عيد القيامة وشم النسيم/ لطيف شاكر

 ما هو سر ارتباط عيد شم النسيم المصري بعيد القيامة المسيحي؟
وما هو سبب تغيير موعد العيدين من عام لآخر؟ وعلى أي أساس يتم تحديد الموعد؟ ولماذا يختلف موعد الاحتفال أحيانًا بين الطوائف المسيحية المتعددة؟!
أولًا: عيد شمّ النسيم هو عيد مصري قديم، كان أجدادنا المصريون يحتفلون به مع مطلع فصل الربيع.
وكلمة "شم النسيم" swm `nnicim هي كلمة قبطية (مصرية)، ولا تعني "استنشاق الهواء الجميل"، بل تعني: "بستان الزروع"..  "شوم" swm تعني "بستان"، و"نيسيم" nicim تعنى "الزروع"..  وحرف "إن" بينهما للربط مثل of في الإنجليزية..  فتصير الكلمة "شوم إن نسيم" بمعنى "بستان الزروع"..  وقد تطوَّر نطق الكلمة مع الزمن فصارت "شم النسيم" التي يظن الكثيرون أنها كلمة عربية، مع إنها في الأصل قبطية (مصرية)..

ثانيًا: بعد انتشار المسيحية في مصر حتى غطتها بالكامل في القرن الرابع، واجه المصريون مشكلة في الاحتفال بهذا العيد (شم النسيم)، إذ أنه كان يقع دائمًا داخل موسم الصوم الكبير المقدس الذي يسبق عيد القيامة المجيد..  وفترة الصوم Fasting تتميَّز بالنُسك الشديد والاختلاء والعبادة العميقة، مع الامتناع طبعًا عن جميع الأطعمة التي من أصل حيواني..  فكانت هناك صعوبة خلال فترة الصوم في الاحتفال بعيد الربيع، بما فيه من انطلاق ومرح وأفراح ومأكولات..  لذلك رأى المصريون المسيحيون وقتها تأجيل الاحتفال بعيد الربيع (شم النسيم) إلى ما بعد فترة الصوم، واتفقوا على الاحتفال به في اليوم التالي لعيد القيامة المجيد، والذي يأتي دائمًا يوم أحد، فيكون عيد شم النسيم يوم الاثنين التالي له.

ثالثًا: بخصوص تحديد موعد عيد القيامة، فهذا له حساب فلكي طويل، يُسمى "حساب الإبقطي" Epacte، وهي كلمة معناها: "عُمر القمر في بداية شهر توت القبطي من كل عام"..
وقد تم وضع هذا الحساب في القرن الثالث الميلادي، بواسطة الفلكي المصري "بطليموس الفرماوي"  في عهد البابا ديميتريوس الكرام (البابا البطريرك رقم 12 بين عامي 189-232 م.).  وقد نُسِب هذا الحساب للأب البطريرك، فدُعِيَ "حساب الكرمة"..
وهذا الحساب يحدد موعد الاحتفال بعيد القيامة المسيحي بحيث يكون موحدًا في جميع أنحاء العالم.  وبالفعل وافَق على العمل به جميع أساقفة روما وأنطاكية وأورشليم في ذلك الوقت، بناء على ما كتبه لهم البابا ديميتريوس الكرام في هذا الشأن.  ولما عُقِدَ مجمع نيقية عام 325 م. أقرَّ هذا الترتيب، والتزمت به جميع الكنائس المسيحية حتى عام 1528 م كما سنذكر فيما بعد..
هذا الحساب يراعي أن يكون الاحتفال بعيد القيامة موافقًا للشروط التالية:
1- أن يكون يوم أحد..  لأن قيامة الرب كانت فعلًا يوم أحد.
2- أن يأتي بعد الاعتدال الربيعي (21 مارس).
3- أن يكون بعد فصح اليهود..  لأن القيامة جاءت بعد الفصح اليهودي..
وحيث أن الفصح  اليهودي يكون في يوم 14 من الشهر العِبري الأول من السنة العبرية (القمرية)..  فلابد أن يأتي الاحتفال بعيد القيامة بعد اكتمال القمر في النصف الثاني من الشهر العبري القمري..
وأيضًا لأن الفصح اليهودي مرتبط بالحصاد، عملًا بقول الرب لموسى النبي في (سفر اللاويين 4:23-12) والحصاد عند اليهود دائمًا يقع بين شهري إبريل ومايو (وهي شهور شمسية)..  لذلك كان المطلوب تأليف دورة، هي مزيج من الدورة الشمسية والدورة القمرية، ليقع عيد القيامة بين شهري ابريل ومايو..  فلا يقع قبل الأسبوع الأول من أبريل، أو يتأخر عن الأسبوع الأول من شهر مايو.
وعلى هذا الحساب لا يأتي عيد القيامة قبل 4 إبريل ولا بعد 8 مايو..  ثم يأتي عيد شم النسيم تاليًا له..  
وقد استمر موعد الاحتفال بعيد القيامة موحدً عند جميع الطوائف المسيحية في العالم، طبقًا لهذا الحساب القبطي، حتى عام 1582 م حين أدخَل البابا غريغوريوس الثالث عشر بابا روما تعديلًا على هذا الترتيب، بِمُقْتَضَاه صار عيد القيامة عند الكنائس الغربية يقع بعد اكتمال البدر الذي يلي الاعتدال الربيعي مباشرةً، بغض النظر عن الفصح اليهودي (مع أن قيامة السيد المسيح جاءت عقب فصح اليهود حسب ما جاء في الأناجيل الأربعة).  فمن ثَمَّ أصبح عيد القيامة عند الغربيين يأتي أحيانًا في نفس يوم احتفالنا

برمودة/ ابريل

       

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق