة الطليانية هي في 222 فصلا في مجملها تتناول رسالة يسوع.
وهذا الانجيل يعتبره كبار الاختصاصيين شرقا وغربا، ومنهم مسلمون، تزويرا فاضحا متأخرا لحياة يسوع المسيح مع العلم أن الذين وضعوه ربما استخدموا بعض الكلمات او الجمل من أناجيل منحولة قديمة من مجموعات انتمت الى المسيحية ثم شذت عنها مثل الابيونية والغنوصية. والمعروف أن لتلميذ بولس برنابا رسالة معروفة برسالة برنابا لا علاقة لها بالانجيل المزعوم وهي تروي رسالة برنابا ورحلاته وعلاقته بالرسول بولس وكذلك استشهاده ودفنه.
وإذا أردنا تحليل مضمون انجيل برنابا تحليلا سريعا نورد النقاط التالية:
أولاً- هذا الكتاب يتغذى بوجه مباشر من بعض المقولات التقليدية الاسلامية بحيث يحاول نقض ايمان بولس ان المسيح هو ابن الله (وهكذا فان برنابا تلميذ بولس ينتقد معلمه) ويحاول نقض عقيدة الثالوث كما لو أنها شركا في حين أنّ علماء المسلمين أو بعضهم على الاقل يقولون بأنّ المرتكز هو التوحيد وفي الفصل 39 يتحدث إنجيل برنابا عن يسوع مبشرا بمحمد بوجه صريح كما يستعيد صفة الشهادة كما هي عند المسلمين. ومن المقولات التقليدية التي يستعيدها هذا الانجيل أن يسوع لم يمت مصلوبا بل ان يوضاس هو الذي أخذ مكانه على الصليب وأخذ كذلك قسمات وجهه وجسده، وهذه عقيدة غير صحيحة على الاطلاق حيث إنها تنقض عقيدة الفداء والخلاص في المسيحية وهي حتى تنقض عقيدة الخلاص في الاسلام حيث ان فكرة الخلاص هي أساسا من الكتاب المقدس وقد توجها يسوع المسيح على الصليب وبالتالي فان الاديان التي تنادي بالخلاص مدينة للمسيحية ومنها الاسلام بهذا الامر.
ثانيا - إن بعض ما جاء في انجيل برنابا لا يناقض فقط المسيحية بل انه يناقض الروايات القرآنية نفسها. ولذلك فإن المسلمين لا يعوّلون على انجيل برنابا ويعتبرونه من الادبيات الدينية فقط لا غير. فإنجيل برنابا يقول بأنّ ولادة يسوع من مريم العذراء تمت بغير ألم في حين أن القرآن يقول العكس والقرآن يقول أن يسوع هو المسيح المنتظر في حين ان انجيل برنابا يسميه يسوع البشري فقط بل انه يعطي اسم "كريستوس" ليسوع بدل المسيح. والواقع أنّ واضعي انجيل برنابا لم يفهموا معنى كلمة "كريستوس" فمنعوا عن يسوع لقب المسيح لأنهم لا يؤمنون به مسيحا وسموه "كريستيوس" وهم لا يعلمون ان معنى "كريستوس" هو المسيح.
وكذلك فان القرآن يقول بأن بعض الناس سيكونون أحياء يوم الدينونة (سورة 69) في حين ان المنحول برنابا يقول ان الناس والملائكة يكونون امواتا ولا حيّ إلا الله.
وفي إنجيل برنابا عدد السماوات هو تسع في حين أن القرآن يقول ان عددها هو سبعة فقط.
كما ان هذا الانجيل يمنع تعدد الزوجات ولا يسمح إلا بواحدة في حين ان القرآن يقول بتعددها.
أما في علاقته بالأناجيل القانونية فإنّ إنجيل برنابا عدا وضعه رواية البشرى بأحمد والشهادة وهذا ما لا وجود له لا في الأناجيل القانونية ولا في أي نص من النصوص المنحولة المعروفة وعددها يتجاوز الخمسين فهو يحتوي على جملة مغالطات جغرافية وتاريخية أهمها:
- ركب يسوع المسيح من بحر الجليل حتى الناصرة بحسب رواية برنابا والصحيح كفرناحوم لانها على الشاطئ
- ولد يسوع أيام بيلاطس البنطي الذي لم يكن واليا بل موظفا بحسب برنابا والامر مغلوط وحكم بيلاطس بدأ في السنة 26 من الترقيم الميلادي
- يتحدث انجيل برنابا عن آدم وحواء الذين أكلوا تفاحة وهذا الأمر هو ترجمة كلمة لاتينية في الكتاب المقدس الموضوع باللاتينية وهذا من الاسباب التي تدعو للقول أن إنجيل برنابا هو كتاب متأخر من بعد القرن الخامس على الأقل لأن الترجمة اللاتينية هي من القرن الخامس
- يتحدث إنجيل برنابا عن الجنود الذين تمّ دفعهم خارج الهيكل وكأنهم براميل والبرميل لم يكن له وجود في فلسطين والشرق بل كان موجودا عند الشعوب الغربية فالنبيذ كان يحفظ في الجرار فقط.
في الخلاصة:
إنّ هذه المعطيات ذات الطابع اللغوي والتاريخي عليها أن تفتح الباب وألا تغلق الأبواب أمام ما هو أساسي بين المسيحية والاسلام ألا وهو الاحترام المتبادل لعقيدة الآخر كما يفهمها هو وكما يحدّدها هو وذلك من مقومات الثقافة اللبنانية التحاورية ومعنى لبنان الرسالة الحضارية وإلا ندخل مجددا في الحذر المتبادل ونعود الى الافكار المسبقة التي فيها الكثير من الاحتقار والاستخفاف وعدم المراعاة والاساءة وذلك لا يفيد العلاقات الاسلامية المسيحية ويمنعها من النمو الايجابي كما هو حاصل من المجمع الفاتيكاني الثاني.



CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق