الغربة ـ فريد بو فرنسيس
نظمت رعايا ابرشية طرابلس المارونية، مسيرة صلاة وتأمل لمناسبة خميس القربان، انطلقت من باحة كنيسة سيدة سبعل في قضاء زغرتا، وانتهت في دير مار يعقوب في بلدة كرمسدة في القضاء، بمشاركة حشد من ابناء رعايا الابرشية. المسيرة بدات بقداس احتفالي تراسه راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، في كنيسة السيدة في بلدة سبعل في قضاء زغرتا، عاونه في القداس رئيس دير مار يعقوب كرمسده المونسنيور يوسف الطحش، والمونسنيور انطوان مخايل، بمشاركة لفيف كبير من كهنة الرعايا في الابرشية. حضر القداس رئيس بلدية سبعل الشيخ حبيب طربيه وعقيلته، عدد من الرهبان والراهبات، وحشد من رعايا الابرشية.
بعد الانجيل المقدس القى المطران جورج بو جوده عظة قال فيها:" بما أن هذه السنة هي سنة الكتاب المقدّس، أي سنة كلمة الله فلقد إخترنا عنواناً لهذا الإحتفال كلام القديس يوحنا الرسول في فاتحة إنجيله " لكلمة صار جسدا وحل بيننا. يسوع المسيح هو كلمة الله وهو الذي قال عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين بأنه بهاء مجد الله ونور أزليته وهو إبنه الذي جعله وارثا لكل شيء وبه أنشاء العالمين. وهو الذي أخذ جسدا من مريم العذراء وعاش بيننا ومعنا ثلاثا وثلاثين سنة وإفتدانا بموته على الصليب وقيامته من بين الأموات عربوناً عن قيامتنا وعودتنا إلى الملكوت. الله خلقنا على صورته ومثاله ونفخ فينا روحه، أي إنه أعطانا ذاته وجعلنا أسيادا على الكون، لكننا إستسلمنا لتجربة الشيطان المجرب الذي أغرانا بأننا سنصبح كآلهة إن نحن رفضنا الله فلا يعود له سلطة علينا إن نحن أكلنا من ثمرة معرفة الخير والشر. لكن الواقع كان عكس ذلك تماما إذ أننا ما لبثنا أن إكتشفنا عرينا ومحدوديتنا وسمعنا الرب يذكرنا أننا من التراب أُخذنا وإلى التراب نعود. وهكذا حكمنا على نفسنا بالموت لكن الرب حكم لنا بالحياة فأرسل لنا إبنه الحبيب ليخلصنا ويعيدنا إلى الملكوت".
اضاف بو جوده:" الكتاب المقدس، بعهديه القديم والجديد، هو كلمة الله. إنه تاريخ التدبير الخلاصي يمهد الطريق لتجسد المسيح يسوع في العهد القديم وينقل إلينا تعليمه في العهد الجديد. ونحن مدعوون لقراءته كي نميز إرادة الله ونعمل بمقتضاها على مثال العذراء مريم التي إستحقت الطوبى من إبنها ليس فقط لأنها أعطته حياة الجسد، بل لأنها سمعت كلام الله وعملت به. ولذلك دعتنا الكنيسة في لبنان للإحتفال به هذه السنة، بعد أن عُقد مجمع للأساقفة في روما بهذا الموضوع، وبعد أن أصدر قداسة الحبر الأعظم البابا بندكتوس السادس عشر إرشاداً رسولياً بعنوان " كلمة الله ".
وتابع بو جوده :"يسوع المسيح، كلمة الله، جاء ليعيد إلينا الحياة. فالله الآب نفخ فينا روحه عندما خلقنا فأعطانا ذاته، ونحن حكمنا على نفسنا بالموت، فجاء المسيح وأعطانا ذاته من جديد من خلال القربان المقدّس، كما قال لنا في الفصل السادس من الإنجيل بحسب القديس يوحنا: أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء. من يأكل من هذا الخبز يحيى للأبد. والخبز الذي سأُعطيه أنا هو جسدي، أبذله ليحيا العالم. فإذا لم تأكلوا جسد إبن الإنسان وتشربوا دمه فلن تكون فيكم الحياة. من أكل جسدي وشرب دمي، فله الحياة الأبديّة وأنا أُقيمه في اليوم الأخير. لأنّ جسدي طعام حق ودمي شراب حق. من أكل جسدي وشرب دمي ثبت فيّ وثبّتُ أنا فيه".
وقال بو جوده :" بشريا قد يبدوا هذا الكلام صعبا كما بدا للبعض من تلاميذ يسوع الذين تركوه عند سماعهم هذا الكلام إذ تساءلوا كيف بإمكانهم أن يأكلوا اللحم البشري، لأنّهم لم يفهموا أن المسيح بهذا الكلام يعيد إليهم الحياة. إذ يتحد بهم ويتحدوا هم به فيصبح بإمكانهم أن يقولوا مع بولس الرسول: منذ الآن لست أنا الذي أحيا بل هو المسيح الذي يحيا في. لكن موقفنا نحن هو، ويجب أن يكون كلام بطرس والرسل عندما سألهم يسوع إن كانوا لن يتركوه هم أيضاً فأجابوا: إلى من نذهب يا رب وكلام الحياة الأبديّة عندك، فنحن آمنّا وعرفنا أنّك قدوس الله. هذه الحقيقة فهمها بولس الرسول الذي لم يكن من تلاميذ المسيح، بل على العكس كان عدوا لدودا له وقد تزعم المجموعة التي قتلت أوّل شهيد مسيحي، القديس إستفانس الشماس.
وختم بو جوده يقول :"إن إحتفالنا بعيد القربان المقدس اليوم ليس مجرد تطواف وزياح وإحتفال خارجي، إنه دعوة لكل واحد وواحدة منا لنعرف ونقدر أهمية هذا السر، فلا نتناوله إلا ونحن مستعدون لذلك، إلا ونفوسنا وقلوبنا نقية وطاهرة. فلا يكفينا أن نقف في الصف للمناولة والحقد والضغينة يملآن قلبنا، والأفكار الشريرة والشهوات الدنسة تسيطر علينا، بل علينا أن نقول ما كنا نقوله سابقا وما قاله قائد المائة ليسوع: يا رب لست مستحقا ولا مستأهلا أن تدخل تحت سقفي، بل قل كلمة واحدة فتحيا بها نفسي. كما أننا مدعوّون لإعطاء أحتفال المناولة الأولى أهميته الروحية فلا نحوله إلى مهرجان إجتماعي بعيد كل البعد عن مفهومه الحقيقي، وقد رأينا في بعض الأحيان يدعون الموسيقى الصاخبة والزفة لمناولة أولادهم، فيلهونهم عن التفكير الصحيح بمعنى هذا الإحتفال. نتمنى أن يكون هذا اليوم وهذا الإحتفال بداية العودة إلى أصالتنا الروحية فنعيش إحتفالاتنا الدينية بمجملها والقداس الإلهي والإفخارستيا بنوع خاص كما هي على حقيقتها فنقول ليسوع مع قائد المائة:" لست مستحقّاً أن تدخل تحت سقف بيتي". ومع بطرس والرسل:" إلى من نذهب يا رب وعندك وحدك كلام الحياة".
بعد القداس انطلق المؤمنون في مسيرة صلاة حاشدة، من باحة كنيسة السيدة في سبعل قضاء زغرتا، باتجاه دير مار يعقوب في كرمسدة زغرتا، تتقدمها الاخويات والطلائع والفرسان والحركات الكشفية والطلابية، وسار الجميع وسط تراتيل دينية مخصصة لهذه المناسبة، وقد توقفت المسيرة في سبع محطات رئيسية موزعة على الطريق المؤدي الى كرمسده. وسلك الموكب طريقه نزولا الى الدير على طريق عام زغرتا ـ اهدن، وسط اجراءات امنية اتخذتها عناصر قوى الامن الداخلي من سرية زغرتا، حيث قطعت الطريق لاكثر من ساعتين لدى سلوك المسيرة الطريق العام. المحطة الاخيرة للمسيرة كانت في باحة اكليريكية مار يعقوب في كرمسدة، حيث تجمع المشاركون يحملون الشموع المضاءة التي اعدت خصيصا لهذه الغاية، وبعدما اعطى المطران جورج بو جوده الجموع المشاركة البركة الاخيرة، شكر رئيس اتحاد بلديات قضاء زغرتا، وبلديتي سبعل وكرمسده على مشاركتهما الفعالة ودعمهما من اجل انجاح هذه المسيرة المباركة، كما شكر كل من تعب وعمل على التحضير والتجهيز لها، متمنيا لهذا اللقاء ان يتكرر في كل عام.
0 comments:
إرسال تعليق