المصدر: "النهار"
رين بوموسى
في السابع والعشرين من شهر نيسان عام 2014، سيؤرخ العالم ذكرى اعلان قداسة بابوين تركا أثراً كبيراً في الكنيسة الكاثوليكية والعالم المسيحي: البابا يوحنا بولس الثاني ويوحنا الثالث والعشرون. سيتوافد في هذا اليوم الآلاف من محبي البابوين اللذين ورغم الاختلاف الكبير في حقبات حبريتهما وخلفيتهما،تشاركا سمات طيبة كثيرة وساهما في نهضة الكنيسة الكاثوليكية.
في هذا اليوم المجيد للعالم المسيحي أجمع، سيشارك المسيحيون بالقداس الاحتفالي الذي يقام بحضور آلاف المؤمنين في حضرة الفاتيكان، حيث بدأت منذ اعلان البابا فرنسيس الأول قداسة يوحنا بولس الثاني ويوحنا الثالث والعشرين، الاستعدادات لهذا الحدث التاريخي المقدس.
اللبنانيون، مسيحيون ومسلمون، يظهرون حماساً كبيراً تجاه هذا الاعلان، خصوصاً رفع البابا يوحنا بولس الثاني الى مصاف القديسين، بعد تطويبه عام 2011. حب اللبنانيين لهذا القديس الذي بارك لبنان خلال زيارته في الـ 10 و11 من أيار عام 1997، والذي خص لبنان بسينودس ووقع الارشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان"، سينعكس من خلال الصلوات التي ستقام في الكنائس والشموع التي ستضاء في المنازل والوفود الكبيرة التي توجهت الى روما للمشاركة في مقدمها رئيس الجمهورية ميشال سليمان والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي.
واكب يوحنا بولس الثاني، البابا الرابع والستون بعد المائتين منذ 1978، الحرب اللبنانية. وفي كل فرصة أتاحت له التحدث عن "هالكم أرزة العاجقين الكون"، أكد ان لبنان بلد "التعايش"، وكانت مقولته الأشهر خلال زيارته عام 1997: "لبنانهوأكثرمنوطن... إنهوطنرسالة للشرق والغرب".
شعبية البابا البولوني كبيرة عالمياً ولبنانياً لكنها ليست بكثافة شعبية "البابا يوحنا الطيب"، فرغم أن الأخير حمل للبنان حباً كبيراً واعتبره "بلداً مهماً"، قلة تعرف انه زار هذا البلد قبل سيامته حبراً أعظماً عام 1958، وذلك في العام 1954 للمشاركة في اختتام المؤتمر المريمي. واللافت أن زيارة هذا البابا الى لبنان انتهت بتكريم تمثال العذراء الخشبي الموجود حالياً في كنيسة سيدة لبنان في حريصا.
يعد البابوان من أكثر الشخصيات المؤثرة في الكنيسة الكاثوليكية المعاصرة. ويرىالمراقبون أن اعلان قداستهما في الوقت عينه،هو بمثابةمسعى لردم الهوة بين اليسار واليمين في الكنيسة. فلكل منهما مسيرة حياة مختلفة الا انهما في النهاية "بابوان قديسان".
"البابا الطيب"
سيم البابا يوحنا الثالث والعشرون عام 1958، واستمرت حبريته حتى العام 1963. ينتمي انجيلو غيسيبي رونكالي المولود في 25 تشرين الثاني 1881، الى عائلة متواضعة تمتهن الزراعة في بلدة سوتو ايل مونتي شمال ايطاليا.وفي السابعة والسبعين من عمره، انتخب يوحنا الثالث والعشرون الذي كان بطريركا للبندقية، على رأس الكنيسة الكاثوليكية في 1958 اثر وفاة البابا بيوس الثاني عشر. وكان آنذاك معروفا بميوله المحافظة.
واحدث يوحنا الثالث والعشرون الذي اعتبر بابا انتقاليا، مفاجأة كبيرة باعلانه في 25 كانون الثاني 1958 عن المجمع الفاتيكاني الثاني الذي افتتحه في 11 تشرين الاول 1962 في حضور اساقفة العالم اجمع.
وقال آنذاك: "اريد ان افتح نافذة الكنيسة حتى نرى ما يحصل في الخارج ويرى العالم ما يحصل عندنا".
يوحنا بولس الثاني "بابا السلام"
استمرت حبرية البابا يوحنا بولس الثاني 27 سنة، زار خلالها معظم بلدان العالم. ولد كارول جوزيف فوتيلا عام 1920 في بولندا، سيم كاهناً عام 1946 وأصبح أسقفاً عام 1958 وكاردينالاً عام 1967 وحبراً أعظم للكنيسة الكاثوليكية خلفا للبابا يوحنا بولس الأول. وعند تصاعد الدخان الأبيض عام 1978 كان يوحنا بولس الثاني البابا غير الإيطالي الأول منذ عهد البابا إدريان السادس كما كان البابا البولندي الأول في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. عانى كارول الكثير من المآسي من وفاة أخته ووالدته وأخيراً أخيه خلال طفولته. أكمل دراسته الجامعية وتعلم ما يصل إلى 12 لغة أجنبية.
وفي 13 أيار 1981، تعرض "بابا السلام" لمحاولة اغتيال نفذها التركي محمد علي أغا في ساحة القديس بطرس في الذكرى السنوية لظهور العذراء في بلدة فاطمة في البرتغال. وقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة؛ وبعد يومين من عيد الميلاد عام 1983 زار البابا يوحنا بولس الثاني أغا في السجن، وتكلم معه لمدة 20 دقيقة، وقال يوحنا بولس الثاني: "ما تحدثنا عنه يجب أن يبقى سرًا بيني وبينه، تحدثت معه باعتباره شقيق، وقد عفوت له ولي كامل الثقة في ذلك". اعتبر محافظًا، ولعب دوراً بارزاً في إسقاط النظام الشيوعي في بلده بولندا وفي عدد من دول أوروبا الشرقية.
"عرس قداسي" في روما
يعتبر الأب بولس قزي أن حدث اعلان البابوين قديسين "حدث فوق العادة"، ويؤكد أن هذين البابوين "بابواتنا" و"قديسينا". ويشير الأب الى مدى حب هذين البابوين للبنان، وقد ترجم ذلك من خلال زيارة البابا يوحنا الثالث والعشرين الى لبنان قبل سيامته حبراً أعظم وتكريس تمثال العذراء الخشبي من خشب الأرز الموجود في كنيسة سيدة حريصا، ومن خلال زيارة البابا يوحنا بولس الثاني الى لبنان وتكريس سينودس خاص به، موضحاً أن السينودس عادة ينشأ من أجل قارة ولا يخصص من اجل دولة واحدة. ويلفت الى ان أكثر من 10 الاف لبناني سيتوجهون للمشاركة في هذا الحدث التاريخي في روما حيث سيقام "مهرجان فرح" و"عرس قداسي".
طريق القداسة
ويؤكد الأب قزي أن البابوين كانا رجلا صلاة وايمان ومحبة وكانت القداسة تظهر جلياً من خلال مسيرة حياتهما، لافتاً الى أن البابوين عاشا "بطولة الفضائل" و"شهرة القداسة". ففي المرحلة الأولى لطريق القداسة يرفع "ملف رجل الله" وينالان لقب "مكرّم". أما المرحلة الثانية "الشفاعة"، وهي تترجم بالشفاءات.
خلال جنازة البابا يوحنا بولس الثاني عام 2005، طالب المشيعونباعلانه قديساً، مما دفع الفاتيكان الى التعجيل في اجراءات اعلان القداسة التي تبدأ عادة بعد الوفاة بخمس سنوات.وتم تأكيد الاعجوبة الاولى ليوحنا بولس الثاني بعد وفاته بستة أشهر، عندما قالت راهبة فرنسية انها شفيت من مرض "باركينسون" الذي عانى البابا منه أيضاً، بالصلاة.واعجوبته الثانية كانت لسيدة من كوستاريكا قالت انها شفيت من مرض خطير في الدماغ بالصلاة لشفاعة يوحنا بولس الثاني في اليوم نفسه الذي طوب فيه عام 2011.
ويحتاج اعلان القداسة عادة الى أعجوبتين رغم ان البابا فرنسيس وافق على تطويب يوحنا الثالث والعشرين عام 2010 بعد أعجوبة شفاء من نزيف لراهبة، ويشير الأب قزي الى أن مؤسس المجمع الفاتيكاني الثاني أعلن قديساً على أساس "ملف القداسة".
البابا يوحنا بولس الثاني والبابا يوحنا الثالث والعشرون سيعلنان غداً قديسين، ليصبحا نجمين في سماء الكنيسة وشفيعين على لائحة القديسين... مبروك للعالم واللبنانيين!
0 comments:
إرسال تعليق