جدل بين علماء دين وإعلاميين في السعودية حول انتقاد العلماء والفتاوى

العربية ـ الرياض - خالد الشايع
طالب عدد من رجال الدين والكتاب والإعلاميين بعدم النيل من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء، واحترام العلماء الذين أصدورها، وذلك على خلفية هجوم بعض الصحفيين على الهيئة، إثر إصدارها فتوى (غير رسمية) تحرم عمل المرأة محاسبة في الأسواق والمحال التجارية "كاشيرة"، في وقت شدد فيه بعض الكتاب على أن من حقهم النقد فيما لا يقبلونه، مطالبين اللجنة بالدقة أكثر وعدم الاستعجال في إصدار الفتاوى وبالذات الحساسة منها.

الشيخ عبد العزيز آل الشيخ
وتجدد الجدل بعد أن أكد مفتي السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أن فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء "ليست معصومة"، ولكنها في الجملة موافقة للكتاب والسنة.

ودعى آل الشيخ، في محاضرة ألقاها مساء الثلاثاء 9-11-2010 بجامعة أم القرى في مكة المكرمة؛ الكتاب أن يعملوا ليكون الناس جميعاً يداً واحدة، و"أن لا نتخذ من بعض ما يخالف رأينا موقفاً عدائياً أو موقفاً تشهيرياً لا داعي له".

وأضاف المفتي العام: "كون بعض إخواننا من الكتاب يهاجمون اللجنة هجوماً سيئاً بكلمات فيها شيء من الغلظة والشدة والبشاعة نقول عفا الله عنا وعنهم، وهدفنا الحق والوصول إليه، والمفتي عليه أن يوضح الحق ويبينه".

وشدد سماحته على أن "للإنسان قبول الفتوى أو عدم قبولها"، فالمستفتى لا يلزمه ذلك، بل يلزمه إيضاح الحق. ولفت سماحته إلى أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، فلا تراه مؤذياً للمسلمين، ولا تراه ناشراً للشائعات الباطلة، ولا مذيعاً لأخبار كاذبة، بل يتجنب الشاعات الباطلة، إذ هدفه إصلاح المجتمع وهدايته، والرقى بهم إلى مستوى القيم والأخلاق والفضائل".

هجوم متوقع واستغلال للظروف يوسف الأحمد
لم يستغرب أستاذ الشريعة بجامعة الإمام بالرياض الدكتور يوسف الأحمد من الهجوم الذي تعرضت له فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء، التي حرمت عمل المرأة محصلة للنقود وخادمة للزبائن (كاشير) في الأسواق المفتوحة، مؤكداً أنه كان أمراً متوقعاً من بعض الصحفيين الذين يدعمون ما وصفه بالمشروع التغريبي.

وقال في حديثة لـ"العربية.نت": "جزى الله العلماء في اللجنة الدائمة على هذه الفتوى وصدعهم بالحق خير الجزاء، فقد كان التأصيل والتقعيد والاستدلال فيها واضحاً وقوياً، ولا أعلم أحداً من علماء الشريعة في المملكة وخارجها يخالفها ممن يعلم واقع الحال والمآل، ويعلم حقيقة المشروع الأمريكي في استهداف المرأة السعودية، واستغلال فقرها في تطبيع مظاهر التغريب".

وتابع الأحمد: "في ظني أن فتوى اللجنة الدائمة أجهضت مشروعهم، وشغب الصحافة عليها لا يعدو حركة المذبوح، فإن قوة تشحط الشاة المذبوحة في دمها لا يعني إلا أنها في سياق الموت".

وأضاف معلقاً على الهجوم الصحفي ضد الفتوى: "لقد ظنوا أنهم سيسقطونها، وما علموا أنهم قاموا بتثبيت الفتوى والدعاية لها وخدموها وهم لا يشعرون" .

ثم وجه الأحمد سؤالين للصحافة ووزارة العمل طالباً الإجابة الموضوعية بعيداً عن التوتر والانفعال: "لماذا رفضت وزارة العمل مشروع عمل المرأة عن بعد، وقد تقدمت به جهة
رسمية بدراسة علمية عن إمكانية توظيف أربعة ملايين امرأة سعودية؟".

والسؤال الثاني: لماذا رفضت الوزارة أيضاً مشروع الأسواق النسائية المغلقة الذي طالب به المشايخ بإلحاح، والذي يمكن من خلاله تعيين عشرات الآلاف من النساء في البيع والنظام والإدارة وغيرها؟".

لا يناقش العلماء إلا العماء الشيخ محمد النجيمي
واستغرب الشيخ والداعية المعروف محمد النجيمي من الهجوم الذي طال اللجنة الدائمة للإفتاء، واعتبر في حديثة لـ"العربية.نت" أن المنتقدين وقعوا في خطأين.

ويوضح بقوله: "وقع المنتقدون في خطأ استراتيجي وخطأ نظامي، فولي الأمر حفظة الله قصر الفتاوى على هيئة كبار العلماء ومنها اللجنة الدائمة للإفتاء المنبثقة منها، ولهذا أي كاتب أو صحفي ينتقد الهئية وفتاويها إما جاهل أو مغرض، وفي كلا الحالتين هو وقع في خطأ شرعي ونظامي، فالشرعي لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بطاعة ولي الأمر، والعلماء في الفتاوى هم ولاة الأمر ومخولون منه بذلك لهذا طاعتهم واجبة، ونظامي لأن في رفضها عصيان لولي الأمر، لأنه خول اللجنة بالفتوى، وهي نالت ثقة الحكام في هذا الجانب ولو أن بعض الصحفيين تساءلو أو كتبوا مستفسرين ومستوضحين حول الفتاوى فإن ذلك لم يكن هناك شيء يمنع منه شرعاً".

ويشدد النجيمي على أن المفتي أصاب في حديثة بعدم عصمة فتاويهم، ولكن يؤكد على أن النقد والنقاش لا يقبلان من أي شخص، ويضيف: "ما قاله سماحه المفتي هو الصحيح، لأن مذهب أهل السنة والجماعة لا يرون العصمة في فتاويهم، وبالتالي هم غير معصومين من الخطأ، ولكن من يمكن أن يصوب خطأهم؟ بالتأكيد ليس أي أحد بل من يقوم بذلك هم العلماء، فهناك الكثير من العلماء الأجلاء من خارج الهيئة وكذلك المجمعات الفقهيه المعتبرة شرعاً، هؤلاء هم من يمكن أن يكاتب اللجنة ويناقشها في فتاويها ويجتمع معها بعيداً عن الإعلام، فالعلماء لا يتورعون عن العودة عن الفتاوى إن ثبت خطؤها، فهم قد يقولون كلاماً ويعودون عنه".

ويشدد النجيمي على أن الفتوى مثار الجدل لم تأخذ طريقها الرسمي بعد ولم تصدر عبر القنوات الرسمية للجنة الدائمة للإفتاء، ويضيف: "عندما تصدر الفتوى من اللجنة الدائمة للإفتاء فهي تكون إجابة عن سؤال يوجه لها، وبالتالي هي ليست ملزمة إلا إذا رأى ولي الأمر أن يلزم الناس بها، ولكن عندما تصدر الفتوى من هيئة كبار العلماء فإنها تكون ملزمة، لأن الهيئة لا تجتمع إلا بعد أن يأذن لها ولي الأمر بالبت بالأمر، ولكني أراى أن على المسلمين أن يتقيدوا بالفتوى، لأنها صدرت من لجنة معتبرة وتتحرى الخير".

إلغاء هيبة العلم والعماء عقيل العقيل
من جهته، يؤكد أستاذ الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عقيل العقيل على أن النيل من العلماء وانتقاصهم بشكل كبير فيه تقليل من هيبة العلم. ويقول في حديثة لـ"العربية.نت": "لا أحد يقول إن العماء معصومون من الخطأ، فهم ليسو رسلاً، ولكن من يمكن أن يحكم على فتاويهم؟ لا بد أن يكونوا من طلبه العلم العارفين بأصول الدين والدليل، وأن يكون ردهم بالدليل أيضاً وليس مجرد كلام فقط".

ويتابع: "صحيح أن العلماء ليسوا معصومين من الخطاء، ولكن بالمقابل لا يجب أن يتطاول عليهم (الرويبضة)، فهناك من يسخر من العلماء والمشائخ ويقلل منهم وهذا أمر لا يجوز، لأنه إذا سمحنا بذلك فسوف نلغي هيبه العلم، يجب أن يكون الحديث بالدليل ويناقش هذا الدليل، فالقصة ليست اقتناص لا نمنع المناقشة ولكن يجب أن يكون النقاش بالدليل الواضح، فمن يناقش العلماء يجب أن يكونوا علماء أيضاً وليسوا من العوام".

نقد منطفي على الطرف الآخر،
تشدد الكاتبة في جريدة "الوطن" حصة آل الشيخ التي انتقدت مراراً وتكراراً الفتوى، على أن النقد الذي طال اللجنة كان منطقياً وطبيعياً، وتقول في حديثها لـ"العربية.نت": "كان الهجوم الذي تعرضت له الفتوى التي حرمت فيها اللجنة الدائمة للإفتاء عمل المرأة كاشيرة في الأسواق منطقياً وعقلانياً، لأنه دفاع عن حق الإنسان في العمل وهو حق معلوم ولا يتوقف عند توهم الفتنة، لأن توهم الفتنة موجود في كل مكان ولا يقتصر على هذا الأمر فقط، وتقوى الله لا يجب أن يتوقف عندها وتكون سبباً للتحريم".

وتتابع: "المسوغات التي ذكرت في الفتوى تقوم على توهم الفتنة مع أن دليل (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) هو دليل لتقوى الله ولا يجب أن يكون منطلقاً للتحريم، فلا يوجد رابط بين الفتاوى والدليل والتحريم".

وتطالب آل الشيخ بأن تطبق اللجنة ما قاله المفتي في قبول الانتقاد، وتقول: "دائماً المؤسسات الدينية ترفض أن تعصم نفسها عن الخطأ، وتقول إنها عرضه للخطأ وأن كل يؤخذ رأية ويرد إلا صاحب هذا القبر (الرسول صلى الله عليه وسلم)، وهذا أمر جيد ولكن يجب أن نراه مطبقاً على أرض الواقع، ويجب أن يتقبلوا النقد".

وتتابع: "الفتوى غير ملزمة وهذا أمر طبيعي، ولكن ماذا سنفعل لو دخل أحد المحتسبين إلى سوق يوظف كاشيرات ومارس الاحتساب عليهن من منطلق تلك الفتوى؟ وماذا عن النساء اللاتي أوقف عملهن في بعض الأسواق اعتماداً على تلك الفتوى؟ أعتقد أن الأمر محاولة لتحجيم عمل المرأة، ولهذا لا يجب أن يلوموا الكتاب إذا انتقدوا تلك الفتوى، لأن العمل حق معلوم لكل الناس، وليس فقط الكتاب السعوديين بل كثير من العلماء خارج السعودية انتقدوا هذه الفتوى وقالوا إن الله لم يحرم عمل المرأة طالما تتمسك بالحجاب وفي مكان مكشوف، لأنه لا دليل على حرمته".

وتستغرب آل الشيخ من استعجال اللجنة الدائمة للإفتاء في إصدار فتاواها وعدم رجوعها إلى تأويل سابقة في هذا الشأن، مؤكدة أنها وقعت في فخ سؤال غير ملغم هدف منه سائله إلى استصدار التحريم وطالبتهم بالعودة إلى فتوى سابقة أصدرها المفتي السابق الشيخ عبدالعزيز بن باز (رحمه الله) تحلل عمل المرأة.

وتقول: "أتمنى لو تكون هناك مقارنة بين الفتوى الأخيرة التي هدف منها سائلها استنطاق حكم بالتحريم وبين السؤال الذي سئل للشيخ عبدالعزيز بن باز ليعرفوا كيف يمكن أن يكون السؤال محقق لهدف المتحري. سئل الشيخ بن باز بوضوح (هل عمل المرأة في الأسواق المختلطة حلال مع أنها تختلط بالرجال وتناقش في السعر ولكنها محجبة؟)، فكان رده أن ذلك حلال".

وتتابع: "لا يجب أن تبطل الفتوى أخرى سابقة، ولكن هذه هي مشكلة الاستعجال، فالموقعون على الفتوى لم يرجعوا للقديمة وكان يجب أن ينتبهوا إلى صيغة السؤال ولا ينجروا خلفه".

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق