عيد قطع رأس القديس يوحنا في بلدة عيمار الضنية
زغرتا ـ الغربة
احتفلت رعية عيمار في قضاء الضنية، بعيد قطع رأس القديس يوحنا، وذلك خلال قداس احتفالي ترأسه راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، في كنيسة مار يوحنا المعمدان في البلدة، عاونه المونسنيور نبيه معوض، خادم الرعية الخوري ريمون الباشا، والاب بدوي حنا، بمشاركة لفيف من الكهنة، وحضور حشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها:" لن يكون في مواليد النساء أعظم من يوحنا، كما سيقول عنه المسيح، لكن الأصغر في ملكوت السماوات سيكون أعظم منه، لأنّه سيكون صلة الوصل بين العهدين القديم والجديد. إنّه النبي بالمعنى الحقيقي للكلمة، حامل كلمة الله وشاهد لها حتى الموت، فهو لم يكتف كغيره من الأنبياء أن يتكلّم عن المسيح المزمع أن يأتي، بل هو الذي سوف يعلن مجيئه ويدل عليه ويقول: "هذا هو حمل الله، هذا هو الحامل خطيئة العالم". النبي، بالمفهوم الكتابي للكلمة، هو ذلك الذي وضع الله كلامه على لسانه، لكي يذهب إلى من يرسلهم إليه الله، فيهدم ويقلع، كي يغرس ويبني. وهو الذي مطلوب منه أن يكون شاهداً للحقيقة ولو أضطر أن يكون شهيداً في سبيلها. وعلى النبي أن يتميز بالجرأة والشجاعة وألا يخاف من الكبار والعظماء إذا ما أخطأوا، بل عليه أن يلفت إنتباههم إلى أخطائهم، ويؤنّبهم ويوبّخهم عليها، علّهم يعودون عنها".
اضاف المطران بو جوده:" هكذا كان النبي ناتان عندما أخطأ الملك داود وأرسل أحد قواد جيشه إلى الصفوف الأولى في جبهة القتال كي يُقتل ويتزوج هو إمرأته. فأعطاه مثلاً عن رجل غنيّ أراد أن يكرّم ضيفه فأخذ نعجته الوحيدة وذبحها من أجل ذلك، بينما كان هو يمتلك قطعاناً من النعاج. وعندما إحتجّ الملك على مثل هذا التصرف، لم يخف ناتان بأن يقول له: إنّ هذا الرجل هو أنت. فإنّك خالفت شريعة الربّ. وهكذا كان النبي إيليا عندما إنتقد باستمرار تصرفات الملك آحاز وزوجته إيزابيل لأنّهما قادا الشعب نحو عبادة الأوثان والإبتعاد عن عبادة الإله الحقيقي، وخاصة عندما إتّهمت زوجته نابوت زوراً بأنّه كفر بالله وحكمت عليه بالموت كي يستولي زوجها على كرم نابوت. فقال إيليا أنّ الكلاب التي لحست دماء نابوت سوف تلحس دماءك، أنت وزوجتك. وهكذا كان يوحنا المعمدان مع هيرودس الملك الذي تزوج إمرأة أخيه، فوبّخه على ذلك، وإستحق أن يوضع في السجن، ثمّ أن يقطع رأسه تنفيذاً للقسم الذي قطعه لإبنة هيروديا التي أغرته برقصها وطلبت منه رأس يوحنا المعمدان على طبق".
وتابع المطران بو جوده:" النبي هو الذي يختاره الربّ، حتى قبل أن يتكونّ في الحشا، كما قال عندما إختار النبي إرميا. ويوحنا المعمدان هو النبيّ الذي جاءت ولادته تتميماً لوعد الله لأبيه زكريا. وهو الذي سوف يقبل بأن تسفك دماؤه كي يبقى أميناً للشهادة التي إئتمنى عليها، دون أن يقبل أن يخالفها كي يخلّص نفسه. إنّ تاريخ البشرية والكنيسة مليء بأخبار أشخاص فضّلوا الموت على الكفران بالمسيح. فمنذ فجر المسيحيّة كانت القرون الأولى، على ما قال عنها أحد المؤرخين، كنيسة الرسل والشهداء، الذين تعرّضوا لشتى أنواع المضايقات والإضطهادات لأنّهم آمنوا بالمسيح، ورفضوا أن يتخلّوا عنه. قطعت أوصالهم وسملت عيونهم وأحرقوا بالنار وطرحوا أمام الحيوانات المفترسة، ولم يقبلوا أن يتخلوا عن إيمانهم. وأيامنا المعاصرة مليئة بأخبار الشهداء، إذ إنّنا كل يوم نسمع أخبار مسيحيين يقتلون لأنّهم آمنوا بالمسيح، كما هو حاصل بالقرب منّا في العراق، في سهل نينوى وقراقوش والموصل وفي الهند والباكستان وعدد من بلدان آسيا منذ سنوات، وما يحصل حتى في بلدان مسيحيّة كبلدان أميركا الجنوبيّة لأناس يدافعون عن الفقراء والمساكين على يد أبناء شعبهم ودينهم لأنّهم يزعجونهم ويعرقلون سيطرتهم على مقدرات البلدان دون وجه شرعيّ.
وختم المطران بو جوده:" خطيئة العالم اليوم، وخطيئتنا الكبرى غالباً هي في إهمالنا لمسؤولياتنا وعدم جرأتنا على قول الحقيقة خوفاً من إتهامنا بالرجعية والعقلية المتأخرة، فنقبل بكل ما يحصل حولنا من أمور تتنافى مع الآداب والأخلاق. فلنسمع اليوم كلام يوحنا المعمدان الموجّه إلى الذين جاؤوا ليعتمدوا على يده وليكن عندنا الشجاعة كي نكون مثله صوتاً صارخاً في البرية: أعدّوا طريق الربّ، وإجعلوا سبله قويمة. كل وادٍ فليمتلئ وكل جبلٍ أو تلٍ فلينخفض، والسبل الملتوية فلتصر قويمة ومتوعر الطرق فليصر سهلاً، فيعاين كل إنسان خلاص الله".
1 comments:
إرسال تعليق