· استغفلونا ونحن صغارٌ وعلمونا ان العرب كانوا قبل الاسلام جاهلين وفاسدين ومنحطين. اخبرونا بأنهم كانوا يعيشون في حروب طاحنة، ويتقاتلون بسبب وبدون، وانهم قتلة ومتوحشين. ثم عرفنا انهم لم يكونوا كذلك ابدا، فقط فئة قليلة منهم كانت تفعل ذلك مثل سائر شعوب العالم في تلك الزمانات. الحقيقة التي تعمدوا اخفاءها عنا انهم كانوا يعيشون في اجواء الى حد كبير حرة وديموقراطية، وكان كل واحد منهم يحترم معتقدات الآخر. كانوا متعددي الاديان والطوائف. بينهم الوثنيين والمجوسيين والحنفيين واليهود والمسيحيين وعابدي الشمس والملحدين، جميعهم عاشوا في وئام وانسجام. كانت الحريات الشخصية والحريات الدينية مقدّرة ومحترمة، ولا احد له شأن بالآخر. كانوا اناس يهتمون بالثقافة والشعر ولديهم مهرجانات ثقافية وتسوق دورية مثل مهرجان “المربد” ومهرجان “عكاظ”، حيث يأتي اليها كل من يهمه الشأن الثقافي ويرغب في التعرف على منابع الادب والفن والشعر، وانهم كانوا يقدّرون الشعر، وعُرف عنهم مسابقة القصائد المعلقة التي سُميت بالمعلقات. القصيدة التي تنال رضا واستحسان الاكثرية تـُعلق على ستائر الكعبة بجانب آلهاتهم لعام بكامله، وأن من اشهر شعراء ذاك العصر واكثرهم قريحية امرئ القيس، والنابغة الذيباني، ولبيد بن ربيعة العامري، وعنترة بن شداد.
· استغفلونا ونحن صغارٌ وعلمونا أن المرأة في الجزيرة العربية في زمن ما قبل الاسلام والذي يُسمى “بعهد الجاهلية” كانت محتقرة وليس لها اية قيمة في قبيلتها او بين رجال عشيرتها. وان الاناث يوأدن في مهدهن لأنهن عار. لكن عرفنا انه فئة من الناس كانت تمارس تلك السلوكيات وليست ظاهرة اجتماعية، وانه ثمة منهم من يقتلون اناثهم وذكورهم على حد سواء خشية الفقر وليس العار كما ذُكر في (اية 151 الاسراء) “وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـ?قٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا.” ايضا تيقنا ان المرأة كانت رمز الآلهات التي يعبدونها، فكانت مقدرة ولها مكانة كبيرة بين القبائل ذات الصيت والسمعة الحسنة، ولها دور سياسي واجتماعي بارز مثل “هند بنت عتبة”و”سجاح بنت الحارث بن الاسود”، وفي الشعر والثقافة “ليلى الأخيلية”، و”الخنساء” و”مية بنت ضرار بن عمرو الضبيه” وغيرهن. وانه كان لها حقوق في بعض القبائل نفس حقوق الرجل، حيث تمارسها بحرية في الحياة العامة والخاصة، الى درجة انه كان يحق لها تعدد الأزواج اسوة بالرجل، وانه كان الابناء ينسبون لها ويحملون اسمها مثل الصحابي “الزبير بن صفية” و الشاعران “عمرو ابن كلثوم” و”زهير بن ابي سلمى”، وثمة قبائل تـُنسب لنساء مثل قبيلة بني “عذرة” التي اشتهرت بالحسية والغزل حيث قالوا عن انفسهم “نحن من قوم اذا احبوا ماتوا.” ينحدر من تلك القبيلة شاعر الغزل الناعم “جميل بثينة”، ونُسبت الى النساء ايضا تضاريس جغرافية مثل و”ادي فاطمة” و”جبل سلمى” حيث يقطن فيه من اعرق القبائل العربية “بني شمّر”.
· استغفلونا ونحن صغارٌ وعلمونا ان اليهود والنصارى والمجوس واصحاب المعتقدات الاخرى كانوا اعداء للمسلمين منذ ظهور الاسلام، وانهم اناس اشرار وسيئي الطباع وارادوا قتلنا والغدر بنا، مع اننا خير امة اخُرجت للناس. ثم اكتشفنا ان كل امة تعتقد انها هي الامة الأفضل، وان دينها هو الأخير والصائب. وعلمنا أن المسلمين لم يكونوا افضل من غيرهم، فقد سببوا اذى لغير المسلمين بما يُسمى بالفتوحات الاسلامية. هجموا على الناس الآمنين في ديارهم وانتهكوا حقوقهم، وقتلوهم واجبروا من بقي منهم على اعتناق دين الاسلام او دفع جزية. ادركنا ان الحروب الاسلامية مثل الحملات التبشيرية المسلحة في بعض اجزاء من العالم، ومثل الحروب الصليبية حيث جيوشها قامت بقتل وتشريد وانتهاك حقوق الناس في تلك الحقبة من التاريخ من اجل فرض دين جديد على الآخر واجباره على ممارسة طقوسه.
· استغفلونا ونحن صغارٌ وعلمونا ان الديانة اليهودية ديانة كالمسيحية محرّفة وانها ديانة تحرض على كره الآخر واقصاءه، فاليهود يعتقدون انهم “شعب الله المختار” لذلك تقلصت ديانتهم لأنها غير صالحة، لكننا عرفنا فيما بعد بأن الديانة اليهودية ليست ديانة تبشرية، لذلك لم تُنشر بالسلاح مثل الاسلام والمسيحية، وانها هي اول ديانة سماوية توحيدية وانها الاصل، وان المسيحية والاسلام اديان مقتبسة منها مع بعض الرتوش هنا وهناك، فالسيد المسيح (عليه السلام) كان يهودياً، وأن السيدة خديجة ذات الغنى والنفوذ زوجة النبي محمد (عليهما السلام) ربما كانت مسيحية، حيث ان عمها “ورقة ابن نوفل” حبر وقس جليل من قساوسة المسيحيين، هو من ساند الرسول (صلى الله عليه وسلم) فكريا واستراتيجياً، وزوجته دعمته مادياً ومعنوياً في بداية بزوغ الدين الاسلامي، حين كان في اشد الحاجة للدعم والمساندة.
· استغفلونا ونحن صغارٌ وعلمونا ان من ثوابت الاسلام “حد الردة” وأن من يترك الاسلام، يحق لباقي المسلمين قتله واهدار دمه، لذلك قام الخليفة ابو بكر الصديق (رضي الله عنه) بقتل من ارتدوا بعد وفاة النبي( صلى الله عليه وسلم). ثم عرفنا انه لا يوجد اي نص شرعي في القرآن الشريف يبين “حد الردة” فليس له اية دلالة على انه بند في الاسلام، بل العكس نهى القرآن عن اكراه الناس على اعتناق الاسلام حيث ذكر في(اية 256 من سورة البقرة) “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ” وايضا في(اية 144 آل عمران)”َمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىأَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ” وبالنسبة لحروب الردة كان سببها الحقيقي سياسي واقتصادي وليس ديني، لأن المسلمين الاوائل تمردوا ورفضوا دفع الزكاة، وغير المسلمين كفوا عن دفع الجزية ،مما هزّا اقتصاد دولة الاسلام الوليدة، وخلخل قواعدها، لذلك وجد الخليفة الثاني ان الحل هو مقاتلتهم واجبارهم على دفع ما طلب منهم من مال.
· استغفلونا ونحن صغارٌ وعلمونا ان غطاء الرأس للمرأة او ما يُـسمى بالحجاب امر ديني وفريضة مؤكدة، وانه لا يـُقبل ايمان المرأة المسلمة سوى بقطعة القماش تلك. ثم اكتشفنا ان غطاء الرأس فريضة في الصلاة والحج فقط لا غير، وانه لم يرد ذكر تغطية شعر المرأة في اي نص آخر ديني سواء في القرآن الشريف او في السنة النبوية، وأن الآية الكريمة من سورة الاحزاب ” يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءالْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً” كانت بسبب تعرض نساء المسلمين للمضايقات ومحاولة قتلهن من قبل محاربي الدين انذاك، فكان لا بد من حمايتهن بهذه الطريقة، اي أن الامر انتهى بإنتهاء الحدث. كل ما امر الله المسلمات به هو “لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ” والجيوب هي الصدور، اي ان يكن محتشمات في لبسهن ولا يظهرن مفاتهن للآخرين.
0 comments:
إرسال تعليق