سلسلة مقالات عن الأطفال في عالمنا: الحقوق والتحديات 4/ صالح الطائي

الحلقة الرابعة
بناء طفولة حقيقية، المسلمون المعاصرون أنموذجا

اعتقد أن توجيه سؤال مثل: كمسلمين كيف طبقنا موروثنا الحضاري والديني في حياتنا العامة والخاصة، وهل نجحنا في ذلك، وإذا كنا قد فشلنا ما أسباب فشلنا؟ يبدو في منتهى الأهمية لأننا لابد وان نجد اختلافا كبيرا بين القوانين الشرعية والمعاملة الحياتية السائدة في مجتمعاتنا اليوم قد يكون سببه الحقيقي ابتعاد المسلمين عن روح العقيدة وانشغالهم بخلق تيارات فئوية تسعى كل منها إلى تفسير النصوص الدينية على هواها مما خلق جناحان يبدوان كإسلامين مختلفين فضلا عن الإسلام الحقيقي. الأول: جناح متشدد متطرف للغاية، والآخر: جناح متساهل حد الليونة. وفي الجناحين تجد ضياعا لحقوق الطفل من ضمن الضياع العام للمجتمع شبه المفكك بشبابه وشيوخه ونسائه ورجاله.
وفي هذا المجتمع غير المتناغم يتنقل مفهموم حقوق الطفل بين الحرية المطلقة حد البذخ والترف والليونة والميوعة، أو الكبت الكامل حد العبودية والرق والسلب والتفريغ والمصادرة. وهذا التفاوت يعني أن كل ما يؤشر على انه سوء معاملة أو سلب لحقوق الطفل في العالم الإسلامي إنما سببه تقصير المسلمين أنفسهم المنتمين إلى الجناحين وليس تقصير الشريعة الإسلامية المحمدية.
وذلك لأننا كمسلمين تخلينا عن تعهداتنا الأخلاقية أمام الله وأمام رسالتنا وأمام أطفالنا وأمام أنفسنا وأمام المجتمع الدولي باعتبار أن عقوبة من يخالف القوانين السماوية لا تتم في الأرض لكي يخافها الناس فلا يخرقون القانون، ولهذه الأسباب دون سواها تجد أعلى نسبة من الأطفال الإرهابيين موجودة في المجتمعات الإسلامية المتطرفة وأكثر نسبة من عمالة الأطفال والمتاجرة بهم جنسيا موجودة في المجتمعات الإسلامية الفقيرة وأكثر نسبة من ضياع الأطفال وتخلفهم فكريا وعقليا موجودة في المجتمعات الإسلامية المترفة، هذا مع اعتزازنا بعقيدتنا وديننا، بما يبدو وكأن كل المخالفات محصورة في مجتمعنا الإسلامي الكبير ليصبح الشريك الأكبر للدول الأكثر فقرا وتعدادا للسكان في العالم مثل الهند التي نجحت مؤخرا في تجاوز بعض أزمتها لتتركنا في ذيل قائمة التخلف.
صحيح أن المجتمعات الملتزمة دينيا تسعى إلى تطبيق القوانين الشرعية بما فيها الحفاظ على حقوق الطفل، وأن هناك حركة جديدة بدأت في بعض المجتمعات الإسلامية غايتها تأمين الحقوق العامة بما فيها حق الطفل، إلا أنها لا زالت في بداية الطريق وهذا يعني أن إسلاما منقوصا هو الذي يتحكم بسلوكنا وأنماط تفكيرنا، وأن علينا التناغم مع العقيدة الإسلامية الصحيحة لسد هذا النقص، والسمو بمجتمعاتنا إلى مصاف الآدمية، فنحن لا يمكن أن نكون مسلمين حقيقيين إذا لم نعطي الطفل حقوقه كاملة غير منقوصة بدأ من توفير الحياة الكريمة للأسرة من حيث المعيشة والسكن ثم الاهتمام برياض الأطفال والمدارس والمعلمين والمدرسين والتغذية المدرسية والمناهج التعليمية والمواد العلمية كالمختبرات والحواسيب الشخصية والسكن الصحي والخدمة الصحية.
ولا بأس من الإفادة من الخبرات الدولية والقوانين التي تسنها الأمم المتحدة في هذا الشأن، فالرق لم يكن محرما في الإسلام. وحتى بدايات القرن العشرين كان نظام الرق تشريعا طبيعيا لا غبار عليه، لكن بعد هذا التاريخ أصبح الناس يرون أن العبودية والرق يتعارضان مع مبادئ الإسلام التي تدعوا إلى العدالة والمساواة ليس لأنهم أدركوا الحقيقة متأخرين، وإنما لأن العالم المتحضر أدرك بعد ما عاناه من ويلات الحرب العالمية الأولى أن قيمة الإنسان يجب أن تكون الهدف الأسمى فأهتم بهذه الجنبة، وحينما فرضت علينا تلك القوانين لم يألوا المشرعون ورجال الدين جهدا في العثور على منافذ في الشريعة تمنع الرق والعبودية، مع أن قولهم هذا لم يقنع الجميع.
إن الإسلام ينظر إلى الرق باعتباره أمرا استثنائيا يمكن استخدامه في ظل ظروف معينة ومحدودة لغايات أبانتها الشريعة، لكنه كنظام لم يكن مبنيًا على الجنس أو العرق أو اللون، ولهذه الأسباب كانت تجارة الرقيق رائجة في المجتمع المسلم وفي كثير من دول العالم، لكن مع نهاية الحرب العالمية الأولى وبسبب الضغوط التي مارسها كل من بريطانيا وفرنسا أصبح الرق محظورًا، فتخلص العالم من أكثر التشريعات قسوة على البشر. ونحن كما أفدنا من سعيهم ذاك ممكن أن نفيد من سعيهم لضمان حقوق الأطفال. أما الذين يعترضون على التعامل مع الغرب من المتشددين فن يلبثوا إلا قليلا حتى يجدوا أن منح الطفل حقه لا يتعارض مع مبادئ الإسلام التي تدعوا إلى الحرية والعدل والمساواة والكرامة.
وكما أن منع الرق لم يطبق كليا ـ في الأقل ـ في بعض المناطق الإسلامية الأفريقية مثل تشاد وموريتانيا والنيجر ومالي والسودان حيث علل أهل تلك البلدان من المسلمين امتناعهم عن تطبيق القانون الدولي بحجة عدم تحريم الإسلام للعبودية، كذلك سيخرج في بعض المناطق الإسلامية من يرى أن الأخذ بما تجيء به المنظمات الدولية خروجا على شريعة الإسلام، ولكنهم لابد وأن يرضخوا في النهاية إلى الضغوط الدولية لأنهم سيجدون حتما في العقيدة وتشريعاتها منافذ تسمح بالأخذ ببعض ما جاءت به القوانين الدولية.
لقد اهتمت الأمم المتحدة منذ بداية تأسيسها بحقوق الطفل، وأصدرت بعد الحرب الكونية الثانية (11/ 1949) الإعلان العالمي لحقوق الطفل، ثم في عام (1989) تم التوقيع على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ومن هنا يبرز الاهتمام الدولي بحقوق الأطفال. ونحن المسلمين نتفق على أن الإسلام أولى مسألة الحقوق أهمية كبيرة، فإذا كانت قوانيننا المتداولة وعاداتنا وتقاليدنا وسلوكياتنا الموروثة مقصرة في هذا الجانب ولا تحترم الحقوق العامة لأنها ليست نابعة من روح العقيدة، فلا بأس أن نفيد من تجربة الآخرين طوعا لكي لا نجبر على الأخذ بها قسرا. ولكن يجب على المنظمات الدولية أن تأخذ الخصوصية الإسلامية بعين الاعتبار وتحترم تطلعات المسلمين لكي تمتص غضبهم وترضي أذواقهم، وحينها ستأخذ النظم الإسلامية بجميل ما تجده في قوانين تلك المنظمات عن طيب خاطر بدل أن تتحول إلى معارضة لا يليق وجودها بالإسلام نفسه لأنها تظهر المسلمين وكأنهم رافضون للتطور، وهم ليسو كذلك بالتأكيد.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق