رسالة المفتي للبابا: نُؤَيِّدُ دَعوَتَكُم مسيحِيِّي الشَرقِ العرَبيّ إلى المحافظَةِ على حُضورِهِم ومواصلة أداء دورهم الطبيعي

 جاء في الرسالة التي سلّمها مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني الى البابا بينيديكتوس السادس عشر:
"(...) إذْ أُقدّر عَالياً دَعوَاتِكُم إلى الِحوارِ والتَّـفَاهُمِ والتَّـعاوُنِ التي سبَقَ أَن أَطلَقتُموها في المؤتَـمَرِ الذي دَعَوتُـم إليه في أَسِيزي، فإنّي أَنتَهِزُ مُناسَبةَ زيارَتَكُـم لبلدِكُمُ الصَّديق لبنان، لأُؤَكِّدَ لكُم القَضايا المـَـبدَئِيـَّةِ الأَساسِــيَّةِ الآتِـــيَــة:
أولاً- إنَّ المسلمينَ والمسيحيينَ في لبنانَ وفي كل الدوَلِ العربيةِ يُشَكِّلونَ أُمَّةً واحِدة، ويتَساوُونَ في الحقوقِ والواجبات، وإذا كانَ هُناكَ أَيُّ انتقاصٍ لأَحَدِهِم فيَنبَغي أن يعملوا معاً على عَدَمِ هذا الاِنتقاصِ لأَيٍّ منهُم، وهُم يتَطَـلَّعونَ إلى تَحقيقِ أهدافِهِمُ الـمُشتركَة في المحافظةِ على الكَرامةِ الإنسانيةِ، وصون  الحُريَّاتِ العامَّة، وفي مُـقَدِّمَـها الحُرياتِ الدِّينية. ونَعتَبِرُ نحنُ المسلمينَ أَيَّ اعتداءٍ على أَيِّ مُواطنٍ مَسيحِيّ لديـنِه هو اعتداءٌ علينا جميعاً، كَمَا نَعتبِرُ أيَّ  اعتِداءٍ على أَيِّ كَنيسَةٍ بمنزلة اعتِداءٍ على مساجِدِ المسلمين، لأنَّ دينَنا يمنَعُنا مِن ذلك وهذا ثابتٌ في العُهدَةِ "العُمَريَّة" التي أعطَاهَا الخليفَةُ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ ِلبَطرِيَرك القُدس صُوفرُونيُوس، وإيمانُنا في الإسلام لا يَكتَمِل ما لَـم نُؤمِن بِالـمَسيحِ عيسَى بنِ مَريَــمَ عليهما السلام، وبِكُلِّ أنبياءِ اللهِ ورُسُلِه، وهوَ ما تَوَقَّفَ أمامَهُ وبتَقديرٍ كَبير مجلسُ الفَاتيكَانِ الثاني عام 1965، والذي كُنتُم مِنَ الأركانِ العاملينَ عليه.
ثانياً- إنَّ الأحداثَ التي تَعصِفُ بالعالَمِ العربيّ تَحمِلُ كثيراً منَ الآمَالِ التي تُضيءُ لَنا لِلمُسلمينَ ولِلمَسيحيينَ الطريقَ إلى غَدٍ أَفضَل،  كَما تحمِلُ كثيراً من المخاطِرِ التي تُـَهدِّدُنا معَاً أَيضاً، ولَكِن كَمَا صَنَعنا في الماضي تاريخَنا مَعاً، فَسَوفَ نَصنَعُ مُستَقبَلَنا في العَيشِ المــُشتَرَكِ معاً أيضاً.
ثالثاً- آلمنا ما تعرّضَ لهُ بعضُ المسيحيِّينَ في بعضِ بُلدانِ الشَرق مِنَ اعتِداءَاتٍ على أروَاحِهِم ومُقدَّساتِهم، ولقَد رَفعنا الصوتَ عالياً ضِدَّ كلِّ هذه الأعمالِ المـُدانةِ والمرفوضَةِ شَكلاً ومَضمُوناً، والتي غالباً ما تكونُ مُدَبَّرَةً لإيقاعِ الفِتنَة مِن أَيدٍ داخليَّةٍ أَو خارِجيَّةٍ تحقيقاً لِمـَصالِحـِها، وَهيَ لا تُسيءُ إلى تاريخِنا المـُشتَـرَكِ في العَيشِ مَعاً فحسب، بَل تَـتَـناقَضُ أَيضاً مَعَ قِــيَـمِنا في الإسلام، وهيَ أساسٌ في العُهدة العُمَرِيَةِ التي أَعطَاها الخليفةُ الثاني عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنه لِبَطرِيَرك القُدس صُوفرُونيوس بأن لاَ تُهدَمَ كنائِسُهُم.
رابعاً- إنَّنا نُؤَيِّدُ دَعوَتَكُم مسيحِيِّي الشَرقِ العرَبيّ إلى المحافظَةِ على حُضورِهِم في المـَــنطقَةِ العربية، وإلى مواصَلةِ أَداءِ دَورِهِمُ الطَبيعِيّ في دُوَلِـها معَ مُواطِنيهِم في تلكَ البُلدان في إطار العمَلِ الوَطَني المــُشتَرَك، وَاثِــقينَ مِن أَنَّ ذلكَ سَوفَ يَحفَظُ  وَحدةَ نَسيجِ هَذِهِ المنطقَةِ منَ العالَم، التي نَفخَرُ بأَنَّـها مَهبِطُ رسالاتِ اللهِ إلى الناسِ جميعاً، وإلى البَشَريَّةِ كُلِّها.
كَمَا نـؤكِّدُ على دَعوَتِكُم أَنَّ المساواةَ بينَ المواطنينَ جميعاً في الحقوقِ والواجبات، وعدَمَ التَّميِيزِ بينَهُم على خَلفيَةٍ دينيةٍ أَو مَذهبيَّةٍ أو عُنصُريَّــةٍ هيَ قَاعِدةٌ وَطَنيَّةٌ تُوَفِّــرُ الأَمنَ والأَمانَ لَنا جميعاً.
خامساً_ إننا نَحتَرِمُ العلاقاتِ المـُـمَيَّزةَ بينَ المرجعِيَّاتِ الدِّينيةِ الإسلاميةِ والمسيحيةِ في وطَنِنا لبنان، على الصَّعيدَينِ الشَخصي والوَطَني والرُّوحي. وقَد كانَت هذِهِ العلاقاتُ الطَّـــيِّـبَةُ صَمَّامَ الأَمانِ لِـمُواجَهَةِ العَدِيدِ منَ القَضايا الدَّاخليةِ التي تَهُـمُّـنا جَميعاً، وقَد تَرجَمَت عَمَلياً رسالةَ لبنانَ في الشَرقِ وفي العالَم. ونحنُ حَرصاء على التَّمَسُّكِ بِـهَذِهِ الرِّسالةِ التي تُشعِرُنا اليومَ أَنَّناَ في حاجَةٍ إلَيها أَكثَرَ مِن أَيِّ وَقتٍ مَضَى، لنُواصِلَ العمَلَ معاً لخِدمَةِ البَشَـــــــريَّةِ والإنسانيَّةِ كُلِّها،
سَواءً في وطَنِنا لُبنان أَو في المنطقةِ العرَبيةِ أَو في العالَمِ كُلِّه(...)".
 وأوضح المفتي قباني في تصريح إثر لقائه البابا، أن سبب غيابه عن استقباله أول من أمس هو"مصادفته مع صلاة الجمعة حيث أن الخطبة كانت تركز على الفيلم المسيء الى الرسول، ولم يكن في استطاعتي الغياب عن هذه الخطبة بسبب حساسية الموضوع".
النهار

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق