فصل انجيل الأحد الأول من شهر طوبى ‘ من الفصول التى تشرح قلوبنا وتذكرنا دائما ‘ نحن الشعب القبطى ‘ بأن إلهنا قدم لمصر وعاش بين شعبها مدة حوالى أربع سنوات ‘ ولم يستقر فى مكان واحد لحين عودته للناصرة ‘ ولكنه طاف مصر من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها ‘ فشملت بركته كل أرض بلادى مصر ‘ ولذلك عندما كان يحدث إضطهاد وضيق وآلام لشعبنا يحلو لنا أن نقرأ هذا الفصل من الإنجيل ومعه نبوات إشعياة وهوشع النبيين ‘ فتعطينا إطمئنانا وسلام ‘ بأن الرب لن يتركنا أبدا طالما جاء لبلدنا مصر ‘ وباركنا بركة خاصة عندما قالت النبوة على فم إشعياء النبى قبل 750 سنة على الميلاد "بها يبارك رب الجنود قائلا مبارك شعبى مصر" إش19: 25 ‘وكلمة شعبي خصتنا نحن ‘ وأصبحنا فعلا خاصته فى أرضنا مصر. وفصل إنجيل اليوم جاء هكذا من بشارة مار متى البشير إصحاح 2: 13-23‘ على النحو التالى بعد إنصراف المجوس عائدين لبلادهم فارس وبابل" اذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف فى حلم قائلا قم وخذ الصبي وأمه واهرب الى مصر وكن هناك حتى أقول لك .ن هيرودس مزمع ان يطلب الصبي ليهلكه. فقام واخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف الى مصر."مت2: 13و14‘ والمتأمل فى قول الوحى الإلهى هنا: 1- يجده يذكر السيدة العذراء مريم ب "أمه" مرتين ولم يقل إمرأة يوسف ليعرفنا انه والتجسد قد تم من أحشائها ‘ فهى بتول وظلت لوفاتها بتول. 2- يوضح تماما طاعة يوسف الشيخ لقول ملاك الرب ‘ فعندما خاف واندهش من حبل مريم العذراء البنت الصغيرة ‘ ظهر له الملاك وطمأنه وقال له" يايوسف ابن داود لا تخف ان تأخذ مريم إمرأتك . لأن الذى حبل به فيها هو من الروح القدس."
مت1: 20‘ وكذلك هنا عندما قال له ملاك الرب خذ الصبى وأهرب الى مصر ‘ لم يعترض ولا ناقش ‘طول السفر وهو شيخ عجوز ‘ ولا المجهود الذى يثقل عليه فى بلد لا يعرفها ‘ قد عمر الإيمان قلبه فسلم حياته لله ‘ وكان مثالا لإبراهيم عندما أمره الرب بان يترك أرضه وعشيرته وأملاكه ويخرج الى أرض سيعرفه بها الله فى حينه‘ واما مريم فكانت تتأمل كل شيئ متفكرة به فى قلبها وهى صامته أمام إرادة ومشيئة الله ‘ فهى تعرف أنها ستتألم ‘ وتذكر نبوة سمعان الشيخ الذى أنبأها" وانت أيضا يجوز فى نفسك سيف. "لو2: 35‘
لماذا إختار الرب مصر ليهرب إليها؟
لأسباب كثيرة نذكر منها:
1- كانت مصر فى فكر الرب دائما منذ أن وجه يوسف العفيف لمصر ويصبح رئيسا لها ‘ وتصبح مصر على يديه مخزن القمح الذى سيغذى العالم من الهلاك ‘ ولعل قدوم الرب هنا وهو "الخبز الحي النازل من السماء " تشير لهذا المعنى ‘فغذى يوسف أجساد البشر ‘ وهاهو الرب سيغذى أرواح البشر من جسده الطاهر(الذى يعطى خلاصا وغفرانا للخطايا وحياة أبدية لمن يأكل منه) : كما نصلى فى القداس الإلهى.
2- كان قدوم يعقوب أبى الآباء لمصر ومعه 75 نفسا ‘ وبقاؤهم فى مصر 430 عاما وخرجوا بأكثر من 2 مليون ‘ كان ذلك فى تدبيرات الله لخلاص البشرية.
3- كانت مصر فى ذلك الوقت من أعظم البلاد الأممية بعدخفوت ضياء بابل‘ وكانت محط أنظار العالم بحضارتها وعلمها وعلمائها ‘ وكثيرا ماإعتمد ملوك إسرائيل على مصر فى حروبهم مع الآراميين والبابليين‘ وكانت مصر هى السند لشعب بنى إسرائيل فى حروبها مع الدول الأخرى. وأيضا كانت بداية دخول الأمم للإيمان المسيحى.
4- لا ننسى زواج سليمان الحكيم الملك العظيم لإسرائيل من بنت فرعون ‘ فكانت مصاهرته لمصر سبب سلام بلاده طوال عهده لم يتعرض فيها لقتال دول أخرى ‘ بل أنه كان قبلة كل ملوك ورؤساء العالم.
5- كانت مصر كما سبق وقلنا رائدة العالم الأممى ‘ فكانت بفرعونها تشير فى العهد القديم الى العبودية‘ وكذلك كانت خصوبة أرضها سببا رفاهيتها وحياة الترف والبذخ التى كان تعيش فيه ‘ فكان ممكن للرب أن يختار بلدا أخرى ليلتجئ اليها ‘ لكنه أراد أن يقدس أرض مصر ‘ليقيم فى وسط الأرض الأممية مذبحا له فى وسطها‘ والمذبح الوحيد المذكور فى الكتاب المقدس(الموجود اليوم فى ديراعذراء بالمحرق بأسيوط)
6- كان قدوم الرب لمصر إهتماما خاصا بها‘ فأصبحت مصر مركز إشعاع إيمانى حى ‘ ظهرت فيها مدرسة الأسكندرية التى نشرت للعالم الإيمان المسيحى ‘ وظلت مصر المسيحية تقود العالم المسيحى حتى مجمع خلقيدونية عام 451 م الذى قسم الكنائس المسيحية ‘ وقدمت مصر للعالم الرهبنة القبطيةالتى ألهبت العمل الكرازى للبشر جميعا.
7- يحدثنا القديس يوحنا ذهبى الفم عن هذه الزيارة المباركة لمصر لتقديسها" إذ كانت مصر وبابل أكثر بلاد العالم التهابا بنار الشر‘ أعلن الرب أنه يرغب فى إصلاح البلدين لحسابه‘ ليأتى بهما اليه والى ماهو أفضل حتى تتمثل بهما كل الأرض‘ فتطلب عطاياه‘ لهذا أرسل لواحدة المجوس والأخرى ذهب هو اليها بنفسه مع أمه مريم .
8- صارت مصر بهذه الزيارة الإلهية مركزا للإشعاع الروحى والكرازى‘ من أكثر بلاد العالم التى قدمت داء شهدائها من أجل حب كلمة الله ‘ حتى أنه فى أيام قليلة قدمت الأسكندرية 30 ألف شهيد بخلاف باقى الشهداء من نيرون الرومانى وعلى مدى كل العصور حتى يومنا هذا ‘وكل يوم يضم السنكسار كتاب الشهداء اليه دماء شهداء المسيحية التى تروى تراب بلادنا مصر‘ ولا ننسى ان إختبارات الإيمان المسيحى بالحقيقة قدمها الأقباط أمام عيون وبصر العالم كله عندما نقلوا جبل المقطم بصلوات القديسين وشعب مصر المسيحى ‘ أيضا لا ننسى كيف أصبحت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية منارة إلهام ونور فى العالم كله ‘ قدمت آباء عظماء وقديسين يملؤن السموات وقبلها كرزوا باسم المسيح على وجه الأرض كلها‘ وهم الآن مراجع على لسان كل المبشرين بالسيد المسيح. واليوم تغطى كنائسهم كل أنحاء المسكونة بالتقريب.
نبوات الكتاب المقدس عن مصر ومجيئ الرب لها:
1- ذكر أسم مصر فى الكتاب المقدس بعهديه أكثر من 611 مرة فى 558 آية.
2- أمر الرب شعب بنى إسرائيل بحب شعب مصر لكرمها وإحتضانها لهذا الشعب مئات السنين وخروجهم منها وهم يحملون كل حكمة المصريين ‘ ولهذا أود أذكر آية مهمة ذكرت فى التوراة من الرب على لسان موسى"" لا تكره مصريا لأنك كنت نزيلا فى أرضه.""تثنية 23: 7.
3- قبل 750 سنة قبل ميلاد السيد المسيح يقول الوحى الإلهى على فم إشعياء النبى"هوذا الرب راكب على سحابة خفيفة سريعة‘ وقادم الى مصر ‘ فترتجف أوثان مصر من وجهه‘ ويذوب قلب مصر داخلها....فى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر ...فيعرف الرب فى مصر‘ ويعرف المصريون الرب فى ذلك اليوم ‘ ويقدمون ذبيحة وتقدمة ‘ وينذرون للرب نذرا ويوفون به ..مبارك شعبى مصر"إش19‘ وعلى ذكر دخول رئيس مصر عبد الفتاح السيسى لأول مرة فى تاريخ مصر الكتدرائية ليهنئ الأقباط بعيد ميلاد المسيح ‘ وفرح الشعب به‘ قال أحد الآباء عما حدث بأنه نبوة وردت فى إشعياء نفس الإصحاح 19‘ " لأنهم يصرخون الى الرب بسبب المضايقين فيرسل لهم مخلصا ومحاميا وينقذهم."إش 19: 20.
4- أيضا قبل ميلاد السيد المسيح بحوالى 400 سنة قال الوحى الإلهى نبوة عجبية " لما كان اسرائيل غلاما احببته ومن مصر دعوت ابنى." هو11: 1.
5- نبوة المرتل الملك داود فى المزمور 80" كرمة من مصر نقلت .طردت أمما وغرستها.هيأت قدامها فأصلت اصولا فملأت الارض. ياله الجنود ارجعن اطلع من السماء وانظر وتعهد هذه الكرمة. والغرس الذى غرسته يمينك والابن الذى إخترته لنفسك."
مقدمة الموكب للرب فى مصر:
1- مصرنا هى أرض الآباء والأنبياء والرسل ‘ جاءها إبراهيم ويوسف ويعقوب والأسباط الأثنى عشر‘ وموسى وهارون‘ ويشوع ودانيال‘ أليشع وإرميا وحزقيال ‘ وجاءها القديس بطرس مع القديس مرقس (الذى كتب إنجيله فى بابليون قبل ان يدخل الأسكندرية)والقديس لوقا‘ كما نزل جنوب مصر القديس سمعان القانوى وبرتلماوس (نثنائيل).
2- مصر بأبنائها كانت رمزا للحكمة والعلم والمدنية‘ ومنهم من قدم للبشرية خدمات جليلة‘ مثل فرعون بانى الحضارة التى يتباهى بها المصريين حتى يومنا هذا‘ أكثر من ملكة‘ اسماعيل ابن هاجر المصرية التى تزوجت إبراهيم‘ وزوجة إسماعيل ‘ وأسنات زوجة يوسف والتى أنجبت له منسى وإفرايم ‘ وصفورة زوجة موسى‘ وإبنة فرعون زوجة سليمان الحكيم.
رحلة الرب داخل أرض مصر:
1- دخول مصر- من بيت لحم لمصر القديمة - : مرت رحلة العائلة المقدسة بأغلب بلاد مصر ‘ ولم تكن تستقر طويلا فى أية موقع ‘ ماعدا المكان فى دير المحرق المبنى علية كنيسة للعذراء وبه حجر نام عليه يسوع المسيح ‘ وكانت الفترة حوالة ستة أشهر ‘ وكانت تحركاتهم السريعة بسبب ان كل بلد تطأها أقدام الرب الطاهرة كانت تتساقط فيها الأوثان فكان أهلها يطردونهم ‘ أو هم يرحلون منها بنفسهم ‘ وسأحاول مختصرا أن أذكر هنا البلاد التى دخلها الرب قادما من بيت لحم:من بيت لحم لأشقلون(عسقلان)على ساحل البحر المتوسط‘ ثم الى حبرون (الخليل)‘ ثم غزة‘ الى نيس(خان يونس)فالعريش ‘ وبيلوزيوم (الفرما)‘ عبروا المضيق بين القنطرة وبحيرة المنزلة‘ الى أرض جاسان (الشرقية) ‘ثم بسطة(تل بسطا القريب من مدينة الزقازيق-صان الحجر) ‘ الى المحمة(مسطرد)ثم بلبيس‘ وفى الدقهلية مروا بدقادوس بميت غمر‘ثم عبرت الى سمنود‘ثم سخابكفر الشيخ‘ثم لقرية شجرة التين ثم الى قرية المطلع.عبرت العائلة المقدسة فرع رشيد غرباالى وادى النطرون‘ ثم الى أون(عين شمس)‘المطريةو حي الزيتون و حارة زويلة (بالغورية) والدرب الواسع بكلوت بك‘ ثم منطقة أبو الريش‘ ومنها الى مصر القديمة(الفسطاط) وبابليون وسكنت فى مغارة بها كنيسة القديس سرجيوس(ابو سرجة).
2- من مصر القديمة لمصر العليا:من حى مصر القديمة اتجهت للمعادى ‘ وعبرت الى منف(ممفيس) وهى المنطقة التى تضم البدرشين والحوامدية وأم ختان وطموه وميت رهينة‘ ثم الى أهناسيا فى بنى سويف‘ثم البهنسا مركز بنى مزار بالمنيا‘ قرية دير الجرنوس غرب مغاغة ثم عبروا الى جبل الطير‘ شرق سمالوط‘ ثم الى جبل قسقام (حيث دير العذراء الشهير بالدير المحرق)‘ وفى طريق عودتها جبل درنكة وبه دير للعذراء.
3- العودة للناصرة: عندما جاء الملاك فى حلم ليوسف" قم وخذ الصبي وأمه واذهب الى أرض اسرائيل لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبى‘فقام وأخذ الصبي وأمه وجاء الى أرض إسرائيل." مت2: 19-21.
خرج الرب يسوع من أرض مصر وعمره 5 سنوات ‘ وأيضا بارك أرضها وهو يتخذ الطريق الذى دخلوا اليه ‘ ومروا بكل البلاد حتى وصلوا الى أرض فلسطين وذهبوا ليستقروا فى الناصرة حتى دعى ناصريا. ترك لنا بركاته فى أرضنا مصر والتى هى سندنا كل يوم فى حياتنا على أرض وطننا الحبيب الذى لا أشك ان أرض مصر الأن تعتبر الأرض المقدسة ‘ التى على أرضها مشى عليها السيد المسيح. الذى له المجد الدائم أمين.
0 comments:
إرسال تعليق